بسم الله الرحمان الرحيم وصلى على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم
أخبرني محمد ابن المنذر بن سعيد حدثنا أبو حاتم محمد بن ادريس الحنظلي حدثني عبد الرحمان بن أبي عطية الخمصي عن الخطاب ابن المعلي المخزومي أنه وعظ ابنه فقال
يا بني : عليك بتقوى الله وطاعته ، وتجنب محارمه باتباع سنته ومعالمه ، حتى تصح عيوبك وتقر عينك فانها لا تخفي على الله خافيه .
واني قد وسمت لك وسما ،ووضعت لك رسما ،ان انت حفظته ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك ،وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج اليك ، ويرغب الى ما في يديك فأطع اباك ، واقتصر على وصية ابيك ، وفرغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبك .
فإياك وهذر الكلام وكثرة الضحكك والمزاح ومهازلة الإخوان ، فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء .
وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك.
والق صديقك وعدوك بوجه الرضى وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم .
وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ، ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف ، ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا .
فإن تكلمت فاختصر ، وإن مزحت فاقتصر، واذا جلست فتربع وتحفظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتمطى وأشباه ذلك مما يستخفه الناس منك ويغتمزون به فيك .
وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما وأصغ الى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة.
وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا عن فرسك ولا عن سفيك.
ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد ولا تهلب لحيتك ولا تبطنها وتوق كثرة الحف ونتف الشيب وكثرة الكحل والإسراف في الدهن وليكن كحلك غبا ولا تلح في الحاجات ولا تخشع في الطلبات .
ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدد مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم وأخفهم في غير عنف ولن لهم قي غير ضعف ، واذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عن عجلتك وتفكر في حجتك ولا تكثر الأشارة بيدك ولا تحفز على ركبتيك .
وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس .
وتخير محاسن القول بالحديث المقبول وإذا حدثت بسماع فانسبه الى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك .
واعلم ان الجشع يدعو الى الطمع والرغبة تدق الرقبة ورب أكله تمنع أكلات والتعفف مال جسيم وخلق كريم .
ومن تعدى القدر هوى في بعيد القعر والصدق زين والكذب شين ولصدق يسرع عطب صاحبه أحسن عاقبة من كذب يسلم عليه قائله .
ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان .
وزوجة السوء الداء العضال ونكاح العجوز يذهب بماء الوجه ، وطاعة النساء تزرى بالعقلاء تشبه بأهل العقل تكن منهم وتصنع للشرف تدركه وأعلم أن كل امريء حيث وضع نفسه وإنما ينسب الصانع الى صناعته والمرء يعرف بقرينه وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ويحزنون من صادقهم وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب .
وصاحب الرياء يرجع الى السخاء ولرياء بخير خير من معالنة بشر والعرق نزاع والعادة طبيعة لازمة إن خير فخير وإن شرا فشر وأعجل منفعه : إيسار في دعة وكثرة العلل من البخل وشر الرجال الكثير الاعتلال وحسن اللقاء يذهب بالشحناء ولين الكلام من أخلاق الكرام .
يا بني إن زوجة الرجل سكنة ولا عيش له مع خلافها فإذا هممت بنكاح امرأة فسل عن أهلها فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الحلوة واعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف فتوق منهن كل ذات بذا مجبولة على الاذى.
فمنهن المعجبة بنفسها المزرية ببعلها ان اكرمها راته لفضلها عليه لا تشكر على جميل ولا ترضى منه بقليل لسانها عليه سيف صقيل ,قد كشفت القحة ستر الحياء عن وجهها , فلا تستحي من اعوارها ولا تستحي من جارها ,كلبة هرارة مهارشة عقارة فوجه زوجها مكلوم وعرضه مشتوم لا ترعى عليه الدين ولا الدنيا ولا تحفظه لصحبة ولا لكثرة بنين ,حجابه مهتوك وستره منشور ,وخيره مدفون ,يصبح كئيبا ويمسي عاتبا شرابه مر وطعامه غيظ وولده ضياع وبيته مستهلك ,وثوبه وسخ ورأسهشعث’ان ضحك فواهن وان تكلم فمتكاره نهاره ليل وليله ويل تلدغه مثل الحية العقارة وتلسعه مثل العقرب الجرارة ومنهن شفشليق شعشع سلفع ذات سم منقع وابراق واختلاق تهب مع الرياح ,وتطير مع كل ذي جناح ان قال لا قالت نعم ,وان قال نعم قالت لا ,مولدة لمخازيه محتقرة لما في يديه تضرب به الامثال وتقصر به بين الرجال وتنقله من حال الى حال حتى قلا بيته ومل ولده وغث عيشه ,وهانت عليه نفسه ’وحتى أنكره اخوانه ورحمه جيرانه
ومنهن الورهاء ذات الذل في غير موضعه الماضغة للسانها الآخذة في غير شأنها ,قد قنعت بحبه ورضيت بكسبه ’تأكل كالحمار الراتع تنتشر الشمس ولا يسمع لها صوت ولم يكنس لها بيت طعامها بائت واناؤها وضر وعجينها حامض ,وماؤها فاتر ,ومتاعها مزروع وماعونها ممنوع وخادمها مضروب وجارها محروب .
ومنهن العطوف الودود و المباركة المولود المأمونة على غيبها المحبوبة في جيرانها ,المحمودة في سرها واعلانها ,الكثيرة التفضل الخافضة صوتا النظيفة بيتا ,خادمها مسمن وابنها مزين وخيرها دائم وزوجها ناعم مرموقة مالوفة وبالعفاف والخيرات موصوفة
جعلك الله يابني ممن يقتدي بالهدى ,ويأتم بالتقى ويتجنب السخط ويحب الرضى
والله خليفتي عليك والمتولى لأمرك ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
شرح بعض المفردات
الشفشليق :العجوز المسترخية
الشعشع:العجوز الطويلة
السلفع:الصخابة البذيئة السيئة الخلق
الورهاء:الحمقاء ,أصله قولهم سحابة ورهاء أي كثيرة المطر
الوضر :بفتح الواو والضاد بقية الدسم في الاناء ,والوضر بكسر الضاد -الوصف منه
بارك الله فيك
الوصية نقلا من كتاب روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان
وصية نافعة
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
وصايا ما احوجنا الى ان نعمل بها
جزاكم الله خيرا
مشكووور على هذا الطرح