المقدمةوطرح المشكلة
من المتعارف عليه أن مسالة العدل من المشاكل الفلسفية التي اختلفت فيها النظريات الفكرية؛ بحيث اتجه محور الاهتمام إلى البحث عن أساس للعدل بين الحقوق والواجبات ؛ وهذا منذ قيام مختلف الفلسفات ؛ وعلى رأسها فلاسفة القانون الطبيعي فالبعض منها يرى بضرورة قيام العدل على الواجبات التي تكون اسبق من الحقوق وطرح أخر يرى بالحقوق وعدم الاهتمام بالواجبات وهو اعتقاد باطل فكيف يمكن تفنيده ؟
التحليل ومحاولة حل المشكلة
01 .. تحليل الأطروحة
يتأسس منطق الأطروحة حول إمكانية قيام العدل على أساس الحقوق
وتجاوز الاهتمام بالواجبات ومنطق هذا التصور يعود إلى الفلسفة اليونانية
مع الفيلسوف " سقراط" فالحق هو سبيل العدالة حفاظا على الإنسان في غايته وعلى كيانه وشخصيته ولتكن الواجبات لاحقا وذلك من كون أن الحق معطى طبيعي .
02 .. نفي الأطروحة
بداية يعتبر الواجب مطلب من المطالب التي نطالب بها الذات وبه تتأسس العدالة ويأتي الواجب في المقام الأول ثم يأتي الحق لاحقا وهذا يراه أنصار النظرية العقلية التي لاتعير الاهتمام للحقوق وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني "امانويل كانط " الذي يقيم نظريته على أساس الواجب الذي يبرر أسبقية الواجبات عن الحقوق ومن هذا المنطلق يكون الإنسان مطالب بالواجب ليتسنى للمجتمع أن يقدم له الحق ويكون الواجب مفروض على كل ذات إنسانية وهذا في إطار الابتعاد عن شوائب المنفعة والأهداف المادية ؛ ويوافق هذا التصور الفيلسوف الوضعي الفرنسي "اوغست كونت " على أن الواجب كقاعدة يعمل بها الفرد ارتباطا بالعقل والعاطفة معا وعليه يجب نبتعد عن فكرة الحقوق ونعمل على توسيع دائرة الواجبات التي تكون بروح الجماعة أما الحقوق تؤدي إلى محاولة إنكار كل نظام اجتماعي والنزعة الفردية لا تصلح لقيام عدالة ؛ كما أن الفرد عندما قيامه بمختلف الأعمال لا يرى إلا الحق ومهما كان الواجب لا يريد له وجودا وهذا ما يفسد حقيقة ورسالة العدالة فلا عدالة إلا بالواجبات وتقديم الحقوق في كل مناسبة يطالب بها الفرد يضعف دور العدالة .
03 .. نقد الأطروحة القائلة " العدل في الحقوق "
إن جعل الحق في المقام الأول لا يؤدي إلى عدالة حقيقية فالكينونة الإنسانية تستوجب الواجب قبل الحق وبإمكاننا بهذه الكيفية أن نحقق مجتمعا قويا بأفراده والطبيعة لم تأكد وجوب أسبقية الحق عن الواجب فهو أمر مسلم حقيقة ولكن هذا لا يعني التسليم به مطلقا لان الواجب يصنع الفرد ويتركه يعمل أكثر دون ملل ويظهر الفرق بين الأفراد وبذلك الواجب يقوي العزيمة أما في الحق فيضعفها ورغم أن القوانين الطبيعة سابقة عن الوضعية لا يعطي الأولوية لحقوق على حساب الواجبات ولا يمكن للمجتمع السياسي أن يستمر ويستقيم إلا بالاهتمام بالواجبات وهذا ما يعتقد به أفلاطون " .. أن العدل هو أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه .." فمن الممكن أن تكون هناك واجبات بدون أن تقابلها حقوق ومثل ذلك احترام المقدسات فهو واجب لا ننظر منه حقا أو جزاءا ومثل ذلك عندما سنت فرنسا قانونا يمنع الإساءة إلى المقدسات اليهودية .
الخاتمة وحل المشكلة
إذن ؛ الأطروحة القائلة أن العدل يكمن في الحقوق دون الاهتمام بالواجبات أطروحة باطلة ومفندة فالعدل يتأسس على ضرورة العناية بالواجبات كإطار تحترم فيه كرامة الإنسان وكيانه ليبلغ أهدافه ويحقق ماهيته في الوجود وعلى هذا الأساس لا كلام عن عدالة في غياب الواجبات .