تخطى إلى المحتوى

لدفاع عن عقيدة الموحدين ورد باطل المفسدين 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قَال تَعَالى: { يَا أيُّهَا الذِين آمَنُوا اتَّقوا اللهََ و قُولُوا قَولا سَديدَا ، يُصلح لَكُم أعمَالَكُم وَ يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَ مَن يُطع اللهَ وَ رَسُولَه فَقد فَآز فَوزًا عَظيمًا}.

أمَّا بعد : أقدِّم لَكم رِسَالة بعنوَان :

// الدِّفاعُ عَن عَقيدة المُوَحِّدين وَرد بَاطل المُفسِدِين
فِي تَعبيد النَّاس للـ"وَطنيَّة"
وَتَشويه مَعنى البَيعَة الشَّرعية وإمَامَة المُسلِمِين //

وبعد : الحمد لله الذي نصر الإسلام بحوله وقوته، واستعمل في ذلك أولياءه وخيرته، وأدال على الصهاينة والصليبييّن، فأرانا فيهم عجائب قدرته، وأظهر بشائر الفرج على يد جنده وصفوته، ورفع راية الإسلام بفضله، ونعمته، وقَمَع كَيد الأعدَاء بِبَطشِه، ونِقْمَته.

الحَمد لِله وَفاءً لِنِعَمه، واستجْلاباً لِمَزيدِه، وَقِيَاماً بِحَقِّه، والصَلاة والسَّلام على الرَّحمَة المُهدَاة، والنِّعمَة المُسدَاة، حَامِل لِوَاء النَّصر المُبين، سَيّد وَلد آدم المُصطَفى عَلى العَالَمِين، مُحَمّد بن عَبد الله وعَلى آله وصَحبه أجمَعين.

وحَقّ لأهل الإسْلام أنْ يَستَبشِروا مِن هَذه السَّاعَة بِنَصر اللهِ تَعالى، فَما بَعد هَذا العِزِّ والظُّهُور، واندحَار الصَّهَاينة مِن غَزَّة، وانكِسار الصَّليبين في العِراق بالذُلْ والعَاثُور، ورجوع القوّة والهَيمَنة لِجُندِ طَالِبَان في أفغَانِستَان، و إفَاقَة الشُعُوب مِن هَذا الذُّل وَ القَمع مِن حُكَام الرِّدة و الإجرَام باإنتِفَاظَتِهم ضِد الحُكَّام الخَونة ، و إعادة للإسلام المَجد المُظفر، تَحتَ رَاية لاَ إله إلاّ الله، وَالله أكبَر.

وهَذه آيَاتُ الهَزيمَة عَلى وُجُوه الأعدَاء لَائحَة، وَعلى ألسِنَتِهم بَادية واضَحِةً، لَاتَخفَى مِنها خَافِية، ولَا تُستَر مِنهَا فَاضِحَة ** و هَل للشَّمسِ في النَّهار خَفاء ؟؟؟ إلَّا عَلى الأعْمَى **.

غَير أنَّه يَجب أن نُنَبّه اليَوم عَلى أمر فِي غَاية الأهَمِّية، وَهُو أن هَذه الأمَّة قَد أثبتَت في تَاريخهَا، أن قَد أودع اللهُ فِيهَا مِن القُوَّة المَعنَوية، والطَاقة الإيِمَانيَّة، والجَلد في الجِلاَد، والصَبر عِند مُلاَقَاة أهل الكُفر والعِنَاد ، فَهي عَلى دَحر الأعْدَاء مَهمَا بَلغت قُوَّتُهُم، وَعِظمِ مَكرِهِم، قَادِرَة بِقُوَّة الله، مُنتَصرَة بحولِ الله، مَنصُورة بنصر الله.

هَذا إذا قَام فِيها مَن حَقَّق التَّوحِيد، الذِي هُو حَق اللهِ علَى العَبِيد، وَاهتَدى بِهِدَاية الوَحي المَجيد.


لا يَسلمُ الشَّرف الرَّفيع مِن الأذى*** حَتى يُرَاق عَلى جَوانِبه الدَّمُ

مَتى تجمعِ القلبَ الذَّكي وصَارمًا *** وأنْفًا حَمِيَّا، تَجتَنِبكَ المَظَالِمُ

ولهذا يَجبُ أن ننقح المَفاهِيم المَغلُوطة الدَخِيلة عَلى الإسلام، ونُزيّف المُزيف مِنها، ونُوَضِّح السَدِيدَ رَاجِين مِن اللهِ العَونَ وَ التَّسدِيد.

غَير مُغتَرينَ بِكَثرة الخَائضِين في البَاطِل، القَائِلِين عَلى اللهِ بِغَير عِلم، الكاذبين على دينهم، المفترين عليه بغير الحق، الصائلين على دلائل الكتاب والسنة، الساعين بالفساد فيها، المبتغين لها عوجا، الناكبين عن الصدق.

هَذا وقَد كَثر اللغَط، واختَلط العَدل بالشَّطَط، في ثَلاثة مَفاهِيمَ مُهِمَّة، قَد أدّى الخلط فِيهَا إلى فَسَادٍ عَريض، فَاختَلط الحَقُّ بالبَاطِل، وَاغتَرَّ بكثرَة المُبطِلين الغرّ والجَاهِل، وَهي :

مَفهُوم الوَطن .. والبَيعَة.. والإمَام الوَاجب الطَّاعَة.

ولمَا كَانت هَذه المَفاهِيم غَاية فِي الخُطورَة، إذ قَد يَنبَني عَليها سَلامة العَقيدة، وحِفظُ رسَالة الأمَّة، وَصَونَ دينِهَا، وَتَوَجُههَا الحَضَارِي.

فالأمّة إن جَعَلت الوَطَنَ وَثنًا يُعبد مِن دُون الله، وشَريعة تحادُّ شَريعَة الله، وجَعَلت بَيعة الإمَامَة الشَّرعية، وسِيلة لِتَسلُّط المُفسدِين عَلى رِقَاب المُسلمين بإسم الدِّين، وَجَعلت السُّلطة بِيَد الخَائِنِين، زَاعِمَة أنها هِداية الكِتَاب المُبين، فَأيّ بَقاء لها بَعد هَذا، فقد تُودّع منها إلا أن يتداركها الله برحمته.

وفِيمَا يَلي بَيَان الحق، مَصدُوعًا بِه بِغير خَفَاء…

1 // الوَطن:

في الأصل هُوَ الأرضُ التي يَستَوطِنُها الإنسَان، كَما في لِسَان العَرب (المنزل الذي تقيم به)، لكنَّه قَد يُطلَق اليَوم عَلى النِّظام السِّيَاسِي الحَاكم بقوَانِين عَلى حُدُود جُفرَافيّة وشَعب، أيِّ الدَولة، وَكَثيرا مَا يُخلط بَين مَفهُوم الوَطن، ومَفهوم الدَّولَة، وثَمَّة خَلطٌ آخر بَين النِّظام وَالدَّولَة.

وغَالبًا في بلَادنَا العَربية يَفرض النِّظام الحَاكم نَفسَه أنَّه الدَّولة كُلَّهَا، ويَختَزِلُ الشَّعب، فَلا قِيمَة لَه مَالم يَكُن رَقِيقًا للنِّظام ، فَقِيمَتُه عَلى قَدر رِقِّهِ! إلاَّ في الخِطَابَات السِّيَاسِيَّة!! ويَجعَل القَوَانِين تَابعَةً للنِّظام الحَاكم، والحُدُود السِّياسِيَّة مُلكَه الشَّخصِي!! ثُم يَخلِط بَين مَفهُوم الوَطَن ومَفهُوم النِّظام الحَاكِم، فَيجعَل الخِيانة للنظام الحاكم، خِيانة لِلوَطَن، وخيانة للدَولة، بينما يكون هُو خَائنًا للوطن والدَّولة والشَّعب مَعًا، { أمَّا خِيانة الدِّين فَتِلكَ السَّابقة دَائِمَّا}، والتي لَزم مِنهَا كُلُّ هذه الخِيانَات!!

والخُلاَصَة أنَّ المفهوم السِّياسِي للوَطن في الإعلاَم العَربي والخِطَاب السِّياسي غَالبًا يَنتَهي إلى أنَّه الكَذبة الكُبرَى التِي اصطَلَح الجَمِيع عَلى إستِعمَالِها لِلوُصُول إلى أطْمَاعِه الخَاصَّة، الحِزب الحَاكم يَستَعمِلُها مادَامَت تُوصِله إلى أطمَاعِه، وطَبقة التُجَّار كَذلك إن كَانت ثَمَّة طَبقات تُجَّار خَارِج السُّلطَة التَنفِيذِيَّة مَادَامُوا يَحصُلُون عَلى الصَّفقَات الكُبرى، وَالأحزَاب السَاعِيَة لِلسُلطَة يَمتَطُون هَذا المَفهُوم لِلوصُول إلى السُلْطَة.

ولهذا ينكشف الأمر عندما يتخلى الزَّعيم عَن الأرض هَاربًا عِندَما يَفقد سُلطَتَه، وتَعيش الأحزَاب السِّياسِية خَارج الوَطن، وهي تُتَاجر سِياسِيًا بشعَارهِ، ويخرج التُّجَار أموَالهم لِيَهرُبُوا إليهَا عِندَمَا تُتَهَدَدْ مَصَالحهم التِّجَارية فِي الوَطن، بينما كَانوا يجعلون الأرض سُوقا استِثمَاريًا فَحسب، ويَبقى فِيها الشَّعب المِسكِين الذِي كَان مَخدُوعًا بهذه الكِذبَة، حُبّ الوَطن، إنهُ حَقًا زَمن الزَّيف والخِدَاع.

ثم إنه من الواضح أن علاقة الإنسان بالأرض إنما هي تبع لِغريزَة البَقَاء بحثًا عَن الغَذَاء، الطَعام والمَاء، لاَيمكن أن يُكَابر الإنسَان فَيدَّعي خِلاَف ذَلك، ولهذَا فَهو يُهَاجر مِن أرضِه إن لَم تمدّه بأسبَاب البَقاء، مَدفُوعًا بِغَريزَتِه.

أمَا الإسْلاَم فإنَّه…

1) يَجعَل الأرضَ تَابعةً للعَقيدة،ولهذا يُقسِّم الإسلام الأرضَ إلى: {دَار إسلام، ودَار كُفر}، فالأرض التِي تَعلوها أحكَامُ اللهِ تَعَالى، هِي وَطَنٌ لكلِّ مُسلمٍ، إتبَاعاً لِعَقِيدَته، وضِدُّها هَدف للمُسلِمِين لِإعلاَء كَلِمَة الله تعالى عَليها بالجِهَاد، فَالأرض كُلُّها لله يُورثُهَا مَن يَشَاء مِن عِبَاده، وَقد أمَرنا أن نُّعلي في الأرض كُلّها كَلمَة الله تعالى.

2) أرضُ المُسلم الأصليّة هِي الجَّنة، كَان فِيه أبُونَا آدم وأمّنا حَوَاء، فَأخرَجَتهُما المَعصِية، ويَردّ إليها وبَنُوه، بِطَاعَة الله تعالى وعِبَادته، قَال تَعَالى: {وَقَالوا الحَمدُ للّهِ الّذِي صَدقنَا وَعدَهُ وأورثَنَا الأرضَ نَتَبَوّأ مِنَ الجَنَّة حَيث نَشآءُ فَنِعمَ أجرُ العَامِلِينَ}، ولهَذا فحتّى ذَلك الوَطن، إنَّما يَرتَبطُ مَفهُومُه بالعَقيدَة التِي أصلُها أنَّ عِبَادة الله تَعالى هِي السَّبَب الحَقيقي لِكلِّ خَير وفَلاح فِي الحَياة، وَهِي هَدفُهَا الأعظم، والضِّدُّ بالضِّدِّ.

ونَحنُ في هَذه الأرض السُفلِية غُرَبَاء، نَقضي فِيهَا زَمَنًا يَسيرا، لَايَكَادُ يُذكر، في عُمر الحياة الدُنيَا، أمَّا فِي عُمُر الحَياة الأبَدِيَّة فلا شَيء البَتَّة، ثُم نَرجع إلى أوطَانِنا، وَفي الحديث: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) [رواه البخاري].

فَحَي عَلى جَنَّات عَدن فإنَّهَا *** مَنازلُك الأولى و فِيها المُخَيم
وَ لاكِنَنَا سَبيّ العَدوِّ فَهَل تُرى *** نَعُودُ إلى أوطَانِنَا وَ نَسْلَمُ

3) لمَا كَان دِين الإسلام هُو الأصل، والأرض تَبعً، وَجب عَلى المسلم الهِجرَة مِن الأرض التِي لَايمكنُه أن يَعبد فِيها رَبَّه، ويُظهر دِينَه، فالهجرَة سُنة الأنبيَاء، {إنّي مهاجرٌ إلى ربّي إنّه هُو العَزيز الحَكيم}، ولهذا هَاجر النَّبي صَلى الله عليه وسَلم وأصحَابه مِن مَكّة إلى حَيث يُقيمُون دِينهم، قَال تعالى: {إنّ الّذين تَوفّاهُم الملآئكة ظَالمي أنفُسِهم قاَلوا فِيمَ كُنتم قَالوا كُنَّا مُستَضعَفِين في الأرض قَالوا ألَم تَكن أرضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأولئِك مَأوَاهُم جَهَنَّم وَسَاءَت مَصِيراً}، وقَال تعالى: {يَا عِبَادِيَ الّذِين آمَنوا إنَّ أرضِي وَاسِعَةٌ فإيَّاي فَاعبُدُونِ}.

4) تَقدِيم حُبِّ الأرض أو القَومِيَّة أوالعَشِيرَة أو النِّظَام السِّياسِي…إلخ عَلى نُصرَة الدِّين، شِركً بالله تَعالى عَمَّا يُشرِكُون وَهو مِن شِرك الأَنِدَاد، قَال تَعالى: {ومِن النَّاس مَن يتَّخِذ مِن دُون اللَّهِ أندَاداً يُحبُّونَهُم كَحبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمنوا أشَدُّ حُبّاً لِّلَّهِ وَلَو يَرى الّذِين ظَلمُوا إذ يَرَونَ العَذَاب أنَّ القُوَّة للَّهِ جَميعاً وأنَّ اللّهَ شَديدُ العَذَابِ}، وقَد بَيَّن القُرآن المَحَابّ التِي تُتَّخَذ أندَادًا مَع الله في سُورة التَّوبة، قَال تَعالى: {قُل إن كَان آبَاؤكُم وأبنآؤكُم وإخوَانُكُم وأزوَاجُكُم وعَشِيرتكُم وأموَالٌ اقتَرفتُمُوهَا وتجَارَةٌ تَخشَون كَسادَهَا ومَسَاكِنُ تَرضَونها أحَبَّ إليكُم مِّن اللَّهِ وَرسُوله وَجهَادٍ في سَبيله فَتَربَّصُوا حَتّى يَأتي اللَّهُ بأمرهِ واللّهُ لَا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ}.

وإلفُ الإنسَانِ للأرضِ التِي يَعيشُ عَليها أمرُ فِطري مُبَاحٌ، كَما يُحبّ أهلَه، وَ قَومَه، وكَراهيتَه التَغرُّبَ عَن أرضهِ كَذلك،ولاتَثْريبَ عَليه أن يتَمسَّك بِمَحَابِّه، ويُدَافع عَنها مَالم يُخالفَ شَريعَة اللهِ، غَير أنَّ كلَّ مَحبُوبٍ للإنسَان يُجبُ أن يَكون بَعد حُبِّ اللهِ، وَرسوُلِه، ونُصرة دِينِه.

5) أرض المُسلِمين وَمنهَا التِي عَليها يَدٌ عَادِيَة مِن نِّظامٍ مُرتدٍ، أو كَافرٍ أصلِي مُحتَل، يَجب تَخلِيصُها بالجهَاد، لَادِفَاعًا عَن مُجَرد الأرضِ، بَل لِأنَّها أرضُ المُسلِمِين، وعَن نسبتهَا إلى العَقِيدَة، ولإقامَة شَريعَة اللهِ فِيهَا، فَهَذا هُو الأصل الذِي يُجَاهِد مِن أجلِه، وقِتَال المُسلم دُون أرضِه التِي يَملِكُها مِن جنسِ القِتَال دِفَاعًا عَن مَالِه.

وثَمَّة فَرقٌ كَبير بَين الحُدُودِ السِّياسِيَّة لِنظَامٍ، وبَين المَال الخَاص، والحُدُود السيَاسِيَّة الشَرعِيَّة تَابعَةً فِي الأصلِ لِمَفهُوم سِيادَة الأمَّة بكلمَة الله عَلى الأرض، وتُقَسّم بنَاءً على ذَلك دَار الإسَلام، ودَار الكُفر كَما بَيَنَّا، ولَيست تَابعة لِسُلُطَات الأنظمَة،فَالنِّظام يَزُول، أَو يُزَال، ويَأتِي غَيرُه، والأمَّة برسَالتها بَاقِية، وأرضُها المَحكُوم عليها بشريعتِهَا حق عَام لَها، لَايملِكُها أحدٌ كَائِنًا مَن كَان.

6) ومَن قاتَل لكي ينصر نظاما سِياسيا لَايخضع لِأحكَام الشَّرع، أودفاعًا عَن الحدود التي يسيطر عليها هذا النظام، فَهُو يُقاتل تَحت رَاية جَاهِليةٍ عَميَاء، سَواءً سمَاهُ دِفاعًا عَن الوَطَن والأرض وغَير ذَلك، ومَن غَرَّرَ المُسلِمين بأن أفتَاهُم بغير هَذا، فَقد أوردَهُم دَكَادِك النَّار، وهُو قائِدُهُم إليهَا، {وبِئسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ}.

7) جَميع الحُدود السِّياسِية التي تفرِّق الأمَة، حُدودٌ جَاهلية، وجَعلها أَسَاسًا لأحكَام الوَلَاء، والجهَاد، والإمَامَة، والبَيعَة، ضَلاَلٌ مُبين، وسَببٌ في ضُعفِ المسلمين، وتَسلط الكَافرين، ويجبُ على الأمَّة السَّعيَ لإزالتِها، وإلى نظم الإمَّة في خِلافة وَاحِدة تحكُمُها، وترك السَّعي لذلك تَفريطُُ فِيمَا هُو مِن أعظم وَاجبَات الدِّين.

أمَا البَيعَة عَلى الإمَامَة…

فهيَ عَقدُُ شَرعيٌ، يَنُوبُ فيه الإمَام عن الأمَّة في تَنفِيذ أحْكَام اللهِ، ولِهَذا نَص الحَديث: (اسمَعُوا وأطِيعُوا وإن استعمَل عَليكم عَبدُ حَبَشي كَأنَّ رأسَه زَبيبَة مَا أقَام فِيكُم كِتَاب الله) [رواه البخاري].

ولهذَا مَضت السُّنة أن يَنصَّ فِي البَيعَة عَلى هَذا الشَّرط، كَما في الصَّحيح أيضَا قَول عبد الرحمن بن عَوف رَضي الله عنهُ لِعثمَان رضي الله عنه: (أُبَايِعُكَ عَلى سُنَّة الله ورسُوله والخَليفَتين مِن بَعدِه).

ويَكُون لَه مُقابلَ قِيامِه بهذا الوَاجب الطَّاعة، وهُو وَاجبُ الرَّعيّة مُقابل وَاجب الإمَام، فإنَ لم يأت الإمَام بِوفَاء مَا بُويع عَليه، فَلم يَقم بوَاجب إقامَة الشَّرع، ونصرهِ وحِفظِ الدِّين، ومُصَالح المُسلمين، انفسخَ العَقد كَسائِر العُقُود الشَّرعيَّة.

وإنَّما يُبايعهُ أهلُ الحَل والعقد، وعَليهم واجبُ النَّظر في استمرار صِحَّة البَيعة، والرَّقابة والمُحاسبَة عَلى الإمَام – السُلطة التَّنفيذية – وهَذا الذِي يُطلق عَليه في العَصر نِظام فَصل السُّلُطَات، وهُو في الأصل نِظام إسلاَمي، هَدفُه ضَمَان بَقاء الدَّولة في نَفع الجَماعة ومَصلَحتِها العَامَّة، ومنعِها مِن استغلال آلة الدَّولة لمنفعَة خَاصَّة

وقَد عُطِّل فِي البلاد الإسْلامِية، فأصبَح الحَاكم مُطلق السُلطة، وأخضع العُلمَاء المُزَيفُون النَّاس لِسُلطتَه المُطلَقة بخطَاب دِيني مُزيَّفٌ، لَيس هُو مَذهب أَهل السُنَّة، وإنَّما مَذهبُ الطَمَع والجَشَع، أو الخَوف والجَزَع، إنَّه مَذهب الإرجَاء ، فانتَشَر في دِيَار الإسلام الظُلم، وانَتُهِكَت حُقُوق الرَّعِيَة،

وأقامَه غَيرُهُم فَكَفُّوا يَد البَغي َبيَنَهم وضَمِنت رَعَاياهُم بَقاء الدَّولة رَاعية لحاجَاتِهم، مُوفِّرةً لمصَالِحِهِم.

ومُقتَضى البَيعة عَلى الكِتاب والسُنَّة أن يَكون إمَامًا للمسلمِين لَايُفَرِّق بَينَهم، لأن أسَاس الإمَامة والدَّولة في الاسلام، مِلِّيٍّ قَائِم عَلى الدِّين، بحيث يَجمَع المُسلمين عَلى وَلاء الإسْلام، وعَلى إقامَتِه، وحِفظِه، ونُصرَة المُسلِمِين، وَليسَ أسَاسُه وَطنِياً قَائمًا عَلى مَعنى الوَطنِيَّة العِلمَاني العَصري الذِي يَجمَع المنتَسِبِينَ إلى رَابط الوَطَنِيَّة، التي تُقَدَّم عَلى الدِّين، في صُورة مِن صُوَرِ الشِّرك والوَثَنِيَّة المُعَاصِرَة.

أمَا طُرق إنعقَاد البَيعَة فَهي الاختيَار والاستِخلافُ، ولايَكون عَقد البَيعَة شَِرعيًا إلا بِعقد أهَلُ الحَلِّ العَقد بَيعَة الإمَامَة بالشُّروط الشَّرعية، والمتغَلب إن تَوفَّرت فِيه الشُّروط بَايَعُوه وصَحَّت إمَامَتُه بذلك.

والإمَام الوَّاجب الطَاعَة فِي الإسلاَم…

هُو الذي يُنَصبه أهل الحَل والعَقد، مِن أهَل العِلم، وذَوي الرَّأي والرُشد أو يستخلف ويُبَايعُونه عَلى أن يَكون إمَامًا للمسلمين، لايُفَرِّق بَينَهُم، في جِنسٍ، وَلا أرضٍ، ولا قَومِيَّة ولاقَبَليَّةٍ، ولايخضَع لِأحكَام الكَافِرين، ولَايَدين لأحكَامِهم والقَوانِين المُستَمَدة مِن الغَرب الكَافر ، ولايُوَاليهِم مِن دُون المُؤمِنينَ، بل يَقطع أيدِيَهُم العَادية عَلى أرض الإسلَام وأهلِه، وينزل بِهم في دَيارِهم رَايَات الجِهَاد، بِجُيُوشِه وبَأسِه.

وقَد قَال الإمَام أبُويَعلى الحَنبَلي في الأحكَام السُلطَانية: (ويَلزَم الإمَام مِن أمُور الأمَّة عَشرَة أشيَاءٍ:

أحدها: حِفظ الدِّين عَلى الأصُول التِي أجمَع عَليها سَلف الأمَّة، فإن زَاغ ذُو شُبهَة عَنه، بَيَّن له الحُجَّة، وأوضَح لَه الصَّواب، وأخذَه بِمَا يلزمُه مِن الحُقُوق والحُدود، لِيَكُون الدِّين مَحرُوسًا من الخَلَل، والأمَة مَمنُوعَة من الزَّلَل.

الثاني: تنفيذ الأحكَام بين المُتَشَاجرين، وقَطع الخِصَام بَينَهُم، حَتى تظهر النَّصفَة، فلَا يَتعَدى ظَالم، ولايُضعَف مَظلُوم.

الثالث: حماية البيضة، والذب عن الحَوزَة، ليتَصرَّف النَّاس في المَعايِش، ويَنتَشِروا في الأسفَار آمِنِين.

الرابع: إقَامَة الحُدود لتصَان مَحارم اللهِ تعالى عَن الإنتهَاك، وتُحفَظ حُقوق عِبَادِه مِن إتلَاف واستهلاَك.

الخامس: تحصين الثُّغور بالعدة المانعة، والقُوَّة الدَّافعة، حَتى لاتظفر الأعدَاء بغرَّة، ينهكون بها مُحَرَّمًا، ويسفِكُون فِيهَا دَمًا لمسلم أو مُعاهِد.

السادس: جِهاد مَن عاند الإسلام بَعد الدَّعوة، حَتى يُسلِم أو يَدخُل في الذِّمَة.

السابع: جبَاية الفَيء والصَدقات عَلى ما أوجبَه الشَّرع نصًا واجتهَادًا مِن غير عَسَفٍ.

الثامن: تَقدير العَطاء، وما يستحق في بَيت المَال مِن غير سَرف، ولاتقصِير فِيه، ودَفعِه في وَقت لاتقديم فيه ولا تأخير.

التاسع: إستكفاء الأمَنَاء وتقليدُ النُّصَحَاء فيمَا يُفوضُه إليهم مِن الأعمَال، ويكله إليهم من الأموال لتَكُون الأعمَال مضبُوطة، والأموَال مَحفُوظة.

العاشر:أن يباشر بنفسه مُشارفة الأمُور، وتصفُّح الأحوَال، ليهتَمَّ بسياسَة الأمَّة وحراسَة المِّلَة، ولايعولُ عَلى تفويض تَشاغُلا بلذة أو عِبادَة، فقد يَخون الأمِين ويغش النَّاصح، وقَد قَال تَعالى: {يا داوود إنَّا جَعلناك خَليفةً في الأرض فَاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهَوى فيضلَّكَ عَن سَبيل اللَّهِ إنّ الّذين يُضِلُّون عَن سبيل اللَّهِ لهُم عَذابٌ شَديدٌ بما نَسُوا يَوم الحسَاب}، فَلم يقتصِر سُبحَانه عَلى التفويض دُون المباشرة، وقَد قَال النبي صلى الله عليه وسلم؛ "كلكم راعٍ وكلُّكُم مَسؤُول عَن رَعِيَّته …الحديث".

وإذا قَام الإمَام بحقوق الأمَّة، وجب عَليه حَقَّان:الطَاعَة، والنُصرَة، مَالم يوجد مَن جِهَته، مَا يخرج به عَن الإمامة).

وتأمل القول: (إذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب عليه حقان، الطاعة، والنصرة مالم يوجد من جهته مايخرج به عن الإمامة), فطاعة السُّلطة، ليست مُطلقة، بَل هي بَعد قِيامِها بحقوق الأمَّة، فالأمة هي الأصل، فالسلطة منها وإليها، والإمَام نائب أو وَّكيل عَنها، إنْ أدَى إليها حَقَّها، وإلا فليس لَه حُقوق، ولا كَرامة لَه ولانعمَة عَين بعد تضييع حقوق الأمَّة، وأعظم حقها صِيانة دِينِها، وحمل أمَانة رسالتِها الإسلامِيَّة في دَاخلِها، وإلى خَارجها.

وقد وضَع القرآن العَظيم أصلَ البَيعَة الشَّرعية التي يَصيربها الإمَام وَليَّ أمرِ المسلمين، وهِي قَوله تَعالى: {يا أيّها الّذِين آمَنوا أطيعُوا اللَّهَ وأطيعُوا الرَّسُول وأولي الأمر مِنكُم فإن تَنَازَعتُم في شَيءٍ فردُّوهِ إلى اللَّهِ والرَّسُول إن كُنتُم تؤمِنون باللَّهِ واليَوم الآخر ذَلك خَيرٌ وأحَسَن تَأويلاً}.

فَوليّ الأمر؛ هُو الذي إن تَنازَعنَا وإيَّاه في شَيء، رَدَّه إلى الله ورَسوله صَلى اللهُ عَلَيه وسَلم، لا إلى سُلطان شَريعَة كَافِرَة، ولا إلى هَيئة دولية مَارقة، ولَا إلى سِياسَة جَائرة.

هَذا هُو طَريق الصِّراط المُستَقيم ، فمن حَاد عَنهُ، فإنَّما هُو في شِقَاق، عَافاَنَا اللهُ وإيَّاكم مِن مَرض القَلب والنِّفاق.

قال تعالى: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"

و قال جَلَّ جَلالُهُ :"وَمن يَتوَلَّ اللَـهَ ورَسُولَهُ والذِينَ آمَنُوا، فَإن حِزبَ اللهِ هُم الغَالِبُون".

وَصلى اللهُ عَلى نَبِّينَا مُحمَد وعَلى آلهِ وصَحبه وَسَلَّم تَسلِيمًا كَثيرا


فوليّ الأمر؛ هو الذي إن تنازعنا وإياه في شيء، رد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا إلى سلطان شريعة كافرة، ولاإلى هيئة دولية مارقة، ولا إلى سياسة جائرة.
جزاك الله خيرا أخي رادع العدوان على المقال الطيب والمفيد الذي أرجو من الله أن ينير به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وعقولا متحجرة

بارك الله فيك و أثابك الله الجزاء الحسن

و الله لا نريدها إلا دولة إسلامية

لا نريدها علمانية أو غربية أو أي شيئ

و الله خير الشاهدين.

شكراااااااااااااااااااااا


فالأمّة إن جَعَلت الوَطَنَ وَثنًا يُعبد مِن دُون الله، وشَريعة تحادُّ شَريعَة الله، وجَعَلت بَيعة الإمَامَة الشَّرعية، وسِيلة لِتَسلُّط المُفسدِين عَلى رِقَاب المُسلمين بإسم الدِّين، وَجَعلت السُّلطة بِيَد الخَائِنِين، زَاعِمَة أنها هِداية الكِتَاب المُبين، فَأيّ بَقاء لها بَعد هَذا، فقد تُودّع منها إلا أن يتداركها الله برحمته.

بارك الله فيك أخي رادع الضلال والشرك

سبق و بيّنا حال صاحب المقال : و هو : حامد العلي و ذكرنا كلام اهل العلم عنه بأنه
تكفيري و داعية للخروج فلا يتعدّ بمقالاته في مسائل الحاكمية و الجهاد و نحوها …
يغلق الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.