((الأدعيةُ، والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاحُ بضاربه، لا بحدِّه فقط، فمتى كان السلاحُ سلاحاً تامّاً، لا آفة به، والساعدُ ساعداً قويّاً، والمانعُ مفقوداً، حصلت به النكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة، تخلَّف التأثير، فإن كان الدعاءُ في نفسه غيرَ صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل التأثير)) (1)، وإليك شروط الدعاء، وموانع الإجابة في المبحثين الآتيين:
الشرط: لغة: العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته (2).
من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء ما يأتي:
الشرط الأول: الإخلاص: وهو تصفية الدعاء، والعمل من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كلّه للَّه وحده، لا شرك فيه، ولا رياء، ولا سمعة، ولا طلباً للعرض الزائل، ولا تصنعاً، وإنما يرجو العبد ثواب اللَّه، ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه (1).
وقد أمر اللَّه تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم، فقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (2)، وقال – عز وجل -: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3).
وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (4).
وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5).
وعن عبد اللَّه بن عباس – رضي الله عنه – قال: كنت خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((يا غُلامُ إني أُعلِّمك كلمات: احفظ اللَّه يحفظْكَ، احفظِ اللَّه تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أنَّ الأُمة لَوِ اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رُفعتِ الأقلامُ، وجفَّت الصُّحفُ)) (1).
وسؤال اللَّه تعالى: هو دعاؤه، والرغبة إليه؛ كما قال تعالى: {وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (2).
_________
(1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى، ص36، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1407هـ.
(2) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد، ص4.
(1) انظر: مقومات الداعية الناجح للمؤلف، ص283.
(2) سورة الأعراف، الآية: 29.
(3) سورة غافر، الآية: 14.
(4) سورة الزمر، الآية: 3.
(5) سورة البينة، الآية: 5.
(1) أخرجه الترمذي، 4/ 667، برقم 2516، وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد، 1/ 293، برقم 2669، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 309.
(2) سورة النساء، الآية: 32.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (3).
وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (4).
فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد، والدعاء، والعمل للَّه وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – وسنته (5).
فيجب على المسلم أن يكون متِّبعاً للنبي – صلى الله عليه وسلم – في كل أعماله؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (6).
وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1).
وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2).
وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (3).
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي – صلى الله عليه وسلم – يكون باطلاً؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)) (4).
الشرط الثالث: الثقة باللَّه تعالى، واليقين بالإجابة (5):
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة باللَّه تعالى، وأنه على كل شيء قدير؛ لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (6)، وقال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (7)، ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند اللَّه تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (1).
_________
(3) سورة الكهف، الآية: 110.
(4) انظر: تفسير ابن كثير، 3/ 109.
(5) سورة الملك، الآيتان: 1 – 2.
(1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 89.
(2) سورة الكهف، الآية: 110.
(3) سورة النساء، الآية: 125.
(4) سورة لقمان، الآية: 22.
(5) انظر: مدارج السالكين، 2/ 90.
(6) سورة الأحزاب، الآية: 21.
(1) سورة آل عمران، الآية: 31.
(2) سورة الأعراف، الآية: 158.
(3) سورة النور، الآية: 54.
(4) متفق عليه، صحيح البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718
(5) انظر: جامع العلوم والحكم، 2/ 407، ومجموع فتاوى ابن باز جمع الطيار، 1/ 258.
(6) سورة النحل، الآية: 4.
(7) سورة يس، الآية: 82.
(1) سورة الحجر، الآية: 21.
الماءِ، وبيده (1) الميزان يخفض ويرفع)) (2).
فالمسلم إذا علم ذلك، فعليه أن يدعو اللَّه وهو موقن بالإجابة؛ لما تقدم؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ادعوا اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة … )) (3) الحديث؛ ولهذا بين – صلى الله عليه وسلم – أن اللَّه يستجيب دعاء المسلم الذي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع، فقال: ((ما من مسلم يدعو اللَّه بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث … )) (4) الحديث.
الشرط الرابع: حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند اللَّه من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، فقد أثنى اللَّه تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (1).
فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء، كما قال الإمام ابن رجب رحمه اللَّه تعالى (2)، وقد جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام الترمذي: ((ادعوا اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللَّه لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ)) (3)، وقد أمر اللَّه تعالى بحضور القلب، والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (4).
الشرط الخامس: العزمُ والجَزمُ، والجِدُّ في الدعاء:
المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم، ويعزم بالدعاء؛ ولهذا نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الاستثناء في الدعاء، فعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقلْ اللَّهم إن شئت فأعطني فإن اللَّه لا مُسْتَكْرِهَ لهُ)) (5)، وفي رواية: ((فإن اللَّه لا مُكْرِهَ له)) (6). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللَّهم اغفر لي إن شئت، اللَّهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن اللَّه لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه)) (1).
_________
(1) سورة الحجر، الآية: 21.
(2) مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه -، برقم 2577.
(3) جامع العلوم والحكم، 2/ 48.
(4) في رواية مسلم: <يمين اللَّه ملأى>، برقم 993.
(5) سحَّاءُ: أي دائمة الصبّ، تصبّ العطاء صبّاً، ولا ينقصها العطاء الدائم في الليل والنهار، انظر: الفتح، 13/ 395.
(6) في رواية للبخاري بالجمع للسموات والأرض برقم 7441.
(1) وفي رواية للبخاري، ومسلم: <وبيده الأخرى>، برقم 7411، وفي مسلم، برقم 993، والترمذي، برقم 3045.
(2) البخاري بلفظه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، برقم 4684، ومسلم بنحوه، برقم 993، والترمذي بلفظ: <يمين الرحمن ملأى>، برقم 3045.
(3) الترمذي، 5/ 517، برقم 3479، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني، في الأحاديث الصحيحة، برقم 594، وفي صحيح الترمذي، برقم 2766، وأخرجه أحمد، 2/ 177، برقم 6655، والحاكم، 1/ 493.
(4) أحمد في المسند، 3/ 18، برقم 11133، وتقدم تخريجه في فضل الدعاء.
——————-
(2) جامع العلوم والحكم، 2/ 403.
(3) الترمذي، برقم 3479، وله شاهد عند أحمد، 2/ 177 من حديث عبد اللَّه بن عمر، برقم 6655، ولكنه من طريق ابن لهيعة، والحديث حسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 594، وفي صحيح سنن الترمذي، برقم 2766.
(4) سورة الأعراف، الآية: 205.
(5) البخاري، برقم 6338، ومسلم، برقم 2678.
(6) والمراد باللفظين جميعاً أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة هو الذي يحصل إكراهه على الشيء، فيُخفف الأمر عليه، حتى لا يشق عليه، واللَّه مُنزّهٌ عن ذلك. فتح الباري، 11/ 140، وشرح النووي، 17/ 10.
(1) البخاري، برقم 339، ومسلم، واللفظ له، برقم 2679
ومن هذه الموانع ما يأتي:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن اللَّه طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (4)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (1)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك)) (2)، وقد قيل كما ذكر ابن رجب ‘ في معنى هذا الحديث: إن اللَّه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً؛ فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات (3)، والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات، والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً، ولهذا كان الصحابة، والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال، ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة ‘ قالت: ((كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه (4)، فجاء يوماً بشيء، فأكله أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكِهانةَ، إلا أني خَدعتُهُ أعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده (1)، فقاءَ كلَّ شيء في بطنه)) (2)، ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية، وأحمد في الزهد: ((فقيل له يرحمك اللَّه، كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به))، فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة (3).
ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام، قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
الأول: إطالة السفر.
والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة؛ ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم -: ((ربَّ أشْعَثَ (4) مدفوع بالأبواب لو أقسم على اللَّه لأبره)) (5).
والثالث: يمد يديه إلى السماء ((إن اللَّه حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) (6).
_________
(2) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز – رحمه الله -، ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد – رحمه الله – ص7.
(3) جامع العلوم والحكم، 1/ 277.
(4) سورة المؤمنون، الآية: 51.
(1) سورة البقرة، الآية: 172.
(2) مسلم، برقم 1015.
(3) جامع العلوم والحكم، 1/ 259.
(4) أي يأتيه بما يكسبه، والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. الفتح، 7/ 154(1) فأدخل أبو بكر يده: أي أدخلها في حلقه.
(2) البخاري، برقم 3842، مع الفتح، 7/ 149.
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية، 1/ 31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164، وصححه الألباني في صحيح الجامع عن جابر عند أحمد، والدارمي، والحاكم. انظر: صحيح الجامع، 4/ 172.
(4) الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل.
(5) مسلم، برقم 2622.
فعلى العبد المسلم التوبة إلى اللَّه تعالى من جميع المعاصي والذنوب، ويردّ المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه.
المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء:
من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء؛ لتأخر الإجابة (2)، فقد جعل رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة، حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه، ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء (3).
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي (((4).
وعنه – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((لا يزالُ يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل)). قيل: يا رسول اللَّه! ما الاستعجال؟ قال: ((يقول قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيبُ لي، فيستحسر (1) عند ذلك، ويدعُ الدعاءَ)) (2).
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء؛ لأن اللَّه قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه، ويتوب إلى اللَّه تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، واللَّه تعالى يقول: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (3)، فما دام العبد يلحُّ في الدعاء، ويطمعُ في الإجابة من غير قطع، فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له (4).
وقد تُؤخَّرُ الإجابة لمدة طويلة، كما أخّر سبحانه إجابة يعقوب في ردّ ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخّر إجابة نبيّه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً مما سأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل (1).
المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات:
قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة (2)؛ ولهذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال:
نحنُ ندعو الإله في كلِّ كربٍ … ثمَّ ننساه عند كشف الكروبِ
كيف نرجو إجابةً لدُعاءٍ … قد سددْنا طريقها بالذنوب (3)
ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (4).
المانع الرابع: ترك الواجبات التي أوجبها اللَّه:
كما أن فعل الطاعات يكون سبباً لاستجابة الدعاء، فكذلك ترك الواجبات يكون مانعاً من موانع استجابة الدعاء (5)؛ ولهذا جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا المعنى، فعن حذيفة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((والذي نفسي بيده لتأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ اللَّه أنْ يبعثَ عليكم عِقاباً منه ثمَّ تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم)) (1).
_________
(1) جامع العلوم والحكم، 1/ 269، 275.
(2) جامع العلوم والحكم، 2/ 403.
(3) جامع العلوم والحكم، 2/ 403.
(4) البخاري، برقم 6340، ومسلم، برقم 2735.
(1) ومعنى يستحسر: أي ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا ينقطعون عنها. انظر: شرح النووي، والفتح 11/ 141.
(2) مسلم، 4/ 2096، برقم 2735.
(3) سورة الأعراف، الآية: 56.
(4) جامع العلوم والحكم، 2/ 404.
(1) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز، 1/ 261، جمع الطيار.
(2) جامع العلوم والحكم، 1/ 275.
(3) جامع العلوم والحكم، 1/ 377، وانظر: الحاكم، 2/ 302 وسلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1805.
(4) سورة الرعد، الآية: 11.
(5) جامع العلوم والحكم، 1/ 275.
(1) الترمذي، 4/ 468، وحسنه برقم 2169، والبغوي في شرح السنة 14/ 345، وأحمد، 5/ 388، برقم 23327، وانظر: صحيح الجامع، برقم 6947، 6/ 97، وفي الباب عن عائشة ‘ ترفعه: <يا أيها الناس إن اللَّه تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم>، أحمد، 6/ 159، برقم 25255. وانظر: المجمع، 7/ 266، وقال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2325: >حسن لغيره<.
المانع السادس: الحكمة الربانية، فيُعطى أفضل مما سأل:
عن أبي سعيد – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما من مسلم يدعو اللَّه بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها))،. قالوا: إذاً نكثِرَ. قال: ((اللَّه أكثر)) (2)، فقد يظن الإنسان أنه لم يجب، وقد أجيب بأكثر مما سأل، أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل، أو أخَّره له إلى يوم القيامة (3).
_________
بآرك الله فيك
و جزاك خيرا
آمين وفيكم بارك الرحمن