قال هاشم محمدعلي المشهداني في خطبة له معرفا الذكر
يقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا [الأحزاب:42]. وفضائل الذكر كثيرة.
فما الذكر؟، وما فضائله؟، وما مواطن ذكر العبد لربه؟، وما موقف المسلم منه؟
أما الذكر: فللذكر معنيان:
أ- عام: كل ما يتقرب به العبد لربه فهو ذكر لله عز وجل، فجوارح العبد لم تتحرك للطاعة إلا وذكر الله تعالى قد ساقها.
ب- خاص: هو ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح وتنزيه وحمد وثناء على الله عز وجل.
وينبغي أن تعلم :
1- أن الوجود كله ذاكر لله مسبح له، قال تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [الإسراء:44].
أ- الجماد: قول النبي : ((هذا جمدان (اسم جبل) سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرت))([1]).
ب- الحيوان: قول النبي : ((فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه))([2]).
ج- الطير: قال تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير [سبأ:10]. أوّبي: أي سبحي، والتأويب الترجيع فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها.
2-أن الصلة بين الله وأوليائه صلة ود ومحبة: قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا [مريم:96] وقال تعالى: والذين آمنوا أشد حبا لله [البقرة:165].
وقال تعالى: يحبهم ويحبونه [المائدة:54].
والمحب الصادق في حبه لا يحتاج إلى من يذكره بحبيبه وإلا فهي دعوى تحتاج إلى دليل ودليلها هو الذكر الدائم الممزوج بالفرح واللذة التي لا يعلمها إلا من ذاقها. يقول أحد السلف: لو يعلم أبناء الملوك ما نحن فيه من لذة لقاتلونا عليها.
وكيف لا يذكر العبد ربه وهو سبحانه:
مصدر كل نعمة: قال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل:53].
وقال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم:34].
والقلب إنما ينخلع إلى الله وحده عند المصيبة: قال تعالى: ثم إذا مسّكم الضر فإليه تجئرون [النحل:53].
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المـعد لكل مـا يتوقع
يا مـن خزائن ملكه في قول كن يا من إليه المشتكى والمفزع
وأما فضائل الذكر: فإن للذكر فضائل كثيرة منها :
لا طمأنينة للقلب إلا به، قال تعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد:28].
يستدرك العبد بالذكر تقصيره للحديث: ((أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبروني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله))([3]).
3- مطردة للشيطان ووساوسه: للحديث: ((إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس))([4]).
4- مغفرة للذنوب: فعن أنس : ((أن رسول الله أخذ غصنا فنفضه فلم ينتفض ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض، فقال رسول الله : إن سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها))([5]).
5- غراس وبناء: عن ابن مسعود ، قال: قال رسول الله : ((لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بي، فقال يا محمد: أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان (أي مستوية منبسطة) وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر))([6]).
6- الحصن الحصين من الآفات والأمراض والشرور: للحديث: ((من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء))([7]).
7- معية الله ورحمته وتوفيقه لذاكره سبحانه: للحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأن معه إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم))([8]).
8- سبب للنجاة من عذاب الله: للحديث: ((ما عمل آدمي قط أنجى له من عذاب الله من ذكر عز وجل))([9]).
وأما مواطن ذكر العبد لربه: فالأصل أن ذكر الله عز وجل في كل حين يكون للحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله يذكر الله عز وجل على كل أحيانه))([10]) والذي نريد أن نؤكد جانب الذكر فيه، هي المواطن العملية التي تغفل فيها القلوب، ومن هذه المواطن:
1- عند النعمة: قال تعالى: وبنعمة الله هم يكفرون [النحل:72]. قال ابن كثير: أي يسترونها ويضيفونها إلى غير الله تعالى.
كحال قارون عندما نسب النعمة إليه، قال تعالى عنه إنما أوتيته على علم عندي [القصص:78]. فكانت عاقبته: فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين [القصص:81].
ثم تأمل موقف نبي الله سليمان عليه السلام وقد رأى عظيم فضل الله عليه وما سخره له، قال تعالى: فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر [النمل:40].
وذكر العبد لربه عند النعمة يكون بألا يرد سائلا ولا ينهر يتيما، قال تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث [الضحى:8-11].
2- وعند القوة: فلا تتعاظم في نفسك وأنت الضعيف أولك نطفة قذرة وآخرك جيفة مذرة، وأنت ما بينهما تحمل العذرة.
تذكر قدرة الله عليك إذا دعتك نفسك إلى الظلم فذكر الله تعالى تثاب عليه وتأمل في موقف رسول الله يوم فتح مكة وكلمة من رسول الله تطيح برؤوس الذين آذوه وقتلوا أصحابه وصدوا عن سبيل الله سنين طوال ولم يتركوا وسيلة أو أسلوبا إلا واستخدموه، ((وقف المصطفى ونادى في أهل مكة: ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء))([11]).
ورأى النبي أبا مسعود وهو يضرب غلاما له، فقال: ((يا أبا مسعود اتق من هو أقدر عليك منك عليه، يقول أبو مسعود: فالتفت فإذا رسول الله غاضب، فقلت: هو حر لوجه الله يا رسول الله، فقال: عليه الصلاة والسلام: والله لو لم تقلها لمستك النار))([12]).
3- وعند المصيبة: فلا تنسينك أنك عبد مملوك لمالك هو الله جل جلاله وأنه سبحانه حكيم، فعليك بلزوم الأدب عند المصيبة في:
أ- عقلك: بأن تحسن الظن بربك: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:216].
ب- في لسانك: فلا تنطق إلا بالحمد والإقرار بأنك ملك لله سبحانه وأن المرجع إليه لا إلى سواه: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة:156].
ج- وفي جوارحك: فلا شق ولا لطم: ((ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية))([13]).
فلزوم العبد الأدب عند المصيبة ذكر لله عز وجل.
4- عند الشهوة: فلا تطغى شهواتك على دينك وعقلك، فلا تستطيع كبح جماح نفسك عن الحرام للحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله …، – ومنهم – رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله))([14]).
فإذا ملك العبد زمام نفسه فقد ذكر ربه فهذا يوسف عليه السلام وقد اجتمعت الدواعي الكثيرة لإتيانه الفاحشة فقال: معاذ الله [يوسف:23].
5- وعند بيعك وشرائك: فلا يقودك جشعك إلى الحرام وعدم المبالاة بمشروعية كسبك أو حرمته للحديث: ((كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به))([15]).
فحذرك ألا يدخل جوفك الحرام هو ذكر لله عز وجل تثاب عليه.
وأما موقف العبد من الذكر:
فإن للذكر آدابا ينبغي على العبد أن يلتزم بها عند الذكر ومن ذلك:
انتهاء الجوارح عن الفواحش: ذلك لأن المقصود من الذكر تزكية الأنفس وتطهير القلوب وإيقاظ الضمائر قال تعالى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر [العنكبوت:45].
وسأل مكحول ابن عمر عن قوله تعالى: فاذكروني أذكركم [البقرة:152]. فكيف بالزاني والفاسق إذا ذكر ربه؟ فقال ابن عمر : إن الزاني والفاسق إذا ذكر ربه ذكره الله بلعنته حتى يسكت.
وعائشة رضي الله عنها تقول: (رب قاري للقرآن والقرآن يلعنه) فإذا ذكر آية فيها اللعنة على الكافرين أو الظالمين أو الكاذبين وهو كذلك فقد لعن نفسه.
الخشوع والتأديب: قال تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [الأنفال:2]. حيث يستشعر عظمة رب العزة والجلال الذي بيده ملكوت كل شيء، والذي يقول للشيء كن فيكون، خالق الخلق أجمعين، يستشعر تقصيره وتفريطه وغفلته وذنوبه وهو العبد الحقير للحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله … – ومنهم- ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه بالدموع))([16]).
انخفاض الصوت مخافة وطعما: قال تعالى: واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين [الأعراف:205].
حيث يستشعر العبد قرب ربه منه، وسماعه سبحانه، وعلمه فهو سبحانه: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور [غافر:19].
فإنما هي مناجاة، وخفقات قلوب، ممزوجة بدموع الانكسار والندم.
لزوم المأثور فإنه أنفع وأبلغ: فأدعية وأذكار المصطفى إنما هي مفاتيح لخزائن رحمه الله، والإتيان بالمفتاح المناسب للباب المعلوم أيسر في حصول المراد.
غفر لنا وله ولك ولوالدينا ولجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين