تخطى إلى المحتوى

متى يذوب الثلج لنرى الحقيقة 2024.

لم يكن بوسع هواري بومدين الارتقاء لدفة السلطة، لو كان يفتقد القدرة على كسب الأحداث، والاستثمار في خلافات الإخوة الأعداء، وقراءة دقيقة لنوايا وطموح شخصيات بعينها …حين استغل خلافات السياسيين في الحكومة المؤقتة وفضائحهم المالية والتسييرية، شن هجمات سياسية عنيفة عليهم من خلف الستار.. كما أجاد استغلال صراع الباءات الثلاثة، إذ جاءته فرصة العمر خلال الدورات الصاخبة للمجلس الوطني للثورة بين جويلية وجانفي 1959 حين انتقد العقداء العشرة في الجيش و الحكومة المؤقتة، ولا سيما رئيس وزارة الاستعلامات ”المالغ” بوصوف، أداء قائد الجيش كريم بالقاسم ووضعية جيش الحدود بتونس من تمردات وفوضى، يقول الأستاذ صالح بلحاج في ”أزمات جبهة التحرير” (في تلك الدورة بدأ أفول الثلاثي المذكور لقد حجب التنافس مع كريم بلقاسم الرؤية عن بوصوف وبن طوبال فقاما بتأسيس هيئة الأركان وحملا بومدين قيادتها لأن في ذالك تقليصا لدور كريم ولم يتصورا أن ذالك القرار يمكن أن ينقلب عليهما) ويضيف (سيعتمد بومدين وزملائه في جيش الحدود على 23 ألف جندي بعد تراجع جيش الولايات) ووضعيته التي ميزتها الخلافات، وتصفيات، والحصار ليمارس بومدين بدوره الإقصاء هذه المرة ضد بوصوف وبن طوبال أعضاء في الحكومة المؤقتة .
الجيريا

سرعان ما صعد نجم بومدين سنة 1960 ، فأصبح يوجه هجماته ضد من نصبوه قائدا الأركان، بعد أن كشف ضعفهم وعيوبهم، وتركز خلافه مع الحكومة المؤقتة وتحديدا مع بوصوف حول زيادة التجنيد في جيش الحدود، الذي قرره بومدين وأسلوب المفاوضات الذي اعتبره غير مناسب، وعدم دخول هيئة الأركان للداخل كما طالبت الحكومة، ومن يسيطر على جيش الولايات اللجنة الحربية مع لبوصوف وكريم وبن طوبال التي تأسست في دورة المجلس الثورة59 لتراقب عمل هيئة الأركان أم هيئة الأركان (التي تمردت) بتعبير بن خدة على الحكومة المؤقتة التي انشئتها في دورة المجلس المشار اليها، بحيث اتخذ بن خدة قرار بمحاكمة قادتها وبدأ يفكر في قائد أركان جديد من الداخل، ودعا جيش الولايات لعدم التعامل مع هيئة الأركان وجيش الحدود، بعد أن قررت هينة الأركان مطلع 1962 عدم الاعتراف بالحكومة المؤقتة، وأنها تعمل كقيادة مستقلة لها واستطاعت أن تضم إليها الضباط الفارين من الجيش الفرنسي… وأن تنسج تحالفات موازية في الداخل وإحداث تحالف مع بن بلة وخيضر من السجناء الخمسة.. لذا فان بن خدة وسعد دحلب كان يرى في طموح المبكر لقيادة الأركان التي وصفوا أعضائها ”بالمجرمين”، وبحثها عن الذرائع لمهاجمة الحكومة كما يقول صالح بلحاج في مؤلفه "سببا في البحث السريع في اتفاق مع ديغول عام 1961 لتأسيس سلطة سياسية غير خاضعة للعسكر"، وما كان لبومدين له أن يصبح الآمر الناهي في قلعة المخابرات بوجدة، لو لم تختل موازين للقوى لصالحه بعد أزمة المالغ، وبعد أن أصبح مؤسس وثعلب المخابرات عبد الحفيظ بوصوف رجل للاستهزاء والتندر من قبل تلامذته وعلى رأسهم بومدين بعد أن نجح هذا الأخير بدهائه إحداث انقلابا داخل جهاز مخابرات الثورة نفسه وعزل نهائيا بوصوف…

أسباب وأشكال المقاومة
الملاحظ أن الصراع السياسي والمسلح أستمر بعد الاستقلال لاسيما بعد نجاح انقلاب 19 جوان 1965، الذي قاده ثلة من ”ضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي… متخذا أشكالا إيديولوجية بعد أن كسب التيار الفرانكفوني وبمساعدة لفيف من أنصار التيار العروبي وحتى الإسلامي الذي انهزم نفسيا حين فضل تأييد الأغلبية ”القوية” كيفما كانت توجهاتها(…) ورضي بمناصب غير مهمة بدعوى استمرارية الدولة الوطنية ! التيار التغريبي الذي ابتليت به الأمة فجر الاستقلال اتخذ الديكتاتورية ضمان استمراريته فآلاف الموظفين الذين مارسوا العمل في الإدارة الفرنسية استمروا في مناصبهم، وأوكلت لهم مهمة هيكلة الإدارة وتكوين نواة إدارة جزائرية، أما قيادة الجيش فكانت بين يدي عشرات الضباط الجيش الفرنسي، وأصبحت قيادة النواحي، ووزارة الدفاع بين يدي هؤلاء الضباط، وظل ”الطابور الخامس” في السلطة أمد طويل يوجه ويخرب ويكتم أنفاس الجزائريين في الحرية والتعبير عن الهوية…

يقول لخضر بورقعة قائد الولاية الرابعة في كتابه الموسوم ”اغتيال ثورة” ص188 مترجم، ”غرر بومدين المجاهدين ولا سيما أصحاب الرتب العليا، وأربابهم بقروض وأعطاهم محلات تجارية، وبذالك أخرجهم من شرف الجهاد ليجعل منهم أجراء أو مرتزقة …وفي الصفحة 195 ”شكل بومدين حكومته واحتفظ لنفسه بمنصب رئيس مجلس قيادة الثورة والحكومة ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والأمن العسكري ووزع باقي المناصب على أتباعه …ودعم عملائه من ضباط الجيش الفرنسي في مؤسسات الجيش …وبدا الحزب وتهميشه والتحقير بالمجاهدين والمساومة على جهادهم وأخرجت الإدارة مخالبها الفرانكفونية… لتوجه البلاد توجيها عميلا لفرنسا، وتفصل الجزائر عن إطارها القومي العربي… ويسود المسخ ويعم الانحراف…”

كانت أول مقاومة مسلحة من طرف نخبة الشيوعيين وقدماء الحزب الشيوعي، كمحمد حربي ، وحسين زهوان وعبد الحميد الزين ، الذين صاغوا بيان بعد انقلاب 19/06 استعملوا فيه لهجة قاسية ضد الانقلاب ومما جاء في البيان (أن بوتفليقة عميل لأمريكا…) غير أن الاتفاق السري عام 1970 الذي تم بين هواري بومدين وحزب الطليعة الشيوعي مكن منتسبي وقيادة الحزب التخلي عن السلاح واحتلال مناصب بل تقاسمها وهذا بعد أن تمكن جهاز المخابرات من اعتقال ابرز أعضاء منظمة المقاومة ومكن بومدين هذا الاتفاق من الالتفات وكبح أي محاولة من داخل المؤسسة العسكرية للإطاحة أو معارضته وبومدين بالمناسبة أصبح فجأة بعد انقلاب 19جوان 65 أستاذ هذه النخبة وحارسها وان شئتم تابعوا ما يقول المؤرخ رابح بلعيد وهو مناظل قديم في جبهة التحرير (وما كان يعرفه بومدين وضباطه المتغربين هو أن الوسيلة الوحيدة لتحويل جيش التحرير إلى جيش عصري تتمثل في تشجيع ضباط وقادة جيش التحرير على الاستقالة مقابل مكافئات مالية وسياسية كبيرة، وهكذا تمكن بومدين من استبعاد مئات ضباط جيش التحريرامثال بوعمران، بن طوبال بوصوف بالشبان اللامعين الفارين من الجيش الفرنسي خالد نزار، سليم سعدي، وشلوفي، قنايزي، العربي بلخير)…

شعباني، بلقاسم، الزبيري.. تحت عيون المخابرات
ولكن عددا من ضباط جيش وقفوا أمام سلطة بومدين وأذياله التغريبيين، وضعاف النفوس الذي اعتمد عليهم ، ولم تفجعهم القوة الحديدية فلم تأخذهم مغريات الحياة، ولم يفروا بل صدعوا بها جهارا في حضرة العقيد هواري بومدين ، فالعقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة ، عارض بعد الاستقلال بشدة بقاء النخبة العسكرية التغريبية داخل الجيش وكان يرى فيما نقل عنه ” ضرورة تسريح الضباط التغريبيين وإبعادهم لاعتقاده بخطورة الأفكار والأطروحات التي يحملونها مستقبلا على بنية والمرجعية العسكرية والفكرية للمؤسسة العسكرية ، ويجب فتح باب التكوين والترقية ومواكبة التقنيات العسكرية لضباط الجيش التحرير الأصليين بدل تسريحهم” ووقف أمام بومدين في المؤتمر الرابع لجبهة التحرير قائلا يجب تطهير الجيش حتى انه يروى عنه قيامه بطرد العناصر القادمة من الجيش الفرنسي والتي أرسلها بومدين وزير الدفاع تحت غطاء تكوين وتأطير وحدات الناحية وهو الأمر الذي قام به العقيد محند أولحاج في ناحية تيزي وز ، وكانت نهاية العقيد شعباني على يد ضباط فرنسا ومنهم العقيد احمد بن شريف كما يقر شقيق شعباني في العديد من كتاباته… مع صمت ” محسوب ” لبومدين وكما قال شعباني مقولته الشهيرة ”فرنسا هي التي حاكمتني اليوم” ويذكر انه وجه أثناء المحاكمة سبابا لجهاز المخابرات..

كما أن كريم بلقاسم الذي أقصي كقائد تاريخي لجيش التحرير خلال الدورة الصاخبة للمجلس الوطني للثورة في ديسمبر 1959 بعد تعيين بومدين كقائد أركان بدعم من بوصوف وبن طوبال خصما كريم بلقاسم كان يجري اتصالات ويعد للتنسيق بين عدة قوى سياسية في الخارج نهاية الستينات، وينسج خيوط داخل الجيش للإطاحة بالرئيس ولكن وقع في أخطاء استراتيجة تسببت في حياته، إذ أن الرجل كان يجري هذه الاتصالات دون علمه مع رجال ينتمون لسلك الأمن العسكري… ولا ننسى أن كريم بلقاسم هدد بومدين وكافي والعقيد لطفي في اجتماع بتونس… بإعدامهم حين اشتدت الخلافات بينهم وكان يومها وزيرا للدفاع…

ويمكن اعتبار ثاني وأخطر محاولة انقلاب على هواري بومدين من قبل قائد الأركان طاهر الزبيري، سنة 1967 حين جمع الأخير قواته في مدينة البليدة وعزم على التحرك، بهدف إرغام هواري بومدين على فتح حوار بشأن تسيير ومستقبل البلاد، والتخلي عن الحكم الفردي الذي ورث بن بلة فيه… وقد منيت المحاولة بالفشل لأسباب تقنية وطبيعية وعسكرية حسب الزبيري الذي أدلى بحديث صحفي أوائل نوفمبر2017 للشروق اليومي قال فيه بصريح العبارة ”إن ضباط فرنسا دفعوه للانقلاب على بومدين وفي ذات الحوار قال أن نحو 200 ضابط من الجيش الفرنسي ادمجوا عقب الاستقلال في الجيش الجزائري وكان هؤلاء حسبه يتقززون من كلمة مجاهد، وكان يرى أن هذا انحرافا عن مبادئ الثورة..”عمار ملاح نفسه الذي خطط شخصيا فيما بعد لاغتيال بومدين يقول ”إن السبب الرئيسي لميلاد فكرة الانقلاب على هواري بومدين عام 67 وهي المحاولة الفاشلة التي قادها العقيد الطاهر الزبيري يرجع إلى قضية الضباط الفرنسيين الذين التحقوا بجيش الحدود ثم استولوا فيما بعد على المناصب الحساسة في وزارة الدفاع ويذكر الرجل أسماء من قبيل نزار، علاهم، هوفمان، شابو، سليم سعدي… وتم التحرك يوم 13/12/1967 فعلا بعدد من الفيالق والوحدات العسكرية تجمعت بالبليدة في محاولة لانقضاض على العاصمة غير أن ضابط برتبة رائد (..) ابلغ بومدين في الحين فعمد إلى قصفهم بطائرات ميغ 15 التي يقودها طيارون روس فصعبت المهمة، وعطلت بعد أن شهدت المنطقة نزول أمطار وثلوج غزيرة…

في حين لم تتوقف المحاولات من داخل الجيش ومن قبل ضباط الثورة، فعقب المحاولة نفد الرائد عمار ملاح محاولة فردية اغتيال لبومدين في العاصمة افريل 68 وفشلت بسبب عطل فني في قطعة الرشاش،يقول في التصريح السابق ”السبب الرئيسي لميلاد فكرة الانقلاب على هواري بومدين هي قضية ضباط الجيش الفرنسي وحينما ناقشناه بشأن هؤلاء قال لنا بومدين بغضب في اجتماع بباتنة (من يحدثني مرة أخرى عن ضباط فرنسا سأضع له حجرة في فمه).

أهل الفكر والسياسة … بصدور عارية
أما الفصل الأخير من جبهة الصراع ضد الحكم الحديدي فقد قادته الشخصيات سياسية فرحات عباس والشيخ خير الدين والحسين الأحول وبن خدة واجهوا ذالك بصدور عارية في عنفوان الحكم البومدييني قام شيوخ السياسة والفكر بمعارضة سياسات ومنهج الحكم في الجزائر عبر بيان حرر مارس 1976 بحيث انتقذوا سياسة بومدين (…وان هناك فرد واحد مسخر له الحكم وانقلاب 19 جوان لم يغير شيئا فعبادة الشخصية لا تزال، والحكم الفردي يمارس دون رقابة… وحظوظ وطننا موضوعة بين يده.. وكذا مواردنا وهو الذي يحتم على أبنائنا مذهبا تربويا وثقافيا حسب اختياره الشخصي وقد أخضعتنا الايديلوجية معادية للقيم الأخلاقية والروحية الإسلامية… إن نظام السلطة الفردية جرتنا تدريجيا إلى وضع النظام الاستعماري حيث فقدان الحرية والكرامة…)، وخلص البيان الذي انتهى بأصحابه إلى إقامة جبرية لرفع مطالب هي: انتخاب جمعية وطنية، ووضع حد للنظام الفردي و إقامة حرية التعبير و فتح السبيل إلى إقامة مغرب عربي إسلامي… ودون أن ننسى المعارضة التي قادها الشيخ محفوظ نحناح ضد مشروع المجتمع ”الميثاق الوطني”، وفي الجانب الفكري نجد مصباح الحويدق الثوري الذي سبق أن اعتقلته الإدارة الاستعمارية التي اعتقلته في مارس 56 بسبب خطبه، وعشية الاستقلال حين أحس بانحراف القيادة الثورية جهر مجددا بالحق فوق المنابر، فمورس عليه الإرهاب فاعتقل وعذب عدت مرات، نظير خطاباته بمسجد الحراش، وحين أرسل الشيخ رسالة لرئيس الجمهورية هواري بومدين رسالة يعبر له فيها عن سخطه لسياسات البلاد، هنا أوقفه مجلس الثورة في 30/01/1970 عن الخطابة، وبعد اعتقاله نفاه مجلس الثورة إلى الاغواط ومنها إلى افلوا،أ خد مكبل اليدين والقدمين، ملاقيا إلى منفاه شتى أنواع الشتم واللكم ، ولا ننسى موقف مفدي زكريا صاحب الإلياذة الشهيرة الذي رفض تدبيج القصائد للحاكم الفردي، وكان يعارض سياسة تأميم أراضي الملاك، وتقييد الحريات، واصطدم مع بومدين… ولم يقل في الثورة الزراعية شعرا، وحين سال عن موقفه قال: سأكتب الشعر عن الثورة الزراعية حينما أرى ثمارها في الأسواق، ومن شعره الذي ألقاه رمزا بحضور بومدين شخصيا قوله:

وجاء التاسع عشر جوان .:. وعن أسراره لا تسلني

فخــل غوامضه للتاريخ .:. فان التاريخ أفصح مني

دواعي الفـــشل
أن قراءة في محاولات الإطاحة أو تغيير نظام بومدين، والبحث في أسباب فشلها يختلف حسب فكر وأدوات تحرك قادتها، دون استبعاد للإطار الزماني، وطبيعة أرضية الحركة فبن خدة كان يتحرك في محيط صراعات حكومة مؤقتة نخرها الصراع وداء الانقسامات السياسية (لا الايديوجية لان اغلب القيادات متشبعة بالفكر الاشتراكي بأنواعه…) بحيث أن بومدين استغل خلافات العسكريين من جهة والسياسيين من جهة أخرى في الحكومة، ومد الخيط الرفيع نحو اكبر زعيم ثوري شعبوي بن بلة وكانت صفقة العمر بالنسبة إليه بعدما رفض بوضياف وايت احمد أن يكونا لعبة في يدي عسكري وجدة ، لو كانت الحكومة منسجمة سياسيا وعسكريا في الداخل والخارج لكان كسب تأييد جيش الولايات كافي لتحييد جيش الحدود وربما عزل قادته الذين ظلوا يكدسون الأسلحة ويمنعونها خلال الثورة عن الداخل…، ولما استطاعت جماعة وجدة أن تجد منفذا للمناورة أو التقدم بجيشها للعاصمة، فبن خدة رغم انه اصدر بيان باسم الحكومة المؤقتة في ذروة صرعاها مع قيادة الأركان بعزل قادتها ومحاكمتهم إلا أن خلافاته مع مجموعة الخمسة المعتقلة في فرنسا، ومع نظرة بعض القادة الداخليين بعين السخط على ممارسات بعض أعضاء حكومته بتحريض منن بومدين جعل وزنه اقل من أن يلقى الدعم والمساندة في تحركه السياسي.

كما أن موقف شعباني المعزول على أبواب الصحراء كان متقدما وسابقا للزمن في وقت أي خروج أو احتجاج يؤول وتبنى له ألف حكاية من قناة إعلامية وسياسة واحدة لتأليب الرأي العام ، كما فعلت أبواق الدعاية مع كثيرين منهم قايد احمد الذي اختلف مع بومدين عام 1972 والذي وصف نظامه بعد أن انشق عليه ”بالمفلس ” أما شعباني من قبل فقد وصفه إعلام التضليل ”بالانفصالي” كما أن شعباني تسرع في إبداء موقفه الواضح من قضية ”الضباط المتغربين” في وقت تجدر نفوذهم، ونفس الخطأ تقريبا وقع فيه الزبيري، فالحركتين كانتا متقدمتان زمنيا ، وتفتقدان للتخطيط الاستراتجي ، وعمليات جس نبض الطرف الأخر، والنضج والبناء الهادئ (كما هو تكتيك بومدين)، فكيف تلجأ معية ضباط إلى جبال بوسعادة مثلا أو تجميع القوات أياما بلا خطة في البليدة ولا تنتظر رد شرس وفوري من الخصم ، بل دعم جماهيري للزعيم الشعبوي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بتهريجه وإعلامه ”الساقط ”، ضف لذلك محاولة كريم بلقسام من الخارج شبه فردية فان المحاولات الثلاثة لم تأخد بعين الاعتبار قوة جهاز المخابرات الذي تمرس وتدرب فيه بومدين وجماعة وجدة مند شبابهم فالجهاز الذي تدرب أعضائه فجر الاستقلال في ”أوربا الشرقية” تحت خدمة ”ستازي” الجهاز الأبشع والأخبث في ”العمل السري” يومها كان يسمع ويرى ويسجل أي همسة داخل حركات الممانعة والجيش وحتى محاولة العقيد عمارملاح كانت فردية، ولو كتب لها النجاح وقتل بومدين فلم يكن احد بما فيها قائدها وبطلها أن يتنبأ بمستقبل الحكم بل كان من المحتمل استمرار جماعة وجدة بسطوتها وبطشها أكثر من ذي قبل…

أما حركة بن خدة وعباس ولحول فكانت للاحتجاج وطلب الإصلاح والنهي عن المنكر شأنها شأن خطابات الحويدق ، وموقف مفدي زكريا هي كلمة حق في وجه سلطان جائر، ولو أن مجرد إصدار بيان فتلك الفترة كان يعني الكثير.. بل يعبر عن ”الضمائر الحية” في ليل استعمار جديد وهذا أيضا يمثل جانب ايجابي في حركة المرحوم الشيخ نحناح فقد كانت في جانب منها تمثل الريادة في نقذ الحكم الديكتاتوري والميثاق الوطني بطريقة سلمية ، أما في جانب أخر فكانت سلبية إذ لجأ جناح منها لقطع أعمدة الكهرباء والهاتف بعمل ساذج كان ربما القائمين به يعتقدون أنهم يشلون حركة نظام بومدين والانقضاض في عتمة الظلام على الحكم ، ففي حين كان بقدرة النظام يومئذ أن يلاحقهم بالشموع اينما ذهبوا، ورغم هذا فالكل له قناعته في تلك الفترة فالنظام الشمولي، يجعل أي فرد يتطلع للفرصة للخلاص ولو بعصاه ، ويرى أن أي يوم للتأخير هو يوم للحقرة والظلم ولكن وبكل موضوعية ، وحتى لا نظلم المرحوم هواري بومدين ، نقول فان خصومه لاسيما ”العسكريين”، لم يكونوا يحملون مشروعا مجتمعيا أصيلا، منسجما ويعبر عن هوية الأمة الجزائرية المسلمة التي كانت جل ثوراتها ضد فرنسا من أجل الإسلام والعروبة ، حتى نقول ان مبادراتهم واقعية وعودة للأصالة باستثناء العقيد محمد شعباني الذي ارتوى ونهل مما درسه في مدارس جمعية العلماء من نبع العربية والإسلام الصافي كما عبر هو شخصيا في تصريحاته وكتاباته واحتجاجه…، فبن بلة ظل ناصريا مغرما بالناصرية و أقطاب الشيوعية ، يلبس لبستهم ، ويحاكي حركاتهم، ونافق مع قادتهم ويزايد معهم أينما حل وارتحل في أكذوبة ” الحرب على الامبريالية ” ولا يزال، وأنا ممن يقولون أن بن بلة ونظرا لفكره المتخلف وتبعيته العمياء لأقطاب دولية يومها ، ما كان ليقدم للجزائر وللأمة الجزائرية المسلمة أكثر مما قدمه خلفه من تغريب وسلطة حديدية واشتراكية ”ما بعدها إلا الجنة ”!!، وليس أكثر مما قدمه جمال عبد الناصر حليفه لمصر من ديكتاتورية ، وقمع للمعارضة ، و هزائم منكرة على يد اليهود …

كريم بلقاسم أعلن عن حركة ”ديمقراطية ثورية” يكتنف مرجعيتها الفكرية كثير من الغموض، ولو نجحت حركته مع خلافاته الكثيرة…لا يعلم إلا الله ما يحدث للجزائر، والرائد عمار ملاح الذي قاد عملة الانقلاب مع الزبيري ثم حاول اغتيال بومدين شخصيا عام 68 يقول بالحرف الواحد (كانت العملية أي عملية الانقلاب مهلهلة منذ البداية، وعندما أمرنا بالالتحاق بالعقيد بسعيد عبيد – قائد الناحية العسكرية الأولى بالبليدة – والله لم نكن نعلم ما ينوي فعله …هذه هي الحقيقة، نحن الاثنان على قيد الحياة ويمكن التأكد من ذالك – أي هو والزبيري لان سعيد عبيد توفي يومها بشكل غامض – لقد مشينا في غموض ، صحيح ان السبب كان تنحية ضباط فرنسا..لكن الهدف لم يكن معلوما ولا حتى الإستراتيجية الساعية لتحقيق الهدف منعدمة ، لقد قيل مثلا أن الهدف كان إعادة بن بلة لكن هذا لم نكن على اطلاع عليه أنا كنت مقتنعا بضرورة حل سياسي وليس حلا عسكريا)

العقيد الطاهر الزبيري نفسه رغم أنه يقول أن سبب محاولة انقلابه ”قضية الضباط الفرنسيين” غير أنه لم يقدم بديل مقنع أو يقف بعد تلك السنوات في صف ”المعارضة الفعلية” التي تطالب بالتغيير السلمي الجدري، وإقامة جمهورية جزائرية… في إطار المبادئ الإسلامية ونراه في السنوات الأخيرة يفضل منصب شرفي مريح تحت إدارة ”خصومه السابقين” في مجلس الأمة، وتلك هي مأساة النخب الجزائرية بنفسها القصير… وسقوطها أمام المغريات، لذالك يظل السؤال مطروحا بإلحاح هل هواري بومدين أقل هؤلاء سوءا ؟.

االثلج داب زمان و كل ينسج في التاريخ حسب أهوائه.

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.