التَّجَهُّز للحجِّ
وجوبُ الحج واستطاعته
إذا نوى المرء الحج فعليه أن ينظر إلى الإستطاعة في نفسه وهي:
1. الإستطاعة المالية: بأن يملك مالاً حلالاَ زائداً عن نفقاته الضرورية، ويكفيه لأداء المناسك من تكاليف السفر والإقامة والمؤنة وغيرها، وينوب عن ذلك إذا كان معه صنعة يحتاج إليها الحجيج وتكفيه مؤنة ذلك، كالحلاقة والجزارة والطبيب البيطرى والسائق والحمَّال وغيرها مما هو معلوم.
2. الإستطاعة الصحية: أي القدرة على أداء المناسك، وينوب عن ذلك القدرة على اصطحاب رفيق على نفقته بالنسبة للأعمى والمريض الذي لا يستطيع أن يمشي بمفرده، وأيضاً القدرة المالية لتأجير الحمّالين فى الطواف والسعى لمن لا يستطيع ذلك.
3. أمن الطريق: أى لا يكون هناك حالة أمنية فى الطريق الموصل إلى هذه الأماكن، أو قطاع طريق أو أي مانع يشبه ذلك.
4. أخريات :بالإضافة إلى هذا يجب أن يكون من نوى الحج بالغاً عاقلاً، فإذا حج الصبى فلذلك أجره إلا أن هذا لايسقط عنه حج الفريضة إذا بلغ والرجل يستأذن والداه إن كانا أحياءأً وإن كان ليس لهما أن يمنعاه من حجة الإسلام ولكن استحسنت الشريعة ذلك جبراً لخاطرهما والمرأة تستأذن زوجها وليس له أن يمنعها من حجة الفريضة، وإن كان له منعها من النافلة.
ملاحظة هامة عن المحرم: يجب أن يكون مع المرأة محرم فى الحج لقوله النبى{لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ أن تُسَافِرَ مَسِيرَةَ ثلاث لَيَالٍ إلا وَمَعَها ذو مَحْرَمٍ } [1]
وقد أجمع العلماء أن الرفقة الصالحة من النساء تكفى لأداء فريضة الحج بالنسبة للمرأة وتغنيها عن اصطحاب المحرم فى حالة عدم القدرة على اصطحابه.فإذا انطبقت هذه المواصفات على فرد، وجب عليه الحج فوراً، ويحرم عليه التأخير على رأي معظم المذاهب، ويجب عليه الحج على التراخى ولايأثم على مذهب الإمام الشافعى لقول الله{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ}أي بترك الحج مع الإستطاعة {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [97آل عمران].
وقول النبى{ مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حاجةٌ ظاهرةٌ أوسلطانٌ جائزٌ ولم يَحْجَّ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يهوديًّا أو نصرانيًّا } [2]،وقول عمر t : { لقد هممت أن آمر بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلا }- الإحياء.
الحج عن الغير: يجوز أن يحج الإنسان عن غيره سواء كان ميتاً أو عاجزاً أو مريضاً بمرض لا يرجى شفائه- غير أنه إذا شفى المريض لا بد له من أداء الفريضة عن نفسه.
ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة، لقول النبى للمراة التى أتت إليه فقالتْ:
{ إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فماتَتْ قَبْلَ أن تَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عنها؟، قالَ:نَعَمْ فحُجَّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لوكانَ عَلَى أُمُّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ، قالتْ: نَعَمْ، قالَ: قْضُوا الله،فَإنَّ الله أحقُّ بالوفاءِ } [3]
وأيضا قوله للمْرَأَةٌ التى أتت تَسْتَفْتِيهِ فَقَالَتْ: { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخا كَبِيرا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُت َعَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذٰلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ } [4].
لكن يشترط لمن يحج عن غيره:
– أن يكون حج عن نفسه أولاًلقول النبى للرجل الذي كان يقول: لبيك عن شبرمة فقال {أفحججت عن نفسك، قال:لا، قال : حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شَبْرَمَةَ } [5]
– وأيضاً يكون المال الذي ينفقفي الحج من مال المحجوج عنه إن كان حياً أو أوصى به قبل موته إن كان ميتاً أو تبرع به أحد أولاده أو أقاربه ويكون المال من مال حلال.
[1] عنِ ابنِ عُمَرَ صحيح ابن حبان.[2] عن أبي أُمَامَة رضي الله عنه سنن البيهقى الكبرى
[3] عن ابنِ عباسٍ سنن البيهقى الكبرى ورواه البخاري في الصحيح عن مُسَدَّدٍ.
[4] رواه مسلم فى صحيحه عن عبدالله بن عباس
[5] رواه أبو داود عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا.(جامع الأحاديث والمراسيل)
يتبع إن شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــاء الله
أخطاء شائعة في الإستطاعة
1. بعض الناس يستدين ليحج وهذا ليس من الشرع فقد سُئِل النبى{عنَ الرَّجُلِ لَمْ يَحُجّْ! أيَسْتَقْرِضُ لِلْحَجِّ؟ قال : لاَ }[1].
2. بعض الناس ممن تلطخوا بالمال الحرام ينوى الحج منه معتقداً رفع الوزر، وهذا وهمٌ لقول رسول الله :{ إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ حِلهِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَسَعْدَيْكَ هٰذَا مَرْدُودٌ عَلَيْكَ } [2]
3. يتشدَّد بعض العلماء فيبطل حج من يعمل بالأماكن المباركة أو ما جاورها أو أصحاب المهن أثناء المناسك بحجة أنه لم يقصد البيت لذاته، وهذا ليس بشيء لأنه يقصد بتوجهه إلى البيت ولو كان في مكة أداء هذه الفريضة تنفيذا لأمر الله ورسوله، وإن كان لا يستوى فى الأجر مع من جاء من بعيد، لأن الأجر على قدر المشقة، ولكن عمله صحيح يثاب عليه ما دام أخلص فيه النية لله .
4. يفتى البعض بأن مال الحج إذا أخذه عن طريق الهبة كأن يعطيه إنسان نفقات الحج أو يقوم بتجهيزه، بأن هذا العمل باطل، وهذا غير صحيح لأن رسول الله وسع الأمر وأباح الحج عن الغير، وفيه يتحمل الحاج عنه تكاليف الحج وبل مشقة أداء المناسك نفسها، وتكتب الحجة كلها لمن وهبها له فضلاً من الله ومنة، فالمال الموهوب هو من أحلّ الحلال فى نظر الشريعة الإسلامية فلا شيىء فى ذلك.
5. بعض الناس يتردد عن الحج ويلتمس لنفسه العذر، لأنه يحسب نفقات المشتريات والهدايا التى تعوّد عليها الناس، وهذا رأى خاطئ لأن الحاج غير مكلف بإحضار هدايا للأهل وللرفاق وخير هدية يهديها لهم أن يدعو ويستغفر لهم، وهذا فعل السلف الصالح وفيه يقول : { اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحاجّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاجُّ } [3]،ويقول:{ تَلَقُّوا الْحُجَّاجَ وَالْعُمَّارَ وَالْغُزَاةَ فَلْيَدْعُوا لَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَدَنَّسُوا }[4]
6. والبعض يعتذر عن الحج مع وجود الاستطاعة؛ بحجة أنه يريدالمال لتزويج أولاده، فإن كان أبنائه فى سن الزواج وأقدموا عليه ويحتاجون هذا المال فالأولى له أن يؤخر الحج ويزوجهم، أما إن كانوا صغار السن، فعليه التعجيل بالحج ويأثم إذا أخّره عن ذلك الوقت.
7. يخطئ الكثيرون ظناً أن نفقات الحج غرامة يتحملونها مع أنه فى الحقيقة كل درهم ينفقونه يعوضه الله لهم بنسبة كبيرة جداً جداً يقول فيها النبى:{ النفقة فى الحج كالنفقة فى سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ألف درهم }[5] ووعد الله بإخلاف كل مال ينفقه المؤمن فى هذا الطريق فى قوله تعالى:{وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }
[1]رواه البيهقى ومسند الشافعى،عن عبد الله بن أبى أوفى
[2] الديلمى فى مسند الفرودس وابن عدى فى الكامل عن ابن عمر .
[3] عن أبي هريرة سنن البيهقى الكبرى.
[4] عن عمرt رواه ابن أبى شيبة، جامع المسانيد والمراسيل.
[5] رواه ابن أبى شيبة والإمام أحمد فى مسنديهما عن بريدة.
الإعداد لرحلة الحج
وينقسم إلى عدة نواحى:
1. تجهيز المستندات اللازمة: وتقوم بذلك وزارة الداخلية أو الجمعيات الدينية أو المكاتب السياحية ويقوم الحاج بعمل إجراءات الإجازة وتصريح السفر ومايلزم مما يناسب وظيفته.
2. الإعداد البدني: ويكون بإجراء بعض الفحوصات الطبية للتمكن من أداء المناسك وخاصة كشف القلب والصدر وقياس الضغط والسكر وعمل بعض التحليلات اللازمة واصطحاب إرشادات الأطباء والأدوية التى تعين فى رحلته ولا يفوته التحصين فى مكاتب الصحة من الأمراض الوبائية لإزدحام هذه الأماكن وخشية العدوى أو التلوث.
3-الإعداد الفكرى: ويكون بدراسة مناسك الحج وأحكامه ويستحسن أن يكون ذلك على يد العلماء العاملين خاصة الذين سبق لهم أداء الفريضة ولا عذر لمسلم يذهب لأداء المناسك وهو جاهل بكيفيتها لقول الله{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وجعل النبى هذا العلم فريضة فى قوله {طَلَبُ العِلْمِ فَريضةٌ على كلِّ مسلمٍ } [1].
ويستحب أن يصحب الحاج فى سفره كتاباً فى المناسك يرجع إليه فى وقت فراغه وقبل أداء كل منسك لتصحيح عمله قبل الشروع فيه.
4. الإعداد النفسي: حيث يترك لأهله المكلف بالإنفاق عليهم ما يحتاجون إليه من حين سفره إلى عودته حتى لا ينشغل بهم عن إقباله وطاعته لله وأيضاً عليه أن يطوف على أقاربه وذوى رحمه قبل سفره مودعاً لهم ومستحثاً لدعائهم ومستجلباً لعطفهم ونازعاً للإحن والأحقاد إن كانت فى صدورهم وعليه بعد ذلك أن يصلح ما بينه وبين جميع الخلق حتى لا يصير فى صدره شيءٌ لأحد ولو كانت عليه مظالم يستطيع ردها قام بردها ولايخاف لومة لائم.أما المظالم التى إن ردها تؤلب النزاع وتثير المشاكل مع أهلها فعليه أن يتوب إلى الله منها ويستغفر لأهلها ويدعو الله أن يتحملها عنه فقد قال النبى{ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لاًّهْلِ عَرَفَاتَ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ } [2] أي المظالم التى عجزوا عن ردها مع بذلهم كل ما فى الوسع فى سبيل ذلك، وهذا يجعل بال الحاج مستريحاً وصدره منشرحاً مما يجلب له السعادة الروحية والسكينة القلبية فى كل أحواله.
5. الإعداد الحسِّي: ويشمل الطلبات والأشياء التى يحتاجها الحاج فى سفره وهى حقيبة يد صغيرة يحمل فيها أوراقه و حقيبة الأمتعة و صيدلية الحاج: مثل أقراص أو حبوب: للصداعل لإسهال للإمساك للكحة مغص للسيدات للدوار (الدوخة) مضاد حيوي علاج إنفلونزا قطرة للعين بالطبع مع العلاج المعتاد للحاج لأى مرض معين يشكو منه باستمرار وتذكرةا لدواء الخاصة بهذا العلاج وكشف مقاس النظارة.
تنبيـــــــهات
1. ينتشر بين كثير من العوام عبارة "لا تسأل عن شيء -ويقصدون من المناسك – واعمل كما يعمل الناس هناك" وهذا يجعل الحاج لا يهتم بالتعرف على مناسك الحج فيذهب هناك ويفاجأ بأن كثيراً من الناس مثله فيقع فى حيرة ويتخبط وقد يبطل عمله لأن الشريعة لا تعذره فى إصراره على جهله فأول شيء يطالب به المسلم العلم ثم العمل.
2- يشغل بعض الناس أنفسهم بعمل كشوف بالمشتريات فإذا ذهبوا إلى هذه الأماكن شغلوا أوقاتهم بالبحث عن المشتريات مع توفرها هنا وتركوا ماجاءوا لأجله ولا يجدونه إلا هناك من عمل البر والخير الذى جعله الله أضعافاً كثيرة كما قال النبى{ صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هٰذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيما سِواهُ إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحرامِ أَفْضَلُ مِنْ مَائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ } [3]
حتى قال بعض العارفين أنَّ صلاة الجماعة الواحدة فى البيت الحرام أكثر من عمر نوح فى طاعة الله قيل: كيف؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وفى الجماعة تكون بسبع وعشرين ضعفا وهى أصلاً تكتب بعشر فاضرب كل هذا فى بعضه تجد الناتج عجيباً وليست الصلاة فقط ولكن أعمال البر تتضاعف إلى مئات الآلاف التسبيحة بمائة ألف والصدقة مثلها وهكذا إكراماً من الرحمن لضيوفه فالمؤمن الموفق من لا يشغله شيء عن طاعة الله والإقبال عليه فى سوق الفضل الإلهى الذي أقامه الله لإكرام العباد فى مقام الكريم أبو الكرام سيدنا إبراهيم الخليل الذي جعل ماله للضيفان وقلبه للرحمن وولده للقربان وبدنه للنيران فكوفئ بمقام الخلة من الرحمن
{ وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }
3. من آداب سفر الحج أيضا توسعة الحاج فى الزاد والنفقة على نفسه وعلى من معه من الأهل أو الإخوان والرفاق.
[1] عن عبدِ الله بن مسعودٍ رواه الطبراني في الكبير والأوسط
[2] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الترغيب والترهيب
[3] عن جابر بن عبد الله مسند الإمام أحمد