تخطى إلى المحتوى

قواعد هامة لمنع تزييف التاريخ 2024.

  • بواسطة

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .. امابعد..

تزييف وعي الأمة، سبيل من سبل إبعادها عن دين ربها، وهو أحياناً يحدث عن عمد وسبق إصرار وترصد، ومع فقدان البصيرة تزداد معالم الغربة، وقد أصبح التاريخ والحديث عنه من أهم أسباب هذا التزييف، وكما أطلق على هذه المنطقة، والتي هي منبع الرسالة، اسم منطقة الشرق الأوسط- أي بالنسبة لأوروبا- وعلى دولها اسم الدول النامية – أي المتخلفة- أو دول العالم الثالث، فزيّفوا بذلك معاني الجغرافيا، وإلا فهذه المنطقة في قلب الدنيا { لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } [الشورى: 7].
كما وأنهم زيفوا معاني التاريخ، فقسموه إلى تاريخ قديم ووسيط وحديث، ووصفوا القرون الوسطى بالقرون المظلمة!! وهذا التقسيم إن كان يصلح فهو يصلح مع أوروبا، ولا يصلح مع المسلمين بحال، فالقرون الوسطى والتي كانت مظلمة بالنسبة لهم كانت عندنا قروناً شاعت فيها الهداية والنور، وبعث فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين.

والتاريخ شأنه كشأن غيره، يتناوله الغالي والجافي، ومسائله قد تدور بين إفراط وتفريط، فالتفسير الماركسي المادي للتاريخ يعتبر المادة هي أصل الكون، وأن الإنسان قد نشأ منها بالتطور والارتقاء، وأن الطبيعة – وهي الإله عند الشيوعيين – هي التي أنشأته، وأن وسائل الإنتاج هي سبب التطور، وهي التي تحدد نوع العلاقات الاقتصادية، وهي التي تحتم نوع العلاقات الاجتماعية والعقائدية والمذاهب الأخلاقية، بل الحياة العلمية والفكرية والروحية بكاملها، وهكذا يبلغ الغلو مداه، ولذلك لا عجب أن تنكسر الشيوعية، ويضمحل تفسيرها للتاريخ، وعلينا أن نجاهد للإجهاز على طغيانها المادي الذي فرضه البعض على الواقع، وبمقتضاه فسروا التاريخ الإسلامي تفسيرًا ماديا أو قوميًّا أو علمانيًّا.

لقد بلغ من أثر هذه اللوثة أن بعض الكتاب المتأثرين بهذا الفكر قال بتطور العقيدة، وأن العقيدة تطورت من عبادة الوثن والصنم والطوطم..إلى عبادة الله الواحد!! وذكر البعض أن إخناتون هو أول من دعا بالتوحيد!! وتناسى هؤلاء أن البشرية بدأت بنبي الله أدم – نبي مكلم – أي بمرتبة هي من أعلى مراتب الهداية، وكان بين آدم ونوح عشرة قرون- كلها على التوحيد الخالص كما قال ابن عباس – رضى الله عنهما – ثم طرأ الشرك في قوم نوح { وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } [نوح: 16].وقد آلت نظرية النشوء والارتقاء إلى الاندثار غير مأسوف عليها وعلى أصحابها.

نحن بحاجة لضبط التاريخ ومفرداته بكتاب الله وبسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فهذا هو المقياس والميزان، الذي رضيه لنا ربنا، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نحرص على موافقته، لا على مسايرة أحداث التاريخ كما يدعو البعض ونحذر مصادمة الإسلام، وإنِ اتهمنا فريق بأننا نصادم حركة التاريخ، ونخلص العبودية لله وحده، لا لله وللتاريخ كما يعبر البعض.

وكما نحتاج لضبط المعاني الإجمالية والمناهج التاريخية؛ كذلك لا بد من تمحيص للتفاصيل حتى لا نكون أشبه بحاطب ليل، وخصوصاً مع كثرة الكتابات التاريخية الفارغة والتي ليس لله فيها نصيب، ومحاولة إضفاء الهالة والبريق على ما يسمى بزعامات تاريخية، قد ينبهر بها الناس ويقتدون بها على حساب منهج الأنبياء والمرسلين، فهذا وطني، والثاني قومي، والثالث اشتراكي… وكلهم لا يعظم لله شرعاً.
وكما لا ينبغي أن ننبهر بالساقطين، كذلك ما يزعمه البعض عن الثوابت التاريخية، قد تكون معاني عارية عن الصحة تماماً، فالبعض اعتبر صلب المسيح من الثوابت التاريخية، قال – تعالى -: { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ } [النساء: 157]. { بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء: 158]، وبيَّن – سبحانه – اضطراب أوائلهم بشأنه: { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [النساء: 157].

لقد رُفِعَ المسيح إلى السماء الثانية وأُلقي شبهه على يهوذا الخائن، أخذوه فقتلوه، ولذلك اضطربوا وقالوا: إن كان صاحبنا قتل فأين المسيح، وإن كان المسيح قتل فأين صاحبنا؟!
واليهود اليوم عندما يغتصبون أرض فلسطين يزعمون أنها أرض الميعاد، وأنها حق تاريخي ثابت، وهي دعوة عريضة لا بد من إقامة البرهان عليها، وإلا فكل أرض علاها حكم الله، لا بد من استعادتها لحوزة الإسلام والمسلمين… كذلك فهم ينتظرون المسيح، ومسيحهم هو الدجال، وستكون هلكته على يَدَي مسيح الهدى – كما ورد في أخبار الساعة -.

لقد استخدم التاريخ في أبعاد الدنيا عن دين ربها، بل وتفريق هذه الأمة بحضارات زائفة بائدة عفنة فرعونية وآشورية وبابلية وفينيقية… صارت هي البديل عن إسلام الوجه لله – تعالى -: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ } [ آل عمران: 19]، { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85].
وفي المقابل تم تشويه تاريخ الصحابة والخلافة الإسلامية، حتى يقطعوا الصلة بيننا وبين إسلامنا، ونخجل من المطالبة بتطبيق شرع الله، ونترك العمل لإقامة خلافة على منهاج النبوة.

لهذا وغيره لابد من وقفة شرعية تجاه هذا الطغيان المادي الذي لحق بالتاريخ، وأن تتضافر الجهود لمنع تزييف الوعي، وأن تستخدم جميع وسائل التعليم والإعلام لكشف هذا الدس وهذا التشويه التاريخي؛ ليحيى من حييَّ عن بينة، ويهلك من هلك أيضًا عن بينة.

قواعد هامة:

وبما أن دراسة التاريخ في حس المسلم مرتبطة بعقيدته، والتاريخ أداة من أدواته في الدعوة إلى الله، وتحقيق عبوديته بإقامة منهجه وتحكيم شريعته؛ فإنه يتوجب عليه ملاحظة بعض القواعد في أسلوب الكتابة وطريقة العرض ومنها:
• جعل العقيدة الإسلامية المحور الأساسي في عرضه:
فإن البشرية على طول تاريخها كلما فاءت إلى هذه العقيدة وتمسكت بها حصل لها السعادة والتمكين في الأرض، وكلما بعدت عنها أصيبت بالأمراض الاجتماعية والخلقية، وفشا فيها الظلم والجور، وسلط عليها الأعداء.

• المحافظة على الوقائع التاريخية الصحيحة:

المحافظة على الوقائع التاريخية الصحيحة والتركيز على التصورات الإسلامية الصحيحة أثناء العرض الموضوعي للحادثة التاريخية، مع ملاحظة المحافظة على الوقائع التاريخية وعدم الإخلال بها؛ وعرضها كما جاءت في مصادرها الصحيحة.

• التركيز على الأهداف والغايات.

فالمؤمن له في الحياة هدف وغاية عليا يسعى دائماً لتحقيقها، وهي: عبادة الله وحده، وعند دراسته لحقبة معينة من الزمن أو حادثة من الحوادث فإنه لا ينظر إلى هذه الدراسة إلا كوسيلة من الوسائل للوصول إلى الغاية العليا، فلا ينفق كل جهده في الوسيلة ويترك الغاية، ولذلك ينبغي أن لا تشغلنا الدقائق التفصيلية في حوادث التاريخ عن العبرة من الحدث، والرؤية الشاملة له، وعن الاعتبار الذي يترك في النفس أثراً، وإنفاق الوقت والجهد في البحث عن أمور لا طائل تحتها ولا عود على البحث بفائدة وليست من هدف المسلم ولا غايته في الحياة، إلا أن يكون البحث في التفصيلات متعلق به مقصد شرعي؛ فلا بأس حينئذ من البحث ومحاولة إثباته.
وفي القرآن الكريم دلالة على هذا المقصود، فضرب الصفح عن ذكر اسم صاحب يس وبلده واسم أبيه، وكذلك مؤمن آل فرعون، وعدد أهل الكهف ولون كلبهم، فالناس عادة يتعلقون بالأمور الجانبية التي لا فائدة ترجى من وراء معرفتها؛ ويختلفون في ذلك، ثم يخوضون بالجدل فيه بغير علم ويتركون المقاصد والأمور المهمة؛ وهي أخذ العبرة من وراء سياق القصة.

• أن يكون العرض موحياً بتحبيب الخير وتبغيض الشر:

فالمؤرخ صاحب رسالة وحامل مشعل هداية للبشرية، وميزانه في معرفة الخير والشر ليس عرف الناس ولا ما تواضع عليه أهل زمن، أو قررته هيئة من الهيئات، أو زعيم من الزعماء؛ إنما ميزانه هو شرع الله، ولذلك فالمؤرخ في دراسته يجب عليه أن يفحص ويدقق وينقد المصادر والمراجع ويتثبت غاية التثبت، وأن يعرض الأحداث بأمانة وصدق، ثم عليه أن لا يظهر الباطل بمظهر الحق ولا يظهر الشر بمظهر الخير، إنما يسمي الأشياء باسمها، فالحق حق مهما كان فاعله، والباطل باطل مهما كان قائله، والميزان هو شرع الله، وهذا من أعظم غايات دراسة التاريخ وثمراته.

• إبراز دور الأنبياء.

كما أن على المؤرخ أن يبرز دور الأنبياء وأثرهم في تاريخ البشرية، وكيف جاءوا بعقيدة واحدة؛ وهي إفراد الله بالعبادة، والاستسلام له بالطاعة، والتبرؤ من الشرك وأهله وتوضيح أن الإسلام هو دين الأولين والآخرين: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19]، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. وتبيين أن التاريخ البشري كله يمثل صراعاً بين الحق والباطل والإيمان والكفر، ودور الأنبياء وأتباعهم يمثل في تاريخ البشرية كلها خطًّا مستقيماً ومرتبطاً بعضه مع بعض من آدم إلى محمد – صلى الله عليه وسلم -، وتقف بإزائه الجاهليات على تعدد أنواعها واختلاف عصورها، فالجاهليات تشكل أمة واحدة وحزبًا واحداً، في مقابل أمة الإسلام ودعوة الحق وحزب الرحمن واتباع الرسل والأنبياء، وما من فترة سيطرت فيها الجاهليات إلا وأصيبت البشرية بالشقاء والتعاسة وسادها الظلم، ولا أظلم من الشرك بالله.

• تحري استعمال المصطلحات الإسلامية.

وتجنب المصطلحات الدخيلة؛ مثل: الوحدة العالمية، والإخاء الإنساني، والتعاون الدولي، والسلام العالمي، وزمالة الأديان، والحرية، والمساواة، والتقارب بين المؤمنين بالله في مواجهة الإلحاد والشيوعية، وأن نعلم أنه لا التقاء بين الحق والباطل، ولا بين الهدى والضلال؛ فالديمقراطية والاشتراكية والثيوقراطية والدكتاتورية والإمبراطورية واليمين واليسار والمحافظين والليبرالي والإمبريالي والأحرار والأرستقراطية؛ كلها مصطلحات أوروبية ذات مضامين ودلالات محلية وتاريخية، ولا يمكن فصلها عن ذلك الوسط الاجتماعي، والظروف التاريخية والثقافية التي لابست نشوء هذا المصطلح أو ذاك، وأن كل كلمة لها معنى ورصيد عند أهلها، ولا بد من ضبط اللفظ والمعنى بما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلا يصح الترويج لها في بلاد المسلمين ولا إضافة الإسلام إليها، كقولهم الديمقراطية الإسلامية ـ فهذا مما يروج للفظ الديمقراطية "بمضمونه عند أهله"، ويحببها للنفوس مع ما تحمله من خراب ودمار.

• الابتعاد عن أسلوب التعميم قبل حصول الاستقراء.

فمثلاً لا يصح أن نقول: إن أهل المدينة كلهم تخاذلوا عن نصرة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – أو رغبوا في قتله، كما لا يجوز أن نأتي إلى مجتمع من المجتمعات أو عصر من العصور فنحكم على أخلاق أهله من خلال شعر اثنين أو ثلاثة أو حتى مائة من الشعراء الماجنين فنقول: إن هذا العصر عصر مجون وتهتك وخلاعة، أو أن نصف أسرة كأسرة بني أمية بأنها كلها ظالمة. أو نقول: إن فرقة المرجئة أو المعتزلة كلهم زنادقة ومنافقون؛ لأن كل طائفة لا تخلو من بعض الخيرين أو العوام أو المجتهدين المتأولين، غير أن الحكم يكون للغالب، فلا شك أن كتابة التاريخ أمانة، ولا بد في ذلك من المحافظة على هذه القاعد؛ لمنع تزييف الوعي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بارك الله فيك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فريدرامي الجيريا
بارك الله فيك

شكرا لمرورك الطيب اخي تمنيت لو كان هناك تعقيب او ملاحظة

شكرا لمرورك الطيب اخي تمنيت لو كان هناك تعقيب او ملاحظة

بارك الله فيك

بارك الله فيك أخي على الموضوع المميز حول التاريخ وما حدث له من تحريف ويأسف الزمن أن بعض المحرفين من بني جلدتنا مممن غرتهم الأنتمائات
القومية وجزية خيرا على الموضوع الطيب وكان الله في عونك أخي

الف شكر اخى على الموضوع القييم
و جزاك الله كل خير و اكثر من امثالك فى المنتدى

بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز تمنيت لو أن هناك تعقيب أو ملاحظة و لدي تعقيبات و ملاحظات أرجو أن يتسع صدرك لها. لقد احتوى مقالك هذا على الكثير من النقاط التي لا أوافق عليها و جملة من النقاط التي أراها متناقضة حتى أنني لا اعلم من أين ابدأ و من أين انتهي لكني أتوكل على الله و ابدأ فأقول:
التاريخ علم يتعلق بذكر أحداث الماضي و بالتالي فموضوعه حقائق و وقائع هي واحدة لكل البشر لكن من نظر بتعمق في كتابة التاريخ يعلم إن كتابة التاريخ في الماضي كانت تخضع لأهواء الكتاب و مؤثرات السياسة و المذاهب و الطوائف و الأعراق و بالتالي كان لابد للباحث في التاريخ إن يتنبه لهذا الأمر و إن يكون له منهج علمي يتحقق به قدر الإمكان من المعلومات التاريخية و أن ينظر بعين الناقد لما يقع بين يديه و لعل ابن خلدون كان من الأوائل الذين أدركوا هذه المشكلة و أشار إلى أن ضرورة إتباع طرق لمعرفة إمكانية وقوع الحادثة من عدمه. فغرض الباحث في التاريخ هو معرفة الوقائع التاريخية كما حدثت لا كما نريدها لأنها وقائع موضوعية و منه فالقول انه لابد من النظر للتاريخ من منظور إسلامي هو كلام خاطئ بنظري كقولنا لابد لدراسة الرياضيات و الكيمياء و الفيزياء من منظور إسلامي, لأن علم التاريخ ليس علما معياريا كعلم القانون وعلم الأخلاق و أنظمة الحكم التي قد نختلف في تصورنا لها لأنها تقع في باب ما نريد, فنحن قادرون على إعادة أو تعديل أو إزالة مواد من القانون لأننا نرى أنها لا تناسبنا لكننا لا نستطيع تغيير أو إزالة أو تعديل حقائق التاريخ و الفيزياء و الكيمياء. و منه فإن النظر في التاريخ يجب أن يكون موضوعيا و لا يصح أن تقع صفة التصور الإسلامي على الحقيقة التاريخية إلا من باب الحكم عليها و على الفاعلين المؤثرين في التاريخ و لكن هذا ليس دور المؤرخ الأساسي بل هو دور الدعاة و السياسيين و المفكرين و غيرهم.
و المؤرخون أحيانا كثيرة خاصة القدماء كانوا يغفلون عن الأسباب الفعلية لحركة التاريخ و لم تكن لديهم معارف و تصورات تسمح لهم بتفسيرها تفسيرا موضوعيا , لذلك حاول ابن خلدون أن يغطي هذا النقص و جاء بعده من العلماء من قدم لنا مناهج و نظريات علمية لفهم أحداث التاريخ و دوافعها الاقتصادية والسياسية و العرقية و العسكرية و الثقافية و الدينية …الخ . و كارل ماركس كان احدهم . و هنا لابد من وقفة إذ لابد على القارئ الموضوعي للفكر البشري عموما و الفكر الغربي خصوصا أن يميز بين النظرية العلمية و الاستغلال الإيديولوجي للنظرية العلمية , فنظرية ماركس حول الدور الجوهري للعامل الاقتصادي في التاريخ قائمة على ملاحظات و تحليل علمي دقيق منها بحثه عن أسباب الثورة الفرنسية و الماركسية لا تدعي أن العامل الوحيد في حركة التاريخ هو الاقتصاد لكنها تعتبره العامل الأهم , أما الشيوعية فهي ليست نظرية علمية بل إيديولوجية سعت إلى تقديم حلول لمشكلة التفاوت و استغلال الأغنياء للفقراء و هي إذن لا تدخل في باب العلوم بل هي تصور معياري لما يجب أن يكون(حقيقة ذاتية) عل عكس النظرية الماركسية التي هي تصور لما حدث(حقيقة موضوعية) فكون الأمرين صادران من رجل واد لا يعني ربطهما ببعض ربطا مطلقا فنحن نأخذ منه تصوره الموضوعي للتاريخ و نناقشه بصورة علمية و نرفض التصور الذي يقدمه لما يجب أن يكون(الشيوعية) لكونه يخالف الإسلام. فكما يفرق المسلمون بين ما جاء في كتب ابن سينا في الطب و بين توظيفه لمعارفه في الطب في نظرياته الفلسفية فنناقش مضمون الأولى و نرفض ما يخالف الدين في الثانية فكذلك وجب التعامل مع أفكار ماركس و فرويد و نيتشه و داروين و غيرهم , أي إننا نناقش الجانب العلمي منها بصورة علمية و نقبله إن ثبت صحته و نرفض الجانب الذاتي المعياري منه , فنظرية فرويد لا ترفض كلها و كثير من ملاحظاته صائبة و دقيقة و لكن تصوره لما يجب أن يكون هو الجانب الذاتي منه و الذي يحق لنا أن لا نلتفت إليه.

و عودة لقضية التصور الإسلامي للتاريخ فليس الصحيح القول انه علينا أن نضبط التاريخ و مفرداته بكتاب الله و سنة رسوله –صلى الله عليه و سلم- تماما كما لا يصح أن نضبط مفردات الرياضيات و الكيمياء و الفيزياء بالكتاب و السنة. فعندما نتحدث عن العصور التاريخية القديمة كالحجري و البرونزي و الحديدي و عندما نتحدث عن الحضارات كالآشورية و الفينيقية و الحثية أو عندما نتحدث عن الهجرات والحروب و الثورات و الانقلابات و التحالفات أو عندما نتحدث عن القبائل و الشعوب أو عندما نستشهد بالإحصاءات و الأرقام و أو عندما نتحدث التواريخ ففي كل هذا تستخدم مصطلحات و مفاهيم لا هي إسلامية و لا هي غير إسلامية , و لا أدري لماذا علينا أن نقحم الإسلام في كل شيء و مرة أخرى أقول إذا صح ما تقول فعلينا أيضا أن نضبط مفردات الفيزياء بالكتاب و السنة أو إن ذلك معناه أن التاريخ ليس حقائق ثابتة هي واحدة للمسلم و غير المسلم كما هي ظواهر الكيمياء و الفيزياء فلا بد و الحال هذه أن تسمى الأشياء بمسمياتها, أما بعض المصطلحات التي ذكرتها ك : الوحدة العالمية، والإخاء الإنساني، والتعاون الدولي، والسلام العالمي، وزمالة الأديان، والحرية، والمساواة، والتقارب بين المؤمنين بالله في مواجهة الإلحاد والشيوعية فهذه ليست مصطلحات المؤرخين بل مصطلحات الإيديولوجيين والسياسيين , و لكن الغريب هي الدعوة إلى ضبط مفاهيم ( الديمقراطية والاشتراكية و الثيوقراطية والدكتاتورية والإمبراطورية واليمين واليسار والمحافظين والليبرالي والإمبريالي والأحرار والأرستقراطية) فإذا كان القصد هو إعادة صياغة هذه المفاهيم صياغة إسلامية فنرجو إفادتنا بتلك الصياغات و دليلك من الكتاب و السنة و فذا كان قصدك هو نقد مضامينها فهذا ليس عمل المؤرخ لكن من حق أي إنسان أن ينتقدها و يرفضها مضامينها و لكن لا نستطيع أن نرفضها كحقائق موضوعية أي كتيارات لها وجود فعلي على ساحة التاريخ و إلا فنحن نزور التاريخ .

و الذي أراه أننا في أحايين كثيرة لا نميز بين عمل المؤرخ الأكاديمي و بين من يقتات على التاريخ من سياسيين و منظرين إيديولوجيين لذلك نخلط بين الحقيقة التاريخية و المعتقدات مثلا , فلا يوجد من متخصصي التاريخ مثلا من يزعم أن المسيح صلب فعلا فهذا ليس قول المتخصصين في التاريخ و إذا أردت الـتأكد من ذلك فتصفح ما يكتب حول الأمر في الدوريات المتخصصة..

أما عن تزييف التاريخ فصحيح أن هناك من يحاول تغيير الحقائق التاريخية لأغراض سياسية و عقائدية و مصالح شتى وكما أن هناك من يحاول تشويه التاريخ فهناك أيضا من يحاول تلميعه و تزيينه و هو يضن أنه يفعل خيرا, و الأجدر بالمسلم أن ادرس التاريخ بتجرد و موضوعية و أمانة و ليس من باب انه من أهل السنة و الجماعة أو من باب انه عربي أو مسلم فكل ذلك لا يغني عن الحق شيئا (الحقيقة التاريخية) بل هو مدخل للذاتية و تأثير المذهب على تصور وقائع التاريخ و إنكارها و انتقاء ما يتوافق منها مع تصور الباحث و التركيز على عيوب الغير و الغفلة على عيوب من يتشبع له و لا أريد أن أطيل فاكتفي بهذا القدر آملا أن تكون فرصة لنقاش جاد على هذا المنتدى

ردد معي

سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم

قواعد هامة
بارك الله فيك

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.