تخطى إلى المحتوى

(( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) 2024.

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

باب حق الجار والوصية به
للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى

قال الله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى
وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
) [النساء: 36] .

1/303 ـ وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
((
ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (126) .

2/304 ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((
يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة ؛ فاكثر ماءها وتعاهد جيرانك )) رواه مسلم (127) .

وفي رواية له عن أبي ذر قال : إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني :
((
إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك ، فأصبهم منها بمعروفٍ )) (128) .

3/305 ـ وعن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((
والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) !
قيل : من يا رسول الله ؟
قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه !
))
متفق عليه (129) .

وفي رواية لمسلم : (( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )) .
(( البوائق )) : الغوائل والشرور .
4/306 ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((
يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها و لو فرسن شاةٍ )) متفق عليه .(130) .

5/307 ـ وعنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال :
((
لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره )) ثم يقول أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين ! والله لأرمين بها
بين أكتافكم
. متفق عليه (131) .

روي : (( خشبه )) بالإضافة والجمع ، وروي (( خشبةً )) بالتنوين على الإفراد .
وقوله : مالي أراكم عنها معرضين : يعني عن هذه السنة .

الـشـرح

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ باب حق الجار والوصية به
الجار : هو الملاصق لك في بيتك والقريب من ذلك ، وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون داراً كل جانب
ولا شك أن الملاصق للبيت جار ، وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فالحق
ما جاءت به ، وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف ، فما عدّه الناس جواراًَ فهو جوار .

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى آية سورة النساء :
( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ )
[النساء: 36] .

الجار ذي القربى : يعني الجار القريب .
والجار الجنب : يعني الجار البعيد الأجنبي منك .
قال أهل العلم : والجيران ثلاثة :
1 ـ جار قريب مسلم ؛ فله حق الجوار ، والقرابة ، والإسلام .
2 ـ وجار مسلم غريب قريب ؛ فله حق الجوار ، والإسلام .
3 ـ وجار كافر ؛ فله حق الجوار ، وإن كان قريباً فله حق القرابة أيضاً .

فهؤلاء الجيران لهم حقوق : حقوق واجبة ، وحقوق يجب تركها .
ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ خمسة أحاديث ، عن ابن عمر ، وعن أبي ذر وعن أبي هريرة ، أما حديث ابن عمر ففيه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) أي سينزل الوحي بتوريثه
وليس المعنى أن جبريل يشرع توريثه ؛ لأن جبريل ليس له حق في ذلك ، لكن المعنى أنه سينزل الوحي الذي يأتي به
جبريل بتوريث الجار ، وذلك من شدة إيصاء جبريل به النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما حديث أبي ذر ففيه أن على الإنسان إذا وسّع الله عليه برزق ، أن يصيب منه جاره بعض الشيء بالمعروف ، حيث قال
صلى الله عليه وسلم :
(( إذا طبخت مرقة فاكثر ماءها ، وتعاهد جيرانك )) ، أكثر ماءها يعني زدها في الماء لتكثر
وتوزع على جيرانك منها ، والمرقة عادة تكون من اللحم أو من غيره مما يؤتدم به ، وهكذا أيضاً إذا كان عندك غير المرق
أو شراب كفضل اللبن مثلاً، وما أشبهه ينبغي لك أن تعاهد جيرانك به ؛ لأن لهم حقاً عليك .

وأما أحاديث أبي هريرة ففيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم ثلاث مرات
فقال :
(( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ))
قالوا : من يا رسول الله ؟
قال :
((من لا يأمن جاره بوائقه))
يعني غدره وخيانته وظلمه وعدوانه ، فالذي لا يأمن جاره من ذلك ليس بمؤمن ، وإذا كان يفعل ذلك ويوقعه فعلاً فهو أشد .

وفي هذا دليل على تحريم العدوان على الجار ؛ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل ، أما بالقول فأن يسمع منه ما يزعجه
ويقلقه ، كالذين يفتحون الراديو أو التلفزيون أو غيرهما مما يسمع فيزعج الجيران ، فإن هذا لا يحل له، حتى لو فتحه على
كتاب الله وهو مما يزعج الجيران بصوته فإنه معتد عليهم ، ولا يحل له لك أن يفعل ذلك .

وأما بالفعل فيكون بإلقاء الكناسة حول بابه ، والتضييق عليه عند مداخل بابه ، أو بالدق ، أو ما أشبه ذلك مما يضره ، ومن
هذا أيضاً إذا كان له نخلة أو شجرة حول جدار جاره فكان يسقيها حتى يؤذي جاره بهذا السقي ، فإن ذلك من بوائق الجار
يحل له .

إذاً يحرم على الجار أن يؤذي جاره بأي شيء ، فإن فعل فإنه ليس بمؤمن ، والمعنى أنه ليس متصفاً بصفات المؤمنين
في هذه المسألة التي خالف بها الحق .

وأما ما ذكره في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ))
يعني : إذا كان جارك يريد أن يسقف بيته ووضع الخشب على الجدار ، فإنه لا يحل منعه ؛ لأن وضع الخشب على الجدار
لا يضر ، بل يزيده قوة ، ويمنع السيل منه ، ولا سيما فيما سبق حيث كان البناء من اللبن، فإن الخشب يمنع هطول المطر
على الجدار فيحميه ، وهو أيضاً يشده ويقويه ، ففيه مصلحة للجار ، وفيه مصلحة للجدار ، فلا يحل للجار أن يمنع جاره من
وضع الخشب على جداره ، وإن فعل ومنع ؛ فإنه يجبر على أن يوضع الخشب رغماً عن أتفه .

ولهذا قال أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمين بها بين أكتافكم ، يعني من لم يمكن من وضع الخشب على
جداره وضعناه على متن جسده بين أكتافه ، وقال هذا رضي الله عنه حينما كان أميراً على المؤمنين على المدينة في زمن
مروان بن الحكم .

وهذا نظير ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في المشاجرة التي جرت بين محمد بن مسلمة وجاره ، حيث أراد أن يجري
الماء إلى بستانه وحال بينه وبينه بستان جاره ، فمنعه الجار من أن يجري من على أرضه ، فترافعا إلى عمر ، فقال : والله لئن
منعته لأجرينه على بطنك ، وألزمه أن يجري الماء ؛ لأن إجراء ليس فيه ضرر ؛لأن كل بستان زرع فإذا جرى الماء الساقي
انتفعت الأرض وانتفع ما حول الساقي من الزرع وانتفع الجار ، نعم لو كان الجار يريد أن يبنيها بناءً وقال لا أريد أن يجري
الماء على الأرض فله المنع ، أما إذا كان يريد أن يزرعها فالماء لا يزيده إلا خيراً .

وبناءً على هذا فتجب مراعاة حقوق الجيران ؛ فيجب الإحسان إليهم بقدر الإمكان ، ويحرم الاعتداء عليهم بأي عدوان
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره )) (132) .

———————–

(126) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب الوصاة بالجار ، رقم ( 6014 ، 6015 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب الوصية بالجار والإحسان إليه ، رقم ( 2624 ، 2625 ) .
(127) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب الوصية ، باب الوصية بالجار والإحسان ، رقم ( 2625 ) [ 142 ] .
(128) رواه مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب الوصية بالجار والإحسان ، رقم ( 2625 ) [ 143] .
(129) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب إثم من يأمن من جاره بوائقه ، رقم ( 6016 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب تحريم إيذاء الجار رقم ( 46 ) .
(130) رواه البخاري ، كتاب الهبة ، بدون ذكر الباب ، رقم ( 2566 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ، رقم ( 1030 ) .
(131) رواه البخاري ، كتاب المظالم ، باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه ، رقم ( 2463 ) ، ومسلم ، كتاب المساقاة ، باب غرز الخشب في جدار الجار ، رقـم (1609) .
(132) رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت ، رقم ( 48 ) .

من الموقع الرسمي
للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.