معركة مستغانم”مزغران” سباقا ضد الساعة
ولد سيدي لخضر بن خلوف أواخر القرن الثامن الهجري وتوفي في أوائل القرن العاشر للهجرة، ( 1492م/1613م)، عن عمر ناهز الـ 125 سنة·
يعد سيدي لخضر بن خلوف مرجعا هاما لحقبة مميزة من تاريخ الدولة الجزائرية، التي تكالب عليها الاستعمار الإسباني ذو النزعة الصليبية، من خلال الوصف الدقيق للأحداث في قصيدتين يروي فيهما ما وقع في ساحات الوغى التي خاضها شخصيا ضد الغزاة الإسبان·
المعركة الأولى تعرف بـ ”قصة شرشال” مدونة تاريخيا، وهي رحلة طويلة في المقاومة كانت بدايتها الجزائر شمالا مرورا بالبليدة والأصنام ومستغانم ثم مزغران غربا؛ حيث يقول:
في جبل شرشال حطينا للقتال
يحق في ذاك اليوم امرا بكاية
ويصف في القصيدة، التي هي في الحقيقة ملحمة حالة الجيش الجزائري ومكانته فيه بعد أن كلفه السلطان خير الدين بتجنيد المقاتلين والصلح بين القبائل والبطون المتناحرة ودعوتها إلى الوحدة للتصدي للأعداء، الواقعة التي قتل فيها 150 كافرا، مما يبين شجاعة وبسالة الرجل دفاعا على أرض العروبة والإسلام ضد جحافل الإسبان الكفار·
والمعركة الثانية التي كتب وتكلم عنها كثير من المؤرخين هي معركة ”مزغران” الشهيرة التي وقعت أحداثها يوم 22 أوت 1558 بعد أن تمكنت قوات الغزاة الإسبان دخول بلدة مزغران التي بتعد بـ 4 كلم عن مستغانم نتيجة تفوقهم عددا وعدة· وصادف ذلك عودة المجاهدين، وسيدي لخضر بن خلوف من بينهم، إلى مستغانم· انطلقت الحملة الإسبانية من وهران تحت قيادة الكونت دالكوديت الذي جر وراءه جيشا مدججا بالأسلحة والمدفعية قوامه 12 ألف جندي تسندهم جماعات من الأعراب الخارجة عن طاعة أولي الأمر من قبائل الغرب، وسفن حربية راسية بخليج ارزيو تراقب الوضع عن قرب لتأمين الشريط الساحلي ولتزويد العساكر بالذخيرة والمؤن، قبل أن تعترضها السفن الجزائرية، وبعد مقاومة قصيرة استسلمت سفن الغزاة فكانت الهزيمة والغنيمة مما حفز وشجع المجاهدين الجزائريين، ونزل ذلك كالصاعقة على الإسبان فانهارت معنوياتهم قبل الدخول في المعركة·
معركة ”مزغران” كانت سباقا ضد الساعة، فالقوات الإسبانية حاولت التحرك والتقدم بسرعة لاحتلال مستغانم، والتمركز بها، قبل وصول المجاهدين الجزائريين، ووصلت فعلا إلى أبواب المدينة يوم 22 أوت 1558 فاصطدمت بمقاومة شعبية نظمها الأهالي الذين انضم إليهم المتطوعون من المناطق المجاورة، وتكبد الطرفان خسائر بشرية جسيمة·
كادت كفة المعركة تؤول لصالح الإسبان غير أن وصول المجاهدين الجزائريين ساحة الوغى ودخولهم في مواجهة حامية انتهت بإحكامهم السيطرة على مشارف المدينة ومداخلها، وألحقوا خسائر فادحة في صفوف العدو الذي تراجع وتقهقر إلى الوراء واستحال عليه اقتحام أسوار المدينة الصامدة·
وفي صبيحة يوم 24 أوت تشتت صفوف العدو وضاق عليها الخناق ودارت رحى المعركة التي شارك فيها البحارة المجاهدون بعد أن تركوا سفنهم فما كان من الإسبان سوى الفرار باحثين عن مخرج، غير أن المقاومين طاردوهم إلى مزغران فقتل الكونت دالكوديت الذي داسته الأقدام ولم يتم التعرف عليه إلا بعد انتهاء المعركة في 26 أوت 1558، كما أسر ابنه دون مارتن بعد أن بلغ عدد القتلى والأسرى .12017 إنها المعركة التي كان سيدي لخضر بن خلوف أحد أبطالها وشبهها بغزوة بدر الكبرى·
وقد خلد أيامه الأخيرة عبر قصيدة ”الوفاة” الشهيرة· وينحدر الولي الصالح سيدي لخضر بن خلوف من السلالة الشريفة، إذ يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، الذي خصه بمكانة مميزة في قصائده، إلا انه لم يكن متشيعا· ويظهر ذلك جليا في حبه لخاتم الأنبياء والرسل محمد، عليه الصلاة والسلام، حب لا مثيل له ولأصحابه وآل بيته جسده بقضائه لقرابة القرن في المدح والتقرب بالصلوات والذكر والرغبة في رؤية تحققت له وهو في سن الأربعين· ولم يقتصر شعر سيدي اخضر بن خلوف على مدح الرسول (ص) فقط بل شمل الحكمة والحماسة والفخر والتوحيد والموعظة، إلى أن وافته المنية ودفن قرب خيمته، وحدد مكان دفنه بوصية تركها لأفراد عائلته يقول فيها”
النخلة المثبتة من بعد اليبوس
حذاها يكون قبري يا مسلمين
النخلة التي اقترن وجودها بمداح الرسول (ص) امتد جذعها كالحارس الأمين والأبدي لضريح الولي الصالح· وقد تعرضت إلى القطع في العشرية السوداء بواسطة منشار، إلا أنها قاومت وضمدت الجرح ولم تذبل أو تمت بل ترعرعت· ويقيم سنويا أحفاد الولي الصالح سيدي لخضر ولائم تتخللها أفراح وأهازيج مصحوبة بعروض للفروسية· وهو الحفل الذي يسمى بـ”الطعم”· وهو مناسبة للتبرك بالولي الصالح بعد زيارة ضريحه الطاهر· كما يقام سنويا الركب، من طرف محبي سيدي لخضر بن خلوف بمعية أحفاده لمدة يومين، وتشارك فيه فرق البارود في النهار قبل أن تحل محلها ليلا فرق الموسيقى الشعبية، ولا تغنى فيه إلا قصائد من نظم سيدي لخضر بن خلوف في مدح الرسول (ص)، يختتمها الفنان الكبير معزوز بوعجاج عادة بقصيدة الوفاة·