21_ حسن المنطق:
فحسن المنطق، وروعة البيان من مظاهر المروءة الصادقة، ومن أعظم الأسباب الداعية لقبول الحق.
ولهذا قيل: " كلما كان اللسان أبين كان أحمد"
ولهذا يحسن بالمعلم _وأداته الأولى اللسان_ أن يهذب ألفاظه، وأن يجمل كلامه؛ ليقع موقعه في القلوب، وليفهم الطلاب عنه ما يريد تبيانه.
وبالجملة فليحرص على تجنب السوقي القريب، والحوشي الغريب؛ حتى يكون كلامه حالاً بين حالين،
قال أبو هلال العسكري: " وأجود الكلام ما يكون جزلاً سهلاً، لا ينغلق معناه، ولا يستبهم مغزاه، ولا يكون مكدوداً مستكرهاً، ومتوعراً متقعِّراً، ويكون بريئاً من الغثاثة، عارياً من الرثاثة.
والكلام إذا كان لفظه غثَّاً، ومعرضه رثَّاً كان مردوداً ولو احتوى على أجلِّ معنىً وأنبله، وأرفعه، وأفضله "
22_ الإصغاء للمتحدث والإنصات للسائل:
فلا يليق بالمعلم أن يترك الإصغاء لمحدثه _خصوصاً الطالب_ سواء بمقاطعته، أو منازعته الحديث، أو بالإشاحة بالوجه عنه، أو إجالة النظر يمنة ويسرة.
كل ذلك مما ينافي أدب المحادثة؛ فينبغي للمعلم أن يتجافى عنه؛ فإن إقباله على محدثه دليل على ارتياحه له، وأنسه بحديثه.
بل إن المتحدث البارع هو المستمع البارع، وبراعة الاستماع تكون بالأذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه، وبتحريك الرأس ونحو ذلك.
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: "لجليسي عليَّ ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له في المجلس إذا جلس، وأن أصغي إليه إذا تحدث"
ومما ينبغي للمعلم في هذا الصدد أن ينصت للسائل إذا سأل و أن يلاطف العاجز عن الإبانة عن سؤاله ، ومما يجمل به _أيضاً_ ألا يجيب إلا بعد أن ينتهي السائل من سؤاله، قال عمر ابن عبدالعزيز: "خصلتان لا تعدمانك من الجاهل: كثرة الالتفات، وسرعة الجواب"
23_ تجنب تكرار الحديث بلا داع:
كذلك لا يحسن بالمعلم أن يردد بعض العبارات بصورة كثيرة؛ فربما أخذها الطلاب عليه، وسموه بها.
أما إذا دعت الحاجة لتكرار الحديث فلا باس في ذلك.
24_ صيانة اللسان عن اللغط، وتجنبيه البذيء من الألفاظ:
فالمروءة تقتضي أن يصون المعلم لسانه عن اللغط؛ فإن الغلط تحت اللغط.
والمروءة تأمر صاحبها أن ينزه لسانه من الفحش، وأن يطهره من البذاءة، وأن يجله من ذكر العورات؛ فإن من سوء الأدب أن تفلت الألفاظ البذيئة من المرء غير عابئ بمواقعها وآثارها.
والمروءة _كذلك_ تحفظ لسان صاحبها من أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:
وحذارِ من سفه يشينك وصفُه
إن السفاه بذي المروءة زاري
قال القاسمي: "إياك وما يستقبح من الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنك الكرام، ويؤثب عليك اللئام"
وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله ": ليس المؤمن بالطَّعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء"
25_ لا تتحدث عن نفسك إلا إذا دعت الحاجة:
فمن آفات المعلمين أن منهم من يجعل الدرس ميداناً لسرد سيرته الذاتية بمناسبة أو بغير مناسبة، وربما سايره الطلاب وجاملوه، فظن أن ذلك دليلُ فضله، وآية إعجابهم بشخصه.
فلا تحفل _أيها المعلم المفضال_ بالحديث عن نفسك، واجعل أعمالك تتحدث عنك؛ فذلك أبلغ وأكرم.
ثم إن كان عندك من فضل فثق بأن الله سينشره، ولن تُظلم فتيلاً.
يخفي محاسنه والله يظهرها
إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
ثم إن الأصل في مدح الإنسان نفسه المنع؛ لقوله _عز وجل_: [فلا تزكوا أنفسكم] (النجم: 32).
وتزكية النفس داخلة في باب الافتخار غالباً.
فإن وجد ما يقتضي الحديث عن النفس أو تزكيتها _إما لتعريف الإنسان بنفسه، وإما لدفع تهمة، أو لتوضيح أمر مبهم، أو كان المرء بين قوم لا يعرفون مقامه؛ فخشي أن تُصْدَع قناة عزته، أو نحو ذلك _فإن الحديث عن النفس أو تزكيتها _والحالة هذه_ جائز لا غبار عليه.
قال ابن المقفع: " وإن آنست من نفسك فضلاً فَتحرَّجْ من أن تذكره، أو تبديه، واعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يقرر لك في قلوب الناس من العيب أكثر مما يقرر لك من الفضل.
واعلم أنك إن صبرت ولم تعجل ظهر ذلك منك بالوجه الجميل المعروف عند الناس .
ولا يخفين عليك أن حرص الرجل على إظهار ما عنده، وقلة وقاره في ذلك باب من أبواب البخل واللؤم، وأن خير الأعوان على ذلك السخاءُ والتكرم "
قال ابن حزم: " إياك والامتداحَ؛ فإن كل من يسمعك لا يصدقك وإن كنت صادقاً، بل يجعل ما سمع منك من ذلك أول معايبك "
شكرا لك ايها الرجل