تخطى إلى المحتوى

لماذا لا يقرأ الجزائريون؟ 2024.

لماذا لا يقرأ الجزائريون؟

ازمة النشر في الجزائر تخطت الخطوط الحمراء، ونصيب الجزائري من المطبوعات لا يتعدى نصف كتاب في السنة.

"الجزائريون لا يقرءون".. مقولة قد لا يصدقها البعض لكنها تصدق اليوم أكثر من أي وقت مضى رغم الثورة الثقافية الحاصلة منذ بداية الألفية الجديدة.

وعادة ما تتجه أصابع الاتهام فيما يعرف بـ "ازمة الكتاب" إلى كثرة عدد الأميين البالغ عددهم 8 ملايين، لكن المختصون يرون ان اسباب تدني المقروئية في البلاد لا يمكن رده فقط الى ارتفاع نسبة الاميين بلا هناك اسباب اخرى.

ونصيب الفرد الجزائري من الكتاب في السنة نصف كتاب، وهو رقم ما زال بعيدا عن المعدل العالمي الذي يعطي لكل فرد أربع كتب، في وقت تشير الإحصائيات العالمية إلى أن معدل قراءة الفرد العربي على مستوى العالم هو ربع صفحة، بينما يصل متوسط قراءة الأميركي إلى 11 كتابا والبريطاني إلى 7 كتب.

وكشفت وزيرة الثقافة خليدة تومي أن هناك 15 مليون كتاب في المكتبات الجزائرية، أي نصف كتاب لكل جزائري، هذا الرقم لا يمكن اعتباره بأي شكل مقياسًا حقيقيًا للمقروئية في الجزائر، وإن اعتبرته الوزيرة بالإنجاز الكبير الذي حققته طيلة عهدتها على رأس الوزارة، وهي أطول عهدة لوزير ثقافة على رأس هذا القطاع المصنف في آخر ترتيب أولويات حكومة المثقفين.

برأي خليدة تومي فأن المقروئية في الجزائر لا يمكن معرفتها إلا بإنشاء لجنة تحقيق تتولى تلك العملية. وأكدت في افتتاح الصالون الدولي للكتاب الأخير أن المطالعة في الجزائر مسئولية المدرسة التي عليها أن تتكفل بتحبيب عادة القراءة لدى الأطفال. ونادت الصحف التي هي الأخرى معنية بمهمة الرفع من نسبة المقروئية وذلك بتخصيص مقالات يتم من خلالها تقديم الكتب الصادرة عن دور نشر جزائرية أو أجنبية.

والإقرار بضرورة إنشاء لجنة تحقيق يدل على وجود واقع مر لنسبة المقروئية في الجزائر، بالتأكيد ليست هناك حقيقة تقول أنه لا قارئ لا يقرأ، وليس الكل يقرأ بسطحية كبيرة، لكن النسبة الكبيرة ترسم ظلالها على الواقع باعتبارها المؤثرة.. حينما نقيس المسألة برمتها يصبح من حقنا أن نقول إنه لا يوجد قارئ جيد ومهم يفرض رغباته على السوق فيجبر المؤلف على التأليف ويجبر الناشر على النشر.

وفي أجنحة الصالون الدولي للكتاب قد يشاهد المرء وقائع تعكس الواقع كمشهد الصبية ذات الأربعة عشر عاما تمد يدها وتناولت كتابا عنوانه "كلام في الحب"، ومد صبي آخر في ركن آخر من المعرض وفي جناح آخر يد السؤال سائلا هل يوجد كتاب أغاني المطرب فلان؟ والمثالان ليسا مقياسا لكنهما عينة يمكن قبولها.

ويكشف الدكتور كمال بطوش خبير علم المكتبات من جامعة قسنطينة (431 شرق العاصمة) بأن معدل القراءة في الجزائر لا يتعدى الآن نسبة 0.0003 بالمائة. وعن إشكالية المقروئية أكد الدكتور الباحث فوضيل بومالة، أنه لا توجد سياسة واضحة للكتاب في النشر والتوزيع والسعر، مع ثبوت نقص المقروئية لدى الجزائري الذي يتوجه أكثر إلى القراءة الاستهلاكية، وأكثر فئة هم الشباب الجامعي بنسبة 3 %.

ولهذا التراجع الفاضح في معدل القراءة، حسب الخبير كمال بطوش نتائج سلبية جدا على المردود التنموي بشكل عام على أن لهذه الظاهرة أسبابا متعددة منها ما له صلة بالدخل الفردي وسعر الكتاب الباهض، وبروز وسائل إعلامية بديلة على غرار الانترنيت وغياب حصص خاصة حول الكتاب بالتلفزيون والإذاعة.

ولا تكاد الجزائر تملك أكثر من 20 مكتبة حقيقية، من أصل حوالي 560 مكتبة بلدية غداة الاستقلال.. ومن المؤسف في هذا السياق أن ولايات كبرى مثل عنابة ووهران بكثافتهما السكانية التي تقارب المليون نسمة لكل مدينة يوجد بهما مكتبة واحدة.. وإن كان هذا هو حال المدن والبلديات الحضرية، فإن الحديث عن واقع الكتاب والمكتبات والقراءة العمومية في القرى والمداشر يدعو الى غض البصر عن الذنب الذي لا يغتفر.

ومن المسئولين القلة الذين لا يخجلون عن الحديث عن الماضي الدكتور أمين الزاوي مدير المكتبة الوطنية، الذي أكد أن الجزائر ورثت من الاستعمار مجموعة كبيرة من المكتبات، ما يقارب 600 مكتبة في عموم الجزائر، منظمة تنظيما رائعا وكانت تحتوي على كنوز كلاسيكية في الآداب والمعارف، كما كان فيها رصيد من الأدب الاستعماري، نتيجة لطبيعة المرحلة.

وبعد الاستقلال والفوضى التي سادت في مراحل مختلفة، بدأت هذه المكتبات تتعرض إلى التلف، وتتحول عن مسارها الحقيقي.

بعضها تحول إلى مقرات أحزاب وبقاليات ومراكز للحراسة وملاجئ، وتم تخريب كل المكتبات بطبيعة الحال، لأن هاجس الإنسان الجزائري في تلك المرحلة، لم يكن الاهتمام بالكتاب، بل بديمومة حياته.

وبعد أن خرجنا من الأزمة، وعاد السلم إلى البلد، لم يتجاوز عدد المكتبات في الجزائر خمسين مكتبة، أي تقلصت بنسبة عشر مرات أو أكثر.

وفي المدرسة الجزائرية، أكثر من 93 % من المدارس ليس بها مكتبة أو قاعة للمطالعة، تسمح للطالب والتلميذ وحتى الأستاذ والمعلم من الانسلاخ الظرفي ولو لفترة زمنية محدودة من عبودية المحفظة وروتين التلقين الإجباري اليومي للمقرر المتكرر كل سنة، وترجع أسباب اختفائها وانقراضها إلى ضرورات تحويلها إلى قاعات للرياضة، أو كأقسام دراسية وحجرات خاصة مكملة لاحتياجات الإدارة، وهو الأمر الذي نجم عنه انتقال العدوى إلى الأسرة والأفراد الذين يتعاملون مع التكنولوجيا الحديثة بتخلف مما حولها إلى جانب استهلاكي محض.. ونفس المأساة تتكرر بشكل آخر في الجامعات المعاهد رغم انها تشارف على استقبال مليون طالب جامعي كل سنة.

وفي تقدير الدكتور عبد المالك مرتاض، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للغة العربية وعضو المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، في إحدى حواراته عن تقييمه لسوق الكتاب في الجزائر، وخصوصا كتاب الطفل بالقول " إنّ مشكلة المقروئيّة في العالم العربيّ من أعوَص المشكلات الثقافيّة التي تعترض سبيل تطوّر الثقافة العربيّة ورقيّها وازدهارها. ولا نعتقد أنّ سوق الكتَاب في الجزائر بِدْعٌ من السّوق العربيّة للكتاب حيث يشتكي القائمون على تسويق الكتاب وإنتاجه تقلّصاً بادياً في عدد القرّاء

ثمن كتاب أغلى من ثمن قارورة خمر والفاهم يفهم عفنا الله وإياكم

قال المتنبي :
أعز مكان في الدنيا سرج سابح **** وخير جليس في الزمان كتاب

وقال الجاحظ :
" الكتاب هو الجليس الذي لايطريك والصديق الذي لا يغريك ، يطيل إمتاعك ويشحذ طباعك "

وتقول إحدى الحكم الصينية القديمة :
" بعد ثلاثة أيام من الانقطاع عن القراءة سيصبح الكلام بلا نكهة "

ثمن كتاب أغلى من ثمن قارورة خمر والفاهم يفهم

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.