لم يكن طريقنا إلى مدينة المدية خال من المناظر الخلابة . طريق ملتوية تأبى ألا نفارقها, بل تجرنا عنوة لننظر محدقين لما حولها, من سهول و هضاب, و جبال توشحت و ترصعت بأشجار و نباتات خضراء, حتى أشعة الشمس الذهبية تسدل تبرها على شوارع المدينة التي تحتضننا و كأننا ما قالينا بيوتنا .و على بعد أمتار من باب الأقواس رمز تاريخها , و بين أحد أحياءها العتيقة , التي طالها التمدن و التحضر. حيث يسكن أستاذ الرياضيات جابر الإنسان السمح, الحنون, الهادئ, ملك قلوب الناس بروحه الطيبة, و أخلاقه الفاضلة, و ثقافته الواسعة. يكفيك أن تذكر اسمه صدفة ليعرفك به جميع الناس, و يذكرك بخصاله الحميدة, و تواضعه للصغير و الكبير; و بابتسامته المعهودة, و حزمه و جديته معهم. و عمله الذي أفنى حياته كلها ليعلمهم أسس الرياضيات و مبادئها لا تثنيه عن القيام بواجبه شدائد الحياة و مشاغلها ألفه طلابه أيم أُلفة لا تكاد تفارقهم ابتسامته التي ارتسمت على شفتيه و مبعث رنين صوته الهادئ و نظراته الثاقبة المتطلعة إلى بناء فجر المستقبل قلما تجده متأخرا عن عمله حتى أن الكسل اشمأز منه لحركته الدؤوبة و نشاطه الفياض حتى صار مضرب المثل في ثانويته بل في كل الثانويات المجاورة لمل حققه طلابه من نتائج باهرة و اليوم و قد أنهكته السنون و أشرف على أبواب التقاعد فقدت الثانوية رمزا من رموزها مما جعل الحزن يخيم على أصدقائه الأساتذة بفقدانهم أعز صديق لديهم و حتى أبو الياس مدير الثانوية إنظم إليهم.