السؤال:
قرّرتِ الدّولةُ اللّيبيّةُ صرْفَ قروضٍ بدونِ زيادةٍ على رأس المالِ، وقد سمعتُ من بعضِهم أنّ هناك وثيقةً لاحقةً تتضمّن بندًا ينصّ على أنّه يحقّ للبنكِ تغييرُ الشّروطِ، فما حكمُ هذا القرضِ؟ وبارك اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فإذا أُعطِيَتِ القروضُ بدونِ شرطٍ مسبقٍ في العقدِ يتضمّن زيادةً على ثمنِ القرضِ؛ فإنّ هذه القروضَ في ذاتِها حسنةٌ معدودةٌ من عقودِ الإرفاقِ، أمّا إذا زِيدَ فيها أيُّ شرطٍ لاحقًا يتضمّن زيادةً على القرضِ أو تأمينًا تجاريًّا أو ضمانًا بنكيًّا عليه؛ فإنّ العقدَ الثّانِيَ اللاّحقَ إذا كان مرتبطًا بالعقدِ الأوّلِ فإنّه يُبطله ويجعله لاغيًا ويردّ القرضَ إن تسلّمه، ذلك لأنّ المقصودَ من ضمانِ القرضِ مساعدةُ المحتاجِ ومعاونتُه، فهو -أيضًا- من عقودِ الإرفاقِ كالقرضِ، لا يُقصد منه الاستثمارُ الدُّنيويُّ، لذلك لا يجوز للضّامنِ أن يأخذَ شيئًا على ضمانِه، فإن خلا من ذلك كلّيّةً فالقرضُ حسنٌ، وله أن ينتفعَ به ويردَّه في الآجالِ المحدَّدةِ إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإلاّ فنَظِرَةٌ إلى ميسرةٍ.
وجديرٌ بالملاحظةِ والتّنبيهِ أنّ الجانبَ المقرِضَ لا يَسَعُه أن يشترطَ أن تكونَ له الحريّةُ في المزيدِ من الاشتراطِ أو في الرّجوعِ عن العقدِ اللاّزمِ؛ لأنّ مِثْلَ هذا يتنافى مع صفةِ العقودِ جملةً من حيث لزوميّتُها، عملاً بقولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة:1]، والوفاءُ بالعقدِ يكون بعد لزومِه، فلا حريّةَ للمقرِضِ في التّصرّفِ في العقدِ بعد لزومِه، فإنْ ورد هذا الشّرطُ بعد لزومِ العقدِ، ولم يكنْ بين الوثيقتَيْن ارتباطٌ؛ فإنّ العقدَ يلزم والشّرطَ يَبْطُلُ، وليس له أن يردَّ إلاَّ ما أخذه؛ لقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا»(١- أخرجه التّرمذيّ في «الأحكام»، باب ما ذُكر عن رسول الله في الصّلح بين النّاس (1352)، والدّارقطنيّ في «سننه» (3/ 27)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (6/ 79)، من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود بنحوه في «الأقضية» بابٌ في الصّلح (3594). قال ابن تيميّة في [«مجموع الفتاوى» (29/ 147)]: «وهذه الأسانيد -وإن كان الواحد منها ضعيفًا- فاجتماعها من طرق يشدّ بعضُها بعضًا»، والحديث صحّحه بمجموع طرقه الألبانيّ في «الإرواء» (1303)، وقال: «وقد روي من حديث أبي هريرة، وعائشة، وأنس بن مالك، وعمرو بن عوف، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر»)، ولقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ»(٢- أخرجه البخاري في «البيوع»، باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل: (2168)، ومسلم في «صحيحه» كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق: (1504)، بلفظ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ…»، وابن ماجه واللّفظ له في «العتق» باب المكاتب (2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في : 07 ربيع الثاني 1445ﻫ
الموافـق ﻟ: 12 مـارس 2024م
١- أخرجه التّرمذيّ في «الأحكام»، باب ما ذُكر عن رسول الله في الصّلح بين النّاس (1352)، والدّارقطنيّ في «سننه» (3/ 27)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (6/ 79)، من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود بنحوه في «الأقضية» بابٌ في الصّلح (3594). قال ابن تيميّة في [«مجموع الفتاوى» (29/ 147)]: «وهذه الأسانيد -وإن كان الواحد منها ضعيفًا- فاجتماعها من طرق يشدّ بعضُها بعضًا»، والحديث صحّحه بمجموع طرقه الألبانيّ في «الإرواء» (1303)، وقال: «وقد روي من حديث أبي هريرة، وعائشة، وأنس بن مالك، وعمرو بن عوف، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر».
٢- أخرجه البخاري في «البيوع»، باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل: (2168)، ومسلم في «صحيحه» كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق: (1504)، بلفظ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ…»، وابن ماجه واللّفظ له في «العتق» باب المكاتب (2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
بواسطة ديوان تشغيل الشباب
للشيخ الدكتور محمد علي فركوس
السؤال:
ما يجري الآن في بلادنا (الجزائر) من معاملات مما يسمى تشغيل الشباب حيث تعطي الحكومة للشباب آلات للعمل عن طريق البنك وهؤلاء الشباب يسدِّدون ثمن تلك الآلات بالتقسيط وبزيادة على سعرها يوم أن قبضوها من البنك الذي دفع ثمنها لبائعي الآلات. لقد وضح لي أنه ربا، لكن نسمع بعض المفتين الفضلاء يفتي بالجواز بناء على أنه مرابحة!! فهل هذا صحيح؟ مع الأخذ بالحسبان باب الحاجة ( التي يسميها بعضهم ضرورة ولكنها في الحقيقة ليست ضرورة شرعية) وهذه الحاجة هي عدم وجود العمل لكثير من الناس، لفوضى التوزيع وعدم التنظيم. فهل هذه الأشياء تبيح هذا الشيء (تشغيل الشباب) كما أباحت الحاجة التأمين على السيارات؟ والمعروف أنَّ التأمين يدخل فيه الربا والقمار، والغرر، والجهالة. أفيدونا أفادكم الله.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ ما يجريه ديوان تشغيل الشباب من معاملات لفائدة الشباب عن طريق البنك حيث يحصلون على آلات العمل ويسددونها بالتقسيط بواسطة بيع المرابحة الذي يقوم مقام الإقراض الربوي الجاري في البنوك الربوية، حيث يَعِدُ البنك بأن يشتري البضاعة على أن يبيعها بربح معلوم للمشتري الذي يلتزم بشرائها منه على مجرد الوعد بالبيع ويسددها له بالتقسيط ضمن آجال محددة، هذا التعامل الذي يرى فيه بعض المفتين الفضلاء إلزامية الوفاء بالوعد بالبيع ويجعلونه في مقام العقد بناء على ظواهر الآيات القرآنية والسنة النبوية منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ ﴾[يونس: 55] وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً﴾ [مريم: 54] وقوله تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 77] وقوله تعالى: ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: 16]، ومن السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»(١) ولا يخفى أنه ليس في هذه النصوص الشرعية ما يدلُّ على تحريم إخلاف الوعد ولزوم الوفاء به ذلك لأنَّ الوعد في سورة التوبة إنما المقصود به العهد الذي هو الميثاق والالتزام والنذر على نحو ما بينته الآية التي قبلها، وهو خارج عن محل النزاع، كما أنَّ الوعد للمستقبل لا ينطبق عليه الصدق والكذب كما بينه صاحب الفروق في «الفرق: 214»: «بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به وما لا يجب» حيث يقول: «إنَّ المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم، ولم يقع فيه بعد وجود ولا عدم فلا يوصف الخبر عند الإطلاق بعدم المطابقة و لا بالمطابقة لأنه لم يقع بعد ما يقتضي أحدهما، وحيث قلنا الصدق القول المطابق والكذب القول الذي ليس بمطابق ظاهر في وقوع وصف المطابقة أو عدمها بالفعل، وذلك مختص بالحال والماضي، وأما المستقبل فليس فيه إلاَّ قبول المطابقة وعدمها»(٢)، وأمَّا الإخلاف في صفة المنافق في الحديث، فليس فيه دليل على لزوم الوفاء بالوعد، لأنَّ غاية ما يدل عليه هو ما كان الإخلاف بالوعد على وفق مقتضى حاله، وكان سجية له وطبعًا، وما كان كذلك فلا يغيب على بال أنه يحسن الذم بها. فالحاصل أنَّ العلماء أجمعوا على أنَّ من وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، وأنَّ ذلك معدود من مكارم الأخلاق(٣)، لكن الوفاء به -على مذهب الجمهور- غير لازم وإنما يستحب له ذلك فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولكنه لا يأثم، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك في رواية والشافعي وأحمد وابن حزم وغيرهم(٤).
وإذا تقرر عدم لزوم الوفاء بالوعد ظهر الفرق بينه وبين العقد، فالعقد هو تطابق إرادتين وارتباطهما على وجه التحقق والإنجاز، بينما الوعد هو إبداء الرغبة في تحقيق فعل للغير على وجه الإحسان والمعروف، فمن وعد بالوفاء به وهو عاقد العزم على تحقيقه له، لكن حالت الظروف دون ذلك فأخلف فلا حرج عليه، وإنما الحرج والضيق فيمن عَزْمُه على الإخلاف بالوعد معقود فهو واقع في المكروه ولا يلحقه إثم، ولا يلزم الوفاء بوعده.
ومن هنا يظهر أنَّ بيع المرابحة الذي يجري في البنوك القائمة على الإلزام بالمواعدة إنما هي طريقة قائمة مقام الإقراض الربوي، وخاصة وأنَّ البنك – في كل الأحوال- يضمن الربح، ويشترط على المتعامل معه التأمين على كل الأخطار على حساب المتعامل، وبغضِّ النظر عن ممنوعية التأمين، فإنَّ البنك يجعل لنفسه مأمنًا تعويضيًّا عن أيِّ خسارة قد تنجر من هذه المعاملة المالية.
وعليه، فإنَّ ديوان تشغيل الشباب إن كان طموحه لتوفير اليد المهنية وامتصاص البطالة وتقوية الاقتصاد فالواجب عليه أن يسعى إلى توفير مناصب شغل بقروض حسنة خالية من عوائد مادية، وذلك بإبعاد التدخل المفتعل للبنوك التي مدار تعاملها على أكل أموال الناس بالباطل، ولا يهمها تشغيل الشباب من تضييعه، وهي لا تزيد الشباب العاطل إلاَّ محقاً وفقرًا وتهوينًا والله المستعان
ولا يُفكّ عن الشباب العاطل ما أُغلق عليه من آفاق العمل بإسعافه بقروض ربويّة تتكفل الدولة بتسديد فوائدها، إذ المعلوم أنّ القرض لا يفقد صفة رِبويّته إذا قام غير المقترض بتسديده، سواء كان المتكفل بالتسديد شخصا طبيعيا كأحد أقاربه أو شخصا معنويا اعتباريا كإحدى الهيئات الإدارية أو المؤسسات الحكومية، لأن الفائدة الربوية اشتُرِطَتْ عند عقد القرض، فهي تندرج ضمن قاعدة «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» بغضّ النظر عن مسدّده.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 25 جمادى الأولى 1445ﻫ
الموافـــق ﻟ: 21 جوان 2024م
١- أخرجه البخاري في الإيمان (33)، ومسلم في الإيمان (59)، والترمذي ( 2631)، وأحمد ( 8470)، والبيهقي ( 11652) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢- الفروق للقرافي: (4/ 23).
٣- الأذكار للنووي: (270) .
٤- المحلى لابن حزم: ( 8/ 28). الفروق للقرافي: (4/ 24) .
بارك الله فيك
وفيك بارك الله
بارك الله فيك
بارك الله فيك.
وعافانا الله من الربا .
وكان الله في عوننا.
واياك
امين يا رب