السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موقف السلطـان بايزيـد الثاني من مسلمي الأندلس
وقوفه مع مسلمي الأندلس :
تطورت الأحداث في شبه الجزيرة الأيبرية في مطلع العصور الحديثة ، فأصبح اهتمام الأسبان ينحصر في توحيد أراضيهم ، وانتزاع ما تبقى للمسلمين بها خصوصاً بعد ما خضعت لسلطة واحدة بعد زواج إيزابيلا ملكة قشتالة وفريدناند ملك أراغون ، فاندفعت الممالك الأسبانية المتحدة قبيل سقوط غرناطة في تصفية الوجود الإسلامي في كل أسبانيا ، حتى يفرغوا أنفسهم ويركزوا اهتمامهم على المملكة الإسلامية الوحيدة غرناطة ، التي كانت رمز للمملكة الإسلامية الذاهبة.
وفرضت أسبانيا أقسى الإجراءات التعسفية على المسلمين في محاولة لتنصيرهم وتضييق الخناق عليهم حتى يرحلوا عن شبه الجزيرة الأيبرية.
نتيجة لذلك لجأ المسلمون المورسكيون إلى القيام بثورات وانتفاضات في أغلب المدن الأسبانية التي يوجد بها أقلية مسلمة وخاصة غرناطة وبلنسية ، وأخمدت تلك الثورات بدون رحمة ولا شفقة من قبل السلطات الأسبانية التي اتخذت وسيلة تعميق الكره والحقد للمسلمين ، ومن جهة أخرى كان من الطبيعي أن يرنوا المورسكيون بأنظارهم إلى ملوك المسلمين في المشرق والمغرب لإنقاذهم ، وتكررت دعوات وفودهم ورسائلهم إليهم للعمل على إنقاذهم مما يعانوه من ظلم ، وخاصة من قبل رجال الكنيسة ودواوين التحقيق التي عاثت في الأرض فساداً وأحلت لنفسها كل أنواع العقوبات وتسليطها عليهم.
وكانت أخبار الأندلس قد وصلت إلى المشرق فارتج لها العالم الإسلامي. وبعث الملك الأشرف في مصربوفود إلى البابا وملوك النصرانية يذكرهم بأن النصارى الذين هم تحت حمايته يتمتعون بالحرية ، في حين أن أبناء دينه في المدن الأسبانية يعانون أشد أنواع الظلم ، وقد هدد باتباع سياسة التنكيل والقصاص تجاه رعايا المسيحين ، إذا لم يكن يكف ملك قشتالة وأرغون عن هذا الاعتداء وترحيل المسلمين عن أراضيهم وعدم التعرض لهم ورد ما أخذ من أراضيهم ، ولم يستجيب البابا والملكان الكاثوليكيان لهذا التهديد من قبل الملك الأشرف ومارسوا خطتهم في تصفية الوجود الإسلام في الأندلس .
وجددت رسائل الاستنجاد لدى السلطان العثماني بايزيد الثاني ، فوصلته هذه الرسالة : ( الحضرة العلية ، وصل الله سعادتها ، وأعلى كلمتها ، ومهد أقطارها ، وأعز أنصارها ، وأذل عداتها ، حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا ، السلطان الملك الناصر ، ناصر الدنيا ، والدين ، وسلطان الإسلام والمسلمين ، قامع أعداء الله الكافرين ، كهف الإسلام ، وناصر دين نبينا محمد عليه السلام ، محي العدل ، ومنصف المظلوم ممن ظلم ، ملك العرب ، والعجم ، والترك والديلم ، ظل الله في أرضه ، القائم بسنته وفرضه ، ملك البرين وسلطان البحرين ، حامي الذمار ، وقامع الكفار ، مولانا وعمدتنا ، وكهفنا وغيثنا ، لا زال ملكه موفور الأنصار ، مقرونا بالانتصار ، مخلد المآثر والآثار ، مشهور المعالي والفخار ، مستأثراً من الحسنات بما يضاعف به الأجر الجزيل ، في الدار الآخرة والثناء الجميل ، والنصر في هذه الدار ، ولا برحت عزماته العلية مختصة بفضائل الجهاد ومجرد على أعداء الدين من بأسها ، ما يروي صدور السحر والصفاح ، وألسنه السلاح بأذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخاير مفارقة الأرواح للأجساد ، سالكة سبيل السابقين الفائزين برضا الله وطاعته يقوم الأشهاد .
وكانت ضمن الرسالة أبيات القصيدة يمدح صاحبها فيها الدولة العثمانية والسلطان بايزيد ، ويدعو للدولة بدوام البقاء ‘ ثم وصفت القصيدة الحالة التي يعاني منها المسلمون وما تعرض له الشيوخ والنساء من هتك للإعراض وما يتعرض له المسلمين في دينهم حيث استطر قائلاً :
ســـلام عليكم من عبيد تخلفوا**** بــــأندلس بالغرب في أرض غربة
أحــاط بهم بحر من الردم زاخر*** وبــــــــحر عميق ذو ظلام ولجة
ســلام عليكم من عبيد أصابهـم**** مـصاب عــــظيم يالها من مصيبة
ســلام عليكم من شيوخ تمزقت**** شـــــيوخهم بالنتف من بعد عـــزة
ســلام عليكم من وجوه تكشفت **** على جملة الأعلاج من بعدة سترة
ســــلام عليكم من بنات عوائق**** يـسوقهم اللباط قهراً لخــــــلوة
سـلام عليكم من عجائز أكرهت **** عـــــــلى أكل خنزير ولحم جيـــفة
ثم تعود القصيدة في شرح المأساة ، وتغيير الدين ما إلى ذلك ، فاستطردت بقولها :
غـــــــدرنا ونصرنا وبدل دينـــنا*** ظـــــلمنا وعوملنا بكل قبيحـة
وكـــــــنا على دين النبي محمـــد*** نقاتـــــل عمال الصليب بنيــة
وتلقي أموراً في الجهاد عظـــيمة *** بقتل وأسر ثم جوع وقلــــــــة
فجاءت علينا الروم من كل جـانب *** بسيل عظيم جملة بعد جملــــــة
ومالوا علينا كالجراد بجمعــــهم *** بجد وعزم من خيول وعـــــــدة
فكنا بطول الدهر نلقي جموعـهم *** فنقتل فيها فرقة بعد فرقـــة وفرسانها تزداد في كل ساعـــــة *** وفرساننا في حال نقص وقلـــة
فلما ضعفنا خيموا في بلانــــــا*** ومالوا علينا بلدة بعد بلـدة
وجاؤوا بأنفاظ عظام كثـــــــــيـرة *** تهدم أسوار البلاد المنيعــــة
وشدوا عليها الحصار بــــــــــقوة *** شهوراً وأياماً بجد وعزمـــــــة
غـــــــــدرنا ونصرنا بدل دينـــنا*** ظلمنا وعوملنا بكل قبيحــــــة
وكنا علــــــى دين النبي محـــــمد*** نقاتل عمال الصليب بنيــــــة
وتلقى أموراً في الجهاد عظـــيمة*** بقتل وأسر ثم جوع وقلـــــة
فجاءت علينا الروم من كل جانب*** بسيل عظيم جملة بعد جملــــــة
ومالوا علينا كالجراد بجمعـــهم*** فنقتل فيها فرقة بعد فرقـــــة
وفرسانها تزداد في كل ساعـــــة *** وفرساننا في حال نقص وقلـــــة
فلما ضعفنا خيموا في بلادنـــــــا*** ومالوا علينا بلدة بعد بلــدة
وجاءوا بأنفاظ عظام كثــــــــيرة*** تهدم أسوار البلاد المنيعة وشدوا عليها الحصار بقـــــــوة*** شهوراً وأياماً بجد وعزمـــــة
فلما تفانت خلينا ورجالــــــنا*** ولم نر من إخوننا من إغاثــــــــــة
وقلت لنا الأقوات وأشتد حالنــا *** أحطناهم بالكره خوف الفضيـــحة
وخوفاً على أبنائنا وبناتـــــنا*** من أن يؤسروا أو يقتلوا شر قتلة
على أن نكون مثل من كان قبلنا *** من الدجن من أهل بلاد القديمــــة
ثم تحدثت القصيدة عن الخيار في مثل هذه الحالة ، فإما القبول بالوضع السابق أو الإرتحال ، إذ استطردت قائلة :
ونبقى على آذاننا وصلاتــــنا*** ولا نتركن شيئاً من أمر الشريعــة
ومن شاء منا الجر جاز مؤمناً*** بما شاء من مال إلى أرض عدوة
إلى غير ذلك من شروط كثيرة*** تزيد على الخمسين شرطاً بخمسة
فقال لنا سلطانهم وكبيرهــــــم*** لكم ما شرطتم كاملاً بالزيـــــــــادة
فكونوا على أموالكم ودياركــم*** كما كنتم من قبل دون أذيـــــة
إلا أن الملكين الكاثوليكيين لم يفيا بتلك المواثيق إذ بدأ غدرهما على المسلمين فقال :
فلما دخلنا تحت عقد ذمامهـــــــم*** فينا بنقص العزيمة
وخان عهوداً كان قد غرنا بــــها*** ونصرنا كرهاً بعنف وسطــــــوة
وأحرق ما كانت لنا من مصاحف *** وخلطها بالزبل أو بالنجاســـــــة
وكل كتاب كان في أمر ديننـــــــا *** ففي النار ألقوه بهزءة وحـــقرة
ولم يتركوا فيها كتاباً لمســــــــلم *** ولا مصحفاً يخلى به للقـــــراءة
ومن صام أو صلى يعلم حالـــــــه*** ففي النار يلقوه كل حالــــــة
ومن لم يجئ منا لموضع كفرهم*** يعاقبه اللباط شر العقوبـــــــــــة
ويلطم خديه ويأخذ مالـــــــــــه*** ويجعله في السجن في سوء حالة
وفي رمضان يفسدون صيامنـــا*** بأكل وشرب مرة بعد مــــــــــــــرة
وهكذا مضت المسيحية في هتك الإسلام ، وذل المسلمين ، فمن تدخل في عبادة المسلم إلى شتم الإسلام فقالت القصيدة في ذلك :
وقد أمرونا أن نسب نبيـــــنا*** ولا نذكرنه في رخاء وشـــــــدة
وقد سمعوا قوماً يغنون باسمـــــــه*** فأدركهم منهم أليم المـــــضرة
وعاقبهم حكامهم وولاتهــــــــــــــم*** بضرب وتغريم وسجن وذلــــــة
ومن جاءه الموت ولم يحضر الذي*** يذكرهم لم يدفنوه بحيلـــــة
ويترك في زبل طريحاً مجـــــــــــدلاً*** كمثل حمار ميت أو بهيمـــــــة
إلى غير هذا من أمور كثيــــــــــرة*** قباح وأفعال غزار رديــــــــة
بعد ذلك أخذ الملوك الكاثوليك في إذابة المجتمع المسلم وذلك بتغيير الهوية الإسلامية إذ قالت القصيدة :
وقد بدلت أسماءنا وتـــحولت *** بغير رضا منا وغــــــير إرداة
فآها على تبديل دين محــــــــــــمد*** بدين كلاب الروم شر الـــــبرية
وآها على أسمائنا حين بــــــــدلت*** بأسماء علاج من أهل القــيادة
وآها على أبنائنا وبناتنــــــــــا*** يرحون للباط في كل غـــــــدوة
يعلمهم كفراً وزوراً وفريـــــــــــة*** ولا يقدروا أن يمنعوهم بحيلة
وآها على تلك المساجد ســــورت *** مزابل للكفار بعد الطهــــــــارة
وآها على تلك الصموامع عـقلت*** نواقيسهم فيها نظير الشهادة
وآها على تلك البلاد وحسنـــــها *** لقد أظلمت بالكفر أعظم ظـلمة
وصارت لعباد الصليب معاقــــلاً*** وقد أمنوا فيها وقوع الاغـارة
صرنا عبيداً ولا أسارة فنفتدي *** ولا مسلمين منطقهم بالشهادة
ثم تتوجه القصيدة باستجداء السلطان لإنجادهم ، وإنقاذهم من تلك المحنة فتقول :
فلوا أبصرت عيناك ما صار حالــنا*** إليه لجادت بالدموع العزيــــزة
فيا ويلنا يا بؤس ما قد أصابــــــنا*** من الضر والبلوى وثوب المذلة
سألناك يا مولاي والله ربـــــــــــنا*** وبالمصطفي المختار خير البرية
عسى تنظروا فينا وفيما أصابــــــنا*** لعل إله العرش يأتي برحـــــمة
فقولك مسموع وأمرك نافــــــــــــذ*** وما قلت من شيء يكون بسرعة
ودين النصارى أصله تحت حكمكـم*** ومن ثم يأتيهم إلى كل كــــورة
فبا لله يا مولاي منوا بفضلكــــــــم *** علينا برأي أو كلام بحجـــــــة
فأنتم أولوا الأفضال والمجد والعلا *** وغوث عباد الله في كل آفــــــــــة
ويشير المسلمون أن توسط ملوك مصر لدى المسيحيين لم تجد شيئاً ، بل زادوا تعنتاً فقالوا :
وقد بلغت ارسال مصر إليهــــــــــم*** وما نالهم غدر ولا هتك حرمــــة
وقالوا لتلك الرسال عنا بأننـــــــا*** رضينا بدين الكفر من غير قهرة
وساقوا عقود الزور ممن أطاعهم*** ووالله ما نرضى بتلك الشهــــادة
لقد كذبوا في قولهم وكلامــــــــــهم*** علينا بهذا القول أكبر فريـــة
ولكن خوف القتل والحرق رونـــــا *** نقول كما قالوه من غير نــــية
ودين رسول ما زال عندنـــــــــــــا*** وتوحيدنا لله في كل لحظــــــــة
بعد ذلك أوضح المسلمون للسلطان بايزيد أنه مع كل ذلك فإنهم متمسكون بالدين الإسلامي ويؤكدون ذلك بقولهم :
ووالله ما نرضى بتبديل ديننــــــــــا*** ولا بالذي قالوا من أمر الثلاثـة
إن زعموا أنا رضينا بدينهــــــــــم*** بغير اذى منهم لنا ومـــــساءة
فسل وحرا عن أهلها كيف أصبحوا*** أسارى وقتلى تحت ذل ومهــــــنة
وسل بلفيقاً عن قضية أمرهــــــــا*** لقد مزقوا بالسيف من بعد حسرة
وضيافة بالسيف مزق أهلهـــــــــا*** كذا فعلوا أيضاُ بأهل البـــشرة
وأندرش بالنار أحرق أهلهــــــــا*** بجامعهم صاروا جميعاً كفحــــمة
ويكرر المسلون ويجددوا الاستغاثة بالدولة العثمانية بعد تقديم هذه الشكوى :
فها نحن يا مولاي نشكو إليهـــــــم*** فهذا الذي نلناه من شر فرقــة
عسى ديننا يبقى لنا وصلاتنــــــــــا*** كما عاهدونا قبل نقض العزيمة
وإلا فيجلونا جميعاً عن أرضهــــــم*** بأموالنا للغرب دار الأحبـــــة
فأجلاؤنا جميعاً عن أرضهــــــــــم*** على الكفر في عز على غير ملة
فهذا الذي نرجوه من عز جاهكـــــم*** ومن عندكم تقضي لنا كل حاجة
ومن عندكم نوجو زوال كروبنـــــــا*** وما نالنا من سوء حال وذلــــة
فأنتم بحمد الله خير ملوكنـــــــــــــا*** وعزتكم تعلو على كل عزة
فنسأل مولانا دوام حياتكــــــــــــم*** بملك وعز في سرور ونعــــــمة
وتهدين أوطان ونصر على العـــــدا*** وكثرة أجناد وما وثـــــــروة
وثم سلام الله قلته ورحمــــــــــــــة*** عليكم مدى الأيام في كل ساعة
كانت هذه هي رسالة الاستنصار التي بعث بها المسلمون في الأندلس ، لإنقاذ الموقف هناك ، وكان السلطان بايزيد يعاني من العوائق التي تمنعه من إرسال المجاهدين ، بالإضافة إلى مشكلة النزاع على العرش مع الأمير جم ، وما أثار ذلك من مشاكل مع البابوية في روما وبعض الدول الأوروبية وهجوم البولنديين على مولدافيا والحروب في ترانسلفانيا والمجر والبندقية وتكوين التحالف الصليبي الجديد ضد الدولة العثمانية من البابا جويلس الثاني وجمهورية البندقية والمجر وفرنسا ، وما أسفر عنه هذا التحالف من توجيه القوة العثمانية لتلك المناطق .
ومع ذلك قام السلطان بايزيد بتقديم المساعدة وتهادن مع السلطان المملوكي الأشراف لتوحيد الجهود من أجل مساعدة غرناطة ووقعا اتفاقاً بموجبه يرسل السلطان بايزيد أسطولاً على سواحل صقلية باعتبارها تابعة لمملكة أسبانيا ، وأن يجهز السلطان المملوكي حملات أخرى من ناحية أفريقيا وبالفعل أرسل السلطان بايزيد أسطولاً عثمانياً تحول إلى الشواطئ الأسبانية ، وقد أعطى قيادته إلى كمال رايس الذي أدخل الفزع والخوف والرعب في الأساطيل النصرانية في أواخر القرن الخامس عشر ، كما شجع السلطان بايزيد المجاهدين في البحر بإبداء اهتمامه وعطفه عليهم ، وكان المجاهدون العثمانيون قد بدأوا في التحرك لنجدة إخوانهم المسلمين ، وفي نفس الوقت كانوا يغنمون الكثير من الغنائم السهلة الحصول من النصارى ، كذلك وصل عدد كبير من هؤلاء المجاهدين المسلمين أثناء تشييد الأسطول العثماني ، ودخلوا في خدمته بعد ذلك أخذ العثمانيون يستخدمون قوتهم البحرية الجدية في غرب المتوسط بتشجيع من هؤلاء المجاهدين وهذا الذي كان في وسع السلطان بايزيد الثاني فعله.
المصدر:
الدولة العثمانية ، لعلي محمد الصلابي ، ص270
جزاكم الله خيرا علي الموضوع ………. علي الاقل حاول مد يد المساعدة وما فعله الاسبان ضد المسلمين في الاندلس من امور يندي لها الجبين فكانت مجازر ومحارق حقيقية وليست وهمية كما ادعي الاخرون
اختنا الفاظلة مشكورة على التواجداخوكي