إذا كنت أمام موقفين ، يصف أولهما " العادة " بالآلية و يعتبرها متحجرة تعيق التكيف ، وعلى النقيض من ذلك يصفها ثانيهما بالحيوية و يعتبرها عاملا إيجابيا في التكيف "، ويدفعك القرار إلى أن تفصل في الأمر ، فما عساك أن تفعل ؟
المقدمة تمهيد لطرح المشكلة:
يوجد بين البيئة والكائن الحي احتكاك وتفاعل مستمر، ولتحقيق ذلك يتعلم الإنسان جملة من الخبرات يكتسبها من خلال هذا التفاعل والاحتكاك المستمر ببيئته، وسرعان ما تتحول هذه الخبرات إلى عادات.فالعادة هي سلوك مكتسب آلي يتم بتكرار الفعل، ولا تخلو أفعال الإنسان من العادة، فهي تؤثر في سلوك الفرد على الدوام. لكن ما طبيعة تأثيرها في الإرادة الإنسانية ؟ هل العادة عائق أم تكيف ؟
الأطروحة الأولى: السلطة التي تفرضها قوة العادة على الفرد تؤثر سلبا على سلوكه، مما يجعلنا نحكم أن العادة كلها سلبيات و بالتالي ، نصف " العادة " بالآلية ونعتبرها متحجرة تعيق التكيف.
الحجج:
– إن الآلية المجسدة في العادة تشل حركة التفكير وتقضي على الإرادة وروح الخلق والإبداع. كما أنها تعطل في الإنسان حركة البحث لأن الفرد وفي دائما لما تعلمه واعتاد عليه. إن الطبيعة البشرية تميل إلى الفعل السهل وتتجنب الأفعال الصعبة خوفا من جهد الإبداع وخطر التقدم.
-العادة تقتل الروح النقدية: إن العادة تقف في وجه المعرفة كعقبة ابستمولوجية، إن التاريخ يذكر أن كوبرنيك أحرق لأنه جاء بفكرة مخالفة لما تعوده الناس آنذاك من أن الأرض هي مركز الكون و غاليلي هدد بالموت إن لم يتراجع عن فكرته من أن الأرض تدور.
للعادة خطر في المجال الاجتماعي: ذلك أنها تمنع كل تحرر من الأفكار و العادات البالية إنها تقف ضد كل تقدم اجتماعي و ما صراع الأجيال سوى مظهر لتأثير العادة في النفــــوس و العقول…إلخ.
– في المجال الأخلاقي: نجد الطابع الآلي للعادة يقضي على بعض الصفات الإنسانية الرفيعة مثل أخلاق الشفقة، الرحمة … فالمجرم المحترف لهذا الفعل لا يكترث لعواقب إجرامه وما تلحقه من أضرار نفسية ومادية بضحاياه.
– و قال الشاعر الفرنسي سولي برودوم "الجميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا و بحركاتهم آلات".
– في المجال الحيوي: إن العادة قد تسبب تشوهات جسمانية بفعل التعود على استعمال عضو دون آخر، أو التعود على تناول مادة معينة كالتدخين مثلا أو المخدرات … لأن العادة بعد تكونها تصبح طبيعة ثانية – كما يقول أرسطو – مما يجعل إزالتها أمرا صعبا.
– في المجال الاجتماعي: قد ترسخ العادات الاجتماعية وتسيطر على سلوك الإنسان ، ومن هنا يصعب تغيير العادات البالية حتى ولو ثبت بطلانها بالحجة والدليل مثل محاربة الخرافات والأساطير. هذه السلبيات وغيرها توحي بأن العادة فعل يحافظ على الماضي من أفعال وأفكار، وتقف في كثير من الأحيان أمام التقدم والتطور وهو ما جعل J. J. Rousseau يدعو صراحة إلى تجنب اكتساب أي عادة كانت أصلا حيث قال: " خير عادة يتعلمها الطفل هي أن لا يعتاد شيئا ".
المناقشة :إن هذه الأدلة تبرز الجوانب السلبية للعادة فقط، إذ يمكن أن تكون لها إيجابيات أيضا. إن حياة الفرد بدون عادة تعد ضربا من المحال.
فالعادات التي وصفت بهذه السلبية هي تلك التي لا تقع تحت طائلة العقل و الفكر والإرادة.
نقيض الأطروحة: للعادة آثار إيجابية على سلوك الفرد.
الحجة:
إن العادة فعل إيجابي يوفر للإنسان الجهد الفكري والعضلي فيؤدي إلى السرعة في الإنجاز والدقة مع الإتقان في العمل.
إن العادة قد تمكننا من إنجاز أكثر من عمل في وقت واحد.
– العادة تؤدي إلى الدقة و الإتقان في العمل و نتبين ذلك بشكل جلي عند الضارب على آلات الراقنة أو في الصناعات التقليدية ، و العادة تمكننا من التكيف مع المواقف الجديدة، وتساعد على اكتساب عادات شبيهة … كما أنها تحرر الانتباه و الفكــر و تجعله مهيئا لتعلم أشياء جديدة و بذا تكون العادة دافعا للتطور.
– في المجال النفسي والاجتماعي: يمكن التعود على سلوكات إيجابية مثل ضبط النفس، وكظم الغيظ … و مما سبق نستنتج أن العادة ليست مجرد سلوك يقتصر على تكرار حركات روتينية رتيبة دائما لأن العادة تقدم لنا ما لم تقدمه الطبيعة فهي تنوب مناب السلوك الغريزي و تجعل المرء أكثر استعدادا لمواجهة المواقف الجديدة. لذا قيل: "لو لا العادة لكنا نقضي اليوم كاملا للقيام بأعمال تافهة".
المناقشة: إن هذه الأدلة تبرز الجوانب الإيجابية للعادة فقط، إذ يمكن أن تكون لها سلبيات أيضا و منه فلا ينبغي أن نجعل العادة غاية بل هي مجرد وسيلة.
التركيب: للعادة سلبيات وإيجابيات. ولكن إيجابياتها كثيرة إذا ما استحضر في تكوينها الوعي، قال شوفاليي "إن العادة هي أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها". إذن المسألة ليست مسألة عادة بقدر ما هي مسألة الشخص الذي يتبنى هذه العادة أو تلك.
الخاتمة: للعادة سلبيات وإيجابيات، وإن تغلبت الواحدة منها على الأخرى، فإن ذلك يتوقف على إرادة الإنسان نفسه في رسم مستقبله..