فيستفاد من ذلك أن الواجب على الإنسان إذا سمع من يغتاب أحدا أن يكف غيبته وأن يسعى في إسكاته، إما بالقوة إذا كان قادرا كأن يقول: اسكت، اتق الله، خاف الله وإما بالنصيحة المؤثرة، فإن لم يفعل فإنه يقوم ويترك المكان ؛ لأن الإنسان إذا جلس في مجلس يغتاب فيه الجالسون أهل الخير والصلاح، فإنه يجب عليه أولا أن يدافع، فإن لم يستطع فعليه أن يغادر وإلا كان شريكا لهم في الإثم .
جُحا الإنسان الذي أضحك الملايين بنوادره الطريفة وأخباره العجيبة التي تناقلتها الألسن على مرّ العصور، أصبح اليوم في ذاكرة الناس مجرّد شخصية خرافيّة ، إلا أنّ المعاجم وكتب التراجم والأدب ورجال الحديث تبيّن لنا أنّ جُحا شخصية حقيقيّة لها تاريخها العريق وماضيها المشرق الذي غَفِل عنه الأكثرون نتيجة ما نُسِب إليه من النوادر والطرائف التي كرّسته رمزاً للحماقة والتغفيل.
فمن هو جحا؟
قبل البَدء تجدر الإشارة إلى أنّ هناك شخصيتين حملتا هذا الاسم
أمّا الأوّل
فقد اختلفت المصادر بشأن اسمه، فقد قيل : نوح أو عبد الله أو دُجين أبو الغصن بن ثابت اليربوعي البصري، ولقبه (جُحا) أو (جُحى)، وكنيته أبو الغصن ينتهي نسبه إلى قبيلة فزازة العربية .
أوّل من ذكره الجاحظ حين أَورد في كتابه "القول في البغال" نوادر بطلها جُحا دون أن يترجم له.
ولد جُحا في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري (60هـ) وقضى الشطر الأكبر من حياته في الكوفة ، توفي فيها في خلافة أبي جعفر المنصور عام (160هـ)
. قال الإمام الذهبي رحمه الله :
جحا
أبو الغصن ، صاحب النوادر ، دُجَين بن ثابت ، الُيربوعيّ ، البصري . وقيل : هذا آخر . رأى دجين أنساً ، وروى عن أسلم ، وهشام بن عروة شيئا يسيرا . و روى عنه : ابن المبارك ، ومسلم بن إبراهيم ، وأبو جابر محمد بن عبد الملك ، والأصمعي ، وبشر بن محمد السكري ، وأبو عمر الحوضي . قال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن عدي : ما يرويه ليس بمحفوظ . وروي عن ابن معين قال : دجين بن ثابت هو جحا . وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى ، وقال : لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا ، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك ، ووكيع ، وعبد الصمد ، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا . وأما أحمد الشيرازي ، فذكر في " الألقاب " أنه جحا ، و قال جُحا لقب له ، وكان ظريفاً، والذي يقال فيه مكذوب عليه ، ثم روى عن مكي بن إبراهيم قال : رأيت جحا ، و الذي يقال فيه مكذوب عليه ، وكان فتى ظريفا ، وكان له جيران مخنثون يمازحونه ، ويزيدون عليه .
قال عباد بن صهيب : حدثنا أبو الغصن جحا – وما رأيت أعقل منه –
قال كاتبه : لعله كان يمزح أيام الشبيبة ، فلما شاخ ، أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المحدثون .
وقد قيل : إن جحا المتماجن أصغر من دجين ، لأن عثمان بن أبي شيبة لحق جحا ، فالله أعلم . وكذلك وهم من قال : إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو جحا ."سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي ص: 172و173، الجزء الثامن
وفي ميزان الاعتدال للذهبي (المجلد الأول، ص 326) ما نصه: جُحا هو تابعي، وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك، وكان الغالب عليه السماحة، وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته.
قال الإمام البخاري رحمه الله: "دُجين بن ثابت أبو الغصن اليربوعي، سمع من أسلم مولى عمر، روى عنه مسلم وابن المبارك""التاريخ الكبير" للإمام البخاري ص: 257-258، المجلد الثالث.
أمّا الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد فرّق بين دُجين المحدّث(البصري) ونوح الذي استقرّ في الكوفة، وأورد حديثاً رواه حُجا فقال:" عن ابن عدي حدّثنا أبو خليفة حدّثنا مسلم حدّثنا الدجين بن ثابت الغصن عن أسلم مولى عمر قال: قلنا لعمر، مالك لا تحدّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أخشى أن أزيد أو أنقص ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كذب عليّ متعمداً فليتبؤ مقعده من النار""لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني، ص415-416 الجزء الثاني
قال عنه ابن الجوزي رحمه الله : " رُوي عنه ما يدل على فطنة وذكاء ، إلا أنّ الغالب عليه التغفيل، وقد قيل: إنّ بعض من كان يُعاديه وضع له حكايات ، والله أعلم ، عن مكي بن ابراهيم – هو مكي بن إبراهيم البلخي آخر من روى من التقات عن يزيد بن أبي عبيد، عاش نيفاً وتسعين سنة ، مات سنة215هـ – أنّه كان يقول : رأيت جحا رجلاً كيِّساً ظريفاً ، وهذا الذي يُقال عنه مكذوب عليه، وكان له جيران مخنثون يُمازحهم ويمازحونه فوضعوا عليه"-"أخبار الحَمْقى والمغفلين" للحافظ ابن الجوزي، ص: 19
وقال عبد الوهاب الشعراني في كتابه(المنهج المطهر للقلب والفوائد) : "عبد الله جُحا تابعي ، كما رأيته بخط الجلال السيوطي- الذي ألّف كتاباً عن جُحا، جواباً لسؤال ورده مستفسراً عنه ، جَمع فيه القصص المنسوبة إليه، سمّاه: "إرشاد من نحا إلى نوادر جُحا"- ، قال : وكانت أمّه خادمة لأم أنس بن مالك، وكان الغالب عليه صفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسْخر به إذا سَمِع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يَسأل الله أن ينفعه ببركاته ، قال الجلال: وغالب ما يُذكر عنه من الحكايات المضحكة لا أصل له ، قال شيخنا: وذكره غير واحد ، ونسبوا له كرامات وعلوماً جمّة"
وقال الزِّرِكْلِي في "الأعلام" (2 / 112):
جحا
جحا الكوفي الفزاري، أبو الغصن: صاحب النوادر. يضرب به المثل في الحمق والغفلة.
كانت أمه خادمة أنس بن مالك ويقال: كان في الكوفة إبان ثورة أبي مسلم الخراساني، و سماه الجوهري في الصحاح (جحا) فتعقبه صاحب القاموس (الفيروزأبادي) بأن (جحا) لقبه وان اسمه (دجين بن ثابت) وأورد ابن حجر في (لسان الميزان) ترجمة لمحدث من أهل البصرة اسمه (دجين بن ثابت) اليربوعي وكنيته (أبو الغصن) ونفى رواية من قال إنه هو جحا.
وربّما هذا ما دفع الإمام النسائي للقول عنه:" ليس بثقة، وابن معين للقول: ليس حديثه بشيْ، والدار قطني وغيره : ليس بالقوي، ولعلّ التجريح قد جاء ممّا نُسِب إليه من نوادر وفكاهات لا تليق براوي حديث ، "وليس من المستحيل أن يكون محدّث البصرة قد وقع فريسة لكيد أهل الكوفة "
أمّا الشخصيّة الثانية
فهي نصر الدين خُوجة المعروف بجُحا الأتراك؛ فلقد كان معلّماً وفقيهاً وقاضياً ولد في قرية صغيرة تدعى خورتو عام 605هـ ، وتلقّى علومه فيها ، ووليَ القضاء في بعض النواحي المتاخمة لها ، كما ولي الخطابة في (سيوري مصار)، عُيّن مدرِّساً وإماماً في بعض المدن.
كان عفيفاً زاهداً يحْرث الأرض ويحتطب بيده، كما كانت داره محطة للوافدين من الغرباء والفلاحين (10).
ولا يفوتنا أنْ نؤكّد في هذا المقام أنّ نصر الدين من كبار العلماء الأحناف ، وأنّ أكثر اشتغاله كان بعلم الفقه، وقد أحبّه تلاميذه فأقبلوا على مجالسه يستمعون إليه، وكانوا أَكثر من 300 تلميذ، وقد غلب عليه لقب المعلّم؛ لذلك اشتهر بين أهل تركيا بالخوجة، كما كان واعظاً ومرشداً يأتي بالمواعظ في قالب النوادر والنكات الظريفة التي لم تُزعزع مكانته في قلوب الناس.
ومن المعروف عنه أنّه كانت له جُرأة على الحكّام والأمراء والقضاة الذين كان يدعوهم إلى السير بمقتضى الشرع الحنيف ، ويحضّهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبفضل علمه الغزير الذي اعترف به علماء الأناضول استطاع الوقوف في وجه (تيمورلنك) والتصدي له في العديد من المواقف، فأَنقذ بذلك العديد من الناس من بعض مظالمه.
توفي عام 683هـ وضريح الشيخ موجود في مقْبرة آق شهر الكبرى
أمّا النوادر التي نُسبت إليه ، فيستحيل أن تصْدر عن شخصية واحدة لتباعد البيئات التي تُروى عنها و هي نتيجة ما وضعه الترْك وما وضعه غيرهم من عامّة الشعوب الشرقية الإسلامية، وبعضه ممّا وضعه غير المسلمين من جِيران العثمانين -كالأرمن –
خِتاماً نقول: إنّه من الواجب علينا إعادة الاعتبار إلى هذه الشخصية التي ضُيِّعَ حقّها طوال القرون المنصرمة عندما أُلبست أثواب المغفلين والحمقى، وذلك بـ:
إعادة الهويّة الإسلامية لجُحا، من خلال التركيز على شخصية جُحا المسلم ، ورفض ما عداها من هويّات قوميّة أو وطنيّة (جُحا العربي –جُحا المصري- جحا التركي- جُحا الكردي- جُحا الفارسي) التي يحاول البعض إلصاقها به ؛ لأنّ هذا يصبّ في مصلحة أعداء الدين
توقير جُحا بصفته تابعي جليل و محدّث ، أو على الأقل فقيه من فقهاء الأحناف وإنزاله المنزلة التي تليق به لا السخرية منه، لأنّ تصويره بشكل كاريكاتوري فيه انتقاص من شأنه كعالم ، وتغييب لدوره الإصلاحي في المجتمع من توعية الناس و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
ثم إنّ الألقاب الكثيرة التي أُلصقت بشخصيّة جُحا منها: الأحمق والمغفّل والطفيلي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف التي تنصّ على عدم السخرية من الآخرين، فلقد قال الله سبحانه وتعالى : " يا أيّها الذين آمنوا لا يسْخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تَلْمِزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئْسَ الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتُبْ فأولئك هم الظالمون " سورة الحجرات: الآية :11
وأيّاً كان الأمر ، فإن كان جحا صالحاً وأدرك بعض الصحابة فهو تابعي ، أما أن تلصق به هذه الصورة فهذا منكرٌ وجرمٌ كبير ، وإن كان من عامة المسلمين فلماذا الكلام فيه، والكذب عليه، وتصويره بصورة خيالية ؟ كيف وهو مُتوفَّى ؟
و هذه دعوة مني للجميع بالتثبت فيما يُسمع أو يُقال، و قد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " كفى بالمرء كذباً (وفي رواية إثماً) أن يُحدّث بكل ما سمع " السلسلة الصحيحة 2025.
اللهم قد بلغت …………. اللهم فاشهد
جزاك الله خيرا
والله لقد كنا نجهل هذه الحقيقة الكبيرة
بارك الله فيك وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك ورحم الله هذا التابعي الجليل والفقيه العلم
نسأل الله المغفرة في ماسبق
جزاكم الله خيرا
آمـــــــــيــــــــــن …… العفو يا أخي
جزاك الله خيرا
بارك الله فيكم.
والله لقد كنا نجهل هذه الحقيقة الكبيرة. اول مرة اسمعها
بارك الله فيك اخي
جحا في حكايات الناس هو رجل خيالي و يوجد عند كل الجنسيات و البلدان و لا علاقة له بهذا التابعي من قريب أو بعيد
جحا في حكايات الناس هو رجل خيالي و يوجد عند كل الجنسيات و البلدان و لا علاقة له بهذا التابعي من قريب أو بعيد
|
و الله عجيب أمرك أيها الإخواني
لا أدري أيأخذ الناس بقولك أنت الجاهل أم بقول من يُلقِّبُه العلماء بمُؤرِّخ الإسلام ، أعني الحافظ الذهبي رحمه الله
في ميزان الاعتدال للذهبي (المجلد الأول، ص 326) ما نصه: جُحا هو تابعي، وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك، وكان الغالب عليه السماحة، وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة ، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته.