عبدالله السعيد
كأيِّ عملٍ من الأعمال هي الدعوة إلى الله؛ تمر بمراحل مراجعة وتقييم، وتصحيح وتقويم، ويُعَدُّ هذا من ضروريات استمرار العمل ونجاحه، ولا فكاك لأي عمل أو عامل يريد التميُّز من الخضوع لمعايير التقييم؛ فهي الكفيلة – بحول الله – بالتبصير بمواطن القوة والضعف ومواقع الخلل؛ إن وُجِد.
والتقييم على ضربين اثنين يتداخلان ويتباينان:
أَوَّلُهما: تقييم العمل ذاتِه.
وثانيُهما: تقييم العاملين.
ولا شك أن التقييم لأحدهما يستلزم المرور بقرينه، غير أنني أودُّ أن أركِّز القول على ثانيَ الإثنين؛ وهو: تقييم العاملين؛ فكم نحن بحاجة ماسَّة إلى تقييمٍ عادلٍِ متزن للذين يشاركوننا العمل والهمَّ، ودواعي التقييم كثيرةٌ، لعل من أهمِّها:
أولاً: معرفة العاملين معرفةً جيدة: حتى لا يُظلَم أحد بسوء معرفتنا له؛ فيوضع في غيـر مكـانه أو يُقحَـم فيمـا لا يجيـد ويُحسِن؛ فيتضرر هو والعمل كذلك. وكان هذا هديه – صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كان يعرف أصحـابَه معـرفة جعلتـه يوظـف طاقاتهم في أجود ما يمكن أن تُستَغلَّ فيه. وشواهد ذلك تربو على الحصر.
ثانياً: تحديد الجوانب التي تستلزم التطوير والرقي: فقد أخذت الدعوة على كاهلها تطويَر العاملين، وتدريبَهم، وتنميةَ شخصياتهم، وتأهيلَهم للقيادة المتميزة لمجتمعاتهم؛ فكيف نمارس التطوير على شخصيات لا نعرف جوانب ضعفها وقوَّتها، أو حاجتها من عدمها؟ ولأجل التقصير في هذا الجانب أصبح التدريب والتطوير لا يؤدي دورَه ولا يؤتي نتائجه المرجوَّة من ورائه.
وهناك دواعٍ كثيرةٌ لا تخفى على كل عامل في مثل هذه المجالات؛ ولأجل هذا كان لزاماً على كل من يقوم بالتقييم ويمارسه على أيٍّ مِنَ العاملين أن يضبط نفسه بضوابط ومحدِّدات، أذكر منها:
1 – التحرز من الغيبة :فأعراض الناس حفرة وقف على شفيرها العلماء والحكام، والتوسع في النقد والتقييم قد يُدخِـل في سياج الغيبة، ولا يدرك المرء نفسه إلا وهو يتخبط في أعراض إخوانه من الدعاة؛ وإذا أصبحت الغيبة هي مادة النقد والتقييم، فقد فسد التقييم من أصله؛ فكيف بنتائجه؟
2 – التقييم بناءً على العدل والصدق المبني على المعطيات الصحيحة والدقيقة: من معرفة الإيجابيات والسلبيات فيما يتعلق بعمل العامل وصفاته المؤثِّرة في عملـه. أما عـدم الارتياح فليـس مقياساً وحكمـاً على الناس وأعمالهم، والاستحسان كذلك وإن أعملـه بعض الفقهاء في بعض المسائل؛ إلا أنه لا مجال له هنا، ولو فُتِح هذا الباب لولج معه كلُّ ذي هوى، وظُلِم معه صاحب المنزلة الرفيعة.
3 – التقييم لا يعني الوقوفَ على جوانب الضعف فقط: وهذا ما يستهوي كثيراً منا حتى مع أنفسنا، بل لا بد من الجمع بعدل بين كل الجوانب: من ضعف وقوة، وحُسْنٍ وسوء، وجيِّد وأجود؛ وبهذا نستطيع أن نقول حقاً في فلان، وأن تكون قراراتنا وتصرفاتنا مع العاملين ذات منطقية ومصداقية عالية.
4 – عدم تناسي الفضائل؛ وإن تقادم عهدها: وهذه مثل سابقتها؛ إلا أنها فيما قد مرَّ عليه زمن؛ إذ هو عُرْضة للنسيان، فينبغي النظر أثناء التقييم إلى الحسنات الماضية وعدم تجاهلها أو تناسيها؛ فإن من العاملين من لهم قصب السبق في بعض الأعمال، ولهم أثر واضح بيِّن في سنين خوالٍ لم يعمل فيها إلا القلة القليلة؛ فمن الظلم أن تُنسَى وتُدثَّر بدثار واجب النقد والمصارحة؛ فقد عفا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حاطب بفضيلة مشاركته في بدر؛ وقد فعل ما فعل، رضي الله عنه وأرضاه.
5 – اعتبار جميع المقاييس في التقييم: تلك التي لها صلة بالعمل، مثل: سلامة المنهج، والجودة والإتقان في الأداء، والسمع والطاعة، والحرص على الرؤية الشمولية للعمل، والانضباط… وغيرِها كثير. ومما يُشين التقييم ويُخضِعُه للأهواء: التقييم على أساس عنصر واحد من هذه آنفة الذكر؛ فمثلاً: لأن هذا الشخص يسمع ويطيع، وأينما نوجِّهه يتوجه، فإننا نرضى عنه وندنيه؛ حتى لكأنه الأميز بين العاملين. وهذا خطأ فادح؛ وإن كانت الطاعة أمرٌ مهمٌّ إلا أنها لا تكفي دون غيرها كما أن غيرها لا يكفي دونها.
6 – عدم اعتماد الرؤية الفردية في التقييم: ففي بعض الأعمال الدعوية المشتركة يحصل أن فلاناً قال في فلان: كذا، أو قيَّمه بكذا، أو لم يُبدِ له الارتياح الكافي للرضا عنه. فيبني الجميع مواقفهم وآراءهم تبعاً لذلك. وهذا طبعٌ للعمل الجماعي بطابع الفردية المقيتة؛ فهو جماعي مشترك في الشكل، فردي في الحقيقة، ولا فائدة حينئذٍ من التقييم.
ختاماً: ليتذكر كلُّ من نصَّب نفسه للتقييم أن الله لم يتعبَّده بذلك؛ وإنما كان التقييم وسيلة وليس غاية يسعى إليها، ولكن يؤخذ منها بِقَدْر؛ فلا حاجة للتكلُّف في هذه الوسيلة أكثر من قَدْر الحـاجة إليهـا. ولعـل فيمـا ذُكِر إيضـاح لِـمَا أردت بيانه؛ وما هي إلا مجرد إشارات على طريق العاملين في هذا الميدان المبارك، بارك الله في الجهود وسدَّد الخطى.
المصدر : موقع مجلة البيان
بارك الله فيك