الطب والصيدلة في العصر العباسي
من بين المجالات العلمية التي بزغت إبان العصر العباسي علمى الطب والصيدلة، ويرجع ذلك إلى الترجمة التي بلغت في العصر العباسى شأنًا عظميًا منذ خلافة أبى جعفر المنصور الذي كلف "جورجيس بن بختيشوع النسطورى" بتعريب كتب كثيرة في الطب عن الفارسية، وتوارثت أسرته بعد ذلك الترجمة والتأليف والتدريس. ويعتبر عهد الخليفة المأمون العصر الذهبى لازدهار حركة الترجمة والانفاق عليها بسخاء، وقد برز في مجال الترجمة والتأليف "أبو يعقوب يوحنا بن ماسويه" الطبيب المسيحي الدمشقى، الذي عهد إليه الرشيد بترجمة الكثير من كتب الأطباء والحكماء مثل: "أبقراط"، و"جالينوس"، وغيرهما وخلف "يوحنا" تلميذه حنين بن إسحاق العبادي الملقب بشيخ تراجمة العصر العباسى. ولم يقتصر تأثير حركة الترجمة العلمية على إثراء المكتبات والمدارس بجل تراث القدماء، ولكن التأثير ظهر في صورة أهم من ذلك، وهي استيعاب القديم، والانطلاق بخطى سريعة إلى عهد جديد في التأليف الطبى. وبلغ التأليف بعد ذلك قمته كمًا وكيفًا بفضل عدد كبير من المبرزين في علوم الطب تميزوا بغزارة إنتاجهم، وعظمة ابتكاراتهم، وسلامة منهجهم وتفكيرهم.
وسنكتفى بضرب المثل من بين أعمال أشهر أربعة من الأطباء المسلمين هم: جالينوس العرب أبو بكر الرازى، وعميد الجراحة العربية أبو القاسم الزهراوى، والشيخ الرئيس ابن سينا الملقب بالشيخ الرئيس، ونابغة عصره في الطب ابن النفيس وابن الجزار القيرواني. لقد قدم هؤلاء الرواد مع غيرهم خدمات جليلة للحضارة الإنسانية تتمثل في مؤلفاتهم القيمة التي نهلت منها أوروبا في القرون الوسطى وظل معظهما يدرس في الجامعات الأوربية حتى عهد قريب.
الرازي
اشتهر في الطب والكيمياء وجمع بينهما وبلغت مؤلفاته الطبية (56) كتابًا أشهرها: كتاب "الحاوى" ويقع في عشرة أجزاء يختص كل منها بطب عضو أو أكثر. وكتاب "المنصورى" وهو عشر مقالات في تشريح أعضاء الجسم كلها أهداها الرازى إلى المنصور بن إسحاق حوالي عام(293هـ). ورسالة "الجدرى والحصبة"، أول بحث في تاريخ الأمراض الوبائية. وكتاب "الحصى في الكلى والمثانة".
علماء الفيزياء في العصر العباسي(يعقوب إسحاق الكندي)
أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي 175هـ/873-800م(185هـ – 256هـ / 805 – 873 ميلادي) أختلف في حساب خمس سنوات من عمره واسمه الكامل هو يعقوب بن إسحاق ابن الصباح الكندي، أبو يوسف. وهو من قبيلة كنده. ويعرف عند اللاتينيين باسم Alkindus ولد بالكوفة وكان والده أميراً عليها ويقال عن يعقوب الكندي أنه أتم حفظ القرآن والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وهو في الخامسة عشر من عمره عندما كان يعيش في الكوفة مع أسرته الغنية بعد وفاة والده والي الكوفة الذي ترك له ولإخوته الكثير من الأموال..أراد يعقوب أن يتعلم المزيد من العلوم التي كانت موجودة في عصره فقرر السفر بصحبة والدته إلي البصرة ليتعلم علم الكلام وكان هذا العلم عند العرب يضاهي علم الفلسفة عند اليونان . أمضى الكندي ثلاث سنوات في البصرةيدرس بها عرف من خلال دراسته كل ما يجب أن يعرف عن علم الكلام. ، ثم أتم تحصيل العلم على يد أشهر العلماء في بغدادحيث انتقل انتقل مع أمه بعد ذلك الي بيت في بغداد ليزيد من ثقافته وعلمه، فبغداد في العصر العباسي كانت بحراً من العلوم المتنوعة المختلفة. فبدأ بالذهاب إلي مكتبة بيت الحكمة التي أنشأها هارون الرشيد وازدهرت في عهد ابنه المأمون وصار يمضي أياما كاملة فيها وهو يقرأ الكتب المترجمة عن اليونانية والفارسية والهندية لكن فضوله للمعرفة لم يتوقف عند حد قراءة الكتب المترجمة فقط، بل كان يتمنى أن يتمكن من قراءة الكتب التي لم تترجم بلغاتها الأصلية، لذلك بدأ بدراسة اللغتين السريانية واليونانية على يد أستاذين كانا يأتيان إلى منزله ليعلماه. وتمكن يعقوب من إتقان هاتين اللغتين بعد سنتين، وبدأ بتحقيق حلمه، فكوّن فريقاً خاصاً به وصار صاحب مدرسة في الترجمة تعتمد علي الأسلوب الجميل الذي لا يغير الفكرة المترجمة، لكنه يجعلها سهلة الفهم وخالية من الركاكة والضعف. وأنشأ في بيته مكتبة تضاهي في ضخامتها مكتبة الحكمة فصار الناس يقصدون بيته للتعلم ومكتبته للمطالعة وصارت شهرته في البلاد عندما كان عمره خمسة وعشرون سنة فقط. دعاه الخليفة المأمون ليلتقي به، فأعجب به وسرعان ما أصبحا صديقين. فيما بعد وضع الكندي منهجا جديدا للعلوم وفق فيه بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية. وكانت له معرفة واسعة بالعلوم و الفلسفة اليونانية. عاصر ثلاثة من الخلفاء العباسيين وهم المأمون، والمعتصم، والمتوكل. كما عاصر الفلكيين الإخوة الثلاثة بنو موسى، والفلكي سند بن علي. وقد بلغ منزلة كبيرة عند المأمونوالمعتصم، حتى إن المأمون عهد إليه بترجمة مؤلفات أرسطووغيره من فلاسفة اليونان. كما أن المتوكل استخدمه كخطاط، لكن نظراً لآرائه الفلسفية ووشاية بعض الحاسدين به، فقد أمر المتوكل بمصادرة جميع كتبه ؛ غير أنها أعيدت إليه جميعها.أدرك الكندي أهمية الرياضيات في العلوم الدنيوية فوضع المنهج الذي يؤسس لاستخدام الرياضيات في الكثير من العلوم، فالرياضيات علم أساسي يدخل في الهندسة والمنطق والحساب وحتي الموسيقى وقد استعان الكندي بالرياضيات وبالسلم الموسيقي اليوناني الذى اخترعة فيثاغورث، ليضع أول سلم للموسيقى العربية مسميا العلامات الموسيقية.و هو أول من وصف مبادئ ما يعرف الآن بالنظرية النسبية، ففي حين أعتبر علماء االميكانيك التقليديين (غاليليو ونيوتن) الوقت والفراغ والحركة والأجسام قيما مطلقة، قال الكندي ان تلك القيم نسبية لبعضها البعض كما هي نسبية لمشاهدها. و يلقب الكندي ايضا بفيلسوف العرب بل مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية كما يعده الكثيرون،، و عده ( كاردانو)من الإثني عشر عبقرياً الذين ظهروا في العالم وهو عالم موسوعي، فإضافةً إلى شهرته كفيلسوف، فقد كان عالماً ب الرياضيات، والفلك، والفيزياء، والطب، والصيدلة، والجغرافيا. كان كمعظم علماء عصره موسوعيا فهو رياضي و فيزيائي و فلكي وفيلسوف إضافة إلى أنه موسيقي، حيث يعتبر الكندي واضع أول سلم ل الموسيقى العربية
وباقى كتب الرازى لا تقل أهمية عن كتبه المذكورة، فمثلا كتاب "برء ساعة" وفى كتب "إلى من لا يحضره الطبيب"، و"الطب الملوكى" و"في قصص وحياة المرضى" اشتملت على موضوعات جديدة تشهد بعبقرية الرازى وإجادته وأمانته وأصالة منهجه العلمى في التأليف والبحث وظلت مكانته في القمة ووضعه المستشرقون والمشتغلون بتاريخ الطب أعظم طبيب أنجبته النهضة العلمية الإسلامية.
الزهراوي
أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي هو فخر الجراحة العربية، ويعتبر كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف" أكبر مؤلفاته وأشهرها؛ فهو موسوعة طبية تقع في ثلاثين جزءًا ومزودة بأكثر من مائتى شكل للأدوات والآلات الجراحية التي كان يستخدمها الزهراوى ومعظهما من ابتكاره، ولقد حظى هذا الكتاب باهتمام كبير لدى أطباء أوروبا وترجم إلى اللاتينية
ابن سينا
أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا وهو الملقب بالشيخ الرئيس، والعالم الثالث للإنسانية بعد أرسطو والفارابى. ومؤلفاته تمتاز بالدقة والتعمق والسلاسة وحسن الترتيب، وهي كثيرة أشهرها كتاب القانون في الطب الذي فضله العرب على ما سبقه من مؤلفاته لأنه يجمع بين خلاصة الفكر اليونانى، ويمثل غاية ما وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية في مجال الطب. ويقع الكتاب في خمسة أجزاء تتناول علوم التشريح، ووظائف الأعضاء، وطبائع الأمراض، والصحة، والعلاج. وكتب ابن سينا في الطب ظلت المرجع العالمى لعدة قرون، واعتمدتها جامعات فرنسا وإيطاليا وبلجيكا أساسًا للتعليم حتى أواخر القرن الثامن عشر. تا
ابن النفيس
هو علاء الدين أبو الحسن على بن أبى الحزم القرشى المصري، وكتب ابن النفيس في الطب عديدة ومتنوعة منها: كتاب في الرمد: وثان في الغذاء، وثالث في شرح فصول أبقراط، ورابع في مسائل "حنين بن إسحاق"، وخامس في تفاسير العلل والأسباب والأمراض، ومن أشهر أعمال ابن النفيس "موجز القانون"، وهو اختصار "القانون" لابن سينا وفى كتاب "شرح تشريح القانون" اهتم ابن النفيس بالقسم المتعلق بتشريح القلب والحنجرة والرئتين وتوصل إلى كشف الدورة الدموية الرئوية (الصغرى). وبالإضافة إلى هؤلاء الأقطاب يوجد عدد هائل من الأطباء المسلمين الذين نبغوا في مختلف مجالات الطب وتركوا بصماتهم المميزة في العديد من الابتكارات الأصيلة والمؤلفات الصافية التي اعتمد عليها الغرب. منهم: "زاد المسافر" لابن الجزار القيرواني، و"تقويم الصحة" لابن بطلان، و"تقويم الأبدان" لابن جزلة و"تذكرة الكحال" و"المنتخب في علاج أمراض العين" لعمار بن على الموصلى وغيرهم كثير.
الرياضيات في العصر العباسي
حفل هذا العصر بعدد كبير من كبار الرياضيين الذين أبدعوا فى علوم الرياضيات ، وسنقدم هنا بإيجاز بعضًا من إنجازاتهم التى أثرت تأثيرًا بارزًا فى ازدهار الفكر الرياضى وتقدمه فى الشرق و الغرب .
الحساب
تمكن علماء المسلمين من ابتكار نظامين لكتابة الأرقام.
النظام الأول: ويسمى بالأرقام الغبارية، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا يذرون غبارًا خفيفًا على الألواح ثم يخطون فوق هذا الغبار بالأرقام. وهذه الأرقام تقوم فى أساسها على الزوايا وهى: 9876543210، التى تنتشر فى المغرب العربى بما فى ذلك الأندلس، ومنها دخلت إلى أوربا وسميت بالأرقام العربية.
النظام الثاني: وهو الأرقام الهندية، وهى الطريقة المتوارثة المنتشرة فى الأقطار الإسلامية والعربية المشرقية إلى الآن. كما ابتكر المسلمون مفهوم "الصفر" الذى سهل العمليات الحسابية تسهيلا لا حدود له، وعرفوه بأنه: "المكان الخالى من أى شىء". وقد أخذه الأوربيون باسمه العربي وتداولوه فى مختلف لغاتهم، فقال الإنجليز: "Cipher"، وقال الفرنسيون: "Chiffre"، وقال الألمان:"Ziffer"، وسرعان ما خضع لعوامل التغيير اللغوى وصار: "Zero". ويقول الدكتور"كارل بوير" فى كتابه "تاريخ الرياضيات": "إنه بدون اكتشاف العرب للأعداد العربية كان من الممكن أن تكون الرياضيات الآن فى مهدها، ولكن بواسطتها استطاع الإنسان أن يخترع، وأن يعرف الطبيعة بأكملها".
ولقد قسم المسلمون الأعداد العربية إلى قسمين أساسين هما: زوجى، وفردى. وعرفوا كلا منهما، كما بحثوا فى أنواعها ونظرياتها، وفى ذلك قالوا: "ما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص، لا يشاركه فيها غيره". ولم يقف المسلمون عند هذا الحد، بل بحثوا فى النسبة والمتواليات وقسموها إلى ثلاثة أنواع:
1- المتواليات العددية.
2- المتواليات الهندسية.
3- المتواليات التوافقية أو التأليفية.
وكشفوا عن بعض حقائق النسبة فيما يتعلق بالأبعاد والأثقال، وكيفية استخراج الأنغام والألحان من النسبة التأليفية. وقد بسط "إخوان الصفا" فى القرن الرابع الهجرى القول فى ذلك، حيث ذكروا فى رسائلهم: "إن علم النسبة علم شريف جليل، وإن الحكماء جميع ما وضعوه من تأليف حكمتهم فعلى هذا الأصل أسسوه وأحكموه، وقضوا لهذا العلم بالفضل على سائر العلوم، إذ كانت كلها محتاجة إلى أن تكون مبنية عليه، ولولا ذلك لم يصح عمل، ولا صناعة، ولاثبت شىء من الموجودات على الحال الأفضل". أما فيما يتعلق بالتناسب، وطريقة استخراج المجهول، فقد أبدعوا أيما إبداع، لقد أوضحوا استخراج المجهولات بالأربعة المتناسبة، وبحساب الخطأين، وبطريقة التحليل والتعاكس، وبطريقةالجبر. كما ابتكر المسلمون طرقًا جديدة فى العمليات الحسابية حملت اسم المسلمين. ومما لا شك فيه أن المسلمين هم مبتدعو الكسر العشرى بما هو عليه الآن من ابتكار الخط المستقيم الفاصل بين البسط والمقام. ويقول فى ذلك الأستاذ الكبير "لويس كارينكى" فى كتابه "المؤثرات على تاريخ العلوم": "إن الكسر الاعتيادى واستعماله كما هو الآن من المعالم التاريخية التى يجب أن يفخر بها المسلمون"، ويقول العالم الرياضى المشهور "ل. فودستين" فى مقالة بعنوان "الاعداد العربية": "إن وصول الرياضيات لما هى عليه الآن يرجع إلى ابتكار المسلمين لعملياتهم الحسابية العظيمة". ومن الكتب التى وضعت فى الحساب:
كتاب للخوارزمى يعتبر الأول فى نوعه من حيث التبويب والمادة العلمية، كما يعتبر أول كتاب فى الحساب نقله الأوربيون إلى لغاتهم، واستمر زمنًا طويلا مرجعًا هامًا للعلماء والتجار والمحاسبين، ويدل الكتاب على أن المسلمين ابتكروا كثيرًا من المسائل التى تشحذ الذهن وتقوى التفكير، كما أنه يعكس الأسلوب المتميز الذى اتبعوه فى إجراء العمليات الحسابية بحيث كانوا يوردون لكل عملية حسابية طرقًا متعددة تتمشى مع مراحل النمو. ومن الطريف أن علماء التربية الحديثة أوصوا باستخدام "خوارزمية الضرب بطريقة الشبكة" فى المدارس الابتدائية لسهولة فهمها ومقدرة طلاب هذه المرحلة على استيعابها. وكتاب "الباهر" فى الحساب والجبر وعلاقتهما بالهندسة للسموأل بن يحيى المغربى، وقد نشرت مخطوطة هذا الكتاب حديثًا فى سوريا، وهو كتاب يعرف بعالم رياضى جليل يحتل مكانة عالية بين علماء العرب والمسلمين.
وهناك كتب كثيرة أخرى لاتقل أهمية عن ذلك مثل: كتاب "الجامع فى أصول الحساب" للحسن بن الهيثم، وكتاب "المقنع فى الحساب" للقاضى النسوى، وكتب "الفخرى" و"الكافى" و"البديع" لأبى بكر الكرجى، وغيرها. كذلك لعبت بعض المؤلفات فى علم الحساب دورًا هامًا فى الكشف عن اللوغاريتمات ووضع جداولها التى أصبحت عظيمة الفائدة فى تسهيل حل المسائل المتضمنة أعدادًا كبيرة وتقوم فكرتها أساسًا على استبدال عمليات الضرب والقسمة بعمليات الجمع والطرح، ومعرفة الصلة بين حدود المتواليات الهندسية وحدود المتوالية العددية. ومن هذه المؤلفات كتاب "الجمع والتفريق" لسنان بن الفتح الحرانى الذى شرح فيه كيفية إجراء عمليات الضرب والقسمة بواسطة عمليات الجمع والطرح. واستطاع ابن يونس المصرى أن يتوصل إلى إيجاد القانون الأتى:
جتا س جتا ص = ½ جتا (س+ص) +½ جتا (س-ص). وكان لهذا القانون قيمة كبيرة عند علماء الفلك قبل اكتشاف اللوغاريتمات؛ إذ يسهل حلول كثير من المسائل الطويلة المعقدة. ومازالت فى أوربا جداول اللوغاريتمات المعروفة فى عصرنا تحمل اسم الخوارزمى أو "الغوريتمى".
علم الجبر
سرعان ما طرق المسلمون باب التاريخ وسجلوا لأول مرة "علم الجبر" وعنهم أخذ العالم هذه الكلمة"Algebra"" بأبعادها العلمية، حتى يقول "كاجورى": إن العقل ليدهش عندما يرى ما قدمه المسلمون فى علم الجبر، لانهم فى الحقيقة قدموه فى صورة علمية ناضجة، سار على منوالهم فيها جميع الدارسين للرياضيات. وكان كتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمى هو مصدرهم الاساسى، ويعد الخوارزمى أول من استنبط هذا العلم واستخرجه، وقد أورد فيه 800 مثالاً، ونقله إلى اللاتينية "جيرار الكريمونى" خلال القرن (12م)، فاعتمدت عليه جامعات أوربا حتى القرن(16م) وبواسطته عرفت أوربا مبادئ علم الجبر. كما توصل ثابت بن قرة إلى حجم الجسم المكافئ؛ ولهذا يعتبره كثير من الرياضيين مبتكرعلم التفاضل والتكامل. وكتب البروفيسور "ديفيد سميث" فى كتابه "تاريخ الرياضيات": "إن ثابت بن قرة، صاحب الفضل فى اكتشاف علم التفاضل والتكامل؛ حيث أوجد حجم الجسم المكافئ، وذلك فى عام (256هـ). ومن المعروف أن علم التفاضل والتكامل أعان على حل عدد كبير من المسائل الصعبة والعمليات الملتوية". وتقدم عمر الخيام بعلم الجبر خطوات إلى الأمام، وله كتاب نشر حديثًا بأمريكا سنة (1932م)، غير كتبه الأخرى المترجمة إلى اللغات الاجنبية وخاصة الفرنسية، وقد تميز كتابه فى الجبر عن كتاب الخوارزمى، وطور المعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة والرابعة بواسطة قطع المخروط، وهو أرقى ما وصل إليه المسلمون فى الجبر، بل هو أرقى ما وصل إليه علماء الرياضيات فى حل المعادلات فى الوقت الحاضر. كما كان لكتاب الجبر والمقابلة للخوارزمى شروح عديدة قام بها الكثير من علماء المسلمين الذين اهتموا بتطوير هذا العلم والتأليف فيه والإضافة إليه، مثل: أبي الوفاء البوزجانى ، وأبي بكر الكرخي، والسموأل المغربي، وعبد الله بن الحسن الحاسب، وغيرهم.
علم الهندسة
تعتبر الهندسة من أبرز شواهد الحضارة الإنسانية وتطورها، وللمسلمين فيها باع طويل، فقد حفظوها من الضياع طوال العصور الوسطى، وأسلموها إلى أوربا لتبنى عليها، واستخدموا الجبر فى بيان أوجهها، وشرحوا، وفرعوا، وأضافوا إضافات جديدة، كأسس الهندسة التحليلية، ولا يخفى أن الرياضيات الحديثة تبدأ منها، وترجموا كثيرًا من الكتب لإقليدس وبطليموس وأرشميدس. ثم تصدى لشرح كتاب إقليدس وبرهان مسلماته كثيرون مثل: البيروني، والحسن ابن الهيثم، وعمر الخيام، وغيرهم كما تطرقوا إلى قضايا وبحوث جديدة لم يتناولها إقليدس.
وكان كتاب ابن الهيثم "شرح مصادرات إقليدس" الذى عنى بالمسلمات، وكتابه "حل شكوك إقليدس فى الأصول وشرح معانيه" من أهم المؤلفات التى أثارت العديد من المجادلات والمناقشات العلمية، وفتحت الباب لمزيد من التأليف فى هذا المجال. وبقيت أوربا تستعمل فى جامعاتها هندسة إقليدس المترجمة عن اللغة العربية حتى القرن(16م)، واستطاع عمر الخيام أن يبرهن أن مجموع زوايا أى شكل رباعى تساوى(360ْ) ومجموع زوايا أى مثلث تساوى (180ْ). وكان للبيرونى جهود مشكورة فى علم الهندسة، ومن كتبه "استخراج الأوتار فى الدائرة بخواص الخط المنحنى فيها"، وقد أراد البيرونى فى هذا الكتاب تصحيح دعوى القدماء اليونانيين فى انقسام الخط المنحنى فى كل قوس بالعمود النازل عليها من منتصفها والتغيير من خواصه. وقد ركز علماء المسلمين على الهندسة التطبيقية، ويتجلى هذا بوضوح فى بعض مؤلفات ابن الهيثم كمقالته فى "استخراج سمت القبلة"، ومقالته "فيما تدعو إليه حاجة الأمور الشرعية من الأمور الهندسية"، وكتاب طابق فيه بين الأبنية والحفور بجميع الأشكال الهندسية، وغيرها، ومن المؤلفات القيمة فى علم الهندسة كتاب "الشكل الهندسى" لمحمد بن موسى بن شاكر، وكتاب فى "استخراج المسائل الهندسية" لثابت بن قرة، وكتاب فى "الأعمال الهندسية"لنفس المؤلف، وكتاب "الأعمال الهندسية" لأبى الوفاء البوزجاني. وأعطى الكندي جزءًا كبيرًا من وقته لعلم الهندسة؛ فألف فيها(32)كتابًا ورسالة، منها رسالة فى "الهندسة الكروية"، ورسالة فى "الأشكال الكروية"، ورسالة فى "الهندسة المستوية"، وكتاب فى "تسطيح الكرة" وغير ذلك.
علم حساب المثلثات
وعلم حساب المثلثات علم عربى إسلامى، ويعترف جميع علماء الرياضيات الأوربيين بأن المسلمين أسهموا الإسهام الأساسى فى إنشاء علم المثلثات، وأن الفضل يرجع لهم فى جعله علمًا منتظمًا ومستقلا عن علم الفلك.
وقد قال "رام لاندو" فى كتابه "المؤثر على حضارة العرب": "إن حساب المثلثات فى أوربا كان مأخوذًا من علم حساب المثلثات عند المسلمين. ويقول "ديفيد سميث" فى كتابه تاريخ الرياضيات": "…ولم تدرس المثلثات الكروية المائلة بصورة جديدة وجدية إلا على أيدى العرب والمسلمين فى القرن الرابع الهجرى، العاشر الميلادى". وقد قام المسلمون بحل معادلات مثلثية كثيرة عن طرق التقريب، وهم أول من أدخل المماس فى إعداد النسب المثلثية. ويروى مؤرخو الرياضيات أن علماء المسلمين كانوا هم أول من استعمل المعادلات المثلثية، وإليهم يرجع الفضل فى تطوير الظل والجيب فى علم حساب المثلثات. ويقول "جوزيف هل" فى كتابه "حضارة العرب": "إن علم الجيب والظل يعتبر من تراث السلمين"، ويضيف الدكتور "دارك ستروك" فى كتابه "المختصر فى تاريخ الرياضيات": "إن كلمة جيب كلمة عربية، وهذا لا يترك مجالا للشك فى أن الفضل يرجع إلى المسلمين فى تطويرها إلى ماهى عليه الآن". ومن العلماء المسلمين الذين برزوا فى هذا العلم ابن سنان البتانى، وهو أول من استعمل المعادلات المثلثية، وأبو الوفاء البوزجانى أول من أدخل المماس فى عداد النسب المثلثية، واستخدم المماسات، والقواطع، ونظائرها فى قياس المثلثات والزوايا. كما ابتكر طريقة لإنشاء جداول للجيوب فى المثلثات المستوية، وأعطى جيب نصف الدرجة صحيحًا لثمانية أرقام عشرية، ووضع جداول لنسبة الظل التى أدخلها مع نسبتى القاطع وقاطع التمام. ومن العلماء الذين أسهموا فى علم المثلثات: أبو العباس التبريزى ، و أبو جعفر الخازن فى القرن الرابع الهجرى، والبيرونى، والعالم الأندلسى الجليل أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بابن الزرقالى عند الغربيين، وكان له أثر عظيم فى علم حساب المثلثات وخاصة المثلث الكروى، ووجد اسم جيب الزواية واستعمالها فى كتاب ابن الزرقالى. وقد ألف كذلك جداول لعلم حساب المثلثات ترجمها الغرب إلى اللاتينية. ويقول "سيديو" عن إنجازات البتانى فى علم المثلثات: "يرجع أول تقدم فى علم المثلثات إلى البتانى، فقد بدا لهذا الفلكى العظيم -الملقب ببطليموس العرب- أن يستبدل الأقواس بالأوتار للأقواس المضاعفة أى جيوب الأقواس المقترحة". ثم يذكر من أقوال البتانى قوله: "لم يستعمل بطليموس الأوتار الكاملة إلا لتسهيل التطبيقات، وأما نحن فقد اتخذنا أنصاف الأقواس المضاعفة". وانتهى البتانى إلى الدستور الأساسى للمثلثات الكرية فطبقه غير مرة، ونجد فى كتب البتانى لأول مرة مبدأ مماس القوس، وتعبير (جيب تمام الجيب) الذى لم يستعمله الإغريق قط، وأدخل البتانى هذا المبدأ إلى حسابات الساعة الشمسية فسماه الظل الممدود، وليس هذا سوى المماس المثلثى عند علماء الوقت الحاضر. وأضاف "إيرك بل" فى كتابه "تطورات الرياضيات": "إن البتانى هو أول عالم أدخل علم الجبر على علم حساب المثلثات بدلا من الهندسة كما كان الحال فى القديم. ومن أشهر المشتغلين بعلم الرياضيات والمكانيك: أبناء موسى بن شاكر، وقد عالجوا ألوانًا من التأليف طرقت: علم الحيل، وعلم المثلثات؛ حيث لجأوا إلى طريقة جديدة تعتمد المنحنيات فى تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، ووضع مقدارين ليتوالى على قسمة واحدة واستعملوا القانون المشهور فى عالم المثلثات باسم "قانون هيرون"، وذلك لتقدير مساحة المثلث إذا علم طول كل ضلع من أضلاعه.
وقضى أبو الوفاء جل وقته فى دراسة مؤلفات البتانى فى علم حساب المثلثات فعلق عليها وفسر الغامض منها. ويقول الدكتور "موريس كلاين" عن أبىالوفاء فى كتابه "تاريخ الرياضيات من الغابر إلى الحاضر": "إن أبا الوفاء عرف بعض النقط الغامضة فى مؤلفات العالم المسلم المشهور البتانى وشرحها". وهكذا أسهمت الحضارة الإسلامية فى إثراء الفكر الرياضى بأهم مقومات تقدمه وازدهاره، وهى العناية بالبحث العلمى والتطبيقى إلى جانب الدراسات النظرية على أساس علمى سليم يعتمد على المنهج التجريبى الاستقرائى؛ ولهذا حفل التراث العلمى الإسلامى بالكثير من النظريات والأفكار الرياضية الأصيلة التى أجمع المؤرخون على أهميتها واعتماد المحدثين عليها. ويقول الكاتب "رام لاندو" فى كتابه "مآثر العرب فى الحضارة": "إن المسلمين قدموا كثيرًا من الابتكارات فى حقل الرياضيات، ومع ذلك فإن معظم الأمريكان والأوربيين لم يعودوا يتذكرون من أى مخزن اكتسب العالم المسيحى الأدوات التى لم يكن لتصل الحضارة الغربية إلى مستواها الحالى إلا بها".وظهر من علماء الرياضيات النابغين مجموعة كبيرة تكمل انجازات السابقين وتبنى عليها ومن هؤلاء: نصير الدين الطوسى ، وكان عالمًا فذًا فى الرياضيات و الفلك، ويقول "جورج سارتون" فى كتابه تاريخ العلوم: " إن نصير الدين الطوسي يعتبر من أعظم علماء الإسلام ومن أكبر رياضييهم" فأبدع فى علم الرياضيات بجميع فروعه، و يوضح ذلك الدكتور"موريس كلاين" فى كتابه "تاريخ الرياضيات من الغابر حتى الحاضر": "أن نصير الدين الطوسى كان يعرف معرفة تامة الأعداد الصم، ويظهر ذلك من بحوثه لمعادلات صماء مثل:
الجذر التربيعى لـ (أ ب) = حاصل ضرب الجذر التربيعى لـ (أ) × الجذر التربيعى لـ (ب)، والجذر التربيعى لحاصل ضرب (أ2) × (ب2) = أب.
كما كانت لديه خبرة جيدة بالدوال الجبرية الصماء، وبالمثلث الكروى القائم الزاوية وهذا يظهر من رسالة "الأشكال الرباعية الأضلاع "، ويقول الدكتور "درك سيترك" فى كتابه "ملخص تاريخ الرياضيات": "إن نصير الدين الطوسى من المفكرين الاوائل فى الاعداد التى ليس لها جذور-الأعداد الصم-، ولو أعطى كل ذى حق حقه فإنه من الجدير أن يقال إنه المبتكر الأول لهذه الأعداد التى لعبت فى الغابر دورًا مهمًا ولا تزال لها أهميتها العظمى فى الرياضيات الحديثة التى تدرس الآن فى جميع أنحاء العالم. واشتهر نصيرالدين الطوسى بعلم حساب المثلثات، فألف فيه كتاب " شكل القطاعات"، وهو يحتوى على حساب المثلثات فقط، فنجح بذلك فى فصل حساب المثلثات عن علم الفلك، ويذكر الدكتور "ديفيد يوجين سميث" فى كتابه "تاريخ الرياضيات": "إن نصير الدين كتب أول كتاب فى علم حساب المثلثات سنه 648هـ نجح فيه نجاحًا تامًا فى فصل حساب المثلثات عن علم الفلك"، ثم أضاف "…إن نصير الدين هو أول من طور نظريات جيب الزاوية الى ما هى عليه الآن مستعملاً فى المثلث المستوى". وأوضح البروفيسور "إريك بل" فى كتابه "الرياضيات وتطويرها عبر التاريخ": أنه كان لكتاب نصير الدين الطوسي فى علم حساب المثلثات الأثر الكبير فى علماء الرياضيات فى الشرق والغرب، بما فيه من الابتكارات الجديدة التى أفادت وطورت هذا الحقل". كما اهتم بالهندسة الفوقية، أوالهندسة الإقليدسية، فقال البروفيسور "درك سترديك" فى كتابه "ملخص تاريخ الرياضيات": "إن نصير الدين الطوسى حاول بكل جدارة أن يبرهن على الموضوعة الخامسة من موضوعات إقليدس، فكانت محاولته بدء عصر جديد فى علم الرياضيات الحديثة؛ لهذا انصبت عقليته العظيمة على برهانها، وهو: ( أن مجموع زوايا المثلث تساوى زاويتين قائمتين). وألف نصير الدين الطوسى أكثر من (145) مؤلفا فى حقول مختلفة منها: علم حساب المثلثات، والجبر، والهندسة، والجغرافية، والهيئة، وغيرها منها: مقالة تحتوى على الشكل القطاعى السطحى والنسب الواقعة فيه، والرسالة الشافية عن الشك فى الخطوط المتوازية، كتاب تحرير إقليدس، وغيرها؛ ولهذا فإن نصير الدين ترجم ودرس واختصر، وأضاف نظريات جديدة إلى إنتاج من سبقه من علماء شرقيين وغربيين، فأرسى قواعد إنتاجه العلمى على تجاربه، وتجارب الآخرين وألوان نشاطهم المختلفة، كما كان نصير الدين الطوسى موسوعة فى العلوم كلها، فألف كتبًا كثيرة استفاد منها من تبعه
بارك الله لك
شكررررررررررررررررررا
علووووووووووووووووووم و علمااااااااء الفلك اين؟