تخطى إلى المحتوى

سيرة الصحابي كعب بن مالك 2024.

أراد شخصٌ يومًا أن يسافر لأداء فريضة لحج ، ومعه مبلغ من المال ، وحار أين يضعه ، فدخل إلى المسجد وتوسّم في المصلين ، فرأى أحدهم أشدَّهم خشوعاً ، يصلي ويغمض عينه ، وصلاته متقنة ، فبعد أن انتهى من صلاته ، قال له : والله أعجبتني صلاتك ، وعندي أمانة أريد أن أضعها عندك إلى أن أعود من الحج ، فقال له : وأنا صائم أيضًا ، قال له : واللهِ صيامك لم يعجبني .
أحياناً الإنسان يكشف نفسه ، فهؤلاء حلفوا أيمانًا ، ولم يستحلفهم النبي ، وقدّم كل واحد منهم عذرًا ، فقَبِلها فالنبي منهم .
وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ـ هؤلاء هم المنافقون ـ فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ حَتَّى جِئْتُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ ـ والنبي عنده فراسة ، وسيدنا كعب مؤمن – تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ – رحب به في غضبٍ منه – ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ؟ قَال : قلت يا رسول الله ـ اسمعوا الكلام هذا كلام يكتب بماء الذهب – قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ – فأنا طليق اللسان ، وعندي حجة قوية ، ولكنْ لو كان غيرك لخرجتُ من سخطه بعذر مقبول – وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا – أنا أتكلم بقوة وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ – هذا هو التوحيد ، أنت بشر ، لو أرضيتك بكلام مقنع ليوشك أن يسخط عليَّ الله عز وجل ، واللهُ هو الأصل ، وأنا بيده ، قال عليه الصلاة والسلام : من أرضى الناس بسخط الله ، سخط عليه الله ، وأسخط عليه الناس ، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي عنه الله، وأرضى عنه الناسَ ـ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ـ الأمر بيد الله عز وجل ، هذا التوحيد ـ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ ـ أيْ تغضب عليّ ـ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ ـ هذا هو الصدق ، واللهِ ما لي مِن عذر ، كنت قويًّا، ونشيطًا ، لكن تخلفت ، لقد صدقتُك ، وقد تغضب مني ، لكن أرجو الله أن يكرمني بهذا الصدق وبإمكاني أنْ أتكلم كلامًا آخر ترضى به عني ، لكنّ الله يسخطك عليّ بكلامي ،و النبي اللهم صلِّ عليه فطن ، أربعة وثمانون رجلاً متخلِّفًا ، كل واحد أعطى حجة رائعة جداً ، هذا عذرُه زوجته ، وهذا بيته ، وهذا بستانه ، وكل واحد قَبِل منه ، وصدّقه ، واستغفر له ، وبايعه ، ووكَّلهم إلى سرائرهم ، لكن أوتي فراسة صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ- الأربعة والثمانون كانوا كاذبين ـ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا لَقَدْ عَجَزْتَ فِي أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ـ أَنَّبوني على الصدق ، ورموني بالجنون ، قل له : كنت مريضًا ، واخرجْ بحيلة ، قل له : زوجتي مريضة ، قل له : لديَّ مشكلة ـ قَالَ ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي مِنْ أَحَدٍ ـ هل كان أحدٌ حالُه كحالي ـ قَالُوا نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ ـ كذلك صدقوا ، ثلاثة فقط ، وأربعة وثمانون كذابون ، وثلاثة صادقون ـ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمَا قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ قَالَ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ قَالَ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي قَالَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ ـ ثلاثة وثمانون رجلاً ما عليهم شيء ، أما هؤلاء الثلاثة فنهى النبي أصحابه عن تكليمهم ـ قَالَ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَقَالَ تَغَيَّرُوا لَنَاـ فلا مرحبا ، ولا سلامًا ، ولا كلمة ، لا قريبًا ، ولا بعيدًا ، فاجتنبنا الناس ـ قَالَ تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ ـ أيْ كنتُ شابًا ـ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌـ ما هذا الانضباط ؟ هذا مجتمع الإيمان ، كلمة قالها النبي التزموا بها ، ولا صحابي كلمه كلمة ، ولا سلام ـ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِـ ولا كلمة ـ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا ـ لعله لم يحركهما ، أو حرّكهما – ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ وَكُنْتُ كَاتِبًا فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ قَالَ فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا وَهَذِهِ أَيْضَا مِنَ الْبَلَاءِ – الغساسنة عرب في شمال الجزيرة يبدو أن قصته انتشرت حتى وصلتْهم، فأرسل ملك الغساسنة له كتابًا أنّ صاحبك جفاك ، فتعال إلينا ، نحن نستقبلك ، قال ـ فَتَيَامَمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهَا بِهَا ـ أحرق الكتاب في التنور ـ حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ ـ أنا أنتظر الوحي ـ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ ـ هل مِن إنسان على الأرض أمرُه نافذ في أصحابه إلى درجة أنه يمنع علاقتهم بزوجاتهم فيستجيبون ـ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ قَالَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبَنَّهَا قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ قَالَ فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ فَقَالَتْ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَ وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا ـ ما هذا الحب ؟ إنسان بالثمانين يبكي لأن النبي أمر بقطيعته !! قَالَ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ قَالَ فَقُلْتُ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ قَالَ فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلَامِنَا قَالَ ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ .

( سورة التوبة : 118 ) .

فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَي عَلَى سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبَ ابْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ قَالَ فَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ ـ آذن أي أعلم الناس ـ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي ، وَأَوْفَى الْجَبَلَ فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ ـ الله عز وجل تاب على هؤلاء الصحابة الثلاثة ـ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي وَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ قَالَ فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِـ أرأيتم إلى رحمة النبي ـوَيَقُولُ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قَالَ فَقُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ـ قال كعب : والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد إذْ هداني الله إلى الإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ كعب يرتل في خشوع ودموعه تغمر خديه ، قول الله تعالى :

( سورة التوبة : 118 ) .

بقى لدينا سؤال ؟ الله عز وجل في أول هذه الآية قال :

( سورة التوبة : 117 ـ 118 ) .

فما الذنب الذي فعل النبي حتى يتوب الله عليه وعلى هؤلاء الثلاثة ؟ قال بعض العلماء : وهذا قولٌ أدهشني ، إن الله عز وجل أراد أن يجبر خواطر هؤلاء فتاب على النبي تكريماً لهم ، النبي لم يفعل شيئاً ، ولم يذنب ذنباً ، وما تخلف مرة ولكن تكريماً لهؤلاء الثلاثة الصادقين مع الله ، جاءت توبة الله على النبي وعلى أصحابه لئلا يشعروا بالوحشة وحدهم ، لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم .
يا أيها الإخوة : أجمل شعور يشعر به المؤمن حينما يصطلح مع الله ، وحينما تكون له توبة أو حينما تصدقُ له توبة ، أو حينما لا تخلف العهد الذي عاهدت الله عليه ، أو حينما تشعر أنك على العهد قائم ، هذا شعور لا يقدر بثمن ، شعورك أن الله راضٍ عنك ، وقد تاب عليك ، وقد قبل توبتك .
فيا أيها الإخوة : نحن في الدنيا وباب التوبة في الدنيا مفتوح على مصراعيه ، لماذا تاب الله عليه ؟ ولماذا أوحى إلى النبي أن يأمر أصحابه بمقاطعته ؟ لأنه صادق ، لو أنه اعتذر كما اعتذر المنافقون لبقي منافقاً طوال حياته ، وطوته الحياة ، ولا سبيل له إلى الجنة ، ولكن صدقه نجَّاه من النفاق ، فكن صادقاً .
سيدنا جعفر قال : حتى بعث الله فينا رجلاًً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه .
يعني الصدق سمة أساسية من سمات المؤمنين ، فهذا الصحابي الجليل أوتي طلاقة اللسان ، أوتي الحجة القوية ، أوتي قدرة على إيهام المستمع بما يريد ، أوتي قدرة على أن يظهر بحجم أكبر من حجمه ، ولكن شعر أن هذا رسول الله فإذا كذب عليه فالأمر بيد الله وحده ، واللهُ قادر على أن يسخط النبي عليه .
بقي علينا استنباط لطيف ، العلاقة مع الآخرين بيد الله ، فإذا أنت بنيتها على معصية الله عز وجل يخرِّب لك هذه العلاقة ، ويخلق ظروفًا معقدة فيكرهونك ، لو أنك أردت أن تكون عندهم محظياً ، مقرباً ، ولم تكن ترضي الله عز وجل فالله عز وجل قادر أن يفسد هذه العلاقة بينك وبين من آثرت مرضاته على مرضاة الله عز وجل .
فالقصة فيها صدق ، وفيها توبة ، وفيها توحيد ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا *

(رواه مسلم)

فعلى كل مسلم أنْ يعاهد الله عز وجل على ألاّ يكذب ، وربنا عز وجل قال :

( سورة التوبة : 119 ) .
***

اللهم اجعلنا من الصادقين و ضلي للهم على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين…….امين
جازاك الله كل الخير على هدة القصة و جعلها الله لنا عبرة لنعتبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.