*ҳ̸Ҳ̸ҳ * تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ … *ҳ̸Ҳ̸ҳ *
ما معنى قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[1]. هل المقصود في الآية أن مرتكب الكبائر الثلاث يخلد في النار؟
أم المقصود
إحداها فقط؟
هذه الآية العظيمة فيها التحذير من الشرك والقتل والزنا، وأن أصحاب هذه الجرائم متوعدون بقوله سبحانه:
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
قيل: إنه واد في جهنم، وقيل: أراد به إثما عظيما فسره بقوله:
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا
وهذا جزاء من اقترف هذه الجرائم الثلاث أو إحداها أن يضاعف له العذاب ويخلد في العذاب مهانا، وهذه الجرائم الثلاث مختلفة في
المراتب.
فجريمة الشرك هي أعظم الجرائم وأعظم الذنوب، وصاحبها مخلد في النار أبد الآباد ولا يخرج من النار أبدا كما قال تعالى في سورة
التوبة:
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ[2]
وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[3]
وقال عز وجل: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[4]
وقال تعالى في حقهم: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ[5]
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فالمشرك إذا مات ولم يتب فإنه يخلد في النار والجنة عليه حرام،
والمغفرة عليه حرام بإجماع المسلمين، قال تعالى:
إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[6]
وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[7]
جعل المغفرة حراما على المشرك، أما ما دون الشرك فهو تحت المشيئة.
ومن أنواع الشرك بالله التي يخلد صاحبها في النار إذا مات عليها إذا كانت قد بلغته الرسالة – دعاء الأموات من الأنبياء والأولياء
وغيرهم، ودعاء الملائكة والجن والأصنام والأحجار والكواكب وغير ذلك من المخلوقات؛ كقول بعضهم: يا سيدي أنا في جوارك،
أنا في حسبك، انصرني، اشف مريضي، المدد المدد… ونحو ذلك، وهكذا الذبح لهم والنذر لهم وغير ذلك من العبادات التي يجب
صرفها لله وحده ولا يجوز صرفها إلى غيره من جميع الخلق لقوله عز وجل:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[8]
وقوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[9]
وقوله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[10]،
وقوله تعالى في سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[11] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما الجريمة الثانية وهي القتل، والثالثة وهي الزنا، – وهاتان الجريمتان دون الشرك إذا كان من تعاطاهما لم يستحلهما ويعلم
أنهما محرمتان ولكن حمله الشيطان على الإقدام على القتل بغير حق بسبب البغضاء والعداوة، أو أسباب أخرى، وحمله الهوى
والشيطان على الزنا وهو يعتقد أن القتل محرم بغير حق، وأن الزنا محرم – فهاتان الجريمتان توجبان النار والخلود فيها خلودا مؤقتا
إلا يعفو الله عن صاحبها لأعمال صالحة أو توبة قبل الموت، أو بشفاعة الشفعاء، أو بدعاء المسلمين، إلى غير ذلك من الأسباب
التي جعلها الله سببا لغفران الذنوب، وقد يعذب صاحبها حسب مشيئة الله وحكمته، وهذا واقع لكثير من الناس، يعذبون على
معاصيهم، ثم يخرجهم الله من النار برحمته سبحانه، إما بشفاعة الشفعاء أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أو بشفاعة
الملائكة أو الأفراط أو المؤمنين، فيخرجهم الله من النار بشفاعة هؤلاء بعد أن يمضوا فيها ما كتب الله عليهم من العذاب، ويبقى في
النار أقوام من أهل التوحيد لم تشملهم شفاعة الشفعاء فيخرجهم الله سبحانه وتعالى برحمته بدون شفاعة أحد؛ لأنهم ماتوا على
التوحيد والإيمان لكنهم لهم أعمال خبيثة ومعاص دخلوا بها النار، فإذا طهروا منها ومضت المدة التي كتب الله عليهم البقاء فيها
أخرجهم سبحانه من النار رحمة منه عز وجل، ويلقون في نهر الحياة من أنهار الجنة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل،
فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة كما صحت بذلك الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا يعلم أن العاصي كالقاتل والزاني لا يخلد في النار خلود الكفار، بل خلودا خاصا له نهاية، لقوله سبحانه وتعالى: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[12]
وهذا خلود مؤقت ليس كخلود المشركين، ومثل ذلك ما ورد في وعيد القاتل لنفسه.
نسأل الله السلامة من ذلك.
[1] سورة الفرقان الآيتان 68-69.
[2] سورة التوبة الآية 17.
[3] سورة الأنعام من الآية 88.
[4] سورة الزمر الآية 65.
[5] سورة المائدة الآية 37.
[6] سورة المائدة من الآية 72.
[7] سورة النساء من الآية 48.
[8] سورة الإسراء الآية 23.
[9] سورة البينة الآية 5.
[10] سورة الجن الآية 18.
[11] سورة الفاتحة الآية 5.
[12] سورة الفرقان من الآية 69.
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ :
عبد الزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
وجميع شأنك من غير حول منك ولا قوة
جزاكم الله خيرا