ان تعلق المصريين بالزعيم الراحل كما يسمونه جمال عبد الناصر لا يخفى على احد و صيته كأب روحي و زعيم حديث للمصريين لا يكاد يختلف عليه اثنان من المفكرين و الصحفيين و المثقفين المصريين الحاليين
لو ظهر هذا النموذج نموذج عبد الناصر عند الغربيين فانا اجزم و بشدة انه سيمحى من قائمة الزعماء و ستخجل الاجيال المتلاحقة بذكر اسمه و لن تشفع له عندهم انجازاته
لسبب بسيط لأن عبد الناصر قام بسحق و بسادية كبيرة ما يزيد عن ثلاثين الف شخص مصري و ربما اكثر من مواطنيه و تحويل مصر جحيما لهم اثناء فترة حكمه و ذلك بسبب انتماءاتهم السياسية
بالنسبة للطبقة المثقفة المصرية و لعشاق عبد الناصر ..فان الرجل لم يظلمهم اذ انهم كانوا هم الجناة بيد انهم كانوا يطمحون لقلب نظام الحكم و حتى لقتله
و للبعض الاخر يعتبرون الامر سوى خطأ من اخطاء الثورة و فعل لابد منه و يجب ان نغفره للرجل
حجج مردودة اذ ان العدد هائل و طريقة التنكيل رهيبة و رهيبة جدا و الامر لا يتعلق باشخاص من خارج مصر او عسكريين بل مدنيين و من مختلف الفئات بل من خيرة مواطنيه …فحجة محاولة قلب نظلم الحكم لا تبرر اطلاقا الانتقام و الردع بتلك الوحشية و معاقبة الكل بذنب الجزء في بلد القانون و الوطنية و في عهد زعيم يعتبره المصريون هرما من اهرامات مصر
و الغاية لا تبرر الوسيلة و الزعامة لا تتلاقى ابدا مع الظلم و الترهيب ….و الدولة لا تقوم على اساس متين اذا فرطت في ظلم مواطن واحد فكيف بالاف المقهورين
هذا اذا افترضنا صحة الحجج
فمثقفوا المانيا و نخبها الحالية لا تتوانى ان تصف هتلر بالاجرام رغم وطنيته و حبه للالمان و هم يخجلون بذكر اسمه ….و هو رد فعل منطقي جعل من المانيا دولة عظمى بعد هتلر و في وقت وجيز
جمال عبد الناصر يبقى حاكما عربيا له ماله و عليه ما عليه …لكن ما لا يرفضه العقل السليم ان يرفعه اخواننا المصريون الى درجة العبقرية و النباغة و الزعامة مفضلين الدوس و بقوة على الالاف من ضحاياه و صحيفة طويلة تؤدي به حتما الى مصاف المجرمين
خاصة ممن يحسبون على النخبة و من المثقفين ….
فعندما نسمع مثلا حسنين هيكل يجعل من الريس كما يسميه بطلا و داهية وطنيا و يبدي تاثره به الى حد كبير رغم ما يعرفه و بالتاكيد عن الالاف ممن سحقهم عبد الناصر فاننا نشعر ان مصر و العالم العربي ككل لا يزال يعاني من قصر في التفكير و لا يزال لم يرق الى الموضوعية في معانى المواطنة و الزعامة و بلد القانون
و لا يستحق بالمقابل سوى شخصا كعبد الناصر يدك نصف الشعب ليسجد النصف الباقي له و بحب و اعجاب شديدين