السـؤال:
ما حكم وضع حجرين من مادة الإسمنت على القبر، يُكتب على أحدهما اسم المُتوفَّى لتعليم قبره لئلاَّ يشتبه بقبر آخر؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالأصلُ أنه لا يجوز بناءُ القبور وتجصيصُها، والكتابةُ عليها، والقعودُ عليها، لما أخرجه مسلمٌ وغيرُه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ»(١)، وفي حديث أبي الهياج الأَسْدِيِّ قال: «قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَن لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً فِي بَيْتٍ إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ»(٢).
هذا، وإن كان أهلُ العلم يكرِّهون الكتابةَ على القبر مُطلقًا إلاّ أنهم يستثنون ما تدعو الحاجة إليه كالتعرّف على القبر بأن يُكتفى بكتابة اسم الميّت لا على سبيل الزخرفة، إلحاقًا قياسيًّا على «وَضْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الحَجَرَ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ»(٣)، وهو من تخصيصِ عمومِ النهي بالقياس وهو جائزٌ عند الجمهور.
غير أنه يُقتصر على أدنى ما يحصل به التعرّف عليه إذا خُشِيَ زوالُه أو نسيانُه سواء بكتابة اسمه فقط أو رقمه العددي من غير الزيادة عليه ببناءٍ أو غيرِه جريًا على قاعدة: «مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ»، وهذا إذا تعذّر تعليمه بحَجَرٍ ونحوِه، كلُّ ذلك سَعْيًا لتحقيق الغاية التي من أجلها وَضَع النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم الحجرَ على قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنه وهي قوله: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي»(٤).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلّم تسليمًا.
الموافق ﻟ: 14 يناير 2024م
١- أخرجه مسلم في «الجنائز»: (2245) دون ذكر الكتابة، وأبو داود في «الجنائز»: (3226)، والنسائي في «الجنائز»: (2027)، والحاكم: (1396)، من حديث جابر رضي الله عنه. والحديث مع ذكر الكتابة صححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (5/320)، والألباني في «أحكام الجنائز»: (260).
۲- أخرجه مسلم في «الجنائز»: (2243)، وأبو داود في «الجنائز»: (3218)، والترمذي في «الجنائز»: (1049)، والنسائي في «الجنائز»: (2031)، وأحمد: (743)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
٣- أخرجه ابن ماجه في «الجنائز» باب ما جاء في العلامة في القبر: (1561)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال الألباني في «صحيح ابن ماجه» (1/498): «حسن صحيح».
٤- أخرجه أبو داود في «الجنائز»: (3206)، والبيهقي: (6843)، من حديث المطلب بن عبد الله بن حنطب رضي الله عنه. والحديث حسنه ابن الملقن في «البدر المنير»: (2/29)، وابن حجر في «تلخيص الحبير»: (5/229)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (7/161).
بارك الله فيك
بــآرك الله فيك و جزآك كل خير
شكرا جزيلا موضوع رائع جدا
باركـ الله فيكـ على الإفآآدة
باركـ الله فيكـ على الإفآآدة