شوقي.. ابن باديس ومسّاح الأحذية
احتفى موقع ”غوغل”، أشهر محرّك بحث على الأنترنت، الأسبوع الماضي، بذكرى ميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي. ونشر الموقع بيتا من قصيدة شعرية شهيرة لشوقي في حبّ الوطن وهو:
”وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي”
وجاء احتفاء ”غوغل” بمناسبة ذكرى ميلاد شوقي في 16 أكتوبر .1869
وخرجت صفحة المحرّك الشهير، التي تحمل اسمه بالإنجليزية، مع منتصف ليلة الجمعة، بكلمات بيت الشعر الشهير لشوقي. وهذه هي المرّة الأولى التي يحتفي بها المحرّك العالمي بشاعر عربي بعد احتفائه بسيّدة الطرب العربي أم كلثوم.
ولأحمد شوقي قصة طريفة مع الجزائر ومع عبد الحميد بن باديس، فقد قدّر له أن يزور بلادنا بعد أن نصحه أطباؤه بأن يقضي فترة نقاهة تحت سماء إفريقيا الدافئة، بعدما تماثل للشفاء من مرض شديد، كان فيه ”بين الحياة والموت”. وجاء شوقي إلى الجزائر، وفضّلها على غيرها من البلدان، لأنها بلد عربي كان الشاعر يأمل أن ينسيه بعض حنينه إلى موطنه، وإلى ديوان الخديوي توفيق الذي منعه من العودة إلى مصر قبل إتمام دراسته. ولأنه أيضا كان يعتقد أن الجزائر شبيهة ببيئته التي نشأ فيها.
وأقام شوقي أربعين يوما في العاصمة للاستشفاء، متنقلا بين حيّ القصبة والأحياء التي بناها الفرنسيون بعد الاحتلال. وكان ينزل كل مساء ليتأمل خليج الجزائر. وانبهر بجمال العاصمة، وتناغم عمرانها، وبساطة وطيبة أهلها، واندهش أكثـر من خليط اللغات واللهجات المنتشرة فيها. وقال عنها قولته المشهورة… ”ولا عيب فيها، سوى أنها مسخت مسخا. فقد عهدت مسّاح الأحذية فيها يستنكف النطق بالعربية، وإذا خاطبته بها لا يجيبك إلا بالفرنسية”. ويخطئ من يظن أن سبب اندهاش شوقي هو جهله الفرنسية، فقد درس بقسم الترجمة في مدرسة الحقوق، ثم أرسل في بعثة ثقافية إلى فرنسا، ودرس الحقوق في جامعة مونبلييه، حصل فيها بعد سنتين على الإجازة. وكان لإقامته بفرنسا وتعرّفه على الأدب الفرنسي أثر بليغ في شعره وفي انتقاله من المدح إلى الالتزام بقضايا الأمة الكبرى. وكان يحدق، بالإضافة إلى العربية، العديد من اللغات، منها الفرنسية والتركية، ونشأ في بيئة أرستقراطية غنية متفتحة، كما كان ملّما بالآداب الأجنبية وثقافات الأمم الأخرى.
في عام 1927 اجتمع الشعراء العرب بالقاهرة، وبايعوا شوقي بإمارة الشعر، ثم عيّن بعد ذلك عضوا في مجلس الشيوخ. بعد أربعين عاما من زيارته إلى الجزائر التي لم يحفظ لنا التاريخ منها إلا قولته المشهورة، ودّع الشاعر هذا العالم، في 23 أكتوبر .1923 و”سقطت غيتارة الشعر من يده”، كما قال الناقد شوقي ضيف. فندبته الأمة العربية بدموع حرّى، وتبارى الشعراء في رثائه، ومنهم بشارة الخوري وخليل مطران.
ونسي الجميع ما قاله شوقي عن لغة الجزائريين وخليط لهجاتهم، إلا الشيخ عبد الحميد بن باديس. فبمناسبة حفل نظّم في نادي الترقي، تخليدا لذكرى الشاعرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ألقى ابن باديس خطبة جميلة تحدث فيها بأسى ولوعة عن شاعري الأمة العظيمين. فأبدى إعجابه بشوقي، شاعر العرب والأحداث الإسلامية الكبرى الذي عاش عيشة الترف والنعمة، ورثى لمأساة حافظ، شاعر الأخلاق والاجتماع والوطنية الذي عانى من البؤس والفاقة. ثم ردّ ابن باديس على قولة شوقي آنفة الذكر، متعجبا من استدلاله على حالة أمة بمسّاح الأحذية منها. ومما قاله ابن باديس في عزّة نفس، لكن بعتاب رقيق:
”ولا يجمل بي أن أزيد في موقفي هنا على هذا إلا أن فقيدنا العزيز لو رأى من عالم الغيب حفلنا هذا، لكان له في الجزائر رأي آخر، ولعلم أن الأمة التي صبغها الإسلام، وهو صبغة الله، وأنجبتها العرب، وهي أمة التاريخ، وأنبتتها الجزائر، وهي العاتية على الرومان والفاندال، لا تستطيع ولن تستطيع أن تمسخها الأيام ونوائب الايام”.
واليوم، لو عاد أحمد شوقي من عالم الغيب إلى الجزائر، بعد أكثر من قرن من زيارته لها، وشاهد المسخ اللغوي المستشري فيها، لاعتذر لمسّاح الأحذية.
ولو بعث الشيخ عبد الحميد بن باديس من جديد، بعد أكثـر من سبعين سنة من رحليه لاعتذر، هو الآخر، لشوقي بعد أن لامه على استدلاله على حالة الجزائر آنذاك بمسّاح الأحذية.
عبد العزيز بوباكير
و الله لقد صدق شوقي فالجزائريون لا تكد تفقه لهم قولا فلسانهم أقرب الى العجم و الفرنجة منه الى العرب و العربية
فلغة الجزائريين شبيهة بمعلقي مقابلات كرة القدم على القمر الصناعي طور