السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
دخل سليمان بن عبد الملك المدينة، فأقام بها ثلاثاً، فقال:
ما ههنا رجل ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا؟
فقيل له : ههنا رجل يقال له أبو حازم ، فبعث إليه فجاء.
فقال سليمان: يا أبا حازم، ما هذا الجفاء؟
قال أبو حازم: وأى جفاء رأيت منى؟
فقال له: أتاني وجوه المدينة كلهم ولم تأتنى ؟!
فقال : ما جرى بينى وبينك معرفة آتيك عليها. قال صدق الشيخ
. يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟
قال : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.
قال: صدقت يا أبا حازم، فكيف القدوم على الله تعالى؟
قال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله فرحاً مسروراً ، وأما المسيء فكالآبق ( الآبق: أي العبد الهارب من سيده) يقدم على مولاه خائفاً محزوناً.
فبكى سليمان وقال: ليت شعرى، ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله ؟ قال: عند قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار 13- 14].
قال يا أبا حازم، فأين رحمة الله؟ قال: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف :56]
قال: يا أبا حازم، من أعقل الناس؟ قال : من تعلم الحكمة وعلمها الناس.
قال :فمن أحمق الناس؟ قال: من حط نفسه فى هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره.
قال : يا أبا حازم فما أسمع الدعاء؟ قال: دعاء المخبتين.
قال : فما أزكى الصدقة؟ قال : جهد المقل. قال يا أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه؟ قال : أعفني من هذا.
قال سليمان: نصيحة تلقيها.
قال أبو حازم : إن ناساً أخذوا هذا الأمر عَنوة من غير مشاورة المسلمين، ولا إجماع عن رأيهم، فسفكوا فيه الدماء على طلب الدنيا، ثم ارتحلوا عنه، فليت شعرى، ما قالوا؟ وما قيل لهم؟ فقال بعض جلسائهم: بئس ما قلت يا شيخ،
فقال أبو حازم: كذبت، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
قال سليمان: يا أبا حازم، أصبحنا تصيب منا ونصيب منك. قال: أعود بالله من ذلك .
قال : ولم؟ قال: أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلاً، فيذيقنى ضعف الحياة، وضعف الممات .
قال . فأشر على، قال : اتق الله أن يراك حيث نهاك ، أو يفقدك حيث أمرك. قال : يا أبا حازم، ادع لنا بخير. فقال: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره للخير، وإن كان غير ذلك ، فخذ إلى الخير بناصيته،
فقال : يا غلام، هات مائة دينار ثم قال: خذ يا أبا حازم .قال لا حاجة لى به، لى ولغيرى فى هذا المال أسوة، فإن واسيت بيننا وإلا فلا حاجة لى فيها، إنى أخاف أن يكون لما سمعت من كلامى.
اللهم اصلح حالنا
بارك الله فيك …………………