تخطى إلى المحتوى

شرح حديث عظيم يلخص ما يحدث بالعالم إلى قيام الساعة 2024.

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ولمسلم عن ثوبان1 رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا

ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى

الجيريا

هذا حديث عظيم فيه أمور مخيفة، وفيه أخبار عظيمة، وفيه بشارة:
فقوله: "عن ثوبان، ثوبان هو: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمولى معناه ث العتيق، لازم الرسول صلى الله عليه وسلم، وله فضائل كثيرة رضي الله عنه.
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زَوَى ليَ الأرض" يعني: جمعها، وحواها وطواها له صلى الله عليه وسلم حتى صارت حجماً صغيراً، يرى النبي صلى الله عليه وسلم أطرافه ما بعُد منها وما قرُب، والله قادر على كل شيء.
أو أن المراد- والله أعلم- أنه قوّى بصر رسوله صلى الله عليه وسلم فصار يري كل الأرض مشارقها ومغاربها، كما حصل له صلى الله عليه وسلم لما سأله المشركون عن بيت المقدس، حيث

وأُعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض.
قوّى بصر رسوله فصار ينظر إلى بيت المقدس وهو في مكّة يخطب في المشركين، ويصف لهم المسجد عن معاينة ومشاهدة، حتى ذكر لهم علاماته والأشياء التي يعرفونها فيه، وحتى إنه أخبرهم عن عيرهم التي في الطريق التي كانوا ينتظرونها، أخبرهم أين هي؟.
"فرأيت مشارقها ومغاربها"
رأى المشرق والمغرب وجمعها لكثرة الطالع والغارب من الكواكب.
"وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زَوَى لي منها"
بالبناء على الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى، أو "ما زُوِي لي منها" بالبناء للمفعول، والفاعل هو الله سبحانه وتعالى.
ولم يذكر صلى الله عليه وسلم الشمال والجنوب من الأرض لقلة سكانها ولأن هذا لم تبلغه الفتوحات، وإنما الفتوحات امتدّت من المشرق إلى المغرب.
"وإن أمتي سيبلغ ملكها"
هذا خبر عن المستقبل، وهو لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
ففيه دليل من أدلّة نبوّته صلى الله عليه وسلم.
الدّليل الأول: زَوي الأرض له. هذا دليل على نبوّته.
الدليل الثاني: أنه أخبر عن ملك أمته، وأنه سيتّسع ويبلغ المشرق والمغرب في يوم أن كان ملك المسلمين في المدينة وما حولها فقط.
فهذا من علامات نبوّته صلى الله عليه وسلم.

وقد وقع كما أخبر، فانتشرت الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وبني العباس حتى سقطت دولة الفُرْس بالمشرق، وسقطت دولة الروم بالمغرب، وامتدّ سلطان المسلمين في الشرق إلى أن وصل السّند، وفي المغرب إلى أن وصل إلى طَنْجَة في أقصى المغرب، بل امتدّ إلى أن وصل إلى جبال البَرَانِس وهي حدود فرنسا، حيث دخلت الأندلس في الخلافة الأمويّة في ملك المسلمين، وهذا مِصْداق لخبره صلى الله عليه وسلم: "وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها".

"وأُعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض" المراد بالكنزين:
الأموال النّفيسة، "الأحمر": الذهب، "والأبيض": الفضة، وهذا عبارة عن أموال الفرس والروم. فأموال الفرس من الذهب، وأموال الروم من الفضة، أو العكس، قولان في المسألة.


وإني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم.
وإن ربي قال: يا محمَّد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من
الجيريا
وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فقد جيء بأموال الفرس والروم في خلافة عمر بن الخطاب، ووزّعت بين المسلمين في المدينة، حتى إنه جيء بتاج كسرى الذي يلبسه على رأسه، وجيء بسواريه الذين يلبسهما في يديه، وهذا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "وإني سألت ربي لأمتي"
هذا من شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته.
"أن لا يهلكها بسنة بعامة"
المراد بالسنة: الجُدْب، أي: لا يعمّ الجدب والقحط كل بلاد المسلمين، فتَهلك أموالهم وزروعهم وما يأكلون منه، فالسنّة المراد بها: الجَدْب كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}يعني: بالجَدْب.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن لا يُنزل الجَدْب والقَحْط على أمة محمَّد كلهم، لأنه إذا نزل بهم كلهم هلكوا.
وقوله: "وأن لا يسلط عليهم عدَوّاً من سوى أنفسهم" يعني:
من الكفار، أي: لا يسلط الكفار على المسلمين.
"فيستبيح بيضتهم"
البيضة: الحوزة، يعني: لا يستبيح الكفار حوزة المسلمين وبلادهم، أو المراد بالبيضة اجتماع الكلمة. والمعنى عام ومعناه: لا يستبيح بلادهم وجماعتهم.
"وإن ربي قال: يا محمَّد"
هذه إجابة الله لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم.
"إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يردّ"
إذا قدّر الله قدراً فلا بد من نفاذه، فأقدار الله نافذة في المسلمين والكفّار وعموم الناس، لا أحد يستطيع رد القضاء والقدر، فهذا فيه إثبات القدر، وأن قدر الله نافذ، لا يستطيع أحد رده.
"وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة بعامة"
استجاب الله الدعوة الأولى مطلقاً، وأنه سبحانه لا ينزل قحطاً عامًّا للبلاد كلها، وإنما ينزل القحط في بعض البلاد دون بعض بخلاف الأمم السابقة، فإن الله ينزل القحط العام عليهم فيضرهم،


سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويَسْبي بعضهم بعضاً".
الجيريا
كما حصل لقوم فرعون، أما هذه الأمة لكرامتها على الله فإن الله لا ينزل عليها القحط العام.
"وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يُهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً"
استجاب الله له الدعوة الثانية استجابة معلّقة، يعني: ما دامت أمتك مجتمعة على الحق كلمتها واحدة، فإن الله لا يسلّط عليهم عدوًّا من الكفار، أما إذا حصل في الأمة افتراق كلمة، وحصل بينهم قتال فيما بينهم، وسبى بعضهم بعضاً، فحينئذ يعاقبهم الله عزّ وجلّ ويسلط عليهم الكفّار.
قوله: "ولو اجتمع عليهم من بأقطارها" أي:
إذا اجتمعت كلمة المسلمين، ولم يكن بينهم اختلاف ولا تقاتل فيما بينهم، فلو اجتمع أهل الأرض كلهم على قتال المسلمين أو أراد سلب شيء من ملكهم فلن يستطيعوا، وأما إذا اختلفوا فيما بينهم، وتقاتلوا فيما بينهم، وأخذ بعضهم أموال بعض، فإن الله يعاقبهم، ويسلّط عليهم الكفّار.
وقد حصل مصداق هذا، فإنه لما كانت الأمة مجتمعة في عهد أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب، وأول خلافة أمير المؤمنين عثمان، وسلطان المسلمين ظاهر في الأرض، قد خافتهم الأمم، فصار الكفار يخافون من المسلمين.
ولما وقعت الفتنة بين المسلمين في خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- بسبب اليهوديّ الذي ادّعى الإسلام وهو: عبد الله بن سبأ اليماني، وصار يحرّض المسلمين على الخليفة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، واجتمع حوله من الأوباش وضعاف الإيمان من الشباب الطائش، اجتمعوا على هذه الطاغية، وفي النّهاية حاصروا عثمان رضي الله عنه وقتلوه، ولما قتلوا عثمان عاقب الله المسلمين فجعل بأسهم بينهم، وسلّط عليهم عدّوهم.
وما زالت المداولات والحروب بين المسلمين بعضهم مع بعض ح وبين المسلمين والكفار.

رواه البَرْقاني في "صحيحه"، وزاد:
"وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلّين.
الجيريا
صحيح أنها قامت دولة بني أمية بعد ذلك وانتشر الإسلام، ودولة بني العباس، ولكن لم تخل الأمة من اقتتال ومن فتن فيما بينها، إلى أن جاءت الداهية الدهياء في آخر خلافة بني العباس، فغزا التّتار بلاد المسلمين، واستباحوا عاصمة المسلمين بغداد، وقتلوا الخليفة العباس، وقتلوا من المسلمين مئات الألوف، واحرقوا -كتب المسلمين- وألقوها في نهر دِجلة حتى تغير الماء بمداد الكتب، وتسلّلوا إلى بقية البلاد، وحصل من الحروب الطاحنة ما سجّله التاريخ.
ما وكذلك الصليبيّون زحفوا على المسلمين واستولوا على الأندلس، وزحفوا إلى بلاد الشام واستولوا على بيت المقدس، وبقي بيت المقدس حوالي مائة سنة تحت أيدي الصليبيّين، حتى جاء صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فخلّص بيت المقدس من أيدي الصليبيّين.
ولا يزال الخلاف وتسلط الكفار على المسلمين إلى وقتنا هذا، بل في وقتنا هذا اشتدّ فيه الأمر، والسبب في هذا هو اختلاف المسلمين فيما بينهم، كما في هذا الحديث: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً" ويسبي بعضهم بعضاً" فإذا حصل للمسلمين هذا سلّط الله عليهم الكفار بسبب الاختلاف، واستباحة حرمة المسلمين فيما بينهم، هذا يقتل هذا، وهذا يسبي هذا، مع أنهم إخوة مسلمون.
والواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}، {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، فالاختلاف عذاب، وسبب لتسلّط الكفار، والاجتماع رحمة وقوة وعزّة للمسلمين ولن يحصل الاجتماع إلاَّ تحت عقيدة التّوحيد.

قوله: "رواه البَرْقاني في صحيحه" البَرْقاني هو: أبو بكر محمَّد الخوارزمي الشافعي، وكتابه يسمّى بالمسند الصحيح، جمع فيه الأحاديث الصحيحة، ويقول: أنه جمع فيه أحاديث الصحيحين وزاد عليهما ما صح عنده من الأحاديث.

"وزاد" يعني: على رواية مسلم.
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" هذا سبب آخر، السبب الأول: الاختلاف بينهم. السبب الثاني: وجود دعاة الفتنة، ودعاة الضّلال. فهؤلاء سبب آخر لهلاك المسلمين، وسبب لتفرق كلمتهم، وتسلط العدوّ عليهم، بأن يكون هناك دعاة ضلال، ودعاة فتنة، ودعاة فُرقة، وتحريش بين المسلمين، كما حصل من الداعية الخبيث الأول عبد الله بن سبأ.
والأئمة جمع: إمام، والإمام هو القدوة الذي يُقتدى به في الخير أو الشر.
فإذا كانت القدوة من أهل الضلال ضلّت الأمة، وحصل فيهم الشر، ويراد بهم الأمراء الضالون، والعلماء الضالون، والعُبّاد الضالون، والدُّعاة الضالون، كل هؤلاء من الأئمة المضلّين، فإذا قاد الأمة هؤلاء قادوها إلى الهلاك، أما إذا قاد الأمة دعاة الحق قادوها إلى الصلاح والسلامة.
ففي قوله: "أخاف على أمتي الأئمة المضلين" مفهومه؛ أن الأئمة المصلحين خير للأمة، يجمعون كلمتها، ويصلحون عقيدتها، ويردونها إلى منهج السلف الصالح، ويحصل بهم الخير.
أما دعاة الضلال فإنهم يصدونها عن الحق، ويدعونها إلى خلاف منهج السلف.
والآن فيما بيننا ظهر من يزهّد في منهج السلف ويعتبره من الأمور الرجعية، ومن الأمور القاصرة، ويريد من المسلمين أن ينهجوا مناهج حديثة، ابتكرها جهّال أو ضُلاّل، يريدون أن الدعاة يسيرون على هذا المنهج المبتكر المحدث، ويتركون منهج السلف الصالح الذي فيه الخير، وفيه الصلاح والفلاح، هذا ظهر وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يكون في هذه الأمة دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها، قالوا: صفهم لنا يا رسول الله، قال: "هم قوم من جِلْدَتنا، ويتكلمون بألسنتنا" فلنحذر من هؤلاء غاية الحذر.
لا نجاة لنا إلاَّ بإتباع دعاة الصلاح الذين يدعون إلى منهج السلف الصالح وإلى إتباع الكتاب والسنّة، هؤلاء هم الخير على الأمة.


وإذا وُضع عليهم السيف لم يُرفع إلى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فِئَام من أمتي الأوثان.
الجيريا
أما من أراد بالأمة خلاف ذلك، وابتكر لها منهجاً أو خطّط لها تخطيطاً جديداً يخالف منهج السلف، فهذا لا يريد للأمة خيراً سواءً كان متعمداً أو لم يتعمّد.
وأخطر ما على الأمة الآن الدعاة الجُهّال الذين لا يعرفون العلم، ويدعون النّاس بجهل وضلال، أو الدعاة المغرضون الذين يعرفون الحق لكنهم معرضون، يريدون صرف الأمة عن جادّة الصواب.
الحاصل، أن الأمة على خطر من هؤلاء، فعلينا أن نتنبّه لهذا الأمر، وأن نعالج هذا الأمر قبل أن يستحفل.
قوله: "وإذا وضع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة"
كذلك خاف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا بدأ القتال بين المسلمين فإنه لا يُرفع إلى يوم القيامة، وهذه بليّة أخرى.
البليّة الأولى: تسلُّط الكفار على المسلمين.
والبليّة الثانية: إذا وقع القتال بين المسلمين فإنه لا يُرفع إلى يوم القيامة عقوبة لهم.
وذلك حصل كما أخبر به صلى الله عليه وسلم فإنه لما قُتل الخليفة الراشد أمير المؤمنين عثمان فإنه لا يزال القتال مستمرًّا بين المسلمين، وسيستمر إلى يوم القيامة. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "ولا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين" الحي: المراد به: القبيلة، ومعنى يلحق: يتبع؛ إما بأن يذهبوا إلى بلادهم ويسكنوا معهم ويكونوا من دولتهم، وإما بأن يبقوا في بلاد المسلمين ولكن يكونون على منهج الكفار ويرتدّون عن الإسلام.
ووقع هذا كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، ففيهم من ذهب إلى بلاد الكفار وثم يرجع وصار يوافق الكفار في أمورهم الدينية، ويجري عليهم حكمهم وهو مختار للإقامة بينهم. وفيهم من بقي في بلاد المسلمين ويعتنق مذاهب الكفر من شيوعية وبعثية وقومية وغير ذلك، وهؤلاء لحقوا بالمشركين في قلوبهم وعقائدهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم وإن لم يلحقوا بهم في أبداًنهم.


وإنه سيكون في أمتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنه نبيّ. وأنا خاتم النبيّين، لا نبي بعدي.
الجيريا
قوله: "وحتى تعبد فِئام من أمتي الأوثان" الفِئام:
الجماعات، والأوثان: كل ما عبد من دون الله.
وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فعَبَدت جماعات من هذه الأمة القبور والأضرحة، واعتبروا هذا هو الدين الصحيح، وسموا دين التّوحيد الصحيح دين الخوارج.
وهذا مع ما قبله هو الشاهد من هذا الحديث للباب.
وفيه رد على من زعم أن هذه الأمة لا يقع فيها شرك، ووجه الرد: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر- وهو الصادق المصدوق- أنه لا بدّ أن تعبد جماعات وليسوا أفراداً من هذه الأمة الأوثان.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنه سيكون في أمتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيّين، لا نبي بعدي"، هذا فيه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بظهور المتنبِّئين الكَذَبَة الذين يدعون النبوة.
وقد حصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وأول من ظهر في حياته صلى الله عليه وسلم اثنان:
مُسَيْلِمة الكذّاب في اليمامة، والأسود العَنْسي في اليمن.
أما الأسود العَنْسي فقد قتله المسلمون قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما مُسَيْلِمة الكذّاب فإنه قد تبعه قوم من أهل اليمامة، ولما بُويع أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- بالخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم جهّز له الصديق جيشاً من المسلمين من المهاجرين والأنصار بقيادة خالد بن الوليد اليمامة، وحصل قتال شديد جدًّا، وقُتل فيه من المسلمين ومن أفاضلهم ومن قُرّاء القرآن العدد الكثير، ولكن في النّهاية قَتل الله مُسَيْلِمة الكذّاب على يد المسلمين في خلافة أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه-، وأراح الله المسلمين من شرِّه.
ثم ظهر طُليحة الأسدي وادّعى النبوّة، وظهرت سَجَاح التميمية وادّعت النبوة، ولكن الله منّ على طُلَيحة فتاب إلى الله عزّ وجلّ، وجاهد في سبيل الله، وتوفّي على الإسلام، وكذلك سَجَاح تابت إلى الله عزّ وجلّ.
ثمّ ظهر المختار بن أبي عُبيد الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، وادّعى النبوّة، وقتله الله سبحانه وتعالى على أيدي المسلمين.


ولا يزال المتنبئون الكذَبَة يظهرون بين الحين والآخر، إلى أن ظهر منذ سنين رجل في الباكستان يسمّى غلام أحمد القادياني، ادّعى النبوّة، وتَبِعه قوم، وصار له أتباع الآن يسمّون القاديانية، وقد كفّرهم المسلمون، ونبذوهم- ولله الحمد-.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا خاتم النبيّين، لا نبيّ بعدي"
هذا كما قال الله سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، والخاتم- بفتح التاء-: الذي يختم على الشيء فلا يزاد فيه، يقال: ختم الكتاب، يعني: وضع الختم عليه بحيث لا يُزاد فيه، وختم الكيس، بمعنى أنه أغلقه بحيث لا يُزاد فيه ولا يُنقص، فالرسول صلى الله عليه وسلم ختم الأنبياء، بمعنى انه هو آخرهم، ولا يأتي بعده نبي.
وأما لفظ خاتِم- بالكسر- فهو: اسم فاعل، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خاتِم النبيّين، أي: الذي كمّلهم وانتهى به عددهم، فلا يُبعث نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، كما أن شريعته لا تُنسخ إلى أن تقوم الساعة، وأرسله الله إلى العالمين كافّة: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}، أرسله إلى العالم كافّة – عليه الصلاة والسلام-، إلى العرب والعجم، والجن والإنس {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}، وأنزل عليه شريعة كاملة، شاملة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة.
فالذي يدّعي النبوة بعد محمَّد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، لأنه مكذِّب لله، لأن الله قال: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، ومكذِّب لرسول الله في قوله: "أنا خاتم النبيين" ومكذِّب لإجماع المسلمين، لأن المسلمين أجمعوا على أنه لا نبيّ بعد محمَّد صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: "ليس المسيح عيسى بن مريم ينزل في آخر الزمان كما تواتر ذلك في الأحاديث؟.
قلنا: نعم، ينزل في آخر الزمان، ولكن لا ينزل بشريعة جديدة، وإنما ينزل ليعمل بشريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم، فهو يُعتبر مجدِّداً من المجدِّدين، ومصلحاً من المصلحين، يحكم بشريعة الإسلام، ويتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، فنزول عيسى عليه السلام لا يختلف مع قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا خاتم النبيين" وقول الله: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}، لأنه لا ينزل بشريعة، ولا ينزل على أنه نبي يُبعث إلى الناس، وإنما ينزل على أنه حاكم بشريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم، وتابع لمحمد – عليه الصلاة والسلام-.


ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
الجيرياـ
ثم قال مبشراً لأمته بعد هذه الأخبار المروِّعة: "ولا تزال طائفة من أمتي على الحق" يعني:
مع هذه الحوادث العظيمة، وهذا الابتلاء العظيم، ووقوع الشرك، ووقوع اللَّحاق بالمشركين من بعض القبائل وتسلّط الكفّار، وقلّة أهل الحق، وكثرة أهل الباطل، مع هذا يبقي في هذه الأمة بقية صالحة إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى.
والطائفة في الأصل الجماعة. والمراد هنا من كان على الحق ولو كان واحداً. بدليل قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} وهو واحد.
"على الحق ظاهرين" يعني: غالبين.
"لا يضرّهم من خذلهم"
مع هذه الشرور كلها، وهذه الفتن كلها، هذه الطائفة لا تتضرّر، بل تبقى على الحق الذي بُعث به محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولم يعيّن صلى الله عليه وسلم عددها، ولم يعيّن مكانها، لأن العدد قد يقلّ وقد يكثر، وكذلك المكان قد تكون تارة في المشرق، وتارة في المغرب، وتارة في العرب، وتارة في العجم، المهم أنها تبقى هذه الطائفة من الأمة، لتبقى حجّة الله سبحانه وتعالى على خلقه.
وقد قال أهل العلم- كالإمام أحمد وغيره-: "إن هذه الطائفة هم أهل الحديث"، أي: الذي يتمسّكون بسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم – لما ذكر افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة-: "كلها في النار إلاَّ واحدة" قالوا:
من هي يا رسول الله؟
قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"
فهم أهل الحديث الذين يتمسّكون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتمسّكون بالآراء والأقوال وعلم الكلام والمنطق.
فهم الطائفة المنصورة وهم الفرقة الناجية وهم أهل الحديث وهم أهل السنّة والجماعة، لا كما يقول بعض المعاصرين: إن الفرقة الناجية غير الطائفة المنصورة، وهذا تفريق بغير علم.
وقوله: "حتى يأتي أمر الله" المراد بأمر الله ما يكون في آخر الزمان من قبض


أرواح أهل الإيمان، حين يبعث الله ريحًا طيّبة في آخر الزمان قبل قيام الساعة فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى شرار الناس، وحينئذ تقوم الساعة.

الجيريا

ما يستفاد من هذا الحديث:
هذا الحديث يدلّ على مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: في هذا الحديث دلائل من دلائل النبوة، وهي:
أولا: قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله زَوَى ليَ الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها".
ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم: "سيبلغ ملك أمتي ما زُوِيَ لي منها،.
ثالثاً: إخباره صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة إذا افترقت وتقاتلت يتسلّط عليها العدّو. وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: إخباره صلى الله عليه وسلم عن وقوع الشرك في أمته. وقد وقع ما أخبر ول صلى الله عليه وسلم.
خامساً: إخباره بظهور المتنبّئين الكَذَبَة. وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فلا يزال المتنبئون الكَذَبَة يظهرون بين الحين والآخر، لكن منهم من له شوكة، ومنهم من ليس له شوكة.
سادساً: إخباره صلى الله عليه وسلم ببقاء الطائفة المنصورة على الحق. وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فلا تزال هذه الأمة- ولله الحمد- يبقى فيها من أهل الصلاح والإصلاح من يبقى بهم هذا الدين، وتقوم به حجّة الله على العالمين، مع اشتداد الغُربة، وعظيم الكُرْبة، ولكنهم يصبرون، ويثبتون على الحق.
المسألة الثانية: في هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، حيث دعا لهم صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوات المباركات العظيمة، واستجاب الله له.
المسألة الثالثة: في هذا الحديث أن تفرّق الأمة وتناحرها فيما بينها سبب لتسلُّط العدوّ عليها، وأن اجتماعها وتوحّدها على الحق سبب لمنع الكفّار من الاستيلاء على شيء من بلادها.
المسألة الرابعة: في الحديث دليل على خطر الأئمة المضلّين، أي: القيادات الفاسدة من الأمراء والعلماء والعبّاد والدعاة الفاسدين، أما الأئمة المصلحون فهؤلاء خير على الأمة وصلاح لها.

المسألة الخامسة: في الحديث دليل على أنه إذا وقع في هذه الأمة قتال فيما بينهم أنه سيستمرّ إلى أن تقوم الساعة، ولا يُرفع، ولكن يكثر ويقل أحياناً.
المسألة السادسة: في الحديث دليل فيما ترجم له المصّنف رحمه الله من وقوع الشرك والردّة في بعض هذه الأمة، فهذا شاهد لقول المصنِّف: "باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان".
المسألة السابعة: في الحديث دليل على خَتْم النبوة به صلى الله عليه وسلم، وأن من ادّعى النبوة بعده فهو كافر، لأنه مكذِّب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين ولما عُلم بالدين بالضرورة.
المسألة الثامنة: في الحديث دليل على بقاء الفرقة الناجية المنصورة، مع كثرة الفتن والمحن والشرور، فإن الله سبحانه وتعالى لا يُخلي الأرض من الدعاة إلى الحق القائمين عليه من الأئمة المصلحين.


إعانة المستفيد من كتاب التوحيد
للعلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

جزاك الله كل الخير على هذا الموضوع ..
مشكور …………………………………. …..مشكور
مشكور… ……مشكور…………………مشكور… ……مشكو ر
مشكور………….مشكور………… ..مشكور…………… مشكور
مشكور……………………مشكور ……………………….مشكور
مشكور… …………………………………. ………. …..مشكور
مشكور. …………………………………. ………. …مشكور
مشكور………………………… ….. .. ……… مشكور
مشكور………………………… ….. ….مشكور
مشكور……………. …………….مشكور
مشكور…………. ……….مشكور
مشكور………. …….مشكور
مشكور…..مشكور
مشكورمشكور
مشكور
مشكو
وووووووووووووو
وووووووووووو
وووووووووو
وووووووو
وووووو
ووووو
وووو
ووو
وو
و
وو
ووو
وووو
ووووو
ووووووو
ووووووووو
وووووووووووو
ووووووووووووور
شكرا
شكراشكرا
شكرا شكرا شكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا
شكرا شكرا شكرا شكراشكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكراشكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكراشكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا
شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا
شكرا شكراشكرا شكرا
شكرا شكرا شكرا
شكراشكرا
شكرا
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكور
مشكوووووووووور
مشكوووووووووووووووور
مشكوووووووووووووووووووووو ر
مشكوووووووووووووووووووووو ر
مشكوووووووووووووووور
مشكوووووووووور
مشكور …………………………………. …..مشكور
مشكور… ……مشكور…………………مشكور… ……مشكو ر
مشكور………….مشكور………… ..مشكور…………… مشكور
مشكور……………………مشكور ……………………….مشكور
مشكور… …………………………………. ………. …..مشكور
مشكور. …………………………………. ………. …مشكور
مشكور………………………… ….. .. ……… مشكور
مشكور………………………… ….. ….مشكور
مشكور……………. …………….مشكور
مشكور…………. ……….مشكور
مشكور………. …….مشكور
مشكور…..مشكور
مشكورمشكور
مشكور
مشكور …………………………………. …..مشكور
مشكور… ……مشكور…………………مشكور… ……مشكو ر
مشكور………….مشكور………… ..مشكور…………… مشكور
مشكور……………………مشكور ……………………….مشكور
مشكور… …………………………………. ………. …..مشكور
مشكور. …………………………………. ………. …مشكور
مشكور………………………… ….. .. ……… مشكور
مشكور………………………… ….. ….مشكور
مشكور……………. …………….مشكور
مشكور…………. ……….مشكور
مشكور………. …….مشكور
مشكور…..مشكور
مشكورمشكور
مشكور

شكرا بارك الله فيييييك

بارك الله فيك أخي وجازاك الله خيرا

بارك الله فيكم وجزاكم خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.