من خطبة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
اذ يقول
أيها المؤمنون، اتّقوا الله تعالى واعلموا أنكم إخوة في دين الله، إخوة في الإيمان بالله وأن هذه الأخوّة أقوى من كل رابطة وصِلة، فيوم القيامة لا أنساب بين الخلق ولكنّ الأخلاء ﴿يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: 67] .
أيها المؤمنون بالله ورسوله، نَمّوا هذه الأخوّة وقوّوا تلك الرابطة بأن تفعلوا الأسباب التي شرعها الله لكم ورسوله، اغرسوا في قلوبكم المودّة والمحبة بعضكم لبعض فإن أوثق عرى الإيمان الحبُ في الله والبغض في الله ومَن أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فقد نالَ ولاية الله؛ فإنما تُنال ولاية الله بذلك .
أيها المؤمنون، إن الأمة لن تكون أمة واحدة ولن يحصل لها قوة ولا عزّة حتى ترتبط بالروابط الدينية حتى تكون كما وصفها نبيها – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»(1) وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»(2) .
أيها المؤمنون، لقد أرست الشريعة الإسلامية أسس تلك الروابط والأواصر فشرع الله ورسوله للأمة ما يؤلف بينها ويقوّي وحدتها ويحفظ كرامتها وعزّتها ويجلب المودّة والمحبة ويطرد البغضاء والفرقة .
لقد شرع الله للأمة أن يسلّم بعضهم على بعض عند الملاقاة؛ فالسلام يغرس المحبة ويُقوي الإيمان ويُدخل الجنة، المؤمنون إخوة في كل مكان وفي كل زمان، فإذا لقي أحدكم أخاه المسلم فلْيسلّم عليه ولْيكن أحرص منه على بدء السلام «فإن خير الناس مَن بدأهم بالسلام»(3)وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يبدأ مَن لقيه بالسلام»(4) بل كان صلى الله عليه وسلم «يسلّم على الصبيان إذا مَرّ بهم»(5) وذلك من أجل أن يربّيهم التربية الإسلامية على محبة السلام وإفشائه وليرد عليه أخوه بجواب يسمعه فيقول: وعليك السلام، ولا يكفي أن يقول «أهلاً وسهلاً» أو «مرحبًا» أو كلمةً نحوها حتى يقول: وعليكم السلام أو عليك السلام، لو قال الإنسان لأخيه ردًّا على سلامه، لو قال: «أهلاً وسهلاً» ألف مرّة فإن ذمته لا تبرأ بذلك وهو آثم حتى يقول: عليك السلام .
فانتبهوا – أيها المؤمنون – لهذا فإن كثيرًا من الناس إذا رَدّ فإنما يقول: أهلاً وسهلاً أو مرحبًا بأبي فلان أو ما أشبه ذلك وهذا لا تبرأ به الذمة ولا يسقط به الإثم؛ لأن رَدّ السلام واجب، يقول الله عزَّ وجل: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، ومن المعلوم أن قول «أهلاً ومرحبًا» ليس مثل قول «السلام عليكم» ولا أحسن منه؛ لأن قول القائل: «السلامُ عليكم» أو «السلام عليك» دعاء لأخيه بالسلامة من كل ما يؤذيه ويضرّه، فهي كلمة خبرية ولكنّها بمعنى الدعاء .
أيها المسلمون، سمعتم قول الله عزَّ وجل: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]، وهذا يشمل حسنها باعتبار الصيغة ويشمل حسنها باعتبار الأداء، ومن الناس مَن إذا سلّمت عليه بصوت مرتفع بيّن يسمعه سماعًا واضحًا لا يرد عليك إلا بصوت خافت ربما لا تسمعه، لا يرد عليك إلا بأنْفه وهذا يدل إما على الجهل التام و إما على الكبرياء والعياذ بالله، فإذا سلّم عليك أخوك بصوت بيّن واضح فردّ عليه بمثل صوته أو أبْين منه حتى تكون مؤدّيًا ما أوجب الله عليك .
أيها المسلمون، إنه لا يَحِل للمسلم أن يهجر أخاه المسلم؛ لأن ذلك يوجب الكراهة والبغضاء والتفرّق إلا إذا كان مجاهرًا بمعصية وكان في هجره فائدة تردعه عن المعصية .
فالهجر – أيها الإخوة – بمنزلة الدواء إن كان نافعًا بإزالة المعصية أو تخفيفها كان مطلوبًا وإلا فلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرضُ هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»(6) ومن المعلوم أن من عقيدة أهل السنّة والجماعة أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بالمعاصي وإن عظمت؛ وعلى هذا فالأصل تحريم هجر المسلم إلا إذا كان على معصية وكان في هجرِهِ فائدة لتقليل المعصية أو اجتنابها .
أيها المسلمون، وإن من الأمور التي تؤيّد أواصر المحبة وتوجب للإنسان الثواب أن يعود الإنسان أخاه إذا مرض فإن عيادَة المريض تجلب المودّة وترقّق القلب وتزيد في الإيمان والثواب، فمَن عادَ مريضًا ناداه منادٍ من السماء: طبتَ وطاب ممشاك، ومَن عاد أخاه المسلم لم يزل في جنى الجنة حتى يرجع، وينبغي لِمَن عاد المريض أن يكون مباركًا عليه فيذكّره بِمَا ينبغي أن يذكّره به وأن لا يُطيل الجلوس عنده إلا إذا كان يرغب ذلك وينبغي أن يذكّره بِمَا أعدّ الله للصابرين من الثواب وبِمَا في المصائب من تكفير السيئات وأن لكل كربة فرجة ويفتح له باب التوبة والخروج من حقوق الناس واغتنام الوقت بالذكْر والقراءة والاستغفار وغيرها مِمّا يقرّب إلى الله ويرشده إلى ما يلزمه في عباداته من الوضوء بالماء إن قدر عليه أو التيمم إن لم يستطع وكيف يصلي؛ فإن كثيرًا من المرضى يجهلون كثيرًا من أحكام الطهارة والصلاة ولا يحقرنّ أحدكم شيئًا من تذكير المريض وإرشاده؛ فإن المريض قد رقّت نفسه وخشع قلبه فهو إلى قبول الحق والتوجيه قريب، واحرصوا – رحمكم الله – على أن تعلموهم ما يلزمهم في مسائل الصلاة والطهارة .
ولقد عاد أخٌ من المسلمين أخًا له في الله وهو مريض فجعل يتحدّث إليه فقال له: واللهِ إني منذ خمسة عشر يومًا وإني لأجمع بين الصلاتين وأقصر، فتأمّل كيف وصلت حال هذا المريض وأمثاله كثير إلى أن يظن أنه إذا جازَ الجمع جاز القصر وهذا خطأ؛ فإن القصر ليس له إلا سبب واحد وهو السفر، فمَن كان مقيمًا فلا قصر له ولكن ربّما يَحِل له الجمع إذا كان يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها .
أيها المؤمنون، إن الإصلاح بين المؤمنين رأب للصدع ولَمٌّ للشعث وإصلاح للمجتمع كله وثواب عظيم لِمَن ابتغى به وجه الله؛ إن الموفّق هو الذي إذا رأى بين اثنين عداوةً وتباعدًا سعى بينهما في إزالة تلك العداوة والتباعد حتى يكونا صديقين متقاربين، وإن الإنسان المخذول المتّبع لهواه هو الذي إذا رأى بين اثنين صداقة وقرابة سعى بالإفساد بينهما.
أيها المسلمون، وإن من الأمور التي تؤدي إلى اجتماع المسلمين على كلمة واحدة التشاور بينهم في أمورهم حتى تتم الأمور وتنجح على الوجه الأكمل فإن الآراء إذا اجتمعت مع الفهم والدراية وحسْن النيّة تحقّقَ الخير وزال الشر بإذن الله، فإذا حصل عند الإنسان إشكال في أمر ديني أو أمر دنيوي فإن من المشروع أن يشاور مَن هو أعلم به في ذلك حتى يكون دالاً له على الخير والمستشار مؤتمن، فعلى مَن استشير في شيء أن يؤدي النصيحة لأخيه؛ لأنه إذا شاوَرَك فقد ائتمنك .
وإن من القواعد الأصيلة بين المسلمين أن يسعوا في كل أمر يؤلّف بين قلوبهم ويجمع كلمتهم ويوحّد رأيهم وأن ينابذوا كل ما يضاد ذلك؛ ومن أجل هذا حرمَ على المسلمين أن يهجر بعضهم بعضًا إلا لمصلحة شرعية كما سمعتم .
وإن من المؤسف أن نرى أو يرى بعض الناس رجلاً حريصًا على الخير جادًّا في فعله ولكنّ الشيطان غرّه في هجر أخيه المسلم من أجل أغراض شخصية ومصلحة دنيوية وربما كان هذا الإنسان قريبًا له فيجمع بين الهجْر وقطيعة الرحم، أفَلَم تعلم – أيها المسلم – أن الإسلام الذي مَنّ الله به عليك أسمى وأعلى من أن تؤثر الأغراض الشخصية أو المصالح الدنيوية في الصلة بين أفرادك ؟
فاتّقوا الله – أيها المسلمون – واحرصوا على ما يجلب المودّة بينكم ويُبعد العداوة والبغضاء؛ فإن ذلك من صميم ما جاء به الإسلام .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا من مفاتيح الخير ومغاليق الشر، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
بارك الله فيك
من المؤسف أن نرى أو يرى بعض الناس رجلاً حريصًا على الخير جادًّا في فعله ولكنّ الشيطان غرّه في هجر أخيه المسلم من أجل أغراض شخصية ومصلحة دنيوية وربما كان هذا الإنسان قريبًا له فيجمع بين الهجْر وقطيعة الرحم، أفَلَم تعلم – أيها المسلم – أن الإسلام الذي مَنّ الله به عليك أسمى وأعلى من أن تؤثر الأغراض الشخصية أو المصالح الدنيوية في الصلة بين أفرادك ؟
السلام عليكم
وفيكم بارك الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شكرا وكثر الله من امثالك
يازائرا
شكرا وبارك الله فيك فرحنا بمروركم
للرفع مرة اخرى
شكرا لك جزاك الله ألف خير
مشكور طرح مميز
السلام عليكم
شكرا وبارك الله فيكما
فرحنا بمروركما
لكما احترامي
………………..
للرفع مرة اخرى
شكرا لك أخي جزاك الله خيرا ،
بارك الله فيك