قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم، وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين، كما هو مذهب أحمد, وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك, والشافعي، فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك.
وأما الجواب عن قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم:39}، فقد قال العيني – رحمه الله تعالى -: فإن قلت قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم: 39 } وهو يدل على عدم وصول ثواب القرآن للميت؟ قلت: اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال: أحدها: أنها منسوخة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ {الطور: 21 } أدخل الآباء الجنة بصلاح الأبناء, قاله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومنها: أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل, فأما من باب الفضل فجائز أن يزيد الله تعالى ما شاء، قاله الحسين بن فضل، ومنها: أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة, فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه, مثل سعيه في تحصيل قراءة ولد يترحم عليه, وصديق يستغفر له، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبة أهل الدين فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه، حكاه أبو الفرج عن شيخه ابن الزغواني، وغير ذلك من الأقوال في تلك الآية. انتهى من عمدة القاري بتصرف يسير.
وعليه, فلا تعارض بين وصول ثواب الأعمال الصالحة المهداة للميت وبين معنى الآية.
والله أعلم.