و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبارات عقدية فاسدة (1)
من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية فلا يثبت منها إلا ما ذكر في الكتاب والسنة
ولا مجال للعقل والاجتهاد في هذا، ومن أعظم التقول على الله تعالى تسميته ووصفه بما لم يثبت في الكتاب والسنة، قال الله
ـ عز وجل ـ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:33]
وقال: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [الإسراء:36].
وأنبه في هذا البحث على عبارات في لغتنا العامية تجري على ألسنة بعض الناس تتضمن تسمية الله ـ عز وجل ـ ووصفه بما
لا يليق بجلاله، وهي في الحقيقة من الإلحاد في أسماء الله وصفاته لأنها غير ثابتة وإنما ورثها بعضهم عن بعض، أو لأنها
تذكر في غير موضعها، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
[الأعراف:180]
والإلحاد في أسمائه وصفاته أنواع كثيرة منها:
تسميته ووصفه بما لم يذكر في الكتاب والسنة.
وقد جرت تلك العبارات مجرى الأمثال واستعملها الأطفال والنساء والرجال، وانتشرت انتشارا واسعا وفشت فشوا كبيرا
ولم ينج منها إلا من رزقه الله علما وفقها.
وأكثر مستعمليها مقاصدهم حسنة وإنما أتوا من جهلهم وتقليدهم أبناء زمانهم.
من هذه العبارات:
1 ـ «لَمْلِيحْ رَبِّي»:
إذا مدحت شخصا وقلتَ: فلان مليح يستدرك عليك بعض الناس ويقول لك: «لَملِيح رَبي»، والمليح هو البهيج الحسن
المنظر(1)، ويقصد الناس بقولهم: «فُلاَنْ مْلِيحْ»: أنه عاقل متخلق سمح سهل، والمليح ليس من أسمائه تعالى ولا صفاته
وإنما الله جميل، طيب، رفيق، قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ»(2)، وقال: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ
لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا»(3)، وقال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ»(4).
2 ـ «رَبِّي يْدَبَّرْ رَاسُو»:
وإذا أراد بعض الناس أن يقول: إن الله يفعل ما يريد ويخلق ما يشاء، قال: «ربي يْدَبَّرْ رَاسُو»، أو «رَبِّي عْلَى بَالُو» أو
«رَبِّي حُرْ» ونحوها من الألفاظ.
وفي هذه العبارات عدة محظورات:
1 ـ نسبة الرأس إلى الله وهذا لا يثبت في الكتاب ولا في السنة.
2 ـ يدبر: والتدبير في الأمر لغةً: النظر إلى ما تؤول إليه عاقبته والتفكر فيه(5)، أما في حق الله فهو القضاء والإنفاذ
قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس:3]، قال مجاهد: يقضيه وحده(6)، وقال السعدي: «ينفذ الأقدار في أوقاتها التي سبق بها
علمه وجرى بها قلمه»(7) ولا معنى لقولهم هنا «يدبر راسو».
3 ـ نسبة البال إلى الله تعالى وهو غير ثابت، والبالُ لغةً: الخاطر(8).
4 ـ وصفه ـ عز وجل ـ بالحرّ وهذا لم يذكر في الكتاب ولا في السنة.
إن العبارة الصحيحة المستقيمة أن تقول كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة:1]،﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:18]
﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص]، ومكان «على بالو»، تقول: «العليم الأعلم»، ومكان «حر»، تقول:
«القادر المقتدر المهيمن العزيز القيوم».
3 ـ «لَمْعَلَّمْ رَبِّي»:
وإذا قيل: «وِينْ لمَعَلَّمْ؟» كان الجواب عند بعض الناس: «لمَعَلَّمْ رَبِّي» يقصدون بذلك الحاكم المالك، ولكن لا يجوز تسميته
بذلك لعدم ثبوته، والمعلم عند المتأخرين لقب لأرفع الدرجات في نظام الصناع(9)
فقول القائل: «وِينْ لمعَلَّم؟» أي المسؤول الأول عن الشركة أو المصنع صحيح لا حرج فيه، أما الله عز وجل فهو الربّ
الحَكَم الملِك المالك.
4 ـ «يَد الله طْوِيلَة»:
يطلقون هذه العبارة ويريدون بها أن الله لا يعجزه شيء، ولا يفلت من أخذه أحد، وربما يريدون بها سعة رزقه وعظم عطائه
ولكن هذه الصفة غير ثابتة، فالصواب أن نقول كما قال الله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾[الفجر:14]، ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
[البروج:12]، ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102]،﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [إبراهيم:47].
ووصف يديه بالبسط في قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾
[المائدة]، و«البسط»: سعة العطاء والكرم.
(2) رواه مسلم (91).
(3) رواه مسلم (1015).
(4) رواه مسلم (2593).
(5) «الصحاح» للجوهري (2/ 655).
(6) «تفسير الطبري» (7/ 84)، «تفسير السمعاني» (2/ 366) و(3/ 96).
(7) «تيسير الكريم الرحمن» (ص436).
(8) المعجم الوسيط (77/1).
(9) المعجم الوسيط (624/2).
* منقول من (مجلة «الإصلاح» العدد 2)
عبارات عقدية فاسدة (2)
5 – «رَبي تْفَكْرُو»:
تقال في حق الفقير إذا رزقه الله أو المبتلى إذا عافاه أو المريض إذا شفاه، ويفهم من هذه العبارة أن الله نسيه، والنسيان هنا خلاف
الذكر والحفظ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال الله عز وجل: ﴿لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى﴾ [طه:52]، وهو عز وجل سميع بصير
عليم خبير يعلم ما كان وما يكون قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:5]
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:12]
﴿إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه:98]، وهو حي قيوم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، كما قال تعالى:
﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة:255]
وقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إِنَّ اللهَ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ القِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَل اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ
النَّهَارِ وَعَمَل النَّهَاِر قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ»(1).
ويأتي النسيان في اللغة بمعنى الترك، ومنه قوله تعالى عن المنافقين: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [الحشر:67] يعني تركهم
وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه:126] أي تترك في العذاب(2).
على أنه قد يكون مقصود بعضهم أن الله رحمه وأحسن إليه، فهذا المعنى صحيح لكن عبارة «ربي تفكرو» باطلة.
6 – «اللِّي خْلَقْهُمْ حَارْ فِيهُم»:
وهذه العبارة الشنيعة القبيحة فيها محظوران:
الأوَّل: وصفه – عزَّ وجلَّ – بالحيرة وهي الاضطراب.
الثَّاني: وصفه بالعجز والضعف وأنه غير قادر عليهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا.
فالله – جلَّ وعلا – هو القوي المتين العلي العظيم العزيز الجبار، يمهل ولا يهمل ليس لعظمته حد ولا يعجزه أحد
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر:44].
وإذا كان الله – عزَّ وجلَّ – قد حفظ السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما أي لا يثقله – وهذا لكمال قدرته وعظمته وقوته
وعزته، فكيف يعجزه عبده الضعيف الفقير العاجز الحقير، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82]
وقال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر:15-17].
7 ـ «لُو كَانْ اعْطَى رَبي مَانِيشْ هْنَا أو مَانِيشْ هَكْذَا»:
وهذه العبارة فيها عدة محظورات:
الأوَّل: أن قائلها مظلوم مسلوب الحق لا تليق به الحالة التي هو فيها من فقر أو حاجة أو مرض أو نحو ذلك، وفي هذا اعتراض
على قضاء الله وقدره.
الثَّاني: تزكية نفسِه وأنه أهل للخير.
الثَّالث: سوء الظن بالله – عزَّ وجلَّ – واتهامه بأنه غير عادل وغير كريم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال الله تعالى:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة:64]
ومهما أعطى سبحانه وأنفق وأحسن ورزق فإن ما عنده لا ينفد ولا ينقص، قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -:«يَمِينُ اللهِ مَلأى
لاَ يغِيضُهَا نَفَقَةٌ سحَّاءُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أنْفقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ ينْقصْ مَا فِي يَمِينِهِ»(3).
لكنه – عزَّ وجلَّ – يعطي ويمنع وفق علمه وحكمته ومشيئته، ورحمته وفضله، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، قال الله تعالى:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر:2].
8 ـ «رَبِّي مَايْحَبش الخَسَارة»:
تقال هذه الكلمة إذا نجَّى الله – عزَّ وجلَّ – عبده من هلاك مؤكد كالصبي مثلا: يهجم على النار أو الماء الحار فتلحق به أمه
فتنقذه بإذن الله العزيز الغفار، أو يقوم الإنسان قبل سقوط الجدار الذي كان متكئا عليه، فيقولون: «رَبِّي مَا يحَبشْ الخَسَارَة».
ومفهوم الكلام أنه لو وقع مكروه لأحب الله الخسارة وهذا يتضمن اتهامه – عزَّ وجلَّ – بالظلم سبحانه وتعالى عما يقولون علوا
كبيرا، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف:49]
وفي الحديث القدسي قال الله – عزَّ وجلَّ -: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالمُوا»(4)
فالمصائب كلها بكسب الإنسان وإذن الملك الديان فالمرض والهلاك والموت بإذنه ومشيئته.
إن الله – جلَّ وعلا – خالق الخير والشر، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:62]، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:2]
وله عز وجل في كل ذلك الحجة الدامغة والحكمة البالغة، بيد أن الشر لا يضاف إليه لأنه يكون في بعض مخلوقاته لا في فعله
وخلقه ولهذا كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول في دعاء الاستفتاح: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ كُلُّه في يَدَيْكَ والشَّرُّ
لَيْسَ إِلَيْكَ»(5).
إن خلقه وفعله فيه الخير والرحمة والعدل والحكمة، وقد تقع أمورٌ لا يحبُّها لكنَّه خلَقها وأرادها قَدَرًا لحِكَمٍ عظيمةٍ وفوائد جليلةٍ.
===================================
(2) «الصحاح» للجوهري (6/2508)، «تيسير الكريم الرحمن» للسعدي (357، 552)، و «أضواء البيان» للشنقيطي (4/ 550).
(3) البخاري (7419) ومسلم (993).
(4) مسلم (2577).
(5) مسلم (771).
* منقول من (مجلة «الإصلاح» العدد 2)
بارك الله فيك على الموضوع القيم جزاك الله خيرا
الحمد لله
بارك الله فيك واحسن اليك
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
بارك الله لك أخي فتحون نصائح وتنبيهات مهمة جدا
تحياتي لك واصل جازاك الله عنا كل خير
وأحسن اليكم
جزاك الله خيرا