[ مَن ادَّعى النبوة ]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
،،،،
الحقُ لا يشتبه بباطل ، إنما يموه الباطل عند مَن لا فهم له . وهذا فى حق مَن يدَّعى النبوات ، وفى حق مَن يَدَّعى الكرامات .
أما النبوات : فإنه قد ادَّعاها خلقٌ كثير ، ظهرت قبائحهم ، وبانت فضائحهم .
فمنهم : الأسود العنسى ، ادَّعى النبوة ولَقَّبَ نفسه ذا الحِمارة ، لأنه كان يقول : يأتينى ذو الحِمارة ، وكان أول أمره كاهناً يشعوذ فيظهر الأعاجيب .
ومنهم : مُسَيلِمة ، ادَّعى النبوة وتَسَمَّى رحمان اليمامة ، لأنه كان يقول : الذى يأتينى رحمان . فآمن برسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، وادَّعى أنه قد أُشْرِك معه ، فالعجب أنه يؤمن برسول ويقول إنه كَذَّاب .
ثم جاء بقرآنٍ يُضحِكُ الناس ، مِثل قوله: ‹‹ يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقى ما تنقين ، أعلاكِ فى الماء وأسفلك فى الطين ›› .
ومن العجائب : شاة سوداء تحلب لبناً أبيض فانهتك سِتره فى الفصاحة .
ثم مسح بيده على رأس صبى فذهب شعره ، وبصق فى بئرٍ فيبست .
ومنهم : طُليحة بن خويلد ، خرج بعد دعوى مُسَيلِمَة النبوة وتبعه عوام ، فتَسَمَّى بذى النون ، يقول : إن الذى يأتيه يقال له ذو النون .
وكان من كلامه: ‹‹ إنَّ الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا قُبح أدباركم شيئاً ، فاذكروا الله أعفةً قِياماً ›› .
ومن قرآنه : ‹‹ والحمام واليمام ، وللصرد الصوام ، ليبلغن مُلكنا العراق والشام ›› .
وذكر الواقدى : أن رجلاً من بنى يربوع يقال له جُنْدُب بن كُلثوم ، كان يُلَقَّب كرداناً ، ادَّعى النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يزعم أن دليله على نبوته أنه يُسرج مسامير الحديد والطين ، وهذا لأنه كان يطلى ذلك بدُهن البيلسان فتعمل فيه النار .
وقد تنبأ رجلٌ يقال له كهمش الكلابى ، وكان يزعم أن الله تعالى أوحى إليه : ‹‹ يا أيها الجائع ، اشرب لبناً تشبع ، ولا تضرب الذى لا ينفع ، فإنه ليس بمقنع ›› .
وزعم أن دليله على نبوته أنه يُطرح بين السِّباع الضارية فلا تأكله ، وحيلته فى ذلك أنه يأخذ دهن الغار وحجر البرسان وقنفداً محرقاً وزبد البحر وصدفاً محرقاً مسحوقاً وشيئاً من الصبر والحبط فيطلى به جسمه ، فإذا قربت منه السِّباع فشمت تلك الأرياح وزفورتها نفرت .
ومنهم : هُذيل بن يعفور من بنى سعد بن زهير ، حكى عنه الأصمعى أنه عارض سورة الإخلاص فقال: ‹‹ قل هو الله أحد ، إله كالأسد ، جالس على الرصد ، لا يفوته أحد ›› .
ومنهم : هذيل بن واسع ، كان يزعم أنه من ولد النابغة الذبيانى ، عارض سورة الكوثر فقال له رجل : ما قلت ؟ فقال: ‹‹ إنا أعطيناك الجواهر ، فصَلِّ لربك وجاهر ، فما يردنك إلا كل فاجر ›› .
فظهر عليه السنورى فقتله وصلبه على العمود ، فعبر عليه الرجل فقال : إنا أعطيناك العمود ، فصَلِّ لربك من قعود ، بلا ركوعٍ ولا سجود ، فما أراك تعود .
ودليلُ صِحِّة نبوة نبينا – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – أجلى من الشمس .
فإنه ظهر فقيراً والخلق أعداؤه فوعد بالمُلك فمَلك . وأخبر بما سيكون فكان ، وصِين من زمن النبوة عن الشر وخَساسة الهِمَّة والكذب والكِبْر .
وأُيد بالثقة والأمانة والنزاهة والعفة ، وظهرت معجزاته للبعيد والقريب . وأنزل عليه الكتاب العزيز الذى حارت فيه عقول الفصحاء ، ولم يقدروا على الإتيان بآية تشبهه فضلاً عن سورة .
مُختصر من كتاب : صيد الخاطر ،،
للإمام ابن الجوزى رحمه الله ،،