تخطى إلى المحتوى

سلسلة أبطال البربر ج 1 2024.

تمهيـــــد:

من المعروف في التاريخ الأمازيغي القديم أن شيشونق من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية المذكورين في صفحات تاريخ ليبيا ومصر، ومن المؤسسين للدولة الأمازيغية وسلالتها في مصر الفرعونية، وقد ارتبط به التقويم الأمازيغي حينما حقق انتصاره التاريخي على ملوك الفراعنة، وأسس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي حكمت مصر والشام ، واستقرت بالدلتا والسواحل البحرية والضفاف النهرية الخصبة. لذا، استطاعت قبائل المشوش أن تصبح من أهم القبائل الأمازيغية الليبية التي حكمت ليبيا ومصر بفضل قيادة شيشونغ أو شيشنيق الذي حقق إنجازات تاريخية جبارة، وبفضله تمكن الأمازيغيون من الاستيلاء على عدة مراكز قيادية عسكرية ومدنية ودينية على حساب الفراعنة والسكان الأصليين، وأوصلهم شيشنيق إلى مناصب سياسية سامية ، وجعل الليبيين الأمازيغ من كبار الإقطاعيين ومن أصحاب الجاه والثراء وذوي النفوذ. ومن هنا، يكون شيشونغ أول قائد أمازيغي سيخرج إخوانه البرابرة من ليبيا بسبب الجفاف والمجاعة لاحتلال مصر غزوا وهجوما ، وسيؤسس أول مملكة أمازيغية فرعونية داخل أرض الكنانة تمتد من دلتا شمالا إلى تخوم السودان جنوبا ، ومن ليبيا غربا إلى الشام شرقا. إذاً، من هو شيشونغ؟ وماهي أهم المراحل التي عرفتها فترة حكمه ؟ وماهي أهم الإنجازات التي حققها لصالح الأمازيغيين؟ وماهي النتائج التي أسفرت عنها مقاومته في بناء مملكته الأمازيغية في مصر؟

1من هــــو شيشونغ؟

شيشونغ أو شيشنيق أو شيشونق أو شيشونگ (950 ـ 929 ق.م) هو ابن نمروت من تنتس بح، الحفيد الثالث لأسرة بويوواوا (Buyuwawa) التي هاجرت من ليبيا إلى مصر وتأثرت كثيرا بالثقافة الفرعونية المصرية.
وحظيت أسرة شيشونغ وأجداده من بويوواوا بمكانة كبيرة في الوسط الديني لدى الفراعنة المصريين وملوكهم وكهنتهم، وتمتعت بالجاه والنعيم والثراء المادي. ويقول الدكتور عبد اللطيف البرغوثي الخبير في تاريخ ليبيا القديم بأن أسرة بويوواوا الليبية ظهرت:" في وقت متأخر من عهد الدولة الحديثة بمصر، والتي تعتبر مثالا جيدا لسلوك الأسر الليبية المتسللة لمصر. ففي أوائل عهد الأسرة الحادية والعشرين استقر أحد أفراد التحنو الليبيين المسمى بهذا الاسم في مدينة هراكليوبولس Heracleoplis في مقاطعة أهناسية. وصار ابنه موسن Musen كاهنا لمعبد الآلهة " حري شف" القائم في هذه المدينة ورئيسا لقواتها من المرتزقة. وشغل خلفاؤه هذين المنصبين من بعده مما أدى إلى ازدياد نفوذ أسرته. وتزايد تمصرها بتزايد نفوذها وتقدمها. وفي أيام شيشنيق، الحفيد الثالث لبويوواوا" رئيس المشواش العظيم" توفي له ابن اسمه نمرود فدفنه في أبيدوس. وعندما وقع اعتداء على قبره. تقدم شيشنق بشكوى للملك" بتانيس" من الأسرة الحادية والعشرين فعطف هذا على قضيته، وقدم الرجلان معا إلى معبد الإله آمون في طيبة ليستمعا إلى حكم الإله في هذه القضية. ولم يلبث موحي الإله أن حكم بإدانة المعتدين، وبعث لشيشنيق على سبيل الترضية تمثالا على صورة ابنه ليوضع في معبد أبيدوس كما أنه ثبت ملكية شيشنيق لمساحة واسعة من الأراضي الخصبة في هراكليوبولس؛ مما مكن حفيده المسمى باسمه أن يصبح ثريا وأن يعيش في مستوى الأمراء".
أضف إلى ذلك أن هذا الملك الأكبر سيصبح جدا محترما لمجموعة من الشيشنقيين الليبيين، وأحد زعماء قبائل المشوش الليبية .
وتتجه الروايات التاريخية اتجاهين في ذكر سيرة شيشنيق ، فالاتجاه الأول، يرى أن شيشنيق وصل إلى حكم الفراعنة عن طريق السلم والكفاءة الذاتية والترقي في المناصب السياسية ، إذ كان قائدا للجيوش المصرية الليبية، ومستشارا للملك الفرعوني . بينما اتجاه آخر يذهب إلى أن شيشونغ، الزعيم الليبي الأمازيغي المقاوم، قد استولى على عرش مصر بفضل تضعضع الحكم الفرعوني بعد فترة حكم رمسيس الثالث ثأرا وانتقاما بسبب مجموعة من الهزائم التي مني بها الجيش الليبي في مصر.
وبعد تمكن شيشونغ من زمام السلطة وأركان الحكم ، أسس مملكة دلتا الشمالية، واتخذ عاصمة له على ضفاف نهر النيل . لذا، عد في تاريخ مصر الفرعونية مؤسس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين بأرض الكنانة. وقد جمع في عهده بين السلطتين: المدنية والدينية، وتولى حكم الفراعنة بمجرد وفاة الفرعون الواحد والعشرين سنة 950 قبل الميلاد.
وإذا كانت ولادة شيشونغ كما هو معروف ومثبت تاريخيا بليبيا، فإن وفاته كانت بمصر، وتتكون أسرته من تسعة ملوك ، و حكمت مصر مدة قرنين من الزمن إلى غاية 817 قبل ميلاد المسيح. وقد تربع شيشونغ على عرش مصر مدة واحد وعشرين سنة من 945 إلى 924قبل الميلاد.
وهكذا، " وبعد انقضاء مايزيد عن قرنين من الزمن على وفاة خصم الليبيين اللدود، رمسيس الثالث. كان الليبيون الأشداء قد أضافوا إلى صلابتهم وبأسهم الثقافة المصرية التي تثقفوا بها مما سهل عليهم اعتلاء عرش مصر دون مقاومة في وقت كانت مصر فيه لاتزال أقوى دولة على حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي.".
و من المعلوم أيضا أن شيشنيق تزوج من كاروما الأولى التي أنجب منها ثلاثة أولاد وهم " أوسركون وأوپوت والبنت تاشفين پاستيت، أما زوجته الثانية بنت شريمس فقد أنجب منها نيملوت الأول.

2/ تأسيس شيشنيق للأسرة الفرعونية الثانية والعشرين:

من المعلوم أن الأمازيغيين لم يعرفوا عبر تاريخهم الطويل بالغزو والعدوان والهجوم على غرار الشعوب الأخرى، بل دائما يتعرضون للاحتلال والغزو والفتح كما وقع مع الفينيقيين والقرطاجنيين والرومان والوندال والبيزنطيين والفاتحين العرب والمستعمرين الأورپيين مابين القرنين التاسع عشر والقرن العشرين.
بيد أن التاريخ القديم يتحدث عن بعض الملوك الليبيين الذين سيطروا على ممالك الفراعنة واحتلوا المدن المطلة على نهر النيل، ابتداء من القرن العاشر قبل الميلاد، وخاصة بعد الأحداث التي شهدتها الإمبراطورية الفرعونية فيما بين سنة1227 وسنة 935 قبل الميلاد، والتي تتمثل في الفساد والخراب والتناحر بين الفراعنة وانهيار العمران وانحطاط الدولة بسبب التعسف في الضرائب وانتشار الظلم والجور والاستبداد وتردي القيم الأخلاقية.
وسببت هذه الأوضاع المتردية في انهيار الدولة الفرعونية وتكاثر الجاليات والسلالات الليبية الوافدة من الصحراء الغربية، والتي اختارت ضفاف الدلتا أو أراضي النيل الخصبة فضاء للاستقرار والعمل، وهناك من الليبيين من اختار الاشتغال في الجندية لصالح الملوك الفراعنة.
هذا، ويقول المؤرخ المغربي محمد شفيق في هذا الصدد:" لما أوقف الفرعون" راعامسيس" الثالث الهجمات الخارجية التي تعرضت لها مصر، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لم يتمكن من إيقاف الزحف الأمازيغي( الليبي) إيقافا كاملا. فاستوطنت قبائل بربرية وادي النيل، وصارت تمد الجيوش الفرعونية بالجنود. وفي أواخر الألف الثاني قبل الميلاد كان عدد من أولئك المرتزقة قد تبوأوا مناصب عمال في الأقاليم؛ وكانت الأوضاع السياسية متردية."
هذا، ولم يخضع العرش الفرعوني للملوك البرابرة إلا في أواخر القرن الأول من الألف الأول على يد الملك الليبي شيشونغ الذي أسس أول إمبراطورية أمازيغية تمتد من ليبيا لتشمل مصر والشام بعد استيلائه على العرش الفرعوني، ليؤسس سنة935 قبل الميلاد الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، وكان انتصار شيشونغ العسكري على الفراعنة قد تم في 13 أو 14يناير من سنة 950 ق.م. ومن هذه الفترة ، يبدأ التقويم الأمازيغي الذي يؤشر على انبلاج الهوية والكينونة الأمازيغية والوجود البربري.
لكن السؤال الذي طرحناه وما نزال نطرحه: هل المشواش الليبيون الأمازيغ قدموا أرض الكنانة غزاة أم هاربين من الجفاف والمجاعة وبؤس الصحراء؟
يختلف الجواب من باحث إلى آخر، ويتباين من دارس مصري إلى دارس ليبي، ومن دارس أمازيغي إلى دارس أجنبي . لكن على العموم ، هناك عدة آراء مختلفة في هذا الصدد، فثمة نظرية تاريخية تذهب إلى أن الأمازيغيين قدموا إلى مصر متطوعين للاشتغال في الجندية، فترقوا في مناصب عدة كما هو حال شيشونغ الذي كان مستشار الملك الفرعوني وقائد جيوشه وصار صهرا له بعد أن تزوج كريمته.
وهناك نظرية تذهب إلى أن شيشنيق سيطر على حكم الفراعنة عن طريق القوة والحرب بعد أن استغل ضعف الأسرة الفرعونية الواحدة والعشرين، فخاض ضدها حروبا عدة انتصر فيها أيما انتصار.
وهناك نظرية أخرى معاكسة تذهب خلاف الأولى والثانية، فتقر بأن البربر لم يكونوا غزاة ، بل سلالات من السجناء والأسرى في مصر، وقد هربوا من الجفاف والمجاعات المتكررة التي أصابت قبائلهم في ليبيا ، ففروا إلى نهر النيل، فتكاثر عددهم، وكانوا يعبدون إلههم الأمازيغي آمون (رب الماء). ويقول عثمان الكعاك في هذا السياق التاريخي:" ونحن نجد في النقوش المرسومة على معالم المصريين من مصاطب وأهرام ومسلات، وفي الوثائق المصرية المكتوبة على البردي، نجد فيها جميعا معلومات عن القبائل البربرية المعاصرة للفراعنة ولاسيما من كانت منها متاخمة لمصر وبلاد برقة على الخصوص، وهذه الوثائق المنقوشة أو المكتوبة تسمى"تاحومو" أو" بربو" ومنها" لوبو" الذي هو الاسم القديم الذي أطلق على البربر، ومن كلمة لوبو جاءت لوبيا التي حرفت إلى ليبيا، تسميهم أيضا" لشبط" ومنها جاء اسم القبيلة البربرية اشبوستاي عند اليونانيين، وسمتهم أيضا" بقن" و"مشوش" إلى غير ذلك، ولم تقف هذه الوثائق عند حد ذكر أسماء القبائل، بل تعدت إلى ذلك إلى دراسة الخصائص البشرية والعادات والأخلاق وما يتعلق بحضارة البربر بوجه عام".
ويرى الباحث أن الأمازيغيين خاضوا الحرب ضد الفراعنة المصريين، ولكنهم انهزموا معهم في عدة معارك طاحنة انتهت بأسر مجموعة من البربر،" وكان هؤلاء البربر طالما حاربوا المصريين فغزوا بلاد مصر وقتلوا من قتلوا وأسروا وسبوا وغنموا، وفي عهد فرعون عصر منوفتاح تألب البربر ومن انضم إليهم من سكان الأقطار الواقعة على سواحل البحر المتوسط وأرادوا القضاء على سلطان مصر وهيمنة المصريين وانتهت هذه المشادة المسلحة بانتصار المصريين".
ومن يقرأ صفحات تاريخ الليبيين فسيفاجأ بحقيقة مرة، وهي أنهم لم ينتصروا أبدا على المصريين، لذا، كان الليبيون يشعرون بإحساس الخزي والندم والعتاب والفشل بعد هزائمهم المتكررة أمام الجيوش المصرية العتيدة وخاصة في عهد رمسيس الثالث الذي لقنهم دروسا لاتنسى في المقاومة والبطولة والتحدي، وأسر الكثير من الجنود الليبيين، و" كان مصير هؤلاء الأسرى أن وسموا باسم الملك وأرسلوا ليستخدموا في الجيش بينما أرسل منهم للعناية بقطعان أحد المعابد.
وهكذا انتهت آخر غزوة ليبية كبرى لمصر وكان الانتصار الحاسم الذي حققه رمسيس الثالث كافيا لبث الذعر في قلوب الليبيين من حدود مصر حتى" المنحنى العظيم"( بداية خليج سرت). وتيقن الليبيون أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام المصريين في الحرب.
ولكن بالرغم من كل ماجرى استمر الليبيون في التسلل إلى الدلتا بأعداد صغيرة واستقروا فيها على صورة جاليات. وتمكنوا في النهاية أن يحققوا سلما ما فشلوا في تحقيقه حربا، ألا وهو ارتقاء العرش المصري.".
وقد بينت النقوش والوثائق التاريخية والأنتروبولوجية بأن البرابرة عرفوا حضارة مزدهرة في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والإدارية وفيما يخص العمارة والمعارف والفنون والآداب، وربما تكون الحضارة البربرية من أقدم الحضارات الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط، وربما تكون أسبق من الحضارة الفرعونية، فكثير من الديانات المصرية ذات أصول بربرية ، فالعديد من"الأرباب والمعتقدات التي كان يعتقد أنها مصرية كأمون وأوزيريس، وإيزيس، وتفنوت، وست، ونفتيس، وبس، وكنت أوقدش، ونيث، ووخ، وأش؛ يظهر أن أصلها أمازيغي".
وتظهر لنا الوثائق والنقوش بأن هناك صراعا حضاريا بين السلالة الفرعونية المعروفة ببناء الأهرام، والسلالة الأمازيغية التي فرضت نفسها حضاريا بمجموعة من الإنجازات المادية والمعنوية. لذا، نجد من يعلي من شأن المصريين ، وفي المقابل نلفي من يعلي من شأن البرابرة، ويعتبرونهم أسبق حضارة من المصريين، وأنهم هم الذين مهدوا للحضارة الفرعونية لكي تزدهر أيما ازدهار عندما اختلطت السلالات المصرية مع السلالات الأمازيغية.
وتظهر لنا تلك العلاقات – يقول عثمان الكعاك- التي كانت تقوم "بين البربر والمصريين كعلاقات بين قبائل مترحلة شبيهة بالمتحضرة وأمة قد بلغت درجة راقية من الحضارة، ويفسر هذا بأن العلماء قد بحثوا حضارة المصريين ولم يبحثوا حضارة البربر، فالمرء يحتاج إلى زيادة تنقيب لنعلم بالضبط ماذا كانت حضارة البربر في تلك العصور، إذ إن نظرة عميقة في أحوال الشعبين تدلنا على مشابهة بين الحضارتين وألفة بين خصائص الأمتين، على أن الحفريات الأولى التي أجريت على حدود برقة في التخوم الليبية تدل على أن الحضارة الأولى مصدرها البربر وقفوا في حين ما، عند مستوى معين من الحضارة، بينما المصريون الذين أخذوا عنهم سبقوهم في هذا الميدان بمراحل، فتفسيره أن موطن البربر ضعيف اقتصاديا وموطن المصريين قد أخصبه النيل، فانبرى المصريون إلى الأمام بفضل هذا اللون من الحضارة النهرية وبقي البربر مكانهم في رمال الصحراء."
ونصل من كل هذا إلى أن الملك الأمازيغي شيشنيق هو المؤسس الفعلي للأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي ستبني حضارتها ومدنيتها على أكتاف الأمازيغيين وجنودهم الأشاوس الذين قدموا من ليبيا فرارا من المجاعة وضراوة الجفاف ووعورة حياة الصحراء بحثا عن العمل وحياة الاستقرار.

@@@@@@@@@@@@
شكرا لك وبارك الله فيك
@@ لك مني أجمل تحية @@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.