تخطى إلى المحتوى

حديث اللهم أعني على ذكرك وشكرك 2024.

  • بواسطة

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد :

أرجو الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا فيما نقول ونسمع ، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا يوم لقاء الله سبحانه وتعالى ، وكلمتي في هذه الوقفة – أيها الإخوة – في دعوة تناسب هذا المقام ؛ مقام الفراغ من أداء هذه الصلاة العظيمة التي أكرمنا الله جل وعلا ومنَّ علينا بأدائها ، وتفضَّل علينا بأن جعلنا من أهلها .

وهي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي علَّمها لمعاذ بن جبل ؛ قال :

((يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) ؛

وهذه الدعوة مناسبة في هذا الموضع – أدبار الصلوات – تمام المناسبة ؛ لأنك أيها المسلم قد منَّ الله عليك وأكرمك ويسَّر لك المجيء لأداء هذه الصلاة ، وتفضَّل عليك بأن جعلك من أهلها ؛ وهذه منة الله عليك ، وإلا فإن الأرض مليئة بمن لا يشهدون الصلاة ، والذين يشهدونها قلة ، فالله جل وعلا أكرمك من بين هؤلاء ويسَّر لك أن جعلك من أهل الصلاة ، وإلا كم من أناس لا يسمعون الأذان أصلاً ولا يعبئون به ، وكم من أناس يسمعون ولا يجيبون

{ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى } [القيامة:31] .

فهذه منة الله { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } [النور:21 )

وإذا استشعرت هذه المنة وهذا الفضل الذي حباك الله سبحانه وتعالى به فتوجه إلى الله بطلب العون والمد ؛ لأن العون بيده والتوفيق بيده جل وعلا ، فكلما فرغتَ من الصلاة في دبرها تدعو بهذه الدعوة :

[اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ]

والاستعانة وسيلة ، والعبادة غاية ؛ قال تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] ،

ولا يمكن أن يُظفر بالغاية بدون الوسيلة ؛ الغاية : العبادة ، والوسيلة : الإعانة ، ولهذا جمع الله بينهما قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }وفي القرآن قال : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود:123] ،

في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) ؛ أي اطلب العون من الله سبحانه وتعالى ؛ ولهذا شُرع لنا إذا نوديَ للصلاة " حي على الصلاة حي على الفلاح " أن نستعين بالله قائلين : " لا حول ولا قوة إلا بالله " ؛ لأن هذه كلمة استعانة – طلب عون – ، وشُرع لنا إذا خرجنا من المنزل لأي مصلحة دينية أو دنيوية أن نقول : " بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله " نطلب العون ، وكل هذه الكلمات الثلاث – بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله – كلها كلمات استعانة بالله تبارك وتعالى .

ثم تأمل هذه الأمور الثلاثة التي خُصَّت بالذكر هنا [أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ] ؛ فكل واحدة من هذه الثلاثة شأنها عظيم ، ولا يمكن أن تكون من أهلها إلا إذا أعانك الله .

وكم هي الأمور التي تشغل الناس وتصرفهم عن ذكر الله !! والله يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [الأحزاب:41-42] ،

ويجد الإنسان نفسه قد فوجئ بانتهاء اليوم والثاني والثالث والرابع ؛ وهو فيها قليل الذكر لله جل وعلا ، فيحتاج العبد إلى مد الله وعونه وأن يسأل الله جل وعلا بصدق (( أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ )) .

(( وَشُكْرِكَ )) : شكرُ الله على نعمه ؛ ونِعم الله عليك لا تُعد ولا تُحصى { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النحل:53] ،

{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [النحل:18] ؛

النعمُ كثيرة والشكر قليل [{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ:13]حتى تنهض في حياتك وتكون من الشاكرين سل الله أن يعينك على ذلك ((اللهم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ )) .

(( وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) ؛ وتأمل هنا لم يقل "وعبادتك" ؛ قال (( وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) : لأن العبادة لا تُقبل إلا إذا اتصفت بالحُسن ، ولا تكون العبادة متصفةً بالحسن إلا إذا اجتمع فيها أمران :

الإخلاص للمعبود .

• والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .

ولهذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} [الملك:2] :

أخلصه وأصوبه – هذا معنى قوله { أحسن عملاً} –

قيل : يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه ؟ قال : " إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على السنة " . وهذا الأصلان اجتمعا في قولك في الدعاء : (( وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) .

ثم تنبه أيها المسلم :

إذا دعوتَ الله بهذه الدعوة دبر الصلاة (( اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) أتبِع الدعاء بالسبب ، ابذل السبب لتكون ذاكراً ، لتكون شاكراً ، لتكون محسِناً في عبادتك لله تبارك وتعالى؛ فإذا اجتمع لك الأمران : طلب العون ، وبذل الأسباب ؛ فُزت بخيري الدنيا والآخرة ، وحققتَ قول نبينا عليه الصلاة والسلام : ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزَنّ)) .

أسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على رسول الله .


من موقع الشيخ عبد الرزاق البدر – قسم كلمات –

أخي الكريم بارك الله فيك

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.