الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة وهيّأ له من الأسباب والمسببات ما يضمن له صلاح حياته القلبية والبدنية، إن هو أحسن استغلالها وترويض نفسه عليها، فالإنسان في هذه الدنيا [ ] في مجاهدة مع أحوالها "لَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ,"[البلد:4] مكابدة لنفسه، ومكابدة لنزعات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها وأهوالها، يَغلبُ تارةً ويُغلبُ أخرى، يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، وهكذا دواليك. فالحياة لا تصفو لأحد من أكدارها.
يختلف الناس في خوض معتركها، يتعثر أقوام فيستبطئون ويبادر آخرون إلى جهاد أنفسهم فيعانون، وقد تعاودهم أكدار الحياة كرة بعد أخرى.
وإن من أكدار الحياة حالة تنتاب كثيراً من الناس، بل لو قيل (لا يسلم منها أحد) لم يكن ذلك بعيداً، والناس فيها بين مستقل ومستكثر.
إن ضيق الصدر وما ينتاب المسلم من القلق [ ] والأرق أحياناً، مسألة قد تمر على كل واحد منا، تطول مدتها مع قوم وتقصر مع آخرين.
ترى الرجل إذا أصابته تلك الحالة كئيباً كسيراً تتغير حاله، وتتنكر له نفسه، قد يعاف الطعام والشراب، بكاء وحزن، وحشة وذهول، وقد تغلب أحدهم نفسه، فيشكو أمره إلى كل من يجالسه ويهاتفه، دون أن يجاهد نفسه طرفة عين.
يراه جليسه ومن يشاهده فيرى عليه من لباس الهم [ ] والغم ما الله به عليم، يستسلم للشيطان بجميع أحاسيسه، فيُظهر لك من اليأس والقنوط والشكوى، ما يغلق أمامك الكثير من أبواب الفرج والتنفيس، حتى إن بعض أولئك يوغل في الانقياد لتلبيس الشيطان، ويكاد أن يقدم على خطوات تغير مجرى حياته، من طلاق للزوجة، وترك للوظيفة، وانتقال عن المنزل، وما يتبع ذلك، وقد يصل أمره إلى الانتحارº مما يدل على عظم تلبيس إبليس عليه.
إن للهمّ أسباباً حسّية ومعنوية، وقد يكون الهم [ ] مفاجئاً لصاحبه لا يعرف له سبباً.
أن حالة ضيق الصدر، تجعل العبد أحياناً حبيس الهواجس والوساوس فيبقى المسكين أسيراً لكيد الشيطان، مرتهناً بقوة تلبيسه عليه، وبضعف مجاهدته له.
لمتابعة المقال أضغط على الصورة