إنّه ضيف كريم سيحلّ علينا في غمرة هذا الأسبوع، فلنهيّئ أنفسنا لاستقباله، وذلك بالتّشمير على سواعد الجدّ بصيام نهاره وقيام لياليه، ولنتفيّأ من ظلاله، ونغتنم من وافر بركاته ونغترف من معين رحماته. ومن أفضل صور الاستعداد لاستقبال هذا الضيف هو احتفاء الرّسول الأكرم، محمّد صلّى الله عليه وسلّم، به حين قدومه، فكان يتهيّأ ويهيّئ المسلمين لاستقباله، وتقبّل ما فيه من الخير، من ذلك ما رواه سلمان الفارسي رضي الله الذي قال: خطبنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في آخر يوم من شعبان فقال: ”يا أيُّها النّاس قد أظلّكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه يوم خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعًا، مَن تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمَن أدّى فريضة فيما سواه، وهو شهر الصّبر والصّبر ثوابه الجنّة، وشهر المساواة، وشهر يُزاد فيه زرق المؤمن، مَن فطّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النّار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء” رواه ابن خزيمة في صحيحه. ومن صور الاستعداد الأخرى التي يستقبل فيها المسلمون هذا الشّهر الكريم، هو التّوبة والإنابة إلى الله عزّ وجلّ، وردّ المظالم إلى أهلها، وكثرة الاستغفار من الذنوب والمعاصي التي ارتكبت طيلة العام. وإذا كان لمرض الأبدان علاج يستأصله ويقضي عليه، ويعيد إلى المرء صحّته ونشاطه، فإنّ القلوب والأرواح لها من الأمراض ما يعظم خطره على الإنسان مقارنة بمرض الأبدان، ولا سبيل لمعالجة أمراض القلوب والأرواح إلاّ بالوقوف عند حدود الله والائتمار بأمره والاهتداء بهديه، والانتهاء عن نواهيه.
فرمضان شهر الاصطفاء والاعتلاء، وهو موسم التجارة الرّابحة والمغنم المريح لمَن يتاجر مع الله لا مع شهوات نفسه وسلطان هواه، ففيه تتضاعف الحسنات ويعفى عن الذنوب والخطايا، فطوبَى لعبد اغتنم هذا الموسم فباع مع الله واشترى فنال الفردوس الأعلى، ويا شقاء من تاجر مع هواه والشّيطان فخسر فعوقب بسوء المنقلب وزحزح في نار جهنّم خالدًا فيها، إنّها أيّام قليلة ولكنّها عظيمة عند ربّ العالمين، فلنقبل فيها على الله، ولنتزوّد فيها بخير زاد ولنبك تحسّرًا وندمًا على ما فات، لنيل رضاه والشّوق إلى لقاه.. آمين.
بارك الله فيك
اللهم بلغنا رمضان