غياب هيبة المعلم ظاهرة مرضية بدأت تظهر في الميدان التربوي شملت أبعادها كلاً من الدارس والمدرس والدرس والمدرسة. فما حقيقة هذا المرض؟ وما هي أعراضه وآثاره، والأسباب التي أدت إلى ذلك؟ ومن المسؤول؟
لن أستطيع استيعاب المقارنة في هذا المدخل لأن البون شاسع وحسبي استدلالا على ذلك أن من يطلع على مكانة المعلم في القديم لا يكاد يصدق بها لأجل ما يرى الآن ، فشتان بين الأمس واليوم.
لقد شهد التاريخ للمعلم بالرفعة والقداسة ،فكان تاج الرؤوس ذا هيبة ووقار ،لا يجارى ولا يبارى في المجتمع فهو الأمين المستشار وهو الأب الحنون البار لدى الكبار والصغار،وهو قاضيهم باقتدار عند النزاع و الشجار. وهو كالسراج ينير الدرب للسالك…هذه حقيقة ما كان عليه المعلم في السابق وهكذا عرف في المجتمع، وأوصافه لا تكاد تجمع لأحد يعرف بها غيره بين الناس.
والجدير بالذكر أن هذا العرف ليس شعارا عند الكبار فحسب بل حتى في عيون الصغار انعكست الرؤية وظهرت الآثار .فكان الطالب يهاب أستاذه أينما رآه لأن أباه هكذا رباه ،فمن يجرؤ على رفع بصره فضلا أن ينطق ببنت شفة إلا ما كان في محله وعلى بابه، وان لم يمنعهم الخوف فلا أقل من الحياء ….وما حملهم على ذلك غير الحب للمعلم وما حواه،أو الحب للعلم ومن يحمله.
إن القلب ليتقطع حسرة وكمدا أن يرى المعلم يرثى اليوم بين جدران المدارس وهو حي، ولا عجب فإن حياة الإنسان في عزته وكرامته، وإذا كان المعلم هو من يسلب ذلك فلا جرم أنه يستحق الرثاء والموت خير له من المذلة والهوان.
فهو اليوم لا يكاد يسلم من أذى اللسان في السر والعلن،فاستوى عند الطالب ظهر المعلم ووجهه بل وأصبح الطالب (ولا أعمم) يكن له العداوة والبغضاء ويتربص به الدوائر أينما وجده لينتقم منه.
أما حاله في الفصل الدراسي فحدث ولا حرج إذ الأعاجيب لا تنقضي، فإن تكلم المدرس بتوبيخ أو عتاب جاء القصاص بالمثل ، وان سكت المدرس أو أحال على الإدارة قيل عنه: الخائف الجبان….وان تأخر دقيقة عن دخول الفصل سعد الطلاب فقلبوا الدرس عرسا ، وان تقدم ثوان ربما طردوه لان الحصة لم تبدأ بعد ، وان انتهت الحصة بقرع الجرس ولما ينهي كلامه تركوه ولا كرامة.ثم إن جاءت الاختبارات اعتذر أحدهم بالصعوبة وآخر بطول المادة وثالث بمباراة المنتخب أو بالمهرجان.وأما أصحاب الأمراض فهم كثر….وإذا حان توزيع النتائج جاءت على رأس المعلم الطامات والمصيبات من الآباء والأمهات بين شاك وباك. وهكذا لا يكاد المعلم ينجو من حفرة حتى يقع في أخرى. وفي نهاية العام الدراسي يوفى نصيبه من الإساءة والأذى ويجزاه الجزاء الأوفى
لم تبق للاب هيبة ولا للام ولا للجدة و الجد و لا الاعمام و الاخوال فكيف تبقى للمعلم هيبته؟ الكل مشارك في تراجع هيبته المدرسة، الشارع و خاصة الاسرة .
لا حديث يعلو هذه الأيام عن 14 و 15 ……لكن تبقى هناك قيم تعلو الهمم
كل راهم يفوتوا الساعة بكاشي يسموه الصبر