مجلة الأسرة
كيف نجعل كلماتنا تنفذ إلى القلوب
كتبت منى الشريف
يحكى أنه كان هناك رجل أعمى يسأل الناس على رصيف أحد الطرق، وقد وضع أمامه لوحة من خشب مكتوبا عليها «أرجوكم ساعدوني، فأنا أعمى» ومضى وقت طويل وهو جالس على هذه الحالة، ولكنّ أحدا لم يعطف عليه، ولم يعطه شيئا.
وبينما هو كذلك، إذ مرّ شابّ ورأى هذه اللوحة فأخذها وعدّل ماهو مكتوب فيها، ثم أعادها إلى مكانها مرة أخرى، وأعطى نقودا للشحاذ وانصرف, لم يع الأعمى شيئا ممّا حدث، اللهم إلا أنّ أحدهم أخذ اللوحة من جانبه ثم أعادها بعد هنيهة.
ولكنه لاحظ أنّ المنديل الذي وضعه بجانبه قد امتلأ بالعملات النقدية، فسأل أحد المارة أن يقرأ له ماهو مكتوب على اللوحة، فقرأ التالي: «إنّ الجو اليوم ساطع ومشمس، ولكنّي لاأستطيع أن أرى مثلك».
لوأننا لاحظنا حياتنا اليومية لوجدنا فيها الكثير من الرسائل الإيجابية التي نودّ إيصالها للآخرين، ولكنّ سوء اختيارنا للألفاظ أدّى إلى جعلها رسالة سلبية، ولربما تكون أشدّ فجاجة من الرسائل السلبية بذاتها, إن هذه العبارة الخشنة ممكن أن تقال بصورة أرقّ وألطف، وهذه الكلمات العنيفة يمكن أن تصاغ بطريقة أفضل دون مهادنة أو نفاق، ويبقى دائما حظّ الإنسان السعيد مرتهنا بحلو كلامه وجميل منطقه وعذوبة ألفاظه، وقديما قالوا «الألفاظ سعد» أي أنها كفيلة بسعادة الإنسان أو شقائه.
خطورة الكلمة
يصوّر لنا أبو معبد عبد الله بن عكيم الجهني، وهو أحد قدماء التابعين المخضرمين الثقات ممن أدرك زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يره، يصوّر مبلغ أساه وندمه وحسرته على كلمات تفوّه بها زمن عثمان رضي الله عنه نصحه بها جهاراً، يظن أن فيه مساوئ، وحاشا الراشد الثالث من المساوئ، فتلقّف كلماته أصحاب الأغراض الخبيثة، واستباحوا دمه الشريف بهن وأمثالهن.
فأخرج البخاري في التاريخ الكبير (1/32) عن أبي معبد عبد الله بن عكيم الجهني قال: «لاأعين على دم خليفة بعد عثمان»، قيل له: أو أعنت على دمه؟! فقال «إنّي لأرى ذكر مساوئ الرجل عونا على دمه»، فهو يتهم نفسه بجزء من دم عثمان لأنه رأى بأمّ عينه كيف أنّ ما ظنّه وقام في نفسه من أنه الحق قد أدّى إلى استغلال الرعاع له حين تكلّم به، وكيف قلبوه وزوّروه حتى قتلوا عثمان رضي الله عنه، إنها حساسية النفس الصادقة في توبتها ينطق بها ابن عكيم، مع أنه ما كان يكره عثمان حين تفوّه بتلك الكلمات، فإنّ ابنه يقول: «كان أبي يحبّ عثمان».
وهذا يقتضي أنه قال كلماته الناقدة بلهجة المحبّ الناصح، وما فيها من الرفق واللين، ومع ذلك نتج عنها من المفاسد ما نتج، فكيف لو انضاف إلى علانية النقد لفظ رديء، وعبّرت عنه لهجة عنيفة؟
حصافة جارية
كان الخليفة سليمان بن عبد الملك يوما جالسا، فنظر في المرآة إلى وجهه، وكان حسن الوجه، فأعجبه ما رأى من جماله، وكان قائماً على رأسه وصيفةٌ، فقال: «أنا الملك الشاب» فرأى شفتي جاريته تتحرّكان، فقال لها: «ما قلت؟» قالت: «خيرا» قال: لتخبريني، قالت: قلت:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى … غير أن لا بقاء للإنسان
أنت خلو من العيوب ومما … يكره الناس غير أنك فان
فانظر -رحمك الله- كيف عالجت هذه الجارية الحصيفة نوبة الكبر في نفس الخليفة بأسلوب غاية في الفطنة والذكاء، وبلا ملامة مباشرة قد تكلّفها الكثير.
لسعادتك الزوجية
نحن نحبّ هذا الصنف من الطعام, نحن نكره ذلك المسلسل, نحن نفضّل أن نقضي إجازتنا في المكان «الفلاني», لقد أثبتت الدراسات أنّ الأزواج الّذين يستخدمون ضمير الجمع أو كلمة «نحن» في الحديث مع الآخرين أكثر قدرة من غيرهم على حلّ مشاكلهم، ويكونون موحّدين في تفكيرهم وتصرّفاتهم، بل وتكبر الوحدة مع الأيّام وتساعد الأزواج على الاستمتاع بالحياة المشتركة والتجاوب مع متغيّراتها والتعاطي بإيجابية مع هذه المتغيّرات.
باحثون من جامعة (كاليفورنيا) طلبوا من مجموعة كبيرة من الأزواج أن يتحدّثوا عن نقاط الاختلاف في حياتهم الزوجية, تبيّن أنّ أولئك الذين كانوا يستخدمون الضمير «نحن» في إجاباتهم أو يتكلّمون بصيغة الجمع كانوا أكثر اقترابا من بعضهم، ويشعرون بأنهم فريق واحد، وليس مجرّد شخصين يعيشان تحت سقف واحد.
وتبيّن أيضا أنّ مستخدمي ضمير الجمع أكثر سعادة من غيرهم، كما أن علاقتهم الزوجية كانت متينة وقادرة على مواجهة متغيّرات الحياة، في حين أنّ أولئك الذين استخدموا ضمير المفرد «أنا» في إجاباتهم هم الأقلّ سعادة وعلاقتهم الزوجية تنوء تحت رحمة تلك المتغيّرات، وكأنها في مهبّ الريح دائما.
لكنّ الباحثين يحذّرون في الوقت نفسه من مخاطر وأضرار استخدام ضمير الجمع حين يكون المتحدّث يتكلم عن نفسه ويتصوّر أنه بات في مرتبة الملوك وكبار الزعماء.
وتصوّر معي الحوار التّالي لزوج يعاتب زوجته على تأخّرها في زيارة والدتها:
الزوج: لقد تأخّرت كثيرا عن عودتك إلى البيت؟!، هل توجد زوجة محترمة تعود إلى المنزل بعد الحادية عشرة مساء؟!.
الزوجة: أين كنت؟! أكنت في ملهى ليليّ بصحبة رفيق؟! كيف تريدني أن أغادر بيت أهلي وجميع إخوتي وأخواتي مجتمعون معا، ولم أرهم منذ زمن بعيد؟! هل هناك حفل ينتهي قبل الحادية عشرة؟! أين تعيش أنت؟! نحن في القرن الحادي والعشرين! منذ شهر لم أخرج من البيت، فلم تستكثر عليّ سويعات مع أهلي وإخوتي؟!.
بالطبع يسود الجفاء جوّ المعاتبة، ويعلو صوت التجريح والاستهزاء من كلا الطرفين.. وهذا ما لا تحمد عقباه.
فكيف يكون الحال لو دار الحوار كالآتي:
الزوج: لقد اشتقت إليك كثيرا وقلقت عليك أكثر، ولعبت الظنون السيّئة برأسي خشية أن يكون تأخّرك بسبب مكروه ألمّ بك.. عموما حمداً لله على سلامتك.
الزوجة: أنا والله اشتقت إليك أكثر، لكنّهم تأخّروا في وضع العشاء أصلحهم الله، وأقسمت علي والدتي ألا أغادر إلاّ بعد أن أشاركهم الطعام, أخبرتهم أنّني تركتك وحيدا في المنزل، ووعدتك بالعشاء سويّا، فطلبوا منّي الاتّصال بك لأستأذنك بالتأخير، ولما اتصلت بك وجدت هاتفك مغلقا.
بارك الله فيكم اخي :::::استمتعت بقراءة موضوعك
وفيك بركةأختنا الكريمة
بارك الله فيك أخي الكريم .
أصبت فيم قلت ، الكلمة كالسيف ذو حدين ، أحيانا نحاول أن ننصح فنجرح غيرنا ونتأذى
نسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا ويتجاوز عن سيئاتنا
بارك الله فيك …الغضب اكبر مشاكلنا …