وهم وتداعيات الجدار المصري ( تحليل )
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – ( 22-12-2017م )
برؤية سياسية مستقلة ، وبغض النظر عن أي موقف سياسي من هذا الطرف أو ذاك ، سواء كان فلسطينيا أو مصريا ، وانطلاقا من إدراك خطورة وأبعاد بناء الجدار الفولاذي على الحدود المصرية الفلسطينية ، فمرحلة بناء الجدار لها ما بعدها ، وإن خنق مليون وسبعمائة ألف فلسطيني أمر مرفوض قوميا وأخلاقيا ووطنيا ودينيا ، وستظهر تجليات خطورة الجدار على النظام المصري لاحقا من قبل السكان الفلسطينيين وغيرهم أكثر من تجلياتها على الفلسطينيين أنفسهم ، فلا يسمح الفلسطينيون لأنفسهم في غزة بالخنق ولا بالذل والاضطهاد .
إن القيادة المصرية ستقع في وهم كبير وفي خطأ اكبر إذا أرادت من هذا الجدار الضغط على جهة سياسية فلسطينية ما ، من دون أن تدفع القيادة المصرية الثمن ؛ لأن الفلسطينيين في غزة لديهم من الأوراق ما يقلب الطاولة ، ويحرج النظام المصري إلى درجة كبيرة أمام الرأي العام المحلي والعربي ، فالغالبية العظمى من الشعب في غزة هم الذين سيدفعون الثمن أكثر من أي قوة فلسطينية أخرى ، وذلك من خلال مزيد من المعاناة والمرارة والحرمان وصدق من قال : إذا حاصرت عدوك من أربع جهات فاترك له جهة ينفذ منها ؛ كي لا يستبسل في مقاومتك ؛ فيوقع بك أكبر الخسائر، لأنه يعرف أن مصيره الموت ، فالفلسطينيون في غزة العدو من أمامهم والبحر من خلفهم ، وليس بين أيديهم غير تغيير قواعد اللعبة ، حتى لو أرهقت الجميع ، ولسان حالهم يقول : بي وبأعدائي يا رب ( مهما كان الثمن ) .
إن الشعب الفلسطيني كان ولا يزال حريصاً كل الحرص على الأمن القومي المصري ، ولكن لا يسمح لأطفاله بالجوع ، ويرفض أن يموت أهله وهو يقف متفرجا حتى لو سالت الدماء ، وإن كان الفلسطينيون في غزة لا يتمنون ذلك مطلقا ، ولا يعتقد أحد أنني هنا أدافع عن رؤية سياسية معينة ، فمن المعروف أنني في كل كتاباتي أعبر عن وجهة نظري بحيادية واستقلالية تامة.
الجدار المصري بعمق 18 إلى 20 مترا وبطول 8 أميال تقريباً على الحدود مع قطاع غزة . يتم بناؤه بالتعاون والتنسيق ما بين المخابرات الأمريكية والفرنسية والإسرائيلية والمصرية ، فالمبعوث الفرنسي تفقد قبل أيام قليلة عملية البناء ، والأجهزة والمعدات أمريكية ، والإشراف والمراقبة إسرائيلية ، فقد أكدت دبلوماسية أميركية سابقة وهي الكولونيل الأمريكية المتقاعدة – آن رايتلا – أن بناء الجدار جاء بعد تحريض من الحكومة الصهيونية ، دفع إدارة أوباما لتوجيه تكليف لسلاح المهندسين بجيش الولايات المتحدة بالقيام بتصميم جدار عمودي تحت الأرض ، أسفل الحدود بين مصر وغزة مارس/آذار 2024
وأضاف : قدمت الولايات المتحدة لحكومة مصر 32 مليون دولاراً لإنشاء منظومة للمراقبة الإلكترونية وغيرها من العتاد والمعدات الأمنية ، لمنع حركة الغذاء والبضائع والأسلحة .
وبينت الكولونيل بعض التفاصيل حول إقامة جدار تحت الأرض من فولاذ الحديد الصلب, وقالت: سوف يمتد لمسافة 6-7 أميال (حوالي 11 كيلومتراً)، وبعمق 55 قدماً (17 متراً)، في رمال الصحراء تحت سطح الأرض ، والجدار من ألواح فولاذ فائقة القوة معشقة ببعضها البعض ، على طريقة لغز جمع بين مكونات الصور ، وسوف يكون الجدار محصناً ضد تأثير القنابل ، وغير قابل للقطع أو الانصهار ، وغير قابل للاختراق أيضاً ، وأكدت الكولونيل أن الهدف من إقامة جدار الصلب الفولاذي تحت الأرض هو تعزيز الجهود الدولية الرامية لسجن وتجويع شعب غزة ؛ لحملهم على الخضوع وقالت : كما جدران الفولاذ الصلب التي أقامها سلاح الهندسة بالجيش الأميركي في قاعدة السدود بمدينة نيو أولينز المنخفضة لوقايتها من مياه البحر، لم تستطع احتواء إعصار كاترينا ، فإن جدران سلاح الهندسة بالجيش الأميركي ذاته من الفولاذ الصلب التي يحاولون إقامتها تحت الأرض كقفص لغزة، لن تتمكن من احتواء روح البقاء لشعب غزة .
وصرحت كارين أبو زيد المفوضة العامة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أنوروا) إن الجدار الفولاذي صنع في الولايات المتحدة ، وقد تم اختبار مقاومته للقنابل ، وإنه أقوى من جدار خط بارليف .
كما صرح ضابط احتياط كبير بالجيش الأمريكي قائلا : جدار مصر غير قابل للاختراق …….. . ( انتهى )
الأمر الذي يعني وجود خطة واضحة سيكون لها إفرازاتها السيئة والكبيرة على مجموع السكان المستضعفين الفقراء بعيدا عن المدلولات السياسة للخطة .
متى كانت غزة خطرا على مصر عبر التاريخ ؟ الشعب الفلسطيني كله دائما مع أمن واستقرار مصر ، ولم يكن الفلسطينيون في يوم من الأيام خطرا على الأمن القومي المصري ، لكي يتذرع بعض أركان النظام المصري بذريعة الحفاظ على الأمن القومي المصري من وراء بناء الجدار ، بل على النقيض تماما فإن بناء الجدار ربما يعرض الأمن القومي المصري للخطر، فماذا يريد أركان النظام المصري من شعب يخنقونه بأيديهم ؟ ، فالقطة تدافع عن نفسها إذا تعرضت للخنق .
لا شك بان الجدار المصري سيخدم الاحتلال الإسرائيلي ، وسيوفر الأمن لدولة الكيان ، وسيقوي اقتصادها ، وسيجلب الويلات على أهل القطاع . بدلا من أن ترفع الحكومة المصرية الحصار وتساعد الفلسطينيين ، وتتخذ موقفا معبراً عن معاني العز والشرف والكرامة يسجله لها التاريخ تجاه شعب أعزل .
ماذا سيكون موقف الحكومة المصرية فيما لو تمكن الفلسطينيون من تفجير الجدار بطريقة أو بأخرى ؟ وما موقفها لو حدثت اشتباكات أو مناوشات مدنية آو عسكرية من أي نوع كان بين الفلسطينيين وقوى الأمن المصري إذا طفح الكيل ( لا سمح الله ) ، وأخذت أشكالا وصورا متنوعة ، وامتدت إلى ما هو أبعد من الحدود المصرية الفلسطينية ؟ وما موقفها عندما يتعاطف الشعب المصري الحر مع أشقائه الفلسطينيين بسبب حصار وخنق حكومته لأطفال وشيوخ غزة ؟ .
مَن سيدافع عن شعب أعزل محاصر ؟ ومن سينقذ قطاع غزة من ويلاته أيها القادة الفلسطينيون والمصريون معاً ؟ .
إن الفلسطينيين لن يستجدوا رغيف الخبز من احد ، كما لم يستجدوا كرامتهم من احد من قبل ، فإما حياة تسر الصديق وما ممات يكيد العدى ، ومجددا أود التأكيد هنا أنني أكتب وجهة نظري بحكم قناعتي السياسية المستقلة بعيدا عن أي انتماء تنظيمي أو أيديولوجي ، فهل نسمع ممن يعتبرون أنفسهم مستقلين ( كذبا ) عن موقف ما !! ؟
ولقد صدقت الشاعرة الفلسطينية الشابة – أمل – عندما قالت :
ظلامُ الليلِِِ يحضُنُنِي
وقلبي رمادُ
عيونُ الصبح ترمقُني .
وحولي جمادُ …
وآهٌ تُرنَّحُ في حجيراتِ الفؤاد
أنا المأسورُ في زنزانةِ الصدرِ
وقضباني سوادُ …
أنا القهرُ ..
أنا الغضبُ .
أنا المجروحُ أوقدُ في دموعِ الكفِ شمساً …
لأنتظرَ اللقاءَ ..
أنا المكلوم في أوتارِ آهي يعزفُ القدرُ …
وصبري عنادُ …
سلوا عني زئيرَ الرعود ..
سلوا عني صهيلَ المهادِ .
سلوا الأرضَ إن غضبتْ .
سلوا الزلزالَ والأطوادَ إن مادُوا
سلوا عني إذا أُخبرتمو أنيِ أنا غَضِبُ …
ولكني حليمٌ ..
فاحذروا الحلماءَ إن غضبوا
ألا إني صبورٌ .
وصبري في فراشِ الموتِ يحتضرُ .
وانظرُ للغدِ الآتي .
فعينٌ تحفرُ الماضي وعينٌ ترقبُ القادمْ .
برغمِ الجرحِ أصطبرُ .
برغم الآهِ أنتظرُ .
ودمعي مدادُ .
سلبت الروح من جسدي .
فصمت الجلدَ عن لحمي .
فجرحي مزادُ .
سرقت النبضَ من قلبي .
أخذت المقلَ من عيني .
فدربي سوادُ ..
فصبراً مهجَتي صبراَ
ألا يأتي بعيدَ البردِ نيرانٌ وتزدادُ ؟؟
ألا فلْتحذروا الحلماءَ إن غضبُوا ..
ألا فلْتحذروا الحلماءَ إن غضبُوا
منقول للأمانة