‘‘ تسعــــــة أعشــــآر حسن الخلق في التغافــل ’’
" الموقف الأول "
دخل عبد الله بيته وما إن فتح الباب ومشى قليلاً..
حتى تعثر بلعبة طفلته وكاد أن يقع
رفع اللعبة ثم واصل طريقه متجهاً إلى المطبخ حيث زوجته وهو متضايق مما حصل له فلولا عناية الله كان سقط على وجهه وكسرت يده..
يا الله كم مرة قلت لها اهتمي بترتيب البيت، لم لا تأخذي بكلامي ؟!
وصل إليها فقابلته بابتسامة مشرقة وكلمة رقيقة..
وإذا هي قد أعدت مائدة لذيذة من الطعام الذي يفضله
فأطفأ كل ذلك غضبه وجعل يفكر
هل الأمر يستحق أن أكرر مرة أخرى عليها نفس الاسطوانة؟!!
لتغضب وتخبرني أنها كانت مشغولة بإعداد الطعام..
فتجلس على المائدة وهي متضايقة ؟! ونتنكد باقي يومنا !
أعتقد أنه من الأفضل أن أتغاضى قليلاً لنسعد كثيراً.
" الموقف الثاني "
انتظرت أمل مجيء خالد بعد انتهاء الحفلة التي دعيت لها.. لكنه تأخر .. !!
مرت عشر دقائق ثم نصف ساعة على الموعد الذي اتفقا عليه وبدا المدعوون بالتناقص..
ثم مرت ساعة كاملة ولم يبق إلا هي وأصحاب الدعوة الذين كانوا يجاملونها مع ما بدا عليهم من إرهاق !
يا إلهي أين أنت يا خالد؟ دائماً تحرجني بتأخرك ! إنه لا يلتزم بالمواعيد بتاتاً..
لقد كدت أبكي من الخجل ..
أخيراً حضر.. ركبت السيارة بسرعة وهي ترتجف من الغضب، وقبل أن تفتح فمها أخبرها أنه
قد طاف على سبع محلات تجارية ليشتري لها الجهاز الذي طلبته ، ولأنه يفضل أن يختار أجود
نوع فلم يكن يقنعه أي منتج حتى وصل آخر محل فوجد عنده هذا الجهاز..
أنه في الخلف هل انتبهت له عند ركوبك؟ التفت إليه فإذا هو قابع على المقعد الخلفي وإذا هو
طلبها تماماً.. مسكينا أنت يا خالد ما أطيب قلبك! لكن أيضاً لقد أحرجني عند أقاربي ولا بد أن
أخبره أني متضايقة..
فكرت قليلاً .. !! إن عاتبته قد يغضب ويعلو صوته كالعادة وأنا الآن في غنى عن هذه المشاكل..
وإن تغاضيت وسكت ارتحت ومضت سفينتنا على خير.. وهذا ما اخترت والحمد لله.
" قصة "
تركَ رجلٌ زوجتهُ وأولادهُ مِن أجلِ وطنه قاصداً أرض معركة تدور رحاها
علىَ أطراف البلاد , وبعد إنتهاء الحرب وأثناء طريق العودة
أُخبَرَ الرجل أن زوجتهُ مرضت بالجدري في غيابهِ فتشوه وجهها كثيراً جرّاء ذلك ..
تلقى الرجل الخبرَ بصمتٍ وحزنٍ عميقينِ شديدينِ …وفي اليوم التالي شاهدهُ
رفاقهُ مغمض العينين فرثوا لحالهِ وعلموا حينها أنهُ لم يعد يبصر
رافقوه إلى منزلهِ, وأكمل بعد ذلكَ حياتهُ مع زوجتهُ وأولادهُ بشكلٍ طبيعي .. وبعد ما يقاربَ
خمسةَ عشرَ سنةٍ توفيت زوجتهُ … وحينها تفاجأ كلّ من حولهُ بأنهُ عادَ مبصراً بشكلٍ طبيعي ..
وأدركوا أنهُ أغمضَ عينيهِ طيلة تلكَ الفترة كي لا يجرح مشاعر زوجتِه عند رؤيتُه لها …
تلكَ الإغماضة لم تكن من أجل الوقوفِ
على صورةٍ جميلةٍ للزوجة .. وبالتالي تثبيتها في الذاكرةِ
والاتكاء عليها كلما لزمَ الأمر , لكنها من المحافظةِ على سلامة العلاقة الزوجية
حتى لو كَلّفَ ذلك أن نعمي عيوننا لفترةٍ طويلة خاصة بعدَ نقصان
عنصر الجمال المادي ذاكَ المَعبر المفروض إلى الجمال الروحي
ربما تكونُ تلكَ القصة مِنَ النوادر أو حتىَ مِنْ محض الخَيال , لكنْ …
هل منا من أغمضَ عينهُ قليلاً عنْ عيوبَ الآخرين وأخطائهم كي لا يجرح مشاعرهمْ ؟؟
لا يخلو شخص من نقص ..
ومن المستحيل على أي زوجان
أن يجد كل ما يريده أحدهما في الطرف الآخر كاملاً…
كما أنه لا يكاد يمر أسبوع..
دون أن يشعر أحدها بالضيق من تصرف عمل الآخر..
وليس من المعقول أن تندلع حرب كلامية كل يوم وكل أسبوع على شيء تافه
كملوحة الطعام أو نسيان طلب أو الانشغال عن وعد ‘غير ضروري’
أو زلة لسان، فهذه حياة جحيم لا تطاق !
ولهذا على كل واحد منهما تقبل الطرف الآخر ..
والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات ، أو طبائع ..
وكما قيل :
‘تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل ‘
وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه
تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور ..
ويقال: ما زال التغافل من فعل الكرام
وبعض الرجال – هداهم الله –
يدقق في كل شيء وينقب في كل شيء
فيفتح الثلاجة يومياً ويصرخ لماذا لم ترتبي الخضار ..
أو تضعي الفاكهة هنا أو هناك ؟!
لماذا الطاولة علاها الغبار ؟!
كم مرة قلت لك الطعام حار جداً ؟!
الخ وينكد عيشتها وعيشته !!
وكما قيل : ما استقصى كريم قط ..
كما أن بعض النساء كذلك تدقق في أمور زوجها ماذا يقصد بكذا؟
ولماذا لم يشتر لي هدية بهذه المناسبة؟
ولماذا لم يهاتف والدي ليسأل عن صحته؟
وتجعلها مصيبة المصائب وأعظم الكبائر..
فكأنهم يبحثون عن المشاكل بأنفسهم !!
كما أن بعض الأزواج ..
يكون عنده عادة لا تعجب الطرف الآخر
أو خصلة تعود عليها ولا يستطيع تركها
مع أنها لا تؤثر في حياتهم الزوجية بشيء يذكر
إلا أن الطرف الآخر يدع كل صفاته الرائعة ..
ويوجه عدسته على تلك الصفة محاولاً اقتلاعها بالقوة ..
وكلما رآه علق عليها أو كرر نصحه عنها
فيتضايق صاحبها وتستمر المشاكل..
بينما يجدر التغاضي عنها تماما ً..
أو يحاول لكن في فترات متباعدة
وليستمتعا بباقي طباعهما الجميلة..
فلنتغاضى قليلاً حتى تسير الحياة سعيدة هانئة
لا تكدرها صغائر..
ولتلتئم القلوب على الحب والسعادة
فكثرة العتاب تفرق الأحباب ..
الحسن البصري يقول (مازال التغافل من فعل الكرام))
وقيل :ماأستقص كريم قط !
أذا نتحدث عن مهارة وخلق نادرمانجد من يمارسها
وهي مهارة التغافل عن ألاخطاء
وربما كلنا يحفظ البيت
ليس الغبي بسيد في قومه …لكن سيد قومه المتغابي
لماذا نُطالب من هم حولنا بالمثالية .. وننسى أنفسنا
نتصيد الأخطاء ..نحاسب وندون حتى لا ننسى !
فنتعب ونُتعب من هم حولنا ..
والأجمل مع التغافل إلتماس العذر للمخطئ .. وبذلك نجمع بين فضيلتين !
قال الإمام ابن القيم: "من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع
يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله.. ".
ثم قال: "وعلامة الكرم والتواضع أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفْه عليه
ولا تحاجَّه، وقل: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان،
والمقدور لا مدفع له ونحو ذلك
،،،
وقالوا
((وإن أساء مسئ فليكن لك في * عروض زلته صفح وغفران))
،،،
وقال بعض العارفين
((تناس مساوئ الإخوان تستدم ودهم))
موضوع رائع يستحق التقييم
نسال الله سبحانه وتعالى ان نكون كذلك
بارك الله فيك اختي على الموضوع
من اجمل ماقرأته عيناي
جزاك الله خيرا
قرأت الموضوع كله و أعجبني
شكرا