درس ومقال في المنطق
السلام : درس المنطق
طرح الإشكالية : كيف يمكن للفكر أن ينطبق مع نفسه، وكيف يمكن أن ينطبق مع الواقع ؟
أمثلة: 1- يدعي أحدهم ، أنّ القضية المنطقية (2/1 عدد صحيح) ، قضية صادقة وكاذبة في نفس الوقت وبنفس المعنى !! نقول له : لقد وقعت في تناقض صوري . والصواب إما أن تكون القضية المنطقية صادقة أو كاذبة، وهذه القضية كاذبة ، فتتكوّن لديه حقيقة صورية .
2- يدعي أخر ، أن الماء جسم بسيط !! نقول له: لقد وقعت في التناقض المادي . نحيل الشخص إلى التجربة ، والصواب هو أن الماء جسم مركب (h2o) ، فتتكوّن لديه حقيقة مادية .
إذن،
1- ما معنى التناقض الصوري ؟ هو عدم انطباق الفكر مع نفسه (عدم التوافق والانسجام بين المقدمات والتنائج)
2- ما معنى الحقيقة الصورية ؟ هو الانطباق التام بين الفكر ونفسه (التوافق المنطقي بين المقدمات والنتائج بمعنى، المحافظة على البناء المنطقي للنسق)
3- ما معنى التناقض المادي ؟ هو عدم انطباق الفكر مع الواقع .
4- ما معنى الحقيقة المادية ؟ هو الانطباق التام بين الفكر والواقع .
ما هو العلم الذي يجعل الفكر ينطبق مع نفسه وينطبق مع الواقع ؟
هو علم المنطق . ما هو علم المنطق ؟ هو العلم الذي يبحث في الفكر السليم قصد الوصول إلى الشروط الصورية والشروط المادية التي تجعل الفكر ينطبق مع نفسه وينطبق مع الواقع .
وعليه ، المنطق قد يكون صوريا أو ماديا .
أولا : المنطق الصوري (انطباق الفكر مع نفسه ) : مؤسسه أرسطو طاليس (لقب عند العرب بالمعلم الأول)
• تعريف المنطق الصوري: هو العلم الذي يبحث في الفكر السليم قصد الوصول إلى الشروط الصورية التي تجعل الفكر ينطبق مع نفسه . يعرّفه أرسطو بأنه آرغانون العلم ، أي الآلة التي تعصم الفكر من الوقوع في الخطأ .
أبو نصر الفارابي : « صناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوّم العقل وتسدّد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق » . وهذا ((عمر بن سهلان الساوي)) يقول فيه : « أنّه قانون صناعي عاصم للذهن عن الزلل، مميز لصواب الرأي عن الخطأ في العقائد بحيث تتوافق العقول السليمة على صحته..» .
قيمة المنطق الصوري (طريقة الدرس المقالي) قد تكون طريقة الجدل أقرب إلى معالجة هذا الموضوع
أولا: طرح المشكلة : إنّ العقل هو القاسم المشترك بين أفراد الإنسانية ويتميز بتماسكه وحذره من الوقوع في تناقض مع ذاته ، فهو يتحرك وفق نظام دقيق يحكمه وقواعد تضبطه، فهل يكفي أن نعرف هذا النظام وهذه قواعد حتى نكون في مأمن من الوقوع في التناقض والأخطاء ؟
ثانيا: محاولة حل المشكلة :
I. الأطروحة:
• منطقها: [يكفي أن نعرف قواعد الفكر المنطقي حتى نكون في مأمن من الأخطاء] (عرض وجهة نظر لأنصار المنطق) .
• براهينها:
أ) لقد نوه الكثير من الفلاسفة بأهمية المنطق، لقد اعتبره أرسطو "أورغانون العلم" أي الآلة التي يحصل بها العلم . وقد جراه في هذا ((الفارابي)) في قوله: « صناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوّم العقل وتسدّد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق» .
ب) يعتمد على قواعد تحصن الفكر من التناقض ؛
يتبع أسلوب الاستدلال القائم على استنتاج مما يجعله فكرا تحليليا برهانينا ؛
إن قواعد المنطق تحرّر الفكر من قيود العاطفة ؛ إنّه يعودنا ترتيب أفكارنا وتأسيسها في صورة منطقية سليمة ، فخطابنا لا يكون مفهوما إلا إذا كان مؤسسا ومهندسا ؛
ويعطينا المنطق القدرة على فحص استدلالات الآخرين وردّها أو قبولها ؛
ينبهنا إلى الأخطاء الشائعة لدى أغلب الناس ، كالخلط بين التناقض والتضاد .
المناقشة: لا ينبغي المبالغة في اعتبار المنطق الصوري منهجا متكاملا ، فقد نعرف قواعد الفكر المنطقي ولكن، هذا لا يمنع وقوعنا في أخطاء نتيجة تأثير حتميات على المحاكمات المنطقية، منها :
أ- تأثير الحتمية النفسية: الميول الذاتية والاهتمامات الخاصة والرغبات كلّ ذلك يؤثر في الذات المفكرة ؛
ب- تأثير الحتمية الاجتماعية: الإنسان كائن اجتماعي يتأثر تفكيره بالجماعة الحضارية التي ينتمي إليها ، وبالتالي المحاكمات المنطقية التي يجريها ؛
ج- تأثير حتميات الفكر الفلسفي : المنطق التقليدي بحث فلسفي من الدرجة الأولى (الرجوع إلى نص محمد ثابت الفندي ، الكتاب المدرسي) .
ΙΙ. نقيض الأطروحة:
• منطقها: [لا يكفي أن نعرف قواعد الفكر المنطقي حتى نكون في مأمن من الأخطاء] (عرض وجهة نظر خصوم المنطق) .
• براهينها:
أ) يعتبر ديكارت من أبرز أنصار الأطروحة، بل أن ديكارت يذهب أبعد من ذلك، حينما أعتبر المنطق عقيما مغلقا ومنقضيا، وفي هذا المعنى، يقول محمد ثابت الفندي : « إن منطق الفلاسفة يستند أساسا، إلى ألفاظ اللغة العادية في عرض قضاياه وبرهانها. ولم يستطع المنطق طوال تاريخه أن يصطنع لنفسه لغة علمية […] مع شدة حاجاته إلى مثل هذه اللغة » .
وذهب ((ستوارت ميل)) إلى أن القياس مصادرة على المطلوب.. إن المنطق في نظر هؤلاء ضيق لا يعبر عن كل العلاقات المنطقية .
ب) إن المنطق الصوري منهج صوري وشكلي : يهتم بصورة الاستدلال وشكله ولا يهتم بمادته ومضمونه ، فذا قلنا: كلّ الكواكب ثابتة والأرض كوكب إذن الأرض ثابتة : النتيجة الأرض ثابتة صحيحة من الوجهة الصورية لكنها، غير صحيحة من الوجهة المادية (الواقعية) . لذلك يقال أنّ المنطق الصوري أخر المعرفة البشرية قرابة 20 قرنا من الزمن . (القرن 04 ق.م إلى القرن 16) . * إن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة، لكن دون أن يقتنع غيره بالمضمون الذي يحمله؛
ج) إنّه منطق لغوي : يستعمل اللغة العادية بما فيها من ملابسات . أنه منطق حدود يستخدم لغة الألفاظ، فيؤدي ذلك إلى مغالطات والتباسات. ويقول (( مونيي )) : « إنّ اللّغة غير دقيقة، فالكثير من أهم ألفاظها مبهم […] والعلم يتكلم لغة في غاية الدقة، لغة الرياضيات التي مكّن بناؤها من التخلص من المبهمات ».
ح) إن القياس المنطقي عبارة عن تحصيل حاصل (أجوف وعقيم) والنتيجة فيه متضمنة في المقدمات ، فإذا قلنا : كل إنسان مائت ، وسقراط إنسان ، إذن سقراط مائت ، تكون النتيجة [سقراط مائت ] تحصيل حاصل لأنّها متضمنة في المقدمة الكبرى [كل إنسان مائت ] .
• المناقشة: لا ينبغي المبالغة في رفض المنطق الصوري :
– ألا يحتاج رفض المنطق إلى منطق ؛
– في مقابل ما ذهب إليه خصوم المنطق نجد من ينوه بالمنطق ودوره في مجالات العلم والمعرفة ، فالمنطق الصوري وبالرغم من المآخذ المسجلة عليه، فإن ذلك لا يقلّل من قيمته : بلغت قيمة المنطق ذروتها حتى مع العلماء الأصوليين، بل واعتبروه فرض كفاية على المسلمين وهذا على درب أبو حامد الغزالي الذي قال: « إن من لا يحيط بالمنطق، فلا ثقة بعلومه أصلا » وظل يحظى بهذه القيمة حتى مع الغرب المسيحي، فهاهو القديس توماس الإكويني الذي كان يعتبره: « الفن الذي يقودنا بنظام وسهولة وبدون خطأ في عمليات العقل الاستدلالية »
ΙΙΙ. التركيب: التأكيد على ضرورة المنطق الصوري
– يعد المنطق منهجا لمختلف العلوم، فالمنطق له أهمية قصوى في تكوين وتحصيل المعرفة بالمعنى العام، والمعرفة العلمية على الخصوص، ذلك أن العالم، مهما كان تخصصه، يقوم بعمليات عقلية كثيرة كالتحليل، والتركيب، والاستنباط ، والبرهان، والقياس، والتعميم … وفي كلمة واحدة أن العالم يسعى بتلك العمليات، التي لها علاقة بطريقة أو بأخرى بالمنطق، إلى تحويل الظواهر إلى مفاهيم يسهل عليه ضبطها في شكل معادلات رياضية تمكنه من الوصول إلى معرفة بالقوانين المتحكمة في الطبيعة . ومن هنا جاءت أهمية المنطق كأداة لتحصيل المعرفة
حلّ المشكلة:
وعليه ، يبقى المنطق منهجا لمختلف العلوم ومن ثمة، لا يمكن رفضه لكن، ينبغي تطويره وسدّ النقص الذي عرفه تكيفا مع متطلبات الواقع المتغير. وبالفعل اتجهت اهتمامات المناطقة والعلماء إلى أساليب جديدة تسمح بالانتقال من اللفظ إلى الرمز ومن عالم المجرد إلى عالم المحسوس، أي من المنطق الصوري إلى المنطق الرمزي أو المنطق الرياضي حيث لم تعد اللغة العادية هي الأداة بل ، أصبحت لغة الرياضيات وهذا ما يتلاءم مع روح العصر .
شكراا جزيلاا ك ع المجهود المميز
بارك الله فيك
شكرا جزيلا على هدا الموضوع