فضل الآيتين من آخر البقرة لتضمنها أصول الدين
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من درس: الإيمان (الحلقة الثانية)
///
قوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، يعني: الإيمان باليوم الآخر، فإليه المرجع، وإليه المآل سبحانه وتعالى.
فيذكر الشارح أن لهاتين الآيتين شأناً عظيماً لتضمنهما أصول الدين، وسوف نفصل القول في ذلك إن شاء الله.
قال المصنف: [ففي الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه **}] وهي قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ … [البقرة:285] إلى آخر سورة البقرة، وليس كما ذكر البعض أن الآية الأخيرة هي عبارة عن آيتين، فالآيتان تبتدئان من قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ) وتنتهي بقوله: (الْكَافِرِينَ).
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى سبعة أقوال في معنى (كفتاه) في فتح الباري عند شرحه لكتاب فضائل القرآن:
القول الأول: بمعنى أجزأتاه عن قيام الليل، فلو أنه قرأهما قبل نومه ولم يستطع تلك الليلة أن يقوم الليل فقد كفتاه عن ذلك.
القول الثاني: أنهما كفتاه من قراءة القرآن مطلقاً، سواء كان يقرأه في الصلاة أو في غير الصلاة.
القول الثالث: أنهما كفتاه فيما يتعلق بالاعتقاد، فكل العقيدة موجودة ومتضمنة في هاتين الآيتين، لأنهما اشتملتا على أمور الإيمان وأعماله وأصوله جميعاً، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذا القول هو ما ذكر المصنف رحمه الله تعالى أنه المقصود لذكر هاتين الآيتين، فيكفيك في باب الاعتقاد -المجمل لا المفصل- أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ثم تفصيل ذلك يعلم ويؤخذ من أدلته.
القول الرابع: أنهما كفتاه من كل شر، فلو قرأ في ليلته هاتين الآيتين لكفتاه من كل شر، وينام ليلته تلك آمناً مطمئناً بإذن الله.
القول الخامس: وهو أخص مما قبله، أنه بمعنى كفتاه شر الشيطان، فمن قرأهما فقد كفي شر الشيطان اللعين.
القول السادس: أنهما كفتاه شر الجن والإنس.
القول السابع: بمعنى أنهما تغنيانه عن طلب الأجر فيما سواهما، فينال بقراءة هاتين الآيتين من الثواب والأجر ما يغنيه عن طلب الأجر والثواب فيما سواهما.
والثلاثة الأقوال: الرابع والخامس والسادس متقاربة، يعني: كفتاه شر كل شيء: شر الشيطان وشر الجن والإنس، فأمكن أن نجعلها خمسة أقوال.
والصحيح من هذه الأقوال كلها كما قال الحافظ ابن حجر وقبله الإمام النووي رحمهما الله: "يجوز أن يراد ذلك كله، ففضل الله واسع، فإذا قرأتُ هاتين الآيتين حصل لي ما يعنيني عن قيام الليل إن لم أقم، وحصل لي ما يغنيني عن قراءة القرآن كله إن لم أفعل، وحصل لي ما يعنيني في باب الاعتقاد، كما حصل لي الكفاية من شر كل ذي شر" من الشياطين ومن الجن والإنس، ومن كل أنواع الشرور "وكذلك يحصل لي الكفاية إذا قرأتها من أن أطلب عملاً آخر أطلب به نفس الأجر والمنزلة من الله سبحانه وتعالى".
*ونأخذ من هذا قاعدة في الفضائل، قال: "ما جاء من الفضائل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في كتاب الله عز وجل مطلقاً، فالأصل فيه أن يبقى مطلقاً" أي: ما لم يخصصه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم يبقى مطلقاً ولا نحجر فضل الله تبارك وتعالى، فالله ذو الفضل العظيم.
يقول ابن حجر رحمه الله بعد ذلك معقباً: "إن هذه الأوجه بعضها دل عليها أدلة صريحة، من ذلك: الوجه الأول" والذي هو بمعنى: كفتاه من قيام الليل. قال: "إن ذلك ورد صريحاً في حديث أبي مسعود رضي الله عنه نصه : {من قرأ خاتمة البقرة أجزأته عن قيام الليل **}.
ودليل الوجه الرابع والذي هو بمعنى كفتاه كل شر، والذي يندرج تحته الوجه الخامس والسادس، وقد دل عليها حديثان رواهما الحاكم وصححهما قال صلى الله عليه وسلم: {لا يقرب الشيطان داراً قرئت فيها ثلاث ليال **}، وفي رواية أخرى: {لا يقربه الشيطان -أولا يدخل الشيطان معه- تلك الليلة **} وذكر الشيطان يشمل ما بعده، فالشيطان رأس كل شر، فإذا لم يدخل الشيطان فلن يدخل أتباعه من الجن، وكذلك أولياؤه من الإنس، فإذا كفي الإنسان الشيطان فقد كفي كل شر؛ لأن الشيطان أصل كل شر يقع في هذا العالم، أعاذنا الله وإياكم من شره.
إذاً: هاتان الآيتان اشتملتا على أصول الإيمان كما هو عند أهل السنة والجماعة ، وهذا ممـا يدل علـى أن مذهب أهل السنة والجماعة تشهد له النصوص المتضافرة المتظاهرة في كل مسألة.
قال المصنف: [وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه؛ فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن صلى الله عليه وسلم تقرأ بحرف منها إلا أوتيته **}]. أي: أن ملكاً نزل من السماء -وكان جبريل قاعداً عند النبي صلى الله عليه وسلم- فسمع صلى الله عليه وسلم نقيضاً؛ والنقيض: صوت يصدر من فوق كما لو كان السقف فيه حركة، وجبريل يعلم أحوال السماء، فعرف هذا الصوت، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا الصوت الذي تسمعه هو صوت باب من أبواب السماء فتح، ولم يفتح قبل ذلك أبداً إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال جبريل: (هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم) وفي هذا بشارة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
فجبريل عليه السلام مطلع على أحوال السماء ويعلم أصوات الأبواب، ويعرف الملائكة، ومن نزل منهم ومن لم ينزل؛ فهو رئيس الملائكة وكبيرهم؛ فقال: (أبشر) والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك) أي: لم يؤتهما أحد من الأنبياء الذين أنزل الله تبارك وتعالى الكتب عليهم (وهما: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته) يعني: إذا قرأت بهما أو بحرف منهما فقد أوتيت نورين: نور الفاتحة، ونور الآيتين في خواتيم سورة البقرة، فإنك لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيت ذلك النور، وهذا كله من الذكر الذي سماه سلفنا الصالح: (الغنيمة الباردة) أي: ليس فيها حرب ولا قتال ولا مشقة؛ لكن الذي يهمنا أن ننبه عليه: أن يكون الذكر باللسان والقلب، وهو الذكر النافع، وإن كان مقتصراً على اللسان فهو خير من أن يتكلم اللسان بما لا يرضـي الله سبحانه وتعالى؛ لأن الذكر كبقيـة العبادات قد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، كما أن الصلاة قد تكون صلاة كاملة وقد تكون ناقصة.
لكن الذكر الكامل هو ما توافرت فيه شروط منها: أن يتواطأ عليه القلب واللسان، فإذا ذكر العبد ربه سبحانه وتعالى خالصاً موقناً من قلبه وتواطأ القلب واللسان على ذلك، فإنه يكون عند الله سبحانه وتعالى في منزلة عظيمة.
وحسب المسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل أربع كلمات خيراً من هذه الدنيا التي يتنافس الناس عليها شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً، فيتنافسون على الملك والزعامة، وعلى الوزارات والمناصب، وعلى المراتب العالية والمراكب الثمينة، وعلى الزوجات الحسناوات، فخير للعبد الصالح من هذا كله أن يقول الكلمات الأربع التي هي أفضل الكلام بعد القرآن وهي: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) *كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عند تفسير قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46] فالمال والأولاد والمناصب والمراتب.. إلخ هذه كلها زينة الحياة الدنيا، وأما الأعمال الصالحة فهي التي يثاب عليها الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: {الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر **}.
وحديث جبريل السابق ليس فيه ما يصرح على أن الملك النازل من السماء هو الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال في الحديث: {هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما.. **} قد يكون الملك النازل خاطب بها جبريل، وجبريل خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك وارد ومحتمل، ولا ينافي ذلك أن غير جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث ليس نصاً في أن الآيتين نزل بهما ذلك الملك على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جبريل قد نزل بالفاتحة وبأواخر سورة البقرة، لكن هذا الملك جاء مبشراً بفضلهما، وعليه فلو خاطب بها الملك النازل النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة لما كان في ذلك شيء، وإنما هي بشارة بفضلهما لا نزولاً بهما، والقرآن كله إنما نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام.
بارك الله فيك
بارك الله فيك
فضل الآيتين من آخر البقرة لتضمنها أصول الدين
فضل الآيتين من آخر البقرة لتضمنها أصول الدين
يقول: [ولهذا كانت الآيتان من آخر سورة البقرة -لما تضمنتا هذا الأصل- لهما شأن عظيم ليس لغيرهما] أي: من الآيات في كتاب الله، وذلك لأن الله يقول فيهما: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة:285]، فالذي أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو هذه الأصول، وأصلها جميعاً يرجع إلى ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فنؤمن به ونطيع: وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا [البقرة:285] أي: إذعان وانقياد مطلق، وطاعة لله سبحانه وتعالى، لا كما قال أهل الكتاب: سمعنا وعصينا. ثم يطلبون المغفرة من الله: غُفْرَانَكَ رَبَّنَا [البقرة:285]، لأن العبد مهما سمع وأطاع وانقاد فعبادته أقل من أن تكافئ أو توازي نعم الله سبحانه وتعالى وفضله عليه، فالفضل له أولاً وآخراً سبحانه وتعالى فهو الذي هداه، وهو الذي وفقه، ومهما عبد العبد ربه سبحانه وتعالى فالفضل له؛ لأن العبد مقصر دائماً، ولذلك فإنه يستغفر الله من التقصير.
قوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، يعني: الإيمان باليوم الآخر، فإليه المرجع، وإليه المآل سبحانه وتعالى. فيذكر الشارح أن لهاتين الآيتين شأناً عظيماً لتضمنهما أصول الدين، وسوف نفصل القول في ذلك إن شاء الله.
معنى قوله عليه السلام: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)
قال المصنف: [ففي الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه **}] وهي قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ … [البقرة:285] إلى آخر سورة البقرة، وليس كما ذكر البعض أن الآية الأخيرة هي عبارة عن آيتين، فالآيتان تبتدئان من قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ) وتنتهي بقوله: (الْكَافِرِينَ). ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى سبعة أقوال في معنى (كفتاه) في فتح الباري عند شرحه لكتاب فضائل القرآن: القول الأول: بمعنى أجزأتاه عن قيام الليل، فلو أنه قرأهما قبل نومه ولم يستطع تلك الليلة أن يقوم الليل فقد كفتاه عن ذلك. القول الثاني: أنهما كفتاه من قراءة القرآن مطلقاً، سواء كان يقرأه في الصلاة أو في غير الصلاة. القول الثالث: أنهما كفتاه فيما يتعلق بالاعتقاد، فكل العقيدة موجودة ومتضمنة في هاتين الآيتين، لأنهما اشتملتا على أمور الإيمان وأعماله وأصوله جميعاً، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذا القول هو ما ذكر المصنف رحمه الله تعالى أنه المقصود لذكر هاتين الآيتين، فيكفيك في باب الاعتقاد -المجمل لا المفصل- أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ثم تفصيل ذلك يعلم ويؤخذ من أدلته. القول الرابع: أنهما كفتاه من كل شر، فلو قرأ في ليلته هاتين الآيتين لكفتاه من كل شر، وينام ليلته تلك آمناً مطمئناً بإذن الله. القول الخامس: وهو أخص مما قبله، أنه بمعنى كفتاه شر الشيطان، فمن قرأهما فقد كفي شر الشيطان اللعين. القول السادس: أنهما كفتاه شر الجن والإنس. القول السابع: بمعنى أنهما تغنيانه عن طلب الأجر فيما سواهما، فينال بقراءة هاتين الآيتين من الثواب والأجر ما يغنيه عن طلب الأجر والثواب فيما سواهما. والثلاثة الأقوال: الرابع والخامس والسادس متقاربة، يعني: كفتاه شر كل شيء: شر الشيطان وشر الجن والإنس، فأمكن أن نجعلها خمسة أقوال. شرح الإمامين النووي وابن حجر لقوله صلى الله عليه وسلم: (كفتاه)
والصحيح من هذه الأقوال كلها كما قال الحافظ ابن حجر وقبله الإمام النووي رحمهما الله: "يجوز أن يراد ذلك كله، ففضل الله واسع، فإذا قرأتُ هاتين الآيتين حصل لي ما يعنيني عن قيام الليل إن لم أقم، وحصل لي ما يغنيني عن قراءة القرآن كله إن لم أفعل، وحصل لي ما يعنيني في باب الاعتقاد، كما حصل لي الكفاية من شر كل ذي شر" من الشياطين ومن الجن والإنس، ومن كل أنواع الشرور "وكذلك يحصل لي الكفاية إذا قرأتها من أن أطلب عملاً آخر أطلب به نفس الأجر والمنزلة من الله سبحانه وتعالى". *ونأخذ من هذا قاعدة في الفضائل، قال: "ما جاء من الفضائل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في كتاب الله عز وجل مطلقاً، فالأصل فيه أن يبقى مطلقاً" أي: ما لم يخصصه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم يبقى مطلقاً ولا نحجر فضل الله تبارك وتعالى، فالله ذو الفضل العظيم. يقول ابن حجر رحمه الله بعد ذلك معقباً: "إن هذه الأوجه بعضها دل عليها أدلة صريحة، من ذلك: الوجه الأول" والذي هو بمعنى: كفتاه من قيام الليل. قال: "إن ذلك ورد صريحاً في حديث أبي مسعود رضي الله عنه نصه : {من قرأ خاتمة البقرة أجزأته عن قيام الليل **}. ودليل الوجه الرابع والذي هو بمعنى كفتاه كل شر، والذي يندرج تحته الوجه الخامس والسادس، وقد دل عليها حديثان رواهما الحاكم وصححهما قال صلى الله عليه وسلم: {لا يقرب الشيطان داراً قرئت فيها ثلاث ليال **}، وفي رواية أخرى: {لا يقربه الشيطان -أولا يدخل الشيطان معه- تلك الليلة **} وذكر الشيطان يشمل ما بعده، فالشيطان رأس كل شر، فإذا لم يدخل الشيطان فلن يدخل أتباعه من الجن، وكذلك أولياؤه من الإنس، فإذا كفي الإنسان الشيطان فقد كفي كل شر؛ لأن الشيطان أصل كل شر يقع في هذا العالم، أعاذنا الله وإياكم من شره. إذاً: هاتان الآيتان اشتملتا على أصول الإيمان كما هو عند أهل السنة والجماعة ، وهذا ممـا يدل علـى أن مذهب أهل السنة والجماعة تشهد له النصوص المتضافرة المتظاهرة في كل مسألة. ذكر حديث ابن عباس في فضل آيتي آخر البقرة
قال المصنف: [وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه؛ فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن صلى الله عليه وسلم تقرأ بحرف منها إلا أوتيته **}]. أي: أن ملكاً نزل من السماء -وكان جبريل قاعداً عند النبي صلى الله عليه وسلم- فسمع صلى الله عليه وسلم نقيضاً؛ والنقيض: صوت يصدر من فوق كما لو كان السقف فيه حركة، وجبريل يعلم أحوال السماء، فعرف هذا الصوت، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا الصوت الذي تسمعه هو صوت باب من أبواب السماء فتح، ولم يفتح قبل ذلك أبداً إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال جبريل: (هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم) وفي هذا بشارة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم. فجبريل عليه السلام مطلع على أحوال السماء ويعلم أصوات الأبواب، ويعرف الملائكة، ومن نزل منهم ومن لم ينزل؛ فهو رئيس الملائكة وكبيرهم؛ فقال: (أبشر) والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك) أي: لم يؤتهما أحد من الأنبياء الذين أنزل الله تبارك وتعالى الكتب عليهم (وهما: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته) يعني: إذا قرأت بهما أو بحرف منهما فقد أوتيت نورين: نور الفاتحة، ونور الآيتين في خواتيم سورة البقرة، فإنك لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيت ذلك النور، وهذا كله من الذكر الذي سماه سلفنا الصالح: (الغنيمة الباردة) أي: ليس فيها حرب ولا قتال ولا مشقة؛ لكن الذي يهمنا أن ننبه عليه: أن يكون الذكر باللسان والقلب، وهو الذكر النافع، وإن كان مقتصراً على اللسان فهو خير من أن يتكلم اللسان بما لا يرضـي الله سبحانه وتعالى؛ لأن الذكر كبقيـة العبادات قد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، كما أن الصلاة قد تكون صلاة كاملة وقد تكون ناقصة. لكن الذكر الكامل هو ما توافرت فيه شروط منها: أن يتواطأ عليه القلب واللسان، فإذا ذكر العبد ربه سبحانه وتعالى خالصاً موقناً من قلبه وتواطأ القلب واللسان على ذلك، فإنه يكون عند الله سبحانه وتعالى في منزلة عظيمة. وحسب المسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل أربع كلمات خيراً من هذه الدنيا التي يتنافس الناس عليها شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً، فيتنافسون على الملك والزعامة، وعلى الوزارات والمناصب، وعلى المراتب العالية والمراكب الثمينة، وعلى الزوجات الحسناوات، فخير للعبد الصالح من هذا كله أن يقول الكلمات الأربع التي هي أفضل الكلام بعد القرآن وهي: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) *كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عند تفسير قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46] فالمال والأولاد والمناصب والمراتب.. إلخ هذه كلها زينة الحياة الدنيا، وأما الأعمال الصالحة فهي التي يثاب عليها الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: {الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر **}. وحديث جبريل السابق ليس فيه ما يصرح على أن الملك النازل من السماء هو الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال في الحديث: {هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما.. **} قد يكون الملك النازل خاطب بها جبريل، وجبريل خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك وارد ومحتمل، ولا ينافي ذلك أن غير جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث ليس نصاً في أن الآيتين نزل بهما ذلك الملك على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جبريل قد نزل بالفاتحة وبأواخر سورة البقرة، لكن هذا الملك جاء مبشراً بفضلهما، وعليه فلو خاطب بها الملك النازل النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة لما كان في ذلك شيء، وإنما هي بشارة بفضلهما لا نزولاً بهما، والقرآن كله إنما نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام. المصدر: تفسير الاحلام – منتدى درر اسلامية
منقول للفائدة |
اختاه شكرا على الموضوع القيم اولا وبارك الله فيك على الاثراء الرائع لكن انتبهى اختى الى وجود ثغرات فى الموضوع لاشهار لمنتدى اخر وهذا سيعرض موضوعك للحذف فحاولى ازالتها فى اقرب وقت ومرة اخرى جزاك الله خيرا
شكرا على الرد والمرور
اختاه شكرا على الموضوع القيم اولا وبارك الله فيك على الاثراء الرائع لكن انتبهى اختى الى وجود ثغرات فى الموضوع لاشهار لمنتدى اخر وهذا سيعرض موضوعك للحذف فحاولى ازالتها فى اقرب وقت ومرة اخرى جزاك الله خيرا
|
شكرا على النصيحة تم التعديل
لن يتم الخطأ مرة ثانية
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا على الموضوع المفيد
بارك الله فيك
شكرا على المرور
بارك الله فيك اختي
وفيك بركة شكرا على المرور