سأحاول في هذا الموضوع جمع ما توفر لدى من معلومات حول أسلوب الخريطة التربوية والتي يعرفها احمد الحاج على أنها : الأسلوب العلمي لتحليل النظام التربوي وتشخيصه الدقيق في منطقة جغرافية معينة، أو بلد معين، وذلك لتجميع الموارد والإمكانات المتاحة بغرض الاستخدام المستقبلي الملائم لمواجهة الاحتياجات التعليمية وتوزيعها بشكل مناسب.
وللوصول لتصور واضح لهذا التكنيك سأقترح العناوين التالية :
• مفهوم الخريطة التربوية.
• دوافع تبني أسلوب الخريطة التربوية.
• أهداف الخريطة التربوية.
• حدود استخدام الخريطة التربوية.
• مراحل بناء الخريطة التربوية.
تعتبر الخريطة التربوية أحد تقنيات التخطيط التربوي اللامركزي، والتي لم تظهر إلا ببداية السبعينات ، كحل لقصور التخطيط التربوي المركزي على مستوى الدولة ، والذي لا يعير عمليات المتابعة والتنفيذ قدراً من الأهمية .
وقد اتفقت الأدبيات على أن اغلب العقبات التي تواجه الخطط التربوية، تكمن في عملية التنفيذ والمتابعة، عليه فان التخطيط على مستوى المنطقة أو المستوى المحلي والذي تشكل الخريطة التربوية أهم ركائزه يمكن أن يسهم إسهاماً فعالاً في تجاوز هذه العقبات.
والخريطة التربوية أكثر شمولاً من الخريطة المدرسية، لأنها تسعى لاستشراف المستقبل من خلال عمليات التنبؤ ، التي تعتمد على تحليل النظم والتوصل إلى متغيراتها والعوامل المؤثرة فيها ، من اجل تخطيط واعٍ دقيق للمستقبل ، يعتمد على تكييف الأهداف العامة لخطط التعليم وفقاً لظروف كل إقليم أو منطقة وإمكاناته واحتياجاته المستقبلية .
ولأهمية تبني أسلوب الخريطة التربوية ظهرت عدة دراسات وأبحاث تحدد كيفية وضعها والإفادة منها ، إلا أن أهمها ما يقوم به مكتب اليونسكو بالتعاون مع وزارات التربية والتعليم العربية ، من خلال اختيار منطقة تعليمية وعمل خريطة تربوية لها ، بحيث تكون أنموذجاً تسير على نهجه المناطق الأخرى .
مفهوم الخريطة التربوية:
تعددت الأدبيات في تعريفها لهذا الأسلوب في تخطيط التعليم إلا أن اغلبها يدور حول نفس المعنى حيث يعرفها عبد الغني النوري على أنها ” مجموعه من الخرائط تعد من اجل تشخيص الواقع التربوي من أبعاده المختلفة داخل المدرسة وخارجها ، وذلك للكشف عن نواحي القوة والضعف في هذا الواقع وفق معايير أو مؤشرات معينه “.
وأضاف نور الدين محمد عبدالجواد لهذا التعريف أنها”مجموعه من الخرائط ،وقد تكون الخريطة المدرسية واحده منها ، وكلها مفروض فيها أن تشخص الواقع التربوي من أبعاده المختلفة ، وتكشف نواحي القوة والضعف في هذا الواقع وفق مؤشرات معينه ، بحكم كونها أداة نظر للمستقبل تعطينا صوره بل صور التربية كما تريدها بيئة من البيئات أن تكون ، على مدى زمني معين وذلك في حدود إمكاناتها” .
بينما ينظر إليها محمد سيف الدين فهمي على أنها “خطة تعليمية مجسده للتطور المستقبلي المستهدف للتعليم على مستوى إقليم أو مجتمع محلي، يتم تحضيرها في إطار الخطة الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وفي إطار الخطة القومية الشاملة للنمو التعليمي “.
دوافع تبني أسلوب الخريطة التربوية
بدأ استخدام أسلوب الخريطة التربوية في عدد محدود من الدول وسرعان ما اثبت جدواه مما ساهم في انتشاره وصولاً إلى الدول العربية، ومن أسباب تبني هذا الأسلوب ما يلي:
1.تعطي الخريطة التربوية صوره واضحة عن الواقع التعليمي في المنطقة أو الإقليم واحتياجاته المستقبلية ، وتوائم هذه الاحتياجات مع الإمكانات المتاحة.
2.تؤكد الخريطة التربوية على مبدأ تكافؤ الفرص من خلال التوزيع العادل للخدمات التربوية بين مناطق وأقاليم الدولة .
3.عادة ما تكون الخطط التربوية مركزية الإعداد و يقع تنفيذها على عاتق المسئولين عن التخطيط على المستوى المحلي، وربما اتضح أن هذه الخطط لا تحقق التطلعات والآمال المرغوبة، أو أنها غير قابله للتنفيذ على ارض الواقع ،ونظرا لهذه المركزية فإن إدارة التخطيط على المستوى المحلي لا تستطيع اتخاذ الإجراءات المناسبة وتعديل مسار الخطة .
4.تحقق الخريطة التربوية مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات، لأن إعدادها يحتاج إلى إشراك فريق ذو تخصصات مختلفة على مستوى المنطقة أو الإقليم.
أهداف الخريطة التربوية :
إن من دوافع تبني الخريطة التربوية تنمية التعليم في المنطقة الجغرافية التي تشرف عليها الإدارة التعليمية وفق ظروفها وإمكاناتها وما تتطلع إليه من آمال بالإضافة إلى معالجة القصور في التخطيط المركزي، لذا فان أهم أهدافها تتمثل بما يلي :
1.تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التربية والتعليم ،من خلال تحديد المواقع التي يتعين توفير الموارد والإمكانات بها أولاً على مستوى المناطق وثانياً داخل المنطقة نفسها بين المحافظات والمراكز بل وحتى بين الأحياء .
2.تحقيق مبدأ المشاركة في إعداد وتنفيذ الخطط .
3.استغلال الإمكانات التعليمية المتاحة الاستغلال الأمثل .
4.وضع خطة واقعية للمنطقة أو الإقليم وضمان تنفيذها.
5.توفير قاعدة بيانات معلوماتية أو إحصائية للمناطق يمكن الاستعانة بها عند إعداد خطة تربويه على مستوى الدولة و عند إعداد خطة تنموية شامله .
حدود استخدام الخريطة التربوية:
ويمكن إيجازها هنا كالتالي (محمد متولي غنيمه):
1.مركزياً: تستخدم على المستوى المركزي لشتى الدول التي يخضع تعليمها إلى نظم تعليمية مركزيه ، بهدف توزيع الإمكانات على جميع أنحاء البلاد بطريقة عادلة ومنسقة .
2.محلياً :تستخدم على المستوى اللامركزي ، بحيث يكون تركيز الخريطة هنا على تنمية التعليم للمناطق والأقاليم كل على حده ، وفق إمكانات الإدارة المحلية .
3.على مستوى النظم التعليمية ككل: حيث شاع استخدام الخريطة على مستوى التعليم ما قبل الجامعي، إلا أن هذا لا يمنع من استخدامها في شتى النظم التعليمية سواء أكانت:
أ-تعليم عالي ام جامعي .
ب-تعليم ما قبل الجامعي (جميع المراحل)
ج-تعليم محو الأمية وتعليم الكبار.
د-شتى الأنظمة التعليمية التي تقع تحت مظلة الخريطة التربوية.
مراحل بناء الخريطة التربوية
المرحلة التحضيرية:
وتشمل هذه المرحلة اختيار فريق العمل المناسب والذي يجب أن تتوفر في أعضاءه الخبرة المطلوبة بالإضافة إلى تعدد التخصصات ، ويقوم هذا الفريق بالإشراف على إعداد وبناء الخريطة التربوية والاطمئنان على كفاءة سير عمليات التخطيط ووضع التصور المبدئي للخريطة، وتحديد من سيشارك في إعدادها ،وكيف ومتى،وتحديد الأولويات ،وتسهيل الحصول على المعلومات ، كما تشمل هذه المرحلة تحديد الشركاء ،وتحديد الأدوار والمسئوليات ، وتحديد المعلومات ومصادرها ، وتحديد الموارد المطلوبة وكيفية تأمينها، وتحديد المدة الزمنية.
مرحلة جمع المعلومات :
عند الشروع في إعداد الخريطة التربوية لابد أن تتوفر المتطلبات التالية:
1.اللوائح والأنظمة: وتشمل السياسة العامة للدولة، وسياسة التعليم، وجميع القرارات والأنظمة المتعلقة بسير العملية التربوية.
2.البيانات السكانية: وتدخل فيها البيانات الإحصائية عن عدد السكان حسب فئات الجنس والسن وحسب توزيعهم على الريف والحضر وتطور معدلات الخصوبة، والمواليد، والوفيات وإحصاءات الهجرة من المنطقة المراد وضع الخريطة لها واليها.
3.البيانات الاقتصادية والاجتماعية :وتشمل هذه البيانات معلومات المنطقة أو الإقليم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية كميزانية المنطقة أو دخلها وتحديد النمو المستقبلي في القطاع الاقتصادي فيها ، وعدد المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية فيها وعدد العاملين بها ونوع النشاط بالإضافة إلى إحصاءات القوى العاملة ومتطلبات سوق العمل ، وشبكات الطرق والمواصلات .
4.البيانات التعليمية: وتشمل هذه البيانات وصف شامل للواقع التعليمي في المنطقة كعدد المدارس والفصول وتوزيع المدارس وتجهيزاتها وإحصاءات الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة حسب فئات الجنس وحسب نوعية التعليم، ومعدلات القبول ومعدلات النجاح والرسوب والتسرب.
5.ميزانية الخريطة: ويقصد بها الموارد المالية اللازمة لإعداد وتنفيذ الخريطة التربوية، فأي خطه تعليمية يجب أن تنتهي بإعداد ميزانيه تبين حجم النفقات المقدرة خلال فترة الخطة، كذلك يجب تحديد مصادر تمويل الخطة وتوزيع بنودها وتحليلها ومراجعتها حسب المتغيرات الاقتصادية.
6. الخرائط: وهي نوعان خرائط مجمله للمنطقة أو الإقليم وعادة ما يكون مقياس الرسم فيها 1/250000، وخرائط مفصلة للمدينة أو المحافظة يوضح فيها المعالم الرئيسية للمدينة ويكون مقياس الرسم فيها 1/10000.
تشخيص الواقع الراهن:
إن تشخيص الوضع الراهن يعد أهم المرتكزات الأساسية التي يحتاجها المخطط التربوي ، ويرى هالوك Hallak “أن غرض التشخيص الذي يتطلبه إعداد الخريطة التربوية هو إظهار الحالات الشاذة خلال سنة الأساس ، بمعنى إن غرضه إظهار التباين في الخدمات والأبنية والقوى البشرية حتى يمكن العمل على تلافيها “.
وتشخيص الوضع الراهن يعني معرفة إعداد المدارس والاطلاع على واقعها من حيث أعداد المعلمين والموظفين ومدى فعاليتها في تقديم الخدمات التربوية للتلاميذ ،وهل هي موزعه بالشكل الملائم، وبيانات الطلاب وتشمل القيد المدرسي ،ومعدلات الاستيعاب ،ومقارنتها بواقع السكان في سن التعليم، كما يشمل التشخيص الحصول على الخرائط اللازمة وتحديد موقع كل مدرسة على الخريطة، وكذلك تحليل البيانات الاقتصادية وتوزيع مؤسسات الإنتاج وحجم العمالة، بالإضافة إلى المعلومات الجغرافية ووسائل المواصلات، والمعلومات الإدارية عن التنظيم الإداري في المنطقة وصلته بإدارات التعليم،وأخيراً المعلومات السياسية عن سياسة الدولة.
التنبؤ بالطلب المستقبلي على التعليم :
يقوم فريق العمل من خلال هذه المرحلة بإجراء الإسقاطات والتنبؤ المستقبلي بأعداد السكان وذلك لتحديد الأعداد المتوقعة التي ستلتحق بالتعليم ومعدلات الاستيعاب بغية الوقوف على مدى قدرة النظام التربوي لتوفير الاحتياجات التعليمية اللازمة لاستيعابهم والانتقال بهم من مرحلة إلى أخرى.
تقدير الاحتياجات التعليمية للمنطقة :
ويقصد بها الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية المطلوبة ، وذلك من اجل توفير هذه الاحتياجات حسب الميزانية المتاحة خلال الفترة التي تغطيها الخريطة التربوية لتلبية الطلب المستقبلي على التعليم بصورته المأمولة والذي نتج عن عملية التنبؤ .
وضع الخريطة التربوية في شكلها النهائي :
بعد انتهاء فريق العمل من المراحل السابقة وبعد المقارنة بين الأوضاع القائمة وما يجب أن تكون عليه العملية التربوية في المنطقة مستقبلاً ،واستخلاص الفروق بينهما يتم وضع الخريطة بشكلها النهائي وفقاً للتسلسل التالي (محمد متولي غنيمه) :
1.تدرج جميع العناصر السابقة بالتفصيل .
2.توضع هذه العناصر في جداول منظمه حسب حاجات التنفيذ.
3.يستعان بالرسومات البيانية والخرائط لتوضيح عناصر الخريطة كاملة.
مشكور الأخ فريد