هذا أثر عجيب من موضوعي
مختارات من كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي
وهو يتحدث عن أخلاق طلبة العلم عامة وطلبة الحديث خاصة
أحببت أن أذكره لكم لتعم الفائدة و ذلك لأنه لا يخص طلبة العلم فقط
ذكر الخطيب البغدادي غفر الله له تحت باب
تَقْدِيمُ الْأَكَابِرِ فِي الدُّخُولِ قصة عجيبة
عن يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحَسَنَ، وَعَلِيًّا، ابْنَيْ صَالِحٍ كَانَا تَوْأَمَيْنِ، خَرَجَ الْحَسَنُ قَبْلَ عَلِيٍّ، فَلَمْ يُرَ قَطُّ الْحَسَنُ مَعَ عَلِيٍّ فِي مَجْلِسٍ إِلَّا جَلَسَ عَلِيٌّ دُونَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْحَسَنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي مَجْلِسٍ " وَإِنْ قَدَّمَ الْأَكْبَرُ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ جَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ حَسَنًا.
فبمجرد خروج عَلِيٍّ بعد أخيهالْحَسَنُ التوأم كان علي يعتبر الحسن أخوه الأكبر و لا يتقدمه أبدا.
أقول سبحان الله ما أعظم السلف و أخلاقهم
لا إلــــــــــه إلا الله..شكرااااااااااااااااااااا
بارك الله فيك فعلا ما اعظم السلف واخلاقهم
يقول الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى: إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ وإن كان قد بلغ من العلم مبلغاً فآيس من خيره؛ فإنه قليل الحياء.فقوله: (إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ) يعني المشايخ العلماء الذين هم أكبر منه في العلم وفي السن، ثم مع ذلك تراه يتكلم بين يديهم، فإذا سأل الشيخ سؤالاً يبادر هو إلى الجواب، ولا يراعي هذا الضابط، أو لا يراعي هذا الأدب، يقول: إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ وإن كان قد بلغ من العلم مبلغاً فآيس من خيره؛ فإنه قليل الحياء. أي: لا تضع فيه أملاً بأنه يأتي منه خير؛ لأن هذا قليل الحياء، ولو كان عنده حياء لاستحيا أن يتكلم في حضور من هم أكبر منه.وقال خلف : جاءني أحمد بن حنبل يسمع حديث أبي عوانة، فاجتهدت أن أرفعه.والإمام أحمد هو إمام أهل السنة والجماعة، فاجتهد خلف في أن يجلس الإمام أحمد على مكان مرتفع، فالإمام أحمد أبى إلا أن يجلس جلسة المتعلم منخفضاً عند المحدث خلف.يقول: فاجتهدت أن أرفعه بأن ألح عليه أن يرتفع في المجلس فأبى، وقال: لا أجلس إلا بين يديك، أُمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.وكان القاضي أحمد بن إبراهيم بن حماد المالكي مع كونه كبير القضاة إلا أنه كان يتردد إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي يسمع من تصانيفه، واتفق مجيء شخص لاستفتاء الطحاوي عن مسألة والقاضي عنده، أي أن الرجل جاء يسأل الإمام الطحاوي في مجلسه وكان كبير القضاة موجوداً في هذا المجلس، فلما سأل الرجل الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى عن هذه المسألة قال الطحاوي : مذهب القاضي -أيده الله- كذا وكذا. ولم يقل: مذهبي. وإنما حكى مذهب القاضي الجالس في المجلس، فقال له السائل: ما جئت إلى القاضي، إنما جئت إليك! فقال: يا هذا! هو كما قلت. فأعاد السائل، فقال له القاضي: أفته -أيدك الله- برأيك. فقال له الطحاوي : إذاً حيث أذن القاضي أيده الله أفتي ثم أفتاه.وقال أبو زكريا العنبري : شهدت جنازة حسين القباني سنة تسع وثمانين ومائتين، فصلى عليه أبو عبد الله -يعني محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي شيخ أهل الحديث في عصره -فلما انصرف قدمت دابته، فأخذ أبو عمرو الخفاف بلجامه، و ابن خزيمة إمام الأئمة بركابه، وجعل الجارودي و إبراهيم بن أبي طالب يسويان عليه ثيابه، فمضى ولم يكلم واحداً منهم. وهذا موقف عابر، لكن إذا تأملت وحللت هذا الموقف تجد شدة احترام هؤلاء لأكابرهم ولعلمائهم، فمجرد أن صلى الإمام البوشنجي رحمه الله تعالى على الجنازة فلما انصرف قدموا له الدابة التي يركبها، وكان الذي احتف به يخدمه هم أئمة المسلمين في ذلك العصر وفي ذلك البلد، فهذا أبو عمرو أخذ بلجامه، والإمام ابن خزيمة الملقب بإمام الأئمة رحمه الله تعالى أخذ بركابه، و الجارودي و إبراهيم بن أبي طالب جعلا يسويان عليه ثيابه، فمضى ولم يكلم أحداً منهم رحمهم الله تعالى أجمعين.وعن حكيم بن قيس بن عاصم أن أباه أوصى عند موته بنيه، فقال: اتقوا الله! وتوجوا أكبركم؛ فإن القوم إذا توجوا أكبرهم خلفوا أباهم، وإذا توجوا أصغرهم أزرى بهم ذلك في أكفائهم.فقوله: (اتقوا الله وتوجوا أكابركم) يعني: راعوا حق الكبير وقدموا الكبير. (فإن القوم إذا توجوا أكبرهم) يعني: جعلوه سيدهم (خلفوا أباهم) يعني: قاموا مقام أبيهم في حسن الفعال. (وإذا توجوا أصغرهم أزرى بهم ذلك في أكفائهم) فالأكفاء سوف ينظرون إليهم بازدراء، فعدم احترامك للكبير يجعل من يراك من بعيد ينظر إليك بازدراء؛ لأن في هذا نسبة لك إلى سوء الأدب.وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (البركة مع أكابركم، البركة مع أكابركم).وعن عبد الله بن مغول قال: كنت أمشي مع طلحة بن مطرف ، فصرنا إلى مضيق -أي: إلى مكان ضيق لا يتسع إلا لمرور شخص واحد فقط- فتقدمني -يعني أنه كان يعرف أنه أكبر منه في السن فسارع هو إلى التقدم- ثم قال لي: لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمتك.وعن الفضل بن موسى قال: انتهيت أنا و عبد الله بن المبارك إلى قنطرة، فقلت له: تقدم. وقال لي: تقدم. فحاسبته فإذا أنا أكبر منه بسنتين. يعني أنهما -حتى يحسما الخلاف- ظلا يحسبان عمر كل منهما. قال: فحاسبته فإذا أنا أكبر منه بسنتين. فيفهم من ذلك أن الذي تقدم هو الأكبر.وعن يعقوب بن سفيان قال: بلغني أن الحسن و علياً ابني صالح كانا توأمين، خرج الحسن قبل علي.يعني أنهما توأمان ولدا في وقت، ومعلوم أنه لا يخرج التوأمان في وقت واحد، وإنما يكون هناك فرق بينهما قد يكون دقائق أو أكثر أو أقل، ومع ذلك يقول هنا: بلغني أن الحسن و علياً ابني صالح كانا توأمين، خرج الحسن قبل علي -أي أنه أكبر منه بدقائق- فلم ير قط الحسن مع علي في مجلس إلا جلس علي دونه، ولم يكن يتكلم مع الحسن إذا اجتمعا في مجلس. مراعاة لهذا الفارق البسيط في السن بينهما، وهو عبارة عن لحظات؛ لأنهما توأمان، فالله المستعان.ويقول يحيى بن معين الإمام الجليل رحمه الله تعالى: إذا حدثت في بلدة فيها مثل أبي مسهر فيجب على لحيتي أن تحلق.يعني: إذا حدثت في بلدة فيها مثل أبي مسهر فهذا سوء أدب، وبالتالي ينبغي أن أعزر وأعاقب بحلق لحيتي. وهو لا يحصل منه ذلك، وإنما هذا مجرد ضرب مثل، وإلا فبعض الأمراء الذين لم يكن عندهم فقه كانوا إذا أرادوا تأديب الرجل والتشهير به حلقوا له لحيته، فهذه العقوبة كانت من التعزير، ولذلك العلماء نصوا في كتب الفقه على أنه لا يجوز التعزير بحلق اللحية؛ لأنها معصية، والتعزير لا يكون بالمعاصي، لكن الشاهد من هذا الموقف مراعاة الأدب مع من هو أجل وأكبر.وعن الحسن بن علي الخلال قال: كنا عند معتمر بن سليمان يحدثنا إذ أقبل ابن المبارك ، فقطع معتمر حديثه، فقيل له: حدثنا. فقال: إنا لا نتكلم عند كبرائنا.وانتهى أبو منصور و إبراهيم إلى زقاق، فقال له إبراهيم: تقدم. فأبى أن يتقدم، فتقدم إبراهيم ، ثم قال: لو كنت أعلم أنك أكبر مني بيوم ما تقدمت.وهذا غير القصة التي ذكرناها قبل.وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى قال: إذا تكلم الحدث -يعني: صغير السن- في الحلقة عندنا أيسنا من خيره، وقلنا: هذا لا يفلح؛ لأنه سيء الخلق قليل الحياء. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى: رأيت أبي إذا جاء الشيخ والحدث من قريش أو غيرهم من الأشراف لم يخرج من باب المسجد حتى يخرجهم، فيكونوا هم يتقدمونه، ثم يخرج من بعدهم.وقال المروزي : رأيته جاء إليه مولى ابن المبارك ، فألقى إليه مخدة وأكرمه. يعني: عظم الإمام وأحمد مولى ابن المبارك وخادمه أو عبده تعظيماً لـابن المبارك نفسه.يقول: رأيته -يعني الإمام أحمد – جاء إليه مولى ابن المبارك فألقى إليه مخدة وأكرمه، وكان إذا دخل عليه من يكرم عليه يأخذ المخدة من تحته فيلقيها له.وقال المروزي : كان أبو عبد الله -يعني الإمام أحمد رحمه الله- من أشد الناس إعظاماً لإخوانه ومن هم أسن منه، لقد جاءه أبو همام راكباً على حمار، فأخذ له أبو عبد الله بالركاب، ورأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ.وكان بكر بن عبد الله المزني يقول: إذا رأيت من هو أكبر منك فعظمه، وقل: إنه سبقني إلى الإسلام والعمل الصالح، وإذا رأيت من هو أصغر منك فعظمه وقل في نفسك: إني قد سبقته إلى الذنوب.
إجلال حامل القرآن وتقديمه
سلوك الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأدبهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنرى من ذلك نماذج عظيمة وكبيرة، حتى إن الكافر الذي أوفده المشركون في صلح الحديبية حينما رجع كان من أشد ما أثر فيه أدب الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إنه قال لإخوانه من المشركين: لقد وفدت على قيصر وعلى كسرى فما وجدت أحداً يعظم أحداً مثلما يعظم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- محمداً، ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، ولا توضأ وضوءاً إلا تقاتلوا عليه يعني أنهم كانوا يتبركون بوضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال رويم بن أحمد البغدادي لابنه: يا بني! اجعل عملك ملحاًًَ وأدبك دقيقاً. قال له هذا مع أن المعروف أن نسبة الملح تكون قليلة حتى يصلح الطعام، فقوله له: اجعل عملك ملحاً يعني: قليلاً. لكن اجعل أدبك هو الدقيق، قال: اجعل عملك ملحاً، وأدبك دقيقاً. يأمره بالاستكثار من الأدب، حتى تكون نسبة الأدب في سلوكه من حيث الكثرة كنسبة الدقيق إلى الملح الذي يوضع فيه، وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من كثير من العمل مع قلة الأدب.وقال ابن المبارك رحمه الله تعالى: إذا وصف لي رجل له علم الأولين والآخرين لا أتأسف على فوت لقائه، وإذا سمعت رجلاً له أدب النفس أتمنى لقاءه، وأتأسف على فوته. وقيل للعباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (هو أكبر مني، وأنا أسن منه) حاله كما قال الشاعر: أدب كمثل الماء لو أفرغتهيوماً لسال كما يسيل الماءوقيل لـأبي وائل : أيكما أكبر أنت أم الربيع بن خثيم ؟ قال: أنا أكبر منه سناً وهو أكبر مني عقلاً. ودخل عروة بن مسعود الثقفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية، فجعل يحدثه ويشير بيده إليه حتى تمس لحيته، والمغيرة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده السيف، فكان عروة بن مسعود يسيء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه كان يشير إليه بيده، حتى يلمس لحية الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان المغيرة رضي الله تعالى عنه واقفاً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده السيف، فكلما أهوى أو أشار بيده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يضرب يده بالسيف ويقول له: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو: اقبض يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا ترجع إليك. يهدده أن يقطع يده إذا امتدت ثانية إلى لحية رسول الله صلى الله وعليه وسلم وهو يكلمه، فقبض عروة يده. ويكفي في ذم سوء الأدب أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم في الأعراب الجفاة الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه من وراء الحجرات -وسورة الحجرات تسمى سورة الآداب؛ لما اشتملت عليه من الآداب الشرعية- فوصف الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين لم يراعوا الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات:4] فنفى عنهم العقل لعدم مراعاتهم الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
اهتمام السلف بباب الأدب
بارك الله فيكم و نفع بكم