تخطى إلى المحتوى

قوله تعالى{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} 2024.

  • بواسطة

باب هل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} يُشَم منه رائحة الجبر؟ والكلام على الإرادة الشرعية والإرادة الكونية

[سئل الإمام]:
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (الأنعام25) , يَشُم البعض من هذه الآية رائحة الجبر, فما رأيكم في ذلك؟
[فأجاب]:
هذا الجعل هو جعلٌ كوني, ولفهم هذا لابد من شرح معنى الإرادة الإلهية, فالإرادة الإلهية تنقسم إلى قسمين: «إرادة شرعية, وإرادة كونية».
والإرادة الشرعية: هي كل ما شرعه الله عزوجل لعباده, وحضهم على القيام به من طاعات وعبادات على اختلاف أحكامها, من فرائض إلى مندوبات, فهذه
الطاعات والعبادات يريدها تبارك وتعالى ويُحبها.
وأما الإرادة الكونية: فهي قد تكون تارة مما لم يشرعها الله, ولكنه قدرها وهذه الإرادة إنما سُميت بالإرادة الكونية اشتقاقاً من قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس82) , فـ {شَيْئًا} اسم نكرة يشمل كل شيء, سواء أكان طاعة أو معصية, وإنما يكون ذلك بقوله تعالى: {كُنْ} , أي بمشيئته وقضائه وقدره, فإذا عرفنا هذه الإرادة الكونية – وهي أنها تشمل كل شيء, سواء أكان طاعة أو كان معصية – فلا بد من الرجوع بنا إلى موضوع القضاء والقدر, لأن قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} , معناه أن هذا الذي قال له {كُنْ} جعله أمراً مُقدراً كائناً لابد منه, فكل شيء عند الله عزوجل بقدر, وهذا أيضاً يشمل الخير والشر, ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين -الإنس والجن المكلفين المأمورين من الله عزوجل- أن ننظر فيما نقوم نحن به, إما أن يكون بمحض إرادتنا واختيارنا, وإما أن يكون رغماً عنا, وهذا القسم الثاني لا يتعلق به طاعة ولا معصية, ولا يكون عاقبة ذلك جنة ولا ناراً, وإنما القسم الأول هو الذي عليه تدور الأحكام الشرعية, وعلى ذلك يكون جزاء الإنسان الجنة أو النار, أي: ما يفعله الإنسان بإرادته, ويسعى إليه بكسبه واختياره هو الذي يحاسب عليه, إنْ كان خيراً فخير, وإن كان شراً فشر.
وكون الإنسان مختاراً في قسم كبير من أعماله, فهذه حقيقة لا يمكن المجادلة فيها شرعاً ولا عقلاً.
أما شرعاً: فنصوص الكتاب والسنة متواترة في أمر الإنسان بأن يفعل ما أمر به, وفي أن يترك ما نُهي عنه, وهذه النصوص أكثر من أن تذكر.
أما عقلاً: فواضح لكل إنسان متجرد عن الهوى والغرض بأنه حينما يتكلم,
حينما يمشي, حينما يأكل, حينما يشرب, حينما يفعل أي شيء, مما يدخل في اختياره, فهو مختار في ذلك غير مضطر إطلاقاً, وأنا شئتُ أنْ أتكلم الآن, فليس هناك أحد يجبرني على ذلك بطبيعة الحال, ولكنه مقدر, ومعنى كلامي هذا مع كونه مقدراً, أي أنه مقدر مع اختياري لهذا الذي أقوله وأتكلم به, ولكن باستطاعتي أن أصمت لأبين لمن كان في شك مما أقول أني مختار في هذا الكلام.
إذاً, فاختيار الإنسان -من حيث الواقع- أمر لا يقبل المناقشة والمجادلة, وإلا فالذي يجادل في مثل هذا إنما هو يسفسط ويشكك في البدهيات, وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة انقطع معه الكلام.
إذاً فأعمال الإنسان قسمان: اختيارية, واضطرارية.
والاضطرارية: ليس فيها كلام, لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الواقعية, والشرع يتعلق بالأمور الاختيارية, فهذه هي الحقيقة, وإذا ركزناها في أذهاننا, استطعنا أن نفهم الآية السابقة {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} وهذا الجعل كوني, ويجب أن نتذكر الآية السابقة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أن الإرادة ههنا إرادة كونية, ولكن ليس رغما عن هذا الذي جعل الله على قلبه أكنة.
مثال من الناحية المادية: أن الإنسان حينما يُخلق إنما يُخلق ولحمه غض طري, ثم إذا كبر وكبر يقسو لحمه ويشتد عظمه ولكن الناس ليسوا كلهم سواءً, فهذا مثلاً إنسان منكب على نوع من الدراسة والعلم, فهذا ماذا يقوى فيه؟ يقوى عقله؟ ويقوى دماغه من الناحية التي هو ينشغل بها, ويَنصب بكل جهده عليها, ولكن من الناحية البدنية جسده لا يقوى, وعضلاته لا تنمو.
والعكس بالعكس تماماً: فهذا شخص منصب على الناحية المادية, فهو في كل يوم يتعاطى تمارين رياضية -كما يقولون اليوم- فهذا تشتد عضلاته, ويقوى جسده, ويصبح له صورة كما نرى ذلك أحياناً في الواقع, وأحياناً في الصور, فهؤلاء الأبطال مثلاً تصبح أجسادهم كلها عضلات, فهل هو خُلق هكذا, أم هو اكتسب هذه البنية القوية ذات العضلات الكثيرة؟ هذا شيء وصل إليه هو بكسبه واختياره.
ذلك هو مثل الإنسان الذي يضل في ضلاله وفي عناده, وفي كفره وجحوده, فيصل الران إلى هذه الأكنة التي يجعلها الله عزوجل على قلوبهم؟ لا بفرض من الله واضطرار من الله لهم, وإنما بسبب كسبهم واختيارهم, فهذا هو الجعل الكوني الذي يكسبه هؤلاء الكفار, فيصلون إلى هذه النقطة التي يتوهم الجُهال أنها فُرضت عليهم, والحقيقة أن ذلك لم يُفرض عليهم وإنما ذلك بما كسبت أيديهم, وأن الله ليس بظلامٍ للعبيد.
"كيف يجب علينا أن نفسر القرآن" (ص23 – 28).

نقلا من موسوعة الشيخ الألباني رحمه الله رحمة واسعة

_________
(1) " ضعيف الجامع" (رقم 29)، " الضعيف " (3/ 683).

المسلم مجبر على العمل والسير في طريق الحق ويدعو الله الثبات والسداد في القول والعمل
اللهم إن كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا

المسلم يجب عليه ان يعمل صالحا ويسير في الطريق الصحيح وان يؤدي كل فرائضه وواجباته التي اوجبها وفرضها عليه الله عز وجل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.