13 ألف دينار مقابل حماية 9 ملايين مستخدم وتلميذ
صعب جدّا أن يبق مصير 60 ألف عامل مرهونا بـ”ورقة” تحتوي نصّا قانونيا ليسترجعوا بها حقّهم المهضوم. نعم، هو واقع يتجرّع مرارته حرّاس المؤسّسات التعليمية منذ سنوات، يصل أقصاه، عند فئة كبيرة منهم، إلى عمر جيل كامل أيّ 30 سنة، فترة تداول خلالها 5 رؤساء جمهورية على الحكم، بـ5 وزراء على قطاع التربية، آخرهم عبد اللطيف بابا أحمد، من دون أن تحلّ مشاكلهم.
قاعدتهم في حياتهم المهنية ”نحن نوفّر الأمن لأجيال المستقبل، فوفّروا لنا الأمان لحياتنا”، وهو شعار على شكل رسالة موجّهة، بالدرجة الأولى، إلى وزارة التربية لأنهم مستخدموها، وإلى حكومة ”البلاد” بصفتهم مواطنيها. هم حرّاس المؤسّسات التعليمية، أو بالأحرى العمال المهنيون وفق التسمية الإدارية والقانونية صنف 1، 2،3 ، همّهم الوحيد ”الإنصاف” لا غير، باعتباره باب دخولهم إلى عالم ”العمال المحترمين”، بسبب حقوقهم المهضومة وأجورهم المتدنّية، التي تقلّ أو تساوي الأجر القاعدي المضمون.
وأفاد رئيس النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين، سيد علي بحاري، أن هذه الفئة تنطبق عليهم صفة ”المعذّبون في الجزائر”، وليس فقط في قطاع التربية فقط، نظرا لارتباط تحقيق مصيرهم بوثيقة حكومية، على أساس أنهم ينتمون إلى سلك ”شأنه البائس” في جميع القطاعات الوزارية الأخرى، مشيرا إلى أنّ مهامهم الأساسية مرتبطة، بدرجة كبيرة، بدور المعلم والأستاذ والمدير، فمن دونهم تنعدم الدراسة. وقال بحاري، لـ”الخبر”، إن التعسّف الذي يمارس ضدّ حرّاس المدارس يتجاوز كلّ الحدود، فعملهم ليس مربوطا بوقت محدّد، فمثلما بإمكانه العمل لثماني ساعات، يمكنه ”الكدّ” من 60 إلى 70 ساعة في الأسبوع، دون أن يقابلها ”منحة مرضية” عن ”الشقاء” المفروض عليهم قسرا، لا لسبب، حسب المتحدّث، سوى لأن مستواهم الدراسي ضعيف جدّا، وبالتالي هم عرضة للابتزاز والاستفزاز. والأخطر بالنسبة لهذه الفئة، حسب منسّقهم الوطني، أن مديري المؤسّسات التعليمية يفرضون عليهم ”أشغالا شاقة” تتجاوز مهامهم القانونية في حراسة المدرسة، إلى تنظيفها وصيانة التجهيزات، وأبعد من هذا ”إجبارهم”، من طرف المدير، على الذهاب إلى بيت المدير للقيام بأشغال ترميم أو تركيب معدّات، وهي سلوكات تعبّر، حسب بحاري، عن مدى الاحتقار الذي وصلت إليه هذه الفئة. ويتقاضى ”المعذّبون في قطاع التربية” مرتّبا شهريا يتراوح بين 13 إلى 19 ألف دينار، مع احتساب جميع المنح والعلاوات، والمحظوظ منهم من ترتفع له إلى 20 ألف دينار، فيحقّ له إقامة ”المأدبات” والاحتفال ليل نهار، فهو في هذه الحال أصبح ”متفوّقا” لكن لساعات، لأنّ ”بعبع” الأسعار الملتهبة في مختلف المواد الغذائية الأساسية والخضر والفواكه، سيمتص هذا المبلغ في سويعات، فلا يوجد فرق بين هذه المواد في السوق، فهي لا تفرّق بين من راتبه كبير أو صغير.
وتابع بحاري، في سرده لمعاناة ”حرّاس المدارس”، أن الحكومة، بدوائرها الوزارية، أصبحت تمارس ”الكذب” على مواطنيها ومستخدميها، ”فلا يعقل أن يصرّح مسؤولوها بأن الأجر القاعدي المضمون لن ينزل تحت 18 ألف دينار، ثمّ تجد شريحة هامة تمارس مهام جليلة، تتقاضى أقلّ من هذه العتبة بكثير”. وتنتظر هذه الفئة من الوزير الجديد، عبد اللطيف بابا أحمد، إنصافها والدفاع عنها أمام الحكومة، وحسب بحاري ”لمسنا خلال لقائنا بالوزير حسن نية واستعداده لإعطائنا حقوقنا المهضومة، وندرك تماما أنه لن يغفل عن الاستجابة لانشغالاتنا المسلّمة له في وثيقة من 10 صفحات، لم نترك فيها ولا نقطة إلا وذكرناها لنضع الوزير على المحكّ”.
وأبرز مطالب الحرّاس هي إدماجهم ضمن السلك التربوي لعلاقتهم المباشرة بالعملية التربوية، وإعادة النظر في نظامهم التعويضي، يقوم على أساس استحداث منح خاصة، نتيجة المهام المسندة كمنحة الخطر والتأهيل والمناوبة مع الرفع من قيمة المردودية وتنقيطها على 40، مثل أسلاك التربية وبأثـر رجعي من الفاتح جانفي 2024 إرساء لمبدأ العدالة. كما يلحّون على الاستفادة من منح التسخير في مختلف الامتحانات الوطنية والدورات التكوينية، على غرار أسلاك التربية المسخّرين، دون إغفال احتساب ساعات إضافية بالنسبة للذين يؤدّون أكثـر من الحجم الساعي، والأهم تحديد مهامهم لتفادي استغلالهم في مهام أخرى لا تعنينهم، فضلا عن تسوية وضعية المتعاقدين وإدماجهم عن طريق فتح مناصب جديدة ومستقرة، والحقّ في التكوين وتحسين المستوى والترقية في مختلف الرتب خلال الحياة المهنية.
بورتريه
محمّد نجّار.. حارس مدرسة ابتدائية
”أعيش المهنة بكلّ جوارحي رغم المأساة التي أتجرّعها فيها”
محمّد نجّار، من مواليد 1967 بحي البلج بتيبازة، وبرغم حبّه لمهنته كحارس لمدرسة ابتدائية بتيبازة، إلا أن حبّه ذاك يخفي وراءه مأساة حقيقية، فخوفه على المدرسة وحرصه على الدائم على التلاميذ لم يشفع له في الحصول على أجر يغنيه عن مساعدة الغير له.
يقول محمد، ذو 45 سنة، الذي وجدناه ليلا أمام المدخل الرئيسي لمدرسة الشهيد هدي بلقاسم بتيبازة، المكلّف بتأمينها منذ أربع سنوات، إن مهنة حراسة المؤسّسات التربوية بقدر ما هي نبيلة إلا أن متاعبها لا تكاد تنته في ظلّ المتغيّرات التي يشهدها المجتمع. فبين الوقوف على ممتلكات المدرسة ومساعدة التلاميذ وتنظيف المحيط وإيصال الوثائق الإدارية من الإدارة إلى المفتشية يقضي محمد يومياته، في هذا كلّه متاعب مرتبطة، أساسا، بأمن المتمدرسين. ويذكر المتحدّث، الذي كشف عن مأساته الاجتماعية بسبب بقائه سنوات طويلة دون منصب قار، وتقاضيه لأجر زهيد لا يشفع حتى في دفع فواتير المياه والكهرباء وإيجاره للسكن ”ومن أمثاله كثيرون”، أن حراسة المؤسّسات التربوية لم تعد سهلة في ظلّ العنف الذي يشهده المجتمع، مستطردا أن الحارس، الذي يعتبر أول شخص يصل المدرسة صباحا لفتح الأقسام وتشغيل أجهزة التدفئة وتحضير الراية لرفعها ومساعد الأولياء في الاتّصال بالإدارة، وغيرها من المهام اليومية التطوّعية، كتنظيف المحيط من النفايات والمياه، ويكون آخر من يغادرها، بات اليوم يفكّر في كيفية حفظ أبناء الناس من العنف والاختطاف، الذي تحوّل إلى هاجس حقيقي لدى الأولياء، يقول محمد.
ويرى محمد أن على عاتق حرّاس المدارس مسؤولية كبرى في تأمين المؤسّسة التربية من كلّ المخاطر وإبقاء التلاميذ آمنين، وعلى هذا الأساس فهو لا يبخل في أن يبق مع أي تلميذ أو تلميذة تأخّر ذووهم أمام مدخل المدرسة إلى غاية قدوم الأولياء، حتى وإن استدعى الأمر ساعات وكان ذلك على حساب راحته، مضيفا أنه، بالرغم من كونه حارسا في النهار، إلا أنه يكلّف نفسه تفقد المدرسة تحسّبا لأيّ طارئ.
ويكشف محمد أن حبّه لمهنته وعلاقته الطبية بالتلاميذ جعلت منه ليس فقط حارسا، بل أبا لكلّ تلميذ، من خلال نصحه الدائم لهم، الأمر الذي زاده مكانة في أوساط الأولياء. ويشير المتحدّث إلى العمل المضني بين السابعة صباحا والخامسة مساء، والمسؤولية الكبيرة التي على عاتقه، خاصة فيما يتعلّق بالحفاظ على سلامة أكثـر من 003 تلميذ. ورغم هذا يبقى الأجر الذي يتقاضاه زهيدا جدا، لولا مساعدة أولياء التلاميذ له، الذين قدّروا مجهوداته وآلمهم وضعه الاجتماعي. آملا في أن تنظر السلطات لهذه الفئة التي تعتبر أول من يلتحق بالمدرسة وآخر من يغادرها.
تيبازة: ب. سليم