وبالجملة فغيرته تقتضي ان تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله وكذلك يغار علي أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضى محبوبة فهذه الغيرة من جهة العبد وهي غيرة من المزاحم له المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبة وأما غيرة محبوبه عليه فهي كراهية ان ينصرف قلبه عن محبته الى محبة غيره بحيث يشاركه في حبه ولهذا كانت غيرة الله ان يأتي العبد ماحرم عليه ولاجل غيرته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر منها وما بطن لأن الخلق عبيده واماؤه فهو يغار علي امائه كما يغار السيد على جواريه ولله المثل الأعلي ويغار علي عبيده ان تكون محبتهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها .
من عظم وقار الله في قلبه ان يعصيه وقره الله في قلوب الخلق ان يذلوه اذا علقت شروش المعرفة في ارض القلب نبتت فيه شجرة المحبة فاذا تمكنت وقويت أثمرت الطاعة فلا تزال الشجرة تؤتي أكلها كل حين باذن الله ربها اول منازل القوم اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا وأوسطها هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى والنور وآخرها تحيتهم يوم يلقونه سلام ارض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها فان غرست شجرة الايمان والتقوى أورثت حلاوة الابد وان غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر من ارجع الى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع اليه بتوفيقه الا منها وما شرد من شرد عنه بخذلانه الا منها فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثم أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمرة وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي فليتدبر اللبيب هذا المثال فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره اليه انما العجب من مالك يتحبب الى مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه مع غناه عنه
الفوائد لابن قيم الجوزية
بارك الله فيك
آمين وفيك بارك الرحمن
آمين وجزاكم الرحمن بالمثل