مشابهة الحيوانات في أفعال الصلاة
——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
مشابهة الحيوانات في أفعال الصلاة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأخوة: إن الصلاة التي فرضها الله تعالى هي من أعظم أركان الدين، بل هي عموده الذي يستند عليه. والصلاة ربيع قلوب المؤمنين وحياتهم, وهي راحتهم وقرة عينهم، وهي جلاء أحزانهم وذهاب همومهم و غمومهم، وهي المفزع الذي يفزعون إليه في النوائب والنوازل، قال تعالى:{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1) وقد كبرت الصلاة وعظمت في قلوب المؤمنين لمحبتهم لله تعالى وتكبيرهم وتعظيمهم، وخشوعهم له سبحانه تعالى.
فكان ينبغي لمن تعلق قلبه بالصلاة وأحبها أن يؤديها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله (( صلوا كما رأيتموني أصلي ))(2).
وقد نبه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إلى بعض الأخطاء التي يقع فيها المصلون. ومن ذلك مشابهة بعض الحيوانات في بعض أفعال الصلاة. فمن ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الإنسان في صلاته كافتراش السبع فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة حتى يستوي جالساً وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعية افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم). وفي رواية ابن نمير عن أبي خالد: (وكان ينهى عن عقب الشيطان)(3). وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال: (إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب). قال أبو عيسى حديث جابر حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم، يختارون الاعتدال في السجود ويكرهون الافتراش كافتراش السبع(4). وعند أحمد والنسائي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث عن نفرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام كما يوطن البعير)(5).
قال الإمام السيوطي في شرح سنن الإمام النسائي: قوله: (عن نقر الغراب) هو تخفيف السجود بحيث لا يكون فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.
و(افتراش السبع) وهو: أن يبسط ذراعيه في السجود ولا يرفعها عن الأرض كما يبسط السبع والكلب والذئب ذراعيه والافتراش افتعال من الفرش. (وأن يوطن الرجل المقام) أي: المكان للصلاة كما يوطن البعير قال في النهاية: قيل معناه أن يألف مكانا معلوماً من المسجد مخصوصاً به يصلي فيه كالبعير لا يأوي من عطن إلا إلى مبركٍ دمث قد أوطنه واتخذه مناخاً. وقيل: معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير(6). وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن يلتفت الإنسان في صلاته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث ونهاني عن ثلاث: أمرني بركعتي الضحى كل يوم والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونهاني عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب)(7).
وكذلك نهى عليه الصلاة والسلام عن الإقعاء كإقعاء الكلب وليس هو المراد بقول ابن عباس ففي صحيح مسلم أن أبا الزبير سمع طاووساً يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال: هي السنة، فقلنا له إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم (8). قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: أعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان: ففي هذا أنه سنة، وفي حديث آخر النهي عنه، رواه الترمذي وغيره من رواية علي، وابن ماجه من رواية أنس، وأحمد بن حنبل –رحمه الله تعالى –من رواية سمرة وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة وأنس وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافات كثيرة لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه أن الاقعاء نوعان: أحدهما: أن يلصق إليته بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل الفقه، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. والنوع الثاني: أن يجعل إليته على عقبيه بين السجدتين، وهذا مراد ابن عباس بقوله: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم(9).
وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع أحدٌ يديه يميناً وشمالاً عند السلام في الصلاة وشبه ذلكم الفعل كأذناب الخيل، ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة )(10) .
قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى – قوله صلى الله عليه وسلم: (مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ) هو بإسكان الميم وضمها وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها والمراد بالرفع المنهي عنه هنا رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين كما صرح به في الرواية الثانية (11). وفي الأخير: هذه جملة من الأفعال التي قد تقع من بعض المصلين يشابهون فيها الحيوانات ورد النهي عنها، فلنتنبه لها حتى لا نقع فيها وتكون صلاتنا كاملة، كما أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم
والحمد لله رب العالمين..
——————-
1 سورة البقرة (45 – 46).
2 أخرجه البخاري كتاب الأذان رقم (595).
3 رواه مسلم كتاب الصلاة باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به برقم (678).
4 سنن الترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء في الاعتدال في السجود برقم (255).
5 المسند برقم (14984) والنسائي كتاب التطبيق باب النهي عن نقرة الغراب برقم (1100).
6 راجع شرح سنن النسائي للسيوطي.
7 أخرجه أحمد في المسند برقم (7758).
8 مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب جواو الإقعاء على العقبين برقم (835).
9 شرح النووي على مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
10 رواه مسلم كتاب الصلاة باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد رقم (651)
11 راجع شرح النووي على صحيح مسلم كتاب الصلاة باب الأمر بالسكون في الصلاة.
موقع إمام المسجد
ملحوظة:
يُشترط عند نقل هذه المادة شرطين :
الأول : عزوها إلى موقع إمام المسجد www.alimam.ws ،
الثاني : الأمانة في النقل وعدم التغيير في النص المنقول ولا حذف شيء منه ، والله الموفق .