السلام عليكم و رحمة الله و بركاته </span>
</span>
سعيد بن عامر الجمحي</span>
( سعيد بن عامر رجل اشتري الاخري بالدنيا</span>
</span>و اثر الله و رسوله علي سواهما ).</span>
المؤرخون.</span>
</span>
كان الفتي سعيد بن عامر الجمحي واحد من الالاف المؤلفة الذين خرجوا الي منطقة (التنعيم) في ظاهر مكة بدعوة من زعماء قريش ليشهدوا مصرع ( خبيب بن عدي ) احد اصحاب النبي صلي الله عليه و سلم بعد ان ظفروا به غدرا .</span>
و قد مكنه شبابه الموفور و قوته المتدفقة من ان يزاحم الناس بالمناكب حتي حاذي شيوخ مكة من امثال ابي سفيان بن حرب و صفوان بن امية و غيرهما ممن يتصدرون الموكب .</span>
و قد اتاح له ذلك من ان يري اسير قريش مكبلا بقيوده و اكف الناس و الشباب و الصبيان دفعه الي ساحة الموت لينتقموا من محمد في شخصه و ليثاروا لقتلي (بدر) بقتله .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
و لما وصل هذه الجموع الحاشدة باسيرها الي المكان المعد لقتله وقف الفتي سعيد بن عامر بقامته الممدوة يطل علي خبيب و هو يقدم الي خشبة الصلب و سمع صوته الثابت الهادي من خلال صياح النسوة و الصبيان و هو يقول:</span>
ان شئتم ان تتركوني اركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ……..</span>
ثم نظر اليه و يستقبل الكعبة و يصلي ركعتين يا لحسنهما و يا لتمامهما ..ثم ثم راه يقبل علي زعماء قريش و يقول : و الله لولا تظنوا اني اطلت الصلاة جزعا من الموت لاستكثرت من الصلاة …..</span>
ثم شهد قومه بعيني راسه و هم يمثلون به حيا فيقطعون من جسده القطعة تلو الاخري و هم يقولون : اتحب ان يكون محمد مكانك و انت ناج ؟</span>
فيقول و الدماء تنزل منه : و الله ما احب ان اكون امنا وادعا في اهلي و ولدي و ان محمد يوخز بشوكة …… فيلوح بايديهم في الفضاء و يتعالي صياحهم : ان اقتلوه … اقتلوه ….</span>
ثم ابصر سعيد بن عامر خبيبا يرفع بصره الي السماء من فوق خشبة الصلب و يقول : </span>
اللهم احصهم عددا و اقتلهم بددا و لا تادر منهم احدا </span>
ثم لفظ انفاسه الاخيرة و به ما لم يستطيع احدا احصاءه من صربات السيوف طعنات الرماح .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
عادت قريش الي مكة و نسيت في زحمة الاحداث الجسام خبيبا و مصرعه . لكن الفتي اليافع سعيد بن عامر لم يغب خبيب عن خاطره لحظة واحدة .</span>
كان يراه في حلمه اذا نام و يراه بخياله و هو مستيقظ و يمثل امامه و هو يصلي ركعتيه و يسمع رنين صوته و هو يدعي علي قريش فيخشي ان تنزل صاعقة من السماء او تخر علي راسه صخرة .</span>
ثم ان خبيبا علم سعيد ما لم يعلم من قبل ..</span>
علمه ان الحياة الحقة عقيدة و جهاد في سبيل العقيدة حتي الموت .</span>
و علمه ايضا ان الايمان الراسخ يفعل الاعاجيب و يصنع المعجزات .</span>
و علمه امرا اخر هو ان الرجل الذي يحبه اصحابه كل هذا الحب انما هو نبي مؤيد من السماء .</span>
عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر الي الاسلام فقام في ملئ من الناس و اعلن براءته من اثام قريش و اوزارها و خلعه لاصنامها و اوثانها و دخوله في دين الله .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
هاجر سعيد بن عامر الي المدينة و لزم رسول الله صلي الله عليه و سلم و شهد معه ( خيبر ) و ما بعدها من الغزوات </span>.</span>
و لما انتقل النبي الكريم صلي الله عليه و سلم الي جوار ربه ظل بعده سيفا مسلولا في ايدي خليفتيه ابو بكر و عمر و عاش مثلا فريد فذا للمؤمن الذي اشتري الاخري بالدنيا و اثر مرضاة الله علي جميع شهواته .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
و كان خيلفتا رسول الله صلي الله عليه و سلم يعرفان لسعيد صدقه و تقواه </span>
و يستمعان الي نصحه و يصيخان الي قوله .</span>
دخل علي عمر في اول خلافته فقال :</span>
يا عمر : اوصيك ان تخشي الله في الناس و لا تخشي الناس في الله و الا يخالف قولك فعلك فان خير القول ما صدقه الفعل ……..</span>
يا عمر : اقم وجهك لمن ولاك الله امره من بعيد المسلمين و قريبهم و احب لهم ما تحب لنفسك و لاهل بيتك و اكره لهم ما تكره لنفسك و اهل بيتك و خض الغمرات الي الحق و لا تخف في الله لومة لائم .</span>
فقال عمر : و من يستطيع ذلك يا سعيد ؟.</span>
فقال : رجلا مثلك ممن ولاهم الله امر امة محمد و ليس بينه و بين الله احد .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
عند ذلك دعا عمر بن الخطاب سعيد الي مؤازرته و قال :</span>
يا سعيد اني مولوك علي اهل (حمص ) فقال :</span>
يا عمر نشدتك الله الا تفتنني .</span>
فغضب عمر و قال :</span>
و يحكم ….. وضعتم هذا الامر في عنقي ثم تخليتم عني ؟!.</span>
و الله لا ادعك ثم ولاه علي ( حمص ) و قال : الا نفرض لك رزقا ؟</span>
قال : و ما افعل به يا امير المؤمنين ؟! فان عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ثم مضي الي ( حمص ) .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
و ما هو الا قليل حتي قبل علي امير المؤمنين بعض من يثق بهم من اهل (حمص) فقال لهم اكتبوا لي اسماء فقرائكم حتي اسد حاجتهم .</span>
فرفعوا كتابا فاذا فيه فلان و فلان و سعيد بن عامر .</span>
فقال : و من سعيد بن عامر ؟!.</span>
فقالوا : اميرنا .</span>
قال : اميركم فقير؟! </span>
قالوا : نعم و الله انه لتمر عليه الايام و لم يوقد في بيته نار .</span>
فبكي عمر حتي بللت دموعه لحيته ثم عمد الي الف دينار فجعلها في صرة و قال : اقرؤوا عليه السلام مني و قولوا له : بعث اليك امير المؤمنين بهذا المال لتستعين به علي قضاء حاجاتك .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
جاء الوفد الي سعيد بالصرة فنظر اليها فاذا هي دنانير فجعل يبعدها عنه و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون كانما نزلت به نازلة .</span>
فهبت زوجته مذعورة و قالت :</span>
ما شانك يا سعيد ؟!……. امات امير المؤمنين ؟</span>
قال : بل اعظم من ذلك .</span>
قالت: ااصيب المسلمون في وقعة ؟</span>
قال : بل اعظم من ذلك .</span>
قالت: و ما اعظم من ذلك ؟</span>
دخلت علي الدنيا لتفسد اخرتي و حلت الفتنة في بيتي .</span>
قالت : تخلص منها و هي لا تدري من امر الدنانير شئ .</span>
قال : اوتعينينني علي ذلك ؟</span>
قالت : نعم .</span>
فاخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها علي فقراء المسلمين .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
لم يمض علي ذلك طويلا حتي اتي عمر بن الخطاب (حمص ) و كانت تدعي ( الكويفة ) و هو تصغير ( كوفة ) لكثرة شكاوي اهلها من حكامها مثل اهل ( الكوفة ).</span>
فلما نزل بها لاقيه اهلها للسلام عليه فقال :</span>
كيف تجدون اميركم ؟……….</span>
فشكوه اليه و ذكروا اربعا من افعاله كل واحدة اعظم من الاخري </span>
قال عمر : فجمعت بينهم و بينه فلما اصبحوا عندي هم و اميرهم قلت :</span>
ما تشكون من اميركم ؟</span>
قالوا : لا يخرج الينا حتي يتعالي النهار.</span>
فقلت : و لما يا سعيد ؟.</span>
فسكت قليلا….. ثم قال: و الله اني كنت اكره ان اذكر ذلك اما و انه </span>لابد منه فانه ليس لاهلي خادم فاقوم في كل صباح فاعجن لهم عجينهم ثم اتريث قليلا حتي يخمر ثم اخبر لهم ثم اتوضا و اخرج للناس .</span>
قال عمر فقلت لهم :و ما تشكون منه ايضا ؟.</span>
قالوا : انه لا يجيب احد بليل .</span>
قلت : و ما تقول في ذلك يا سعيد ؟.</span>
قال : اني و الله كنت اكره ان اعلن هذا ايضا ………. فانا جعلت النهار لهم و الليل لله عز و جل .</span>
</span>فقلت لهم :و ما تشكون منه ايضا ؟.</span>
قالوا: انه لا يخرج الينا يوم في الشهر.</span>
قلت :و ما هذا يا سعيد ؟</span>
قال : ليس لي خادم يا امير المؤمنين و ليس لي ثوبا غير التي عليا فاغسلها كل شهر مرة و انتظرها حتي تجف و اخرج اليهم في اخر النهار .</span>
فقلت لهم :و ما تشكون منه ايضا ؟.</span>
قالوا : تصيبه غشية فيغيب عمن في مجلسه .</span>
قلت : و ما هذا </span>يا سعيد ؟.</span>
فقال : شهدت مصرع ( الخبيب بن عدي ) و انا مشرك و رايت قريشا تقطعه و هي تقول :اتحب ان يكون محمد مكانك ؟.</span>
و هو يقول :و الله ما احب ان اكون امنا وادعا في اهلي و ولدي و ان محمد يوخز بشوكة ……..و اني و الله ما ذكرت ذلك اليوم و كيف اني نصرته الا ظننت ان الله لا يغفر لي ….. و اصابتني تلك الغشية .</span>
عند ذلك قال عمر : الحمد الذي لم يخيب ظني به .</span>
ثم بعث له بالف دينار ليستعين بها علي حاجته .</span>
فلما راتها زوجته قالت له : </span>
الحمد لله الذي اغنانا عن خدمتك اشتر لنا مؤنة و استاجر لنا خادما .</span>
فقال لها : و هل ادلك فيما هو خير من ذلك ؟.</span>
قالت : و ما ذاك ؟!</span>
قال : ندفعها الي من ياتينا بها </span>و نحن احوج ما نكون اليها .</span>
قالت : و ما ذاك ؟!</span>
قال : نقرضها الله قرضنا حسنا .</span>
قالت : نعم و جزيت خيرا .</span>
فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتي جعل الدنانير في صرر و قال لواحد من اهل بيته : انطلق بها الي ارملة فلان و الي ايتام بني فلان و الي مساكين ال فلان </span>و الي معوزي ال فلان .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
رضي اله عن سعيد بن عامر الجمحي فقد كان من الذين يؤثرون علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة .</span>
</span>
* * *</span>
</span>
هذا ما قدرت علي جمعه من جهد قليل اسئل الله به النفع</span>
هذا و ان كان من توفيق فمن الله وحد و ان كان من خطا او سهو او نسيان فمني و من الشيطان و الله و رسوله منه براء</span> </span>
</span>
* * *</span>
المصدر /</span>
كتاب صور من حياة الصحابة .</span>
تاليف / د. عبد الرحمن رافت الباشا