وأنذرهم يوم الحسرة
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:
إننا في حاجة شديدة لتذكر هذا اليوم " يوم الحسرة " في عصر طغت فيه الماديات والشهوات وأنصرف كثير من الناس عن منهج رب الأرض والسماوات .
قست القلوب وتحجرت العيون وهُجر كتاب علام الغيوب ، بل قُرئ والقلوب لاهية ساهية في لجج الدنيا وأوديتها سابحة .
زينا جدران بيوتنا بآيات القرآن ولم نزين حياتنا به ، يقرأه البعض منا على الأموات ثم لا يحكمونه في الأحياء .
غفلنا وهذه مصيبة والمصيبة الأوهى والأمَّر أننا لا نشعر أننا غفلنا ، هبت رياح المعصية فأطفأت شموع الخشية من قلوبنا وطال علينا الأمد .
لهذا كله كان لابد من الوقوف على بعض مشاهد الحسرة في الآخرة عسى أن ننتهي عن الذنوب وتلين منا القلوب وتستيقظ وتخشع وتذل النفوس وننتبه من الغفلة فأصل المصائب وارتكاب الذنوب وفعل المعايب الغفلة عن الآخرة .
– فذكر اليوم الآخر يُطهر القلوب من الحسد والفرقة والاختلاف .
– وذكر الآخرة يهدد الظلمة ليكفوا ويرتعدوا ويُعزي المظلومين ليسكنوا فكلً يأخذ حقه لا محالة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء فلا ظلم ولا هضم .
– ذكر الآخرة يمسح على قلوب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين مسحة يقين تسكن معه القلوب لأنهم يتطلعون لما أعده الله للصابرين من نعيم ينسى معه كل خير وبلاء وسوء وعناء ، ويهون عليهم ويعزيهم ما أعده الله للظالمين من بؤس يُنسى معه كل هناء .
فهيا معي يا عباد الله إلى مشاهد الحسرة أسأل الله ألا تكونوا من أهل الحسرة علَّ ذلك تصلح به القلوب وتتجه إلى علام الغيوب وتنقاد الجوارح إلى العمل الصالح .
قال تعالي : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ( مريم 39 )
أنه يوم الحسرة …….. وما أدراك ما الحسرة ؟
إنه إنذار وإخبار وتخويف وترهيب بيوم الحسرة حين يُقضى الأمر
إنه يوم يُجمع الأولون والآخرون في موقف واحد يسألون عن أعمالهم
فمن آمن وأتبع سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً
ومن تمرد وعصى شقي شقاء لا يسعد بعده أبداً وخسر نفسه وأهله وتحسر وندم ندامة تتقطع منها القلوب وتتصدع منها الأفئدة أسفاً
وأي حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته واستحقاق سخطه وناره
إنها حسرة لأنه لم يستعد للميعاد ولم يستكثر من الزاد وتحسر لأنه لا إلى دنياه راجع ولا في حسناته زائد .
فيا للندم والحسرة حيث لا ينفع ندم ولا حسرة
وأنذرهم يوم الحسرة يوم يجاء بالموت كما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري :
" كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيُقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم هذا الموت
ثم يُقال يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم
قال : فيُؤمر به فيذبح ، ثم يُقال :
يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ".
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
آه ساعتها من تأوهٍ لا ينفع ومن دموعٍ لا تشفع ومن صراخ لا يُسمع ………….
إنها حسرة بل حسرات أنباء مهولات ندمات وتأسفات ورد ذكرها في غير ما آية من الآيات تخبر عن معرضين عن رب الأرض والسماوات ولاهين ولاهيات عن يوم الحسرات .
فهيا معي لنعيش معاً مشاهدة الحسرة لأذكر بها نفسي وإياكم بهذا اليوم حتى نستعد للميعاد ونصلح الزاد حتى لا نندم قبل ألا ينفع ندم .
فمن هذه الحسرات أجاركم الله من الحسرات
الحسرة على عدم الإخلاص
الحسرة على أعمال صالحة شابتها الشوائب وكدرتها مبطلات الأعمال من رياء وعجب ومنَّة فضاعت وصارت هباءً منثوراً في وقت الإنسان فيه أشد ما يكون إلى حسنة واحدة .
قال تعالى : {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }
( الزمر 47 ، 48 )
ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد كما في مسند الإمام أحمد :
" أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا : ما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟
قال : الرياء ، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء ".
الحسرة على عدم الإتباع
الحسرة على أعمال محدثة وعبادات لم يأذن اللهُ بها ولم يُتبع فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويحسب أهلها أنهم يُحسنون صنعا لكنها تضيع في وقت الحاجة الماسة إليها فهم الأخسرون أعمالا وساءوا أحوالا .
{أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } ( إبراهيم 18 )
{أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } ( النور 39)
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } ( الغاشية 1 : 3 )
– يا حسرة من رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم يُحجز عنه ويناديهم فتقول الملائكة إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيقول لهم : سحقاً سحقا .
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا } ( الفرقان 23 )
{حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ }
( الأنعام 31 )
الحسرة على التفريط في طاعة الله
عندما يدخل العبد المُسيء المسرف على نفسه القبر فيُضرب بمطرقة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا ثم يرى مقعده في الجنة ويُقال : هذا مكانك لو أطعت الله فيتحسر ويندم يوم لا ينفع ندم لأنه لا إلى دنياه راجع ولا في حسناته زائد ثم يصرخ ويقول :
{رَبِّ ارْجِعُونِ (99 ) َعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } ( المؤمنون 99 : 100)
الحسرة على التفريط في طاعة الله وتصرمُّ وانقضاء العمر القصير في اللهث وراء الدنيا حلالها وحرامها والاغترار بزيفها مع نسيان الآخرة وأهوالها
{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } ( الزمر 56 : 58 )
فالله عزَّ وجل يحذرنا حتى لا نقف هذا الموقف ونندم يوم لا ينفع ندم وقال تعالى :
{َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المنافقون 9 : 11)
الحسرة على التفريط في النفس والأهل
الحسرة على التفريط في النفس والأهل أن تقيهم من عذاب جهنم يوم تفقدهم وتخسرهم مع نفسك بعدما فتنت بهم ذلك هو الخزي والخسار والحسرة والنار .
– عجباً لمن يغلق على أهله أولاده المنافذ والأبواب مخافة عليهم من برد الشتاء ثم بعد ذلك هو يجعلهم طُعمة للنار إذ لا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن منكر ونسي هذا المسكين قول رب العالمين : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ( التحريم 6)
ونسي هذا المسكين قول الرسول الأمين :
" كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته ".
وكأن حال هذا الرجل يقول :
بعضي على بعضي يجرد سيفه والهم مني نحو صدري يُرسل
النار توقد في خيام عشيرتي وأنا الذي يا للمصيبة أشعل
{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ( الزمر 15 )
حسرة جلساء أهل السوء
حسرة جلساء أهل السوء يوم انساقوا معهم يقودونهم إلى الرذيلة ويصدونهم عن الفضيلة إنها لحسرة عظيمة في يوم الحسرة يعبرون عنها بعضِّ الأيدي يوم لا ينفع عض الأيدي كما قال ربي :
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } ( الفرقان 27 : 29 )
وفلان في هذه الآية هو صاحب السوء الذي يدعوك إلى شريط الأغاني والفيلم الخليع والجلة الساقطة وإلى كل ما ألهاك عن طاعة الله وذكره .
قال تعالى : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } ( الزخرف 67 )
فكل حبيب سيعادي حبيبه إلا المتحابون في الله وكل صديق سيتبرأ من صديقه إلا من كانت صداقتهم على طاعة الله .
فإن كنت ممن ابتلوا بصحبة من لا تقربك إلى الله صحبتهم فتبرأ منهم الآن قبل أن يتبرءوا منك
لكن متى وأين ؟ أما الزمان فمعلوم وأما المكان ففي النار
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166)وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } ( البقرة 166 : 167 )
فهذه حسرة الأتباع المقلدين لأصحاب السوء ولعلماء الضلالة فالنجاة والفوز وإتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – فالسنة كسفينة نوح من ركبها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك فليست الحجة في قول فلان وفلان إنما الحجة في قول النبي العدنان إنها حسرة الأتباع المقلدين .
الحسرة على أكل الحرام
الحسرة على أموال جمعت من وجوه الحرام ( ربا ورشوة وغش وغصب وسرقة واحتيال وغير ذلك )
فيا الله أيُّ حسرة أعظم على أمرئٍ آتاه الله مالا في الدنيا فيعمل فيه بمعصية الله فيرثه غيره فيعمل فيه بطاعة الله فيكون وزره عليه وأجره لغيره .
حسرات متفرقة
– أيُ حسرة أكبر على امرئ أن يرى عبداً كان الله ملكه إياه في الدنيا يرى في نفسه أنه خيرٌ من هذا العبد فإذا هذا العبد أفضل منه يوم القيامة .
– أيُ حسرة أكبر على امرئ أن يرى عبداً مكفوف البصر في الدنيا قد فتح الله بصره يوم القيامة وقد عمي هو إن تلك الحسرة لعظيمة عظيمة .
– أيُ حسرة أكبر من امرئ علم علماً ثم ضيعه ولم يعمل به فشقي به وعمل به من تعلمه منه فنُجي به .
– أيُ حسرة أعظم من حسرات المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم يوم تبلى السرائر وينكشف المُخفى في الضمائر ويُعرضون لا تخفى على الله منهم خافية ثم يكون المأوى الدرك الأسفل من النار ثم لا يجدون لهم نصيراً .
الحسرة على ضياع الحسنات
الحسرة على أعمالٍ صالحة كانت الأمل بعد الله ولكنها ذهبت في ذلك اليوم العصيب إلى من تعديت حدود الله منهم فظلمتهم في مالٍ أو في دمٍ أو في عرضٍ فكنت مفلساً حقا .
وقد خاب من حمل ظلما فيأخذ هذا من حسناتك وهذا من حسناتك وهذا من حسناتك حتى تفنى حسناتك ولم تقضي ما عليك فيطرح عليك من سيئات من ظلمتهم ثم تطرح في النار أجارك الله من النار وجنبك سخط الجبار بفعل ما يرضي الواحد القهار .
– ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :
" أتدرون من المفلس ، قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم ثم طرح في النار ".
فأنا أذكر نفسي وهذا الصنف بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – :
" من كانت له مظلمة لأخيه فيأتيه "
– بل هناك نوع من أنواع القصاص يكون بين المؤمنين ويكون عند القنطرة
إنها القنطرة التي لا يعلم عنها الكثير من الناس شيئاً فهي القنطرة التي يقضي فيها المؤمنون من بعضهم البعض فبعد مرورك من على الصراط تظن أن الأمر قد انتهى عند ذلك ولم يبقى سوى دخولك الجنة وفجأة تجد نفسك على قنطرة المظالم التي قال عنها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري :
" إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نُقوا وهُذبوا أُذن لهم بدخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل منه بمسكنه كان له في الدنيا ".
فالمظالم على القنطرة فهي بين المؤمنين الذين يدخلون الجنة فيقتص كل واحد منهم من الآخر بقدر مظلمته فيزداد ويرتفع المظلوم درجة في الجنة ويخسر الظالم درجة في الجنة ويخسر الظالم درجة في الجنة فيالها من حسن وإياك إياك ومظالم العباد .
– ألم أقل لكم أن الأمر خطير جد خطير ولا يصلح فيه ولا ينجي منه إلا إصلاح الزاد والبعد عن ظلم العباد ……. " من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال عرض فليأتيه فليتحلل منها ".
الحسرة عند مجئ جهنم
– أخرج الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – :
" يُؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ".
فيا له من مشهد مهيب تتفطر منه القلوب …….فإذا جئ بجهنم لا يبقى مَلَك مُقرب ولا نبي مرسل إلا جثي على ركبتيه وقال يارب سلم سلم يقول الحق تبارك وتعالى :
{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ( الفجر 21 : 24 )
تأمل معي الحسرة الشديدة لكل من فرط في حق الله جل وعلا إذا رأى جهنم فإنه يصرخ ويقول :
{ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } كلمة يقولها كل من فرط في الصلاة وضيع وكل من عق والديه وكل من ظلم العباد وحارب الله بارتكاب الذنوب والموبقات كلمة تقولها كل من تركت حجابها .
فاتقوا النار أيها الأحبة فإن الله أوقد عليها ألف عام حتى أحمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي الآن سوداء قاتمة يصل الحجر إلى قعرها بعد سبعين سنة فإن قعرها بعيد وحرها شديد ومقامعها حديد .
حسرات واستغاثة أهل النار
وتأمل في حال الخلائق وقد قاموا من دواهي القيامة ما قاموا قد شُدت أقدامهم إلى النواصي واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي ، ينادون من أكنافها ويصيحون في نواحيها وأطرافها
يا مالك قد حق علينا الوعيد يا مالك قد اثقلنا الحديد يا مالك قد نضجت منا الجلود
يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود
فتقول الزبانية : لا خروج لكم من دار الهوان فاخسأوا فيها ولا تكلمون ولو أخرجتم منها لكنتم إلى ما نُهيتم عنه تعودون ، فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرطوا في جنب الله يتأسفون ولا ينجيهم الندم ولا يغنيهم الأسف بل يكبون على وجوههم مغلولين ، طعامهم نار وشرابهم نار ولباسهم نار ومهادهم نار
{لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }
ويُلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيُغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يُغني من جوع ويستغيثون بالطعام فيُغاثون بطعام ذي غُصة فيستغيثون بشراب فيُرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم ، فإذا دخل الشراب بطونهم قطَّع ما في بطونهم فيقولون : ادعوا خزنة جهنم فيدعون خزنة جهنم :
{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } ( غافر 49 : 50 )
فيقولون ادعوا مالكا فيدعون فيقولون :
{يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } ( الزخرف 77 )
قال الأعمش
أنبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام .
فيقولون ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم فيقولون :
{رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }(1) فيجيبهم :
{ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } ( المؤمنون 106 : 108 )
منتهى الحسرة وقصارها وإلي من بعد ذلك سيذهبون إذ قد هانوا على رب العالمين .
– فعند ذلك يئسوا من كل خير وعند ذلك أخذوا في الزفير والحسرة والويل
قال محمد بن كعب
لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عزَّ وجلَّ في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلوا بعدها أبداً .
يقولون : {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } ( غافر 12 )
فيقول الله تعالى مجيباً لهم : {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }
ثم يقولون : {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} فيجيبهم الله تعالى:
{أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ } ( إبراهيم 44 )
فيقولون : {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } فيجيبهم الله تعالى :
{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ( فاطر 37 )
ثم يقولون {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }
فيجيبهم الله تعالى : { اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } ( المؤمنون 106 : 108 )
فلا يتكلمون بعدها أبداً وذلك غاية شدة العذاب .
– قال مالك بن أنس – رضي الله عنه – قال زيد بن أسلم في قوله تعالى :
{سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } ( إبراهيم 21 )
قال صبروا مائة سنة ثم جزعوا مائة سنة ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا :
سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص .
قال أحمد بن حرب
إن أحدنا يؤثر الظل على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار .
وقال عيسى – عليه السلام –
كم من جسد صحيح ووجه صبيح ولسان فصيح غدا بين أطباق النار يصيح .
وقال داود
إلهي لا صبر لي على حر شمسك فكيف صبري على حر نارك ؟
الحسرة الكبري وتحاور أهل الجنة وأهل النار
فإنه إذا استقر أهل النار في النار يذوقون عذابها ويشربون من أنهار الجنة ويأكلون من ثمارها
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } ( الأعراف 44 )
الحسرة الأعظم : كلام أهل النار لأهل الجنة
وحسرة أعظم حين ينادي أهل النار أهل الجنة
{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } ( الأعراف 51)
__________________________________________________ __
(1) شُقوتنا : شقاوتنا أو لذائذنا وشهواتنا .
(2) اخسئوا فيها : انزجروا فيها وابعدوا كالكلاب .
حسرة الظالمين المفسدين في الأرض
حسرة الظالمين المفسدين في الأرض الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا حين يحملون أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم وحين يسمعون عندها قول الله تعالى :
{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ }
حسرة أعظم المشاهد المُخزية
بعدما استقر أهل الجنة في الجنة واستقر أهل النار في النار تبدأ المحاورات والمناقشات والمجادلات بين أهل النار …
ومن أعظم المشاهد المُخزية حسرة في يوم القيامة يوم يبدأ الظالمون بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعض ويتنصل ويتبرأ التابع من المتبوع والعكس ، فذاك قول الله تعالى :
1- {ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }( الأعراف 38 )
فيا حسرة الأتباع والأعوان عندما يقولون لسادتهم إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار
2- {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ }
( غافر 47)
فإذا بالسادة أذلة قد عنت وجوههم للحي القيوم لا يملكون لأنفسهم شيئاً ولا يستطيعون يقولون :
{إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ } ( غافر 48 )
وهنا تبدأ الحسرات والزفرات والآهات عندما يقول التابعون للمتبوعين :
{لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } ( سبأ 31 )
أي حُلتم بيننا وبين الإيمان ، زينتم لنا الكفران فتبعناكم فأنتم المجرمون وبالعذاب أنتم جديرون وله مستحقون ….
ويريد هؤلاء الضعفاء أن يحملوهم تبعة الإغواء الذي صار بهم إلى هذا البلاء ويضيق الذين استكبروا بهم ذراعاً إذ هم في البلاء سواء ….
عندئذ يردون عليهم ويجيبونهم في ذلة مصحوبة بفظاظة وفحشاء :
{ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم} ( سبأ 32 )
نعم زينا لكم الحرام لكننا لم نقهركم عليه فما لكم علينا من سلطان نعم عرضنا عليكم الأفلام الساقطة الخليعة ولم نحملكم على مشاهدتها
نعم عرضنا عليكم المجلات الهابطة والقصة الخليعة ولم نحملكم على مشاهدتها
نعم عرضنا عليكم الملابس الخليعة الماجنة ولم نحملكم على لبسها بل أنتم أشتريتموها
فهل يعذر المسلم في إتباعه للمفسدين المضلين ……….. كلا والله لا يعذر
لأن المفسدين المتسلطين لن يعذروه بين يدس الله يوم القيامة فهم يقولون
{ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ } ( سبأ 32 )
ثم يدرك الجميع أن هذا الحوار البائس لا ينفع هؤلاء ولا هؤلاء إلا براءة بعضهم من بعض علم كل منهم أنه ظالم لنفسه مستحق للعذاب فتندم حين لا ينفع الندم وتنمى لو كان على الحق والإيمان والهدى {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } ( سبأ 33)
وأخيراً خطبة إبليس القاسمة
– قضي الأمر وانتهى الجدل وسكت الحوار ، قام إبليس يخطب فيهم خطبته الشيطانية القاسمة يصبها على أوليائه :
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } ( إبراهيم 22 )
طعنة أليمة نافذة لا يملكون أن يردوها عليه وقد قضي الأمر وفات الأوان :
{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } ثم يُأنبهم على أن أطاعوه :
{فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } نفض يده منهم وهو الذي وعدهم ومنَّاهم ووسوس لهم وأما الساعة فلا هم يستطيعون أن يدفعوا عنه العذاب ولا هو يستطيع أن يدفع عنهم العذاب : {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( إبراهيم 22 )
فيا للحسرة والندم ………..!!!
فيا حسرة المقصرين ويا حسرة العاصين لذات تمر وتبعات تبقي ، تريدون نيل الشهوات والحصول في الآخرة على الدرجات …… جمع الأضداد غير ممكن يا تراب
فدع الذي يفني لما هو باق ………… واحذر ذلت قدمك وخف حلول ندمك وأغتنم شبابك قبل هرمك
جعلنا الله وإياكم من الرابحين السعداء يوم يخسر المبطلون الأشقياء ويتحسر المتحسرون التعساء
إن ربي ولي النعماء وكاشف الضر والبلاء
عباد الله في يوم القيامة يبحث كل إنسان عن أي وسيلة مهما كانت ضعيفة واهية لعلها تصلح لنجاته من غضب الله ولذلك تكثر المناقشات والمحاورات بين الآباء والأبناء والأزواج والزوجات والكبار المتسلطين والصغار التابعين بين الأغنياء الجبارين والفقراء المنافقين كلٌ يحاول إلقاء التبعة على غيره لكن حيث لا تنفع المحاورات ولا الخصومات ولا التنصل من التبعات ثم لا يكون إلا الحسرات .
– فما آن لنا أن نحذر منه كل ناعق ملبس خائن يمكر بالليل والنهار قبل أن تقول نفس يا حسرتي .
– أما آن للضعفة الأتباع أن يتبرءوا من متبوعيهم الظالمين المفسدين فلا يكونوا أداة لهم في ظلم في دماء أو أعراض طمعاً في جاه أو حطام فإنهم سينقلبون عليهم يوم القيامة ويلعن بعضهم بعضاً حيث لا ينفع لعن ولا ندم .
– أما آن للمرأة المسكينة في زماننا اليوم أن تنتبه لهذه المواقف فتتبرأ في دنياها اليوم من كل ناعق لها باسم الحرية والتمدن ومتابعة الأزياء والموضات حتى لا تتحسر يوم الحسرة الكبرى عندما يتبرأ منها شياطين الأنس والجن الذين أضلوها ثم لا يغنوا عنها من عذاب الله من شيء إلا الخصام والتلاعن المذكور في كتاب الله :
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا(67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا }
( الأحزاب 67 : 68 )
– أما آن الأوان لأتباع الطوائف الضالة المبتدعة أن يفيقوا ويدركوا خطر هذه المتابعة التي ستنقلب حسرة كبرى وعداوة ولعنة بينهم وبين متبوعين يوم القيامة :
{يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } ( العنكبوت 25 )
– أما آن لأهل المعاصي أن يعلنوها توبة عاجلة نصوحا قبل الممات وقبل يوم الحسرات يوم تشهد الأعضاء والجوارح وتبدو السوآت والفضائح .
فهيا معاً لنسبح في بحر التوبة لنطفئ لفح وحرارة الذنوب ليرضي عنا علام الغيوب
واعلم أخي الحبيب أن الله عزَّ وجلَّ لا يقنط أحداً من رحمته فبابه دائماً مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها وإلى تغرغر الروح .
وأنظر كيف فتح الله أبواب رحمته لأصحاب الكبائر لكي يتوبوا ويعودوا .
قال تعالى :
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ( المائدة 33 )
وعلى الرغم من تلك الجرائم والكبائر إلا أن الله جل وعلا فتح لهم باب التوبة فقال :
{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( المائدة 33 : 34 )
وها هم أصحاب الأخدود الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات وظلموهم بلا ذنب اقترفوه سوى أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد ، هؤلاء الذين فرقوا بين الأم وولدها وقذفوا ولدها أمام عينيها في النار وجلسوا يتلذذون بمشاهدة المؤمنين وهم يحترقون في النيران وعلى الرغم من ذلك يفتح الله لهم باب التوبة ليتوبوا ، قال تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } ( البروج 10 )
فقوله تعالى : {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} يفيد أنهم لو تابوا لتاب الله عليهم .
يقول الحسن البصري
أنظروا إلى الجود والرحمة قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والاستغفار .
وها هم أهل الشرك والقتل والزنا يفتح الله أمامهم باب التوبة فيقول :
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } ( الفرقان 69 )
ثم بعد ذلك يفتح الله لهم باب التوبة ويقول :
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } ( الفرقان 70 : 71 )
وهؤلاء الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات يفتح الله أمامهم باب التوبة لكي يتوبوا ويقيموا الصلاة ويتركوا الشهوات ويقبلوا على فعل الطاعات ، قال تعالى :
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } ( مريم 59 : 60 )
قال ابن عباس في قول الله عزَّ وجل :
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
قال : دعا الله تعالى إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله ، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله ، ومن زعم أن عزيراً ابن الله ، ومن زعم أن اله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة
قال الله تعالى لهؤلاء :
{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( المائدة 74 )
فهيا بنا نقلع عن المعاصي ونبدأ صفحة جديدة مع الله جل وعلا طامعين في رحمته راجين موعوده:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }
فهيا بنا نتبرأ من الشيطان قبل أن يتبرأ منا نحن
وهيا بنا نتواعد على طاعة الله ليكون موعدنا في جنة الرحمن التي فيها ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وحتى تنعم برؤية وجه الله عز وجل ونكون في صحبة نبينا – صلى الله عليه وسلم – .
(قصة
يقول أحد المشايخ : كان يسكن بجوارنا عائلة صغيرة وكان من أفرادها شاب لم يتجاوز العشرين من عمره وكان مولعاً بالأغاني ولعاً شديداً إلى درجة أنه كان يحب إحدى المغنيات لا يحب صوتها فحسب بل كان يحب المرأة بذاتها .
وكنت أتعمده واتعهده بالنصح كلما سنحت لي الفرصة فأحياناً أرغبه في الجنة وأحياناً أخوفه من النار وكنت إذا نصحته تغرورق عيناه بالدموع وأحياناً يبكي وكان بعد كل نصيحة يعاهدني أن لا يعود إلى الأغاني ولكن لا يلبث أن ينكث العهد ويخلف الوعد .
وذات ليلة ذكرته بالجنة والنار فأخذ يبكي بكاء شديداً حتى رحمته ولكنني أحسست أن هذه المرة سيكون لنصيحتي تأثيراً فقلت له : أعطني يدك فأعطاني يده فقلت له : عاهد الله ثم عاهدني أن لا تعود فقال لي : أعاهد الله ثم أعاهدك أن لا أعود .
ثم جاءني في الصباح ومعه أشرطة الأغاني وقال لي يا أخي خذ هذه الأشرطة كَسِرهَا أحرقها أفعل بها ما تشاء المهم أن تخلصني منها خلصني من مرض قلبي الذي طالما أغفلني عن الصلوات وعن رب الأرض والسماوات … فقلت : سبحان مُقلب القلوب ما الذي حدث ؟
فقال لي : بعد أن تركتك البارحة ذهبت إلى بيتنا ثم نمت فرأيت في المنام أنني كنت أسير على شاطئ البحر فإذا بأحد أصحابي مقبل عليَّ يركض فلما وصل إليَّ بادرني بالسؤال : أتحب المرأة الفلانية ؟ فقلت : له بشوق : نعم ، فقال : إنها هناك تغني فانطلقت أركض واركض واركض أريد أن أراها فقد أحببتها حباً شديداً فلما اشتد بي التعب إذا بي أراها وهي تغني فوقفت أنظر إليها واستمع إلى صوتها معجب بها فبينما أنا كذلك إذ بيد تلامس كتفي فالتفت فإذا وجه منير كالقمر ليلة البدر تزينه لحية عليه آثار الصلاح وتلا علىَّ قوله تعالى :
{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ( الملك 22 )
وأخذ يرددها بصوت شجي عذب وأخذ يبكي حتى تأثرت أنا فأخذت أبكي معه ونحن نردد الآية فاستيقظت من نومي فجأة وأنا أرددها وأبكي ثم دخلت على أمي فلما رأتني على هذه الحال تأثرت وأخذت تبكي معي.
يقول الشيخ : وبعد ذلك أصبح الشاب يكره الأغاني كرهاً شديداً وأصبح يتلذذ بالقرآن تلذذاً عجيباً أراه في الدموع التي تنزل من عينيه حين يقرأه
فهيا أخي الحبيب أخي العاصي :
أكتب قصة الرجوع بقلم النزوع بمداد الدموع واسع بها على قدم الخضوع إلى باب الخشوع وسل رفعها فرب سؤال مسموع .
سبحانك اللم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
بارك الله فيك
بارك الله فيك جزاك الله خيرااااااااااااااااااااااا