السؤال:
هذا سؤال ربما ورد كثيرا يبدو أن الحاجة إلى الجواب عنه ملحة يقول: ما معنى فقه الواقع؟ ونرجوا أن تعرّج على تعريف بعض العلوم التي يستدل بها أصحابها على أهل الدليل من الكتاب والسنة.
الجواب:
نكتفي بالفقرة الأولى وهي قوله (ما معنى فقه الواقع؟)
أولا: التركيبة (فقه الواقع) مركبة من كلمتين (فقه) و(الواقع)، وكل كلمة من هاتين الكلمتين كانت مستعملة عند السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا يستعملون كلمة (فقه)، وكانوا يستعملون كلمة (الواقع)، ومع ذلك فهم لم يجعلوا الواقع عندهم هو الواقع المراد عند هذه الإضافة.
والواقع: هو ما يقع من الأحداث والأمور في الناس.
السلف لم يركبوا هذا التركيب مع وجود الكلمتين عندهم، فلم يضيفوا (الفقه) إلى (الواقع)، فلم يقولوا (فقه واقع).
قالوا: فقه الكتاب، فقه السنة، ونحو ذلك، الفقه الأكبر؛ يعني العقيدة، أما فقه الواقع فلم يرد عندهم.
فكان بهذا مع عدم تسمية معرفة الواقع بفقه الواقع، مع أن العلماء أعرضوا عنه أربعة عشر قرنا، كان هذا دليلا على أن هذه التسمية محدثة «وكل محدثة بدعة»؛ لأنها متصلة بالشريعة، ولا يخفى على كل واحد منكم أن فقه الواقع عند من يسميه بذلك له مساس بالأحكام الشرعية.
فتبين من هذا أن تركيبة الكلمتين لم ترد عند السلف مع وجود كل واحدة من الكلمتين عندهم.
ما الذي كان عند السلف؟ وما الذي كان عند أهل العلم؟
كان عندهم أن المفتي والحاكم لا يفتي ولا يحكم في المسائل الشرعية إلا بعد أن يعرف واقعَ المسألة المسؤول عنها، فإذا سُئل عن شيء لا يجوز له أن يفتي أو يحكم بدون أن يتصورها، ولهذا جاء في بعض مسائل كتاب التوحيد أن إمام الدعوة رحمه الله تعالى قال: وفيها فهم الصحابة للواقع. يعني بذلك فهمه لواقع الناس وما يسألون عنه، لا يُسأل عن مسألة وهو لا يعرف ما يريد الناس بها، يُستغفل! لا، لكن إذا سئل يعرف هذه المسألة تصورا، فإذا كانت المسألة مثلا في الفقه يعرف صورتها الفقهية، هذا معلوم عند أهل العلم، بل قالوا: الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
والواقع قسمان:
• واقع له أثر في الأحكام الشرعية.
• وواقع لا أثر له في الأحكام الشرعية.
فليس كل ما يقع بين الناس، وما يجعله الله جل وعلا في أرضه، ليس كل ذلك مؤثرا في الأحكام الشرعية، أو تبنى عليه الأحكام الشرعية.
القسم الأول: الواقع الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية وفهم المسألة وصورتها وما تتنزل عليه.
الثاني: ما يتصل بالمسألة مما ليس له أثر في الحكم الشرعي، هذا واقع لا أثر له.
مثلا القاضي يأتيه خصمان يتخاصمان في مسألة، يقول الأول كلاما في ربع ساعة طويل، ويأتي الثاني يقول كلاما في ربع ساعة أيضا طويل، القاضي كل هذا الذي ذكره الخصمان واقع وقع، لكن القاضي لا يقيد منه في سجلِّه -يعني سيبني عليه الحكم- إلا ثلاث كلمات أو أربع؛ لأنها هي المؤثرة في الحكم الشرعي.
كذلك المستفتي تأتي تستفتي أحد العلماء، وتقصّ عليه قصة طويلة، ويجيبك بمسألتين، ثلاث، تقول: لا، شيخ كان كذا وكذا. يقول: ولو كان هذا ما له أثر. وهو واقع صحيح عندك أنه واقع، ربما يكون مؤثرا لكنه عند العالم ليس مؤثرا في الحكم الشرعي.
فإذن ليس كل ما وقع في الناس، أو ما يقع في الدنيا مؤثرا في الأحكام الشرعية، وعليه فإنما يجب على العلماء أن يعرفوا الواقع الذي تنبني عليه الأحكام الشرعية.
الآن هذه الكلمة (فقه الواقع) يُعنى بها معرفة أحوال الناس والمسلمين والأعداء، وما يعدّون له، وما يخططون ونحو ذلك من علوم كثيرة، وهذا لاشك أنه كعلم –مع اعتراض على التسمية- كعلم مطلوب، أن يعرف في الأمة طائفة هذه الأمور، وهذا من أجناس فروض الكفايات كالعلوم المختلفة: علم السياسة، وعلم الفيزياء، والكيمياء، والجبر، والهندسة، ونحو ذلك، هذا من جنس العلوم تلك، فمعرفتها لا بد أن تكون في الأمة، لكن تلك معرفة وليس بفقه، معرفة لأن الفقه هو فهم الأمور، الفقه هو الفهم ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾[هود:91]، يعني ما نفهم كثيرا مما تقول، ولا يدعي من يتابع أحوال العالم من طلبة العلم المعتنين بذلك ونحو ذلك، لا يدعون أنهم يفهمون ما سيجري من الأحداث، ولهذا التسمية بفقه واقعا أيضا ليست بصحيحة؛ لأن حقيقة ما يرومون هو معرفة ما يقال وما يكتب، وهذا أقل من الفقه بكثير.
هنا هذه الأشياء قلنا لابد أن يكون في الأمة من يعرف، فهي من جنس العلوم الكفائية، وقد نبّه على ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني حين عرض لهذه المسألة.
إذا تقرر هذا فإنه باتفاق أهل العلم: العلوم الكفائية لا يخاطب بها عامة الناس؛ لأنها ليست مُصلحة لدينهم، بل إنها تشغلهم عما هو أولى لهم، أرأيت لو أن محاضرا أتى عندنا اليوم ففسحنا له الدرس، وقلنا حدث الإخوة في نظرية أينشتاين النسبية، كونه يوجد في الأمة من يعلم ذلك في تخصص الفيزياء لا بأس، لكن هل تحدَّثون بذلك، هذا لا شك أنه من الكفائيات التي لا تناسبكم، وإذا عرفتموها عرفتم علما.
هل يصدق هذا على واقع الناس وعلى مخططات الأعداء أم لا؟
ذكر مخططات الأعداء يفيد الشباب، وذكر أحوال المسلمين يفيد الشباب من جهة، ويضرهم من جهات أخر:
يفيدهم من جهة أنه يحيي في نفوسهم الارتباط بالإسلام، ويحيي في نفوسهم بغض الكفرة والمشركين، ويحيي في نفوسهم أخذ الحذر من الأعداء ونحو ذلك، وهذه مصلحة مطلوبة.
ومن جهات أخر يقود الشباب إلى أن يُربوا على غير التربية السلفية التي نبْعها ومصدرها القرآن والسنة، وبالتجربة وجدنا أنّ من انشغل بتلك الأمور انشغل أشهرا بل ربما سنوات، وإذا سألته اليوم ماذا حصّلت؟ يقول لم أحصل شيء.
وأحد ممن أثق بهم ممن يعتنون بهذا الأمر يقول: تتبعت جميع المجلات، وتتبعت جميع الجرائد لأخرج بفهم لما سيجري في المستقبل من أنواع السياسات والمخططات المستقبلية، قال: فوجدت كل ما قرأت لا يعطي صورة عن المستقبل.
وقد سئل بعض الوزراء البريطانيين عن السياسة: ما تعريفها؟ قال: أصح تعاريفِها أن السياسة هي الكذب.
وهذا ينبني عليه فهمنا إلى أن الانشغال بهذه الأمور لن تحصّل من ورائها طائلا، بل إنه يصدك عمّا يجب أن تربي نفسك عليه وما تربي أحبابك عليه.
إذا نظرت وتأملت في هذا الكلام، وجدت أنه يمثل الواقع، الناس يعطون -الشباب والمسلمون بعامة- يعطون ما ينفعهم في هذا الأمر، لكنه مع أصوله الشرعية؛ يعني عِداء اليهود والنصارى لنا تقرأ فيه الآيات؛ آيات الولاء والبراء، وما فعله أولئك في أعظم أمر وهو أنهم أشركوا بالله جل وعلا وسبوا الله جل وعلا أعظم مسبّة، وهذا كاف في أن يجعل المؤمن الموحد مبغضا لهم كارها لهم.
معرفة الأحوال وما يجري بين الناس لا يُنقص من جهله، لا ينقص من جهله؛ بمعنى الأحوال الدنيوية، ألم ترَ إلى قصة سليمان عليه السلام حيث كان بجواره دولة ومملكة سبأ، وملكتها بلقيس، وكان عندها من الدنيا ما عندها، وبجواره، ولها من القوة ما لها، ومع ذلك لم يعلم شيئا عنها، ولم يُطلَع من الله جل وعلا على شيء من أخبارها، إذْ أن ذلك ليس له أثر في تبليغ رسالات الله، وإنما بلغه الهدهد بأمر يتعلق بالعقيدة، فقال الهدهد ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾[النمل:22]، هذا النبأ الذي اعتنى به الهدهد قال ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾[النمل:22-23] هذا كالمقدمة، ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾[النمل:23]…
وصلى الله وبارك على نبينا محمد.
لفضيلة الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى
(مختارة من: شرح مسائل الجاهلية, إعداد/ الأخ سالم الجزائري)
هذا المصطلح من المصطلحات التي استعملت في الأوساط الدعوية والشرعية، ولا يعرف بالتحديد أول من استعمله ولكنه شاع حديثاً على ألسنة المفكرين والدعاة، وأقدم من وقفت على استعماله لمرادفات هذه الصيغة هو ابن القيم حيث عبّر عن المعنى بفهم الواقع والفقه فيه، كما عبّر بالفقه في نفس الواقع.[1]
تعريف الفقه
يطلق الفقه في لغة العرب على الفهم والإدراك مطلقاً ومنه قوله تعالى:" واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي"، وقوله تعالى:" قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول"، وقد يطلقه العلماء أحياناً على الفهم الدقيق بخصوصه .
والفقه في الاصطلاح
هو " العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة".
تعريف الواقع
يطلق الواقع في اللغة بمعنى الحاصل فيقال : هذا أمر واقع أي حاصل، فالواقع هو الشيء الموصوف بالوقوع بمعنى الحصول والوجود، ومنه قوله تعالى:" إنما توعدون لواقع".
والواقع أيضا الساكن والهابط من علو كما يقال" طائر واقع إذا كان على شجر ونحوه[2].
وأما الواقع فيطلق في الاصطلاح على ما يقابل المثال، فيقال: هذا مذهب واقعي، وهذا مذهب مثالي، وكن رجلاً واقعاً ولا تكن مثالياً، والمراد هنا تبني الأفكار والآراء بناءً على الأحداث الحاصلة والوقائع الجارية، كما يطلق الواقعية على مذهب أدبي يعتمد على الوقائع وتصوير أحوال الناس دون نظر مثالي[3]، ففقه الواقع من حيث التركيب الإضافي هو فهم الحاصل من أمور الناس.
وعرف بعض الباحثين فقه الواقع بقوله:" علم يبحث في فقه الأحوال المعاصرة من العوامل المؤثرة في المجتمعات والقوى المهيمنة على الدول، والأفكار الموجهة لزعزعة العقيدة، والسبل المشروعة لحماية الأمة ورقيها في الحاضر والمستقبل"[4].
ويمكن تعريفه بأنه :" فهم أحوال الناس والوقائع المعاصرة والأحداث الجارية سواء كانت عامة أم خاصة بمعرفة حقيقتها وأسبابها وآثارها ووسائل حماية المجتمع من أضرارها".
ثانياً: خصائص الواقع
1- قابلية الخطأ وعدم العصمة
إن الواقع ليس معصوماً فيمكن أن يقع فيه ما يخالف الشرائع والعقول ، لأنه من أفعال الناس وهم معرضون للخطأ والنسيان والإكراه كما جاء في الحديث ( كل ابن آدم خطاء ) ولم تضمن العصمة إلا للأنبياء .
2- البشرية
الواقع هو عبارة عن تصرفات الخلق وأعمال الناس ، وهم بشر تجري عليهم أحكام البشرية بكل خصائصها وطبائعها ، ولهذا نسب القرآن أفعال البشر إليهم في آيات كثيرة ، وهذا إذا أخرجنا من الواقع ما هو من أفعال الله تعالى وصنعه كوضع السنن الإلهية وإيقاع الكوارث العامة ونحو ذلك .
3- التنوع والتعـدد
من خصائص الواقع أنه متنوع الأشكال ومتعدد الصور، فالواقع في بلد يختلف عنه في بلد آخر، والواقع في زمان يختلف عنه في زمان آخر ، ولا نجد واقعين متشابهين من كل الجهات .
4- التغيّر والتحول
من خصائص الواقع أنه متغيّر الأطوار، متحوّل الأوصاف وليس هناك شيء ثابت غالباً كما قالوا : " دوام الحال من الحال" فقد يكون الناس في واقع حرب ثم يتحولون إلى واقع أمن وسلام ، وقد يكون واقع الناس الجهل فيتحولون إلى العلم ، وقد يكون واقعهم الفقر فيتغير إلى الغنى كما قال تعالى : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )، وهذا ما ينطبق على واقع الأفراد أيضا ، فقد يعيش الشخص واقعا سيئا ثم يتحول مع الأيام إلى واقع حسن .
ومعرفة هذه الخصائص للواقع تدلنا على أن الواقع في حدّ ذاته ليس بحجة، ولا يصلح الاستدلال به في إثبات الحكم أو نفيه ، ولكنه قد يؤثر في الحكم أحياناً كما ستأتي الإشارة إليه.
إن الاستقراء الكامل لآيات القرآن الكريم يدلنا على أن التعريف بواقع الناس وأفكارهم وسلوكهم هو مقصد من مقاصد القرآن وهدف من أهدافه.
من ذلك : قوله تعالى:" وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين" سورة الأنعام 55 .
في الآية قراءتان، برفع اللام وفتحها، ويكون المعنى على قراءة الرفع: لتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين.ويكون المعنى على قراءة النصب:" ولتستبين أي يا محمد أو يا مخاطب سبيل المجرمين".
قال الإمام الطبري :" وأولى القراءتين بالصواب عندي في السبيل الرفع لأن الله تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبين الحق بها من الباطل جميع من خوطب بها لا بعض دون بعض"[5].
قال الإمام ابن القيم:" فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية فاستبان لهم السبيلان"[6]، وقال أيضاً :" وهذه حال المؤمن يكون فطناً حاذقاً أعرف الناس بالشر وأبعدهم منه، فإذا تكلم في الشرّ وأسبابه ظننته من شر الناس فإذا خالطته وعرفت طويته رأيته من أبرّ الناس"[7].
ومن ذلك أيضاً تقسيم الناس في سورة الفاتحة إلى مهتدين وضالين ومغضوب عليهم.
وفي بداية سورة البقرة نجد حديثاً واضحاً عن المؤمنين والكافرين والمنافقين، مع استطراد واضح في بيان طائفة المنافقين" ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً … ".
وقال فيهم أيضاً:" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد".
وتحدث عنهم القرآن في سورة التوبة حديثاً يكشف عن طبائعهم وسلوكهم حتى سميت السورة بالفاضحة لأنها تفضح أحوال المنافقين .
وتحدث عنهم في سورة الأحزاب، وكشف عن نواياهم السيئة وتخذيلهم للأمة في الأزمات والمواقف التاريخية، كما أفردهم القرآن بسورة خاصة سميت بسورة المنافقين، وكشف القرآن عن دعاواهم وإثارتهم للفتن في المجتمع الإسلامي.
وهكذا تحدث القرآن عن اليهود وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوفهم ضد دعوته، وحرصهم على قتله وتأليب القبائل عليه، واستعرض القرآن تاريخهم الأسود مع الرسل والأنبياء من خلال قصص بني إسرائيل، وجعلهم القرآن في رأس قائمة العداوة فقال:" لتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..".
هكذا تحدث القرآن عن النصارى وتاريخهم وطبائعهم وانحرافاتهم ومقالاتهم " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد..".
ثالثاً: السنة النبوية وفقه الواقع :
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بصيراً بالواقع عالماً بأحوال الناس، وطبائع الرجال، وصور الخير والشر في المجتمع.
1- علمه بأحوال الأمم والملوك
ويظهر لنا هذا جلياً في توجيه أصحابه بمكة إلى الهجرة نحو الحبشة دون غيرها من البلاد مع قوله:" إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم حتى يجعل الله لكم فرجاً"[8].
ومن ذلك علمه بطبائع الشعوب، وقوله لرجل من أصحابه لما ذهب إلى حي من أحياء العرب فسبوه وضربوه:" لو أن أهل عمان أتيت ما سبّوك ولا ضربوك"رواه مسلم.
وقوله :" أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً الفقه يمان والحكمة يمانية" متفق عليه.
بل إنه صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال:" إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله.." متفق عليه، فعرفه بحال القوم حتى يستعد لهم بما يناسبهم .
2- علمه بطبائع الأفراد وأخلاقهم
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقرؤهم بكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد بسند صحيح.
وفي هذا شواهد كثيرة بمراجعة أبواب المناقب والفضائل في كتب السنة.
3- علمه بالمقالات الباطلة والديانات الفاسدة
لما قدم عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي:" يا عدي ابن حاتم أسلم تسلم-ثلاثا- قال :قلت: إني على دين، قال"أنا أعلم بدينك منك،فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: نعم ألست من الركوسية؟ وأنت تأكل مرباع قومك؟قلت: بلى، قال:هذا لا يحلّ في دينك. قال: نعم، فلم يعد أن قالها، فتواضعت لها، قال: أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير أحد.."[9].
4- طلبه لأخبار الناس ولا سيما الأعداء
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب:" من يأتيني بخبر القوم؟ قال الزبير : أنا ثم قال: من يأتني بخبر القوم، قال: الزبير أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن لكل نبي حوارياً، وحواريَّ الزبير" رواه البخاري برقم 2847، وهذا من باب الحذر منهم كما في قوله تعالى :" ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم"
============
[1] ) انظر: إعلام الموقعين/ 1/87- الطرق الحكمية 4،38.
[2] ) انظر: لسان العرب – معجم الوسيط 1050-1051.
[3] ) انظر: المعجم الوسيط 2/1051.
[4] ) فقه الواقع – د/ ناصر العمر ص10 .
[5] ) جامع البيان 11/395.
[6] ) الفوائد 201.
[7] ) مفتاح دار السعادة 1/296.
[8] ) انظر : فتح الباري 7/188 نقله عن ابن إسحاق .
[9] ) رواه أحمد 4/257،378.
جزاك الله خيرا
بارك الله فيك
مشكورة على مرورك العطر الأخت كهينة
سرني مرورك أختي الفاصلة فاطمة
بارك الله فيك