تخطى إلى المحتوى

مسائل فقهية في بيع الذهب 2024.

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم… أما بعد..

ولقد ثبت في صحيح مسلم(1) من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقالالجيريا هم سواء ) واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله, والله تعالى إنما خلق الجن والإنس, وأودع فيهم العقول والإدراك, وبعث فيهم الرسل وبث فيهم النذر ليقوموا بعبادته والتذلل له بالطاعة مقدمين أمره وأمر رسوله على ما تهواه أنفسهم, فإن ذلك هو حقيقة العبادة ومقتضى الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)(الأحزاب 36 ) .

فلا خيار للمؤمن إن كان مؤمنا حقا في أمر قضاه الله ورسوله, وليس أمامه إلا الرضا والتسليم التام سواء وافق هواه أم خالفه, وإلا فليس بمؤمن كما قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء 65) .إذا تبين هذا فاعلم أن أوامر الله تعالى تنقسم إلى قسمين:

قسم يختص بمعاملته سبحانه كالطهارة والصلاة والصيام والحج, وهذا لا يستريب أحد في التعبد لله تعالى به, وقسم يختص بمعاملة الخلق وهي المعاملة الجارية بينهم من بيع وشراء وإيجار ورهن وغيرها, وكما أن تنفيذ أوامر الله تعالى والتزام شريعته في القسم الأول أمر معلوم وجوبه لكل أحد, فكذلك تنفيذ أوامره والتزام شريعته في القسم الثاني أمر واجب إذ الكل من حكم الله تعالى على عباده, فعلى المؤمن تنفيذ حكم الله والتزام شريعته في هذه وذاك…وبعد ..

فهذه أسئلة عن بيع وشراء واستعمال الذهب(2) موجهة لشيخنا محمد بن صالح العثيمين تفضل بالإجابة عليها سائلاً الله تعالى أن ينفع بها من قرأها أو سمعها, وأن يعظم الأجر والمثوبة لمن كتبها أو طبعها أو نشرها أو عمل بها وهو حسبنا ونعم الوكيل…

السؤال الأول: ما الحكم في أن كثيرا من أصحاب محلات الذهب يتعاملون بشراء الذهب المستعمل (الكسر) ثم يذهبون به إلى تاجر الذهب ويستبدلونه بذهب جديد مصنع وزن مقابل وزن تماماً, يأخذون عليه أجرة التصنيع للذهب الجديد ؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم, والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلا بمثل, سواء بسواء, يدا بيدٍ ) (3)

وثبت عنه أنه قال: (من زاد أو استزاد فقد أربى) (4) وثبت عنه (أنه أتي بتمر جيد فسأل عنه فقالوا: كنا نأخذ الصاع بالصاعين, والصاعين بالثلاثة, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد البيع وقال:هذا عين الربا ) ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الردئ, ثم يشتروا بالدراهم تمرا جيدا (5) ومن هذه الأحاديث نأخذ أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب مع إضافة أجرة التصنيع إلى أحدهما أنه أمر محرم لا يجوز, وهو داخل في الربا الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، والطريق السليم في هذا أن يباع الذهب الكسر بثمن من غير مواطأة ولا اتفاق, وبعد أن يقبض صاحبه الثمن فإنه يشتري الشيء الجديد, والأفضل أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر, فإذا لم يجده رجع إلى من باعه عليه واشترى بالدراهم وإذا زادها فلا حرج, المهم ألا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق ولو كان ذلك من اجل الصناعة. هذا إذا التاجر تاجر بيع, أما إذا كان التاجر صائغاً فله أن يقول خذ هذا الذهب اصنعه ليّ على ما يريد من الصنعة أعطيك أجرته إذا انتهت الصناعة, وهذا لا بأس به.

***

السؤال الثاني: ما رأي فضيلتكم أن بعض أصحاب محلات الذهب يقومون باستبدال الذهب الجديد لديهم مقابل ذهب مستعمل من الراغب في الشراء منهم ويأخذون عليه أجرة تصنيع ؟

الجواب: لا يظهر لي فرق بين هذا السؤال والذي قبله والحكم فيهما واحد.

***

السؤال الثالث: إن بعض أصحاب محلات الذهب يقومون بشراء الذهب بالأجل معتقدين أن هذا حلال وحجتهم أن هذا من عروض التجارة ولقد نوقش كبارهم على أن مثل هذا العمل لا يجوز فأجاب بأن أهل العلم ليس لهم معرفة بمثل هذا العمل ؟

الجواب: إن هذا أعني بيع الذهب بالدراهم إلى أجل حرام بالإجماع, لأنه ربا نسيئة, وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت حين قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة……….الخ ) الحديث قال: ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيدٍ )(6) هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله إن أهل العلم لا يعلمون ذلك فهذا اتهام لأهل العلم في غير محله, لأن أهل العلم كما وصفهم أهل علم والعلم ضد الجهل, فلولا أنهم يعلمون ما صحّ أن يسميهم أهل العلم, وهم يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله, ويعلمون أن مثل هذا العمل عمل محرم لدلالة النص على تحريمه.

***

السؤال الرابع: ما الحكم في أن بعض محلات الذهب يشترط على البائع للذهب المستعمل أن يشتري منه جديدا.

الجواب: هذا أيضا لا يجوز, لأن هذا حيلة على بيع الذهب بالذهب مع التفاضل. والحيل ممنوعة في الشرع, لأنها خداع وتلاعب بأحكام الله .

***

السؤال الخامس: هل يلزم أن يكون التوكيل لفظا بين أصحاب محلات الذهب أم يكفي بمثل أن يأخذ منه على ما اعتادوا بينهم من أنه سيبيعه بالسعر المعروف ؟

الجواب: الوكالة عقد من العقود تنعقد بما دلّ عليها من قول أو فعل, فإذا جرت العادة بين أهل الدكاكين أن السلعة التي لا توجد عند أحدهم إذا وقف عنده المشتري فذهب إلى جاره وأخذ منه السلعة على أنه يبيعها له, وكان الثمن معلوما عند هذا الذي أخذها وباعها لصاحبها بالثمن المعلوم بينهما, فإن هذا لا بأس به, لأن الوكالة كما قال أهل العلم تنعقد بما دلّ عليها من قول أو فعل.

***

السؤال السادس: ما الحكم فيما إذا أتى المشتري واشترى بضاعة الذهب ثم اشترط إذا لم تصلح يردها للمحل للاستبدال أو استرداد قيمتها, وماهي الطريقة المشروعة في مثل هذه الحالة حيث إن بعضهم قد يكون بعيد المسافة عن المدينة مما يستحيل العودة بنفسه إلى المحل في نفس اليوم أو اليوم الثاني ؟

الجواب: الأفضل في مثل هذا والأحسن أن يأخذ السلعة الذهبية قبل أن يتم العقد, ويذهب بها إلى أهله, فإن صلحت رجع إلى صاحب الدكان وباع معه واشترى من جديد هذا هو الأفضل. أما إذا اشتراها منه وعقد العقد ثم اشترط الخيار له إن صلحت لأهله وإلا ردها, فهذه محل خلاف بين أهل العلم, فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن المسلمين على شروطهم, ومنهم من منع ذلك وقال: إن هذا الشرط يحل حراما وهو التفرق قبل تمام العقد على وجه لازم. والأول ظاهر اختيار شيخ الإسلام بن تيمية, والثاني هو المشهور من المذهب, وأن كل عقد يشترط فيه التقابض فإنه لا يصح فيه شرط الخيار. وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن تبرأ ذمته ويسلم فليسلك الطريقة الأولى أن يأخذها ويشاور عليها قبل أن يتم العقد.

ما معنى قبل أن يتم العقد ؟؟

أي يعطهم دراهم رهنا أو أي سلعة يستوثقون بها لا على أنها ثمن للذهب الذي اشتراه

***

السؤال السابع: ما الحكم في أن بعض أصحاب محلات الذهب يشتري ذهبا مستعملا نظيفا ثم يعرضه للبيع بسعر الجديد. فهل يجوز مثل هذا أو يلزمه تنبيه المشتري بأنه مستعمل أو لا يلزم حيث إن بعض المشترين لا يسأل هل هو جديد أم لا ؟

الجواب: الواجب عليه النصيحة, وان يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ومن المعلوم لو أن شخصا باع عليك شيئا مستعملا استعمالاً خفيفا لم يؤثر فيه وباعه عليك على أنه جديد لعددت ذلك غشا منه وخديعة, فإذا كنت لا ترضى أن يفعل بك الناس هذا فكيف تسوغ لنفسك أن تفعله بغيرك. وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يفعل مثل هذا الفعل حتى يبين للمشتري ويقول له: إن هذا قد استعمل استعمالا خفيفا أو ما أشبه ذلك.

***

السؤال الثامن: ما الحكم فيمن سلم ذهبه لمصنع الذهب ليصنعه فربما اختلط ذهبه مع ذهب غيره حال صهر الذهب في المصنع ولكن عند استلامه من المصنع يستلمه بنفس الوزن الذي سلّمه ؟

الجواب يجب على المصنع أن لا يخلط أموال الناس بعضها ببعض, وأن يميز كل واحد على حدة إذا كان عيار الذهب يختلف. أما إذا كان عيار الذهب لا يختلف فلا حرج أن يجمعها لأنه لا يضر.

***

س: وهل يلزم تسديد أجرة التصنيع عند استلام الذهب أو نعتبره حساب جاري؟

ج: لا يلزم أن يسدد لأن هذه الأجرة على عمل, فإن سلمها حال القبض فذاك وإلا متى سلّمها صحّ.

***

السؤال التاسع: ما رأي فضيلتكم حيث إن بعض المشترين للذهب يسأل عن سعر الذهب ثم إذا علم بسعره قام وأخرج ذهبا مستعملا معه وباعه, وعند استلامه الدراهم يقوم ويشتري بضاعة جديدة ؟

الجواب: هذا لا بأس به إذا لم يكن هناك اتفاق ومواطأة من قبل إلا أن الإمام أحمد رحمه الله يرى أنه في مثل هذه الحالة يذهب ويطلب من جهة أخرى فيشتري منها, فإن لم يتيسر له ذلك رجع إلى الذي باع عليه أولا ليشتري منه حتى يكون ذلك ابعد عن الشبهة, شبهة الحيلة

***

السؤال العاشر: ما الحكم فيمن باع ذهبا على صاحب المحل ثم يشتري ذهبا آخر من صاحب المحل بمبلغ مقارب للمبلغ الذي باع عليه به مثلا, ثم يسدد له قيمة الذهب الذي اشتراه من قيمة الذهب الذي باعه وهو لم يستلمها ؟

الجواب : هذا لا يجوز , لأنه إذا باع شيئا بثمن لم يقبض واعتاض عن ثمنه ما لا يحل بيعه به نسيئة, فقد صرح الفقهاء بأن هذا حرام ,لأنه قد يتخذ حيله على بيع ما لا يجوز فيه النسيئة بهذه الصفة بدون قبض,وإذا كان من جنسه صار حيلة على ربا الفضل(7) وربا النسيئة (8).

***

السؤال الحادي عشر: ما حكم من اشترى ذهبا وبقي عليه من قيمته وقال أتي بها إليك متى تيسر ؟

الجواب: لا يجوز هذا العمل, وإذا فعله صح العقد فيما قبض عوضه, وبطل فيما لم يقبض, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيع الذهب بالفضة: (بيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ) (9)

***

السؤال الثاني عشر: ما الحكم فيمن اشترى ذهبا وتم البيع عليه ثم سدد القيمة وبقي عليه جزء من المبلغ فهل يجوز أن يذهب إلى أي مكان ليأتي بالباقي بعد قليل مثلا من ( السيارة أو البنك ) ولم يستلم الذهب إلا بعد أن أتى بالباقي, فهل يصح هذا العمل ؟ وإلا يلزم إعادة العقد بعدما أتى بالباقي ؟

الجواب: الأولى أن يعاد العقد بعد أن يأتي بالباقي, وهذا لا يضر ماهو إلا إعادة الصيغة فقط مع مراعاة السعر إن زاد أو نقص, وإن تم العقد على السعر الأول فلا باس, وإن ترك العقد حتى يأتي بباقي الثمن كان أولى, لأنه لا داعي للعقد قبل إحضار الثمن, والله الموفق.

***

السؤال الثالث عشر: هنالك بعض أصحاب محلات الذهب يذهب إلى تاجر الذهب ويأخذ منه ذهبا جديدا بوزن كيلو مثلا, ويكون هذا الذهب مخلوطا به فصوص سواء كانت من الأحجار الكريمة المسماة بالألماس أو الزراكون أو غيرها, ويعطيه المشتري مقابل هذا الكيلو ذهبا صافيا وزنا بوزن, ولكنه ليس فيه فصوص, ثم إن البائع يأخذ زيادة على ذلك تسمى أجرة التصنيع.فيكون عند البائع زيادتان أولهما زيادة ذهب مقابل وزن الفصوص, وثانيهما زيادة أجرة التصنيع لأنه تاجر ذهب وليس مصنع ذهب. فما حكم هذا العمل وفقكم الله ؟

الجواب:هذا العمل محرم لأنه مشتمل على الربا.والربا فيه كما ذكر السائل من وجهين: الوجه الأول زيادة الذهب حيث جعل ما يقابل الفصوص وغيرها ذهبا وهو شبيه بالقلادة التي ذكرت في حديث فضالة بن عبيد حيث أشتري قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارا, ففصلها فوجد فيه أكثر,فقال النبي صل الله عليه وسلمالجيريالا تباع حتى تفصل)(10)

أما الوجه الثاني: فهو زيادة أجرة التصنيع, لأن الصحيح أن زيادة أجرة التصنيع لا تجوز, لأن الصناعة وإن كانت من فعل الآدمي لكنها زيادة وصف في الربوي تشبه زيادة الوصف الذي من خلق الله عز وجل, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري صاع التمر الطيب بصاعين من التمر الردئ (11) والواجب على المسلم الحذر من الربا والبعد عنه لأنه من أعظم الذنوب

***

السؤال الرابع عشر: ما حكم العمل عند أصحاب محلات الذهب الذين يتعاملون بمعاملات غير مشروعة سواء كانت ربوية أو حيلا محرمة أو غشا أو غير ذلك من المعاملات التي لا تشرع ؟

الجواب: العمل عند هؤلاء الذين يتعاملون بالربا أو بالغش أو نحو ذلك من الأشياء المحرمة, العمل عند هؤلاء محرم, لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة 2 ) ولقولهالجيرياوقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم)(النساء: 140)

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فلغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه)(12). والعامل عندهم لم يغير لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه فيكون عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم.

***

السؤال الخامس عشر: ما حكم التعامل بالشيكات في بيع الذهب إذا كانت مستحقة السداد وقت البيع حيث إن بعض أصحاب الذهب يتعامل بالشيكات خشية على نفسه ودراهمه أن تسرق منه ؟

الجواب : لا يجوز التعامل بالشيكات في بيع الذهب أو الفضة , وذلك لأن الشيكات ليست قبضا وإنما هي وثيقة حوالة فقط بدليل أن هذا الذي أخذ الشيك لو ضاع منه لرجع على الذي أعطاه إياه , ولو كان قبضاً لم يرجع عليه .

وبيان ذلك أن الرجل لو اشترى ذهباً بدراهم فاستلم البائع الدراهم فضاعت منه لم يرجع على المشتري, ولو أنه أخذ من المشتري شيكا ثم ذهب به ليقبضه من البنك ثم ضاع منه فإنه يرجع على المشتري بالثمن.وهذا دليل على أن الشيك ليس بقبض, وإذا لم يكن قبضا لم يصح البيع, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون بيع الذهب بالفضة يدا بيد. إلا إذا كان الشيك مصدقا من قبل البنك واتصل البائع بالبنك وقال ابق الدراهم عندك وديعة لي, فهذا قد يرخص فيه. والله أعلم.

***

السؤال السادس عشر ما حكم بيع الذهب الذي يكون فيه رسوم أو صور مثل فراشة أو رأس ثعبان و ما شابه ذلك ؟

الجواب: الحلي الذهب أو الفضة المجعول على صورة حيوان حرام بيعه وحرام شراءه وحرام لبسه, وحرام اتخاذه, وذلك لأن الصور يجب على المسلم أن يطمسها وأن يزيلها. كما في صحيح مسلم, عن أبي الهياج أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له: ( إلا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ : ألا تدع صورة إلا طمستها, ولا قبرا مشرفا إلا سويته )(13) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة(14).وعلى هذا فيجب على المسلمين أن يتجنبوا استعمال هذا الحلي وبيعه وشراءه.

***

السؤال السابع عشر ما حكم حجز الذهب وذلك بدفع بعض قيمته وتأمينه عند التاجر حتى تسدد القيمة كاملة ؟

الجواب: ذلك لا يجوز لأنه إذا باعها فإن مقتضى البيع أن ينتقل ملكها من البائع إلى المشتري بدون قبض الثمن, وهذا حرام لا يجوز, بل لا بد أن يقبض الثمن كاملا ثم إن شاء المشتري أبقاها عند البائع وإن شاء أخذها. نعم لو سامه منه ولم يبع عليه ثم ذهب وجاء بباقي الثمن ثم تم العقد والقبض بعد ذلك, فهذا جائز لأن العقد لم يكن إلا بعد إحضار الثمن.

***

السؤال الثامن عشر: ما حكم إخراج الذهب قبل استلام ثمنه, وإذا كان لقريب يخشى من قطيعة رحمه مع علمي التام أنه سيسدد قيمتها ولو بعد حين؟

الجواب:يجب أن تعلم القاعدة العامة بأن بيع الذهب بدراهم لا يجوز أبدا إلا باستلام الثمن كاملا, ولا فرق بين القريب والبعيد, لأن دين الله لا يحابى فيه أحد. وإذا غضب عليك القريب في طاعة الله عز وجل فليغضب, فإنه هو الظالم الآثم الذي يريد منك أن تقع في معصية الله عز وجل وأنت في الحقيقة قد بررت حين منعته أن يتعامل معك المعاملة المحرمة, فإذا غضب أو قاطعك لهذا السبب فهو الآثم وليس عليك من إثمه شيء.

***

السؤال التاسع عشر: ما حكم أخذ التاجر ذهبا مقابل ذهب يريد المشتري أن يشاور عليه, وهذا الذهب الذي أخذه التاجر رهن إلى أن يرد المشتري ما أخذ منه مع العلم أنه لابد من اختلاف في الوزن بين ما أخذه وما رهن ؟

الجواب : هذا لا بأس به مادام أنه لم يبعه إياه وإنما قال : هذا الذهب رهنا عندك حتى أذهب وأشاور ثم أعود إليك ونتبايع من جديد , ثم إذا تبايعنا سلمه الثمن كاملا وأخذ ذهبه الذي أخذه رهنا عنده .

***

السؤال العشرون: رجل اشترى قطعة ذهبية بمبلغ مائتي دينار, واحتفظ بها مدة من الزمن إلى أن زادت قيمة الذهب أضعافا فباعها بثلاثة آلاف دينار, فما حكم هذه الزيادة ؟

الجواب : هذه الزيادة لا بأس بها ولا حرج , ومازال المسلمون هكذا في بيعهم وشرائهم يشترون السلع وينتظرون زيادة القيمة , وربما يشترونها بأنفسهم للاستعمال ثم إذا ارتفعت القيمة جدا ورأوا الفرصة في بيعها باعوها مع أنهم لم يكن عندهم نية في بيعها من قبل , والمهم أن الزيادة متى كانت تبعا للسوق فإنه لا حرج فيها فلو زادت أضعافا مضاعفة . لكن لو كانت الزيادة في الذهب بادل به في ذهب أخر وأخذ زيادة في الذهب الآخر فهذا حرام لأن بيع الذهب بالذهب لا يجوز إلا وزنا بوزن ويدا بيد كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا بعت ذهبا بذهب ولو اختلفا في الطيب يعني أحدهما أطيب من الأخر فإنه لا يجوز إلا مثلا بمثل سواء بسواء يداً بيد. فلو أخذت من الذهب عيار (18) مثقالين بمثقال ونصف من الذهب عيار (24) فإن هذا حرام ولا يجوز, لأنه لابد من التساوي. ولو أخذت مثقالين بمثقالين من الذهب ولكن تأخر القبض في أحدهما فإنه لا يجوز أيضا, لأنه لابد من القبض في مجلس العقد, ومثل ذلك بيع الذهب بالأوراق النقدية المعروفة, فإنه إذا اشترى الإنسان ذهبا من التاجر أو من الصائغ لا يجوز له أن يفارقه حتى يسلمه القيمة كاملة إذ أن هذه الأوراق النقدية بمنزلة الفضة, وبيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض قبل التفرق, لقول الرسول عليه والصلاة والسلام: ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)(15)

***

السؤال الحادي والعشرون: ما حكم بيع الخواتم من الذهب المخصصة بلبس الرجال إذا تيقن التاجر أن المشتري سيلبسها ؟

الجواب: بيع الخواتم من الذهب للرجال إذا علم البائع أن المشتري سوف يلبسها أو غلب على ظنه أنه يلبسها, فإن بيعها عليه حرام, لأن الذهب حرام على ذكور هذه الأمة, فإذا باعه على من يعلم أو يغلب على ظنه أنه يلبسه فقد أعان على الإثم, وقد نهى الله عز وجل عن التعاون على الإثم والعدوان, قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(المائدة 2) . ولا يحل للصائغ أن يصنع الخواتم الذهب ليلبسها الرجال.

***

السؤال الثاني والعشرون: ماهي العلة في تحريم لبس الذهب على الرجال لأننا نعلم إن دين الإسلام لا يحرم على المسلم إلا كل شيء فيه مضرة عليه, فما هي المضرة المترتبة على التحلي بالذهب للرجال ؟

الجواب : اعلم أيها السائل وليعلم كل من يستمع هذا البرنامج(16) أن العلة في الأحكام الشرعية لكل مؤمن هي قول الله ورسوله , لقوله تعالى الجيرياوما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (النساء 36 ). فأي واحد يسألنا عن إيجاب شيء أو تحريم شيء دل على حكمه الكتاب والسنة فإننا نقول العلة في ذلك قول الله تعالى وقول رسوله و هذه العلة كافية لكل مؤمن ولهذا لما سئلت عائشة ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)(17) لأن النص من كتاب الله أو من سنة رسوله علة موجبة لكل مؤمن, ولكن لا بأس أن يتطلب الإنسان الحكمة, وأن يلتمس الحكمة في أحكام الله, لأن ذلك يزيده طمأنينة, ولان ذلك يبين سمو الشريعة الإسلامية حيث تقرن الأحكام بعللها, ولأنه يتمكن به من القياس إذا كانت علة هذا الحكم المنصوص عليه ثابتة في أمر آخر لم ينص عليه, فالعلم بالحكمة الشرعية له هذه الفوائد الثلاثة.

ونقول بعد ذلك في الجواب على سؤال الأخ: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم لباس الذهب على الذكور دون الإناث, ووجه ذلك أن الذهب أعلى ما يتجمل به الإنسان ويتزين به, فهو زينة وحلية, والرجل ليس مقصودا لهذا الأمر أي ليس إنسانا يتكمل بغيره أو يكمل بغيره, بل الرجل كامل بنفسه لما فيه من الرجولة, ولأنه ليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص أخر بخلاف المرأة, لأن المرأة ناقصة تحتاج إلى تكميل جمالها, ولأنها بحاجة إلى التجمل بأعلى أنواع الحلي حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها. فلهذا أبيح للمرأة أن تتحلى بالذهب دون الرجل, قال تعالى في وصف المرأة: (أومن يُنشَّؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (الزخرف 18) .

وبهذا يتبين حكمة الشرع في تحريم لباس الذهب على الرجال. وبهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى هؤلاء الذين ابتلوا من الرجال بالتحلي بالذهب, فإنهم بذلك قد عصوا الله ورسوله, وألحقوا أنفسهم بالإناث, وصاروا يضعون في أيديهم جمرة من النار يتحلون بها كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى, وإن شاءوا أن يتختموا بالفضة في الحدود الشرعية فلا حرج في ذلك, وكذلك بغير الذهب من المعادن لا حرج عليهم أن يلبسوا خواتم منه إذا لم يصل إلى حد السرف أو الفتنة.

والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

———————–

(1) في كتاب المساقات ، باب لعن آكل الربا وموكله رقم (1598).

(2) ما يقال عن بيع وشراء الذهب يقال عن بيع وشراء الفضة.

(3) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1587).

(4) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1588).

(5) متفق عليه رواه البخاري في كتاب البيوع ، باب إذا أراد بيع التمر بالتمر خير منه رقم (2201) ، و مسلم في كتاب المساقاة ، باب الطعام مثلاً بمثل ، رقم (1593).

(6) سبق تخريجه.

(7) ربا الفضل : هو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة.

(8) ربا النسيئة : تأخير القبض في بيع ما يشترط فيه القبض من الربويات.

(9) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1587).

(10) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب القلادة فيها خرز وذهب ، رقم (1591).

(11) متفق عليه ، وتقدم تخريجه ص (8).

(12) رواه مسلم كتاب الإيمان ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان رقم (49).

(13) رواه مسلم ، كتاب الجنائز ، باب الأمر بتسوية القبر رقم (969).

(14) متفق عليه . رواه البخاري ، كتاب اللباس ، باب التصاوير رقم (5949) ومسلم ، كتاب اللباس ، باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة رقم ( 2106).

(15) رواه مسلم في كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً ، رقم (1587).

(16) هذا السؤال مأخوذ من برنامج نور على الدرب.

وهذا الرابط لموقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله للاطلاع :

بارك الله فيك وجزاك خيرا باذنه تعالى

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.